البلاغة
الإيجاز والإطناب
فضيلة الشيخ :زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلنا فيما سبق :
إن ما يختلج في الصدر من المعاني لا يعدو التعبير عنه طريقا من طرق ثلاث:
إما الإيجاز
وإما الإطناب
وإما المساواة
وتحدثنا عن الإيجاز :
إيجاز القصر
وتحدثنا عن إيجاز الحذف بشيء يسير
ومعنى : إيجاز الحذف :
أن يحذف شيء من العبارة بما لا يخل بالمقصود مع وجود قرينة تدل على المحذوف
والمحذوفات كثيرة :
قلنا إما أن يكون:
حرفا
أو مضافا
أو مضافا إليه
ومثلنا على كل فقرة
الفقرة الرابعة :
أن يكون المحذوف اسما موصوفا :
كقوله جل وعلا :
((إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً))
فصالحا صفة
أين الموصوف ؟
محذوف
أصل الكلام : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا
فعملا : هو الموصوف
وإما أن يكون المحذوف هو العكس :
أن تحذف الصفة :
مثاله :
((فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ))
أصل الكلام :
فزادتهم رجسا مضافا إلى رجسهم
فرجسا هو الموصوف
ومضافا : هو الصفة
وإما أن يكون المحذوف :
جواب شرط :
ــــــــــــــــــــ
((وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ))
فـ” لو “ من أدوات الشرط :
وفعل الشرط : ترى
الجواب : محذوف ، وتقديره : أي : لرأيت أمرا فظيعا
وفائدة عرضية :
جواب الشرط إذا حذف يدل على فظاعة الأمر ، فإن جواب الشرط حذف لعدم إيفائه بالصورة الفظيعة .
وقد يكون المحذوف :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسندا :
ــــــــــــــ
ما هو المسند ؟
قام زيد :
أين المسند والمسند إليه ؟
قام : مسند
زيد : مسند إليه
قد يكون المحذوف مسندا :
((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ))
أين المسند ؟
محذوف ، تقديره : خلقنا الله
وقد يكو ن المحذو ف:
مسندا إليه :
كقول الشاعر:
أَمَاوِيُ ما يغني الثراءُ عن الفتى
إذا حشرجتْ يوما وضاقَ بها الصدرُ
أي إذا حشرجت ماذا ؟
النفس
وقد يكون المحذوف متعلقا :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }
عما يفعل متعلق بماذا ؟
لا يسأل عما يفعل
فأما يفعل متعلق بـ” يسأل “
أين متعلق يسألون ؟
أي وهم يسألون عما يفعلون
وقد يكون المحذوف جملة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثاله :
قال تعالى :
((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ))
أين الجملة المحذوفة ؟
((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ )) ــــ فاختلفوا
الفعل الماضي مع واو الجماعة جملة
وقد يكون المحذوف جملا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى :
((أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ{45} يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ))
فيه جمل محذوفة : أي فأرسلوني إلى يوسف لأستعبر الرؤيا فأرسلوه فأتاه وقال له :
((يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ))
وهذا أكثر : أعني حذف الجمل أكثر ما يرد في كتاب الله عز وجل إذ هو غاية الفصاحة
أما الطريق الثاني :
نأخذ منه بعض الشيء :
وهو الإطناب :
وهو أن يزاد في اللفظ على المعنى لفائدة يراد منها تقويته أو توكيده
ويتضح هذا بالأمثلة الآتية :
فإن لم تكن فائدة سمي تطويلا أو حشوا
وهذا معيب في البيان
أقسام الإطناب :
كثيرة نأخذ شيئا منها :
وهذه الأمثلة تكون دليلا لنا على معرفة أقسام أخرى عند التأمل في السياق
وهذه الأقسام ليست بغريبة عليكم قد مرت ولكنها مرت دون أن تُنسب
من بين أنواع الإطناب :
الحروف الزائدة :
مثاله :
قوله تعالى :
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ))
تذكرون أن : ما تزاد على بعض حروف الجر : (( عما قليل )) زيدت
مع من : ((هل من خالق ))
ولا تكفها عن العمل
ولذا هنا ماذا صنعت في رحمة ؟
جرتها ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ))
إذاً تزاد مع عن ومع من ومع الباء فلا تكفها عن العمل
ورب : يجوز الأمران إعمالها وإهمالها
أما بقية الحروف فتكفها عن العمل
على كل حال :
هذه مسألة نحوية لكني أقول : إنها زيدت هنا لفائدة تقوية الكلام : ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ ))
أصلها : فبرحمة
مر معنا في البلاغة من أنواع التوكيد : الحروف الزائدة
الحروف الزائدة:
تؤكد الكلام بقطع النظر عن العمل
معنى الحرف وفائدته يتحدث عنه أهل البلاغة
أما فعل الحرف يتحدث عنه أهل النحو
ومن أنواع الإطناب :
ذكر الخاص بعد العام :
مثل :
((حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى))
لو قال : حافظوا على الصلوات ألا يتم المقصود ؟
بلى
لكن زاد اللفظ عن المعنى وزيد لفائدة
وفائدة ذكر الخاص بعد العام :
التنبيه على مزية الخاص كأنه لفضله ولقدره جزء منفصل مغاير لما قبله
ومن أقسام الإطناب :
ذكر العام بعد الخاص:
(({وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }))
السبع المثاني كما فسرها النبي عليه الصلاة والسلام عند البخاري بأنها الفاتحة وهي من القرآن
ما الفائدة ؟
أولا :
للاهتمام بهذا الخاص أي بسورة الفاتحة
ثانيا :
أن يشمل هذا العام كل أفراده
بمعنى : أن هذه السورة ليست خارجة عن هذا العام
ومن أنواع الإطناب :
الإيضاح بعد الإبهام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى :
((وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ))
((وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ))
الأمر هنا مبهم
ما هو هذا الأمر؟
فسر بما بعده:
((أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ))
ما الفائدة ؟
التفخيم
والتعظيم لهذا المعنى الذي ذكر مرتين : مرة مبهما ، ومرة موضحا .