تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس الأول ــ من الحديث (1 ــ 28)

تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس الأول ــ من الحديث (1 ــ 28)

مشاهدات: 664

تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس الأول

من الحديث (1 ــ 28)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

هذه سنن أبي داود رحمه الله ، نستعين بالله سبحانه وتعالى في شرحها ، ولن أقف عند كل جزئية من كل حديث كما هو المُتبع سابقا ، وإنما أذكر أبرز الفوائد المتعلقة بهذه الأحاديث ، لأنها أحاديث كثيرة .

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

 

كتاب الطهارة

  • باب التَّخَلِّى عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

 

 

الحديث رقم – 1 –

(عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ. ) .

قال الشيخ الألباني: [ حسن صحيح ] .

الشرح :

هذا الحديث الذي ذكره الإمام أبو داود رحمه الله من فوائده :

أن السنة في قضاء الحاجة أن يبعد الإنسان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

الحديث رقم – 2-

 

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ.) .

قال الشيخ الألباني : صحيح .

الشرح

البراز / هو موضع قضاء الحاجة ، وهذا الحديث يُبين ما أُبهم في الحديث السابق ، فإن في الحديث السابق دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعد أثناء قضاء الحاجة ، ما ضابط هذا البعد ؟ ما ذُكر في حديث جابر رضي الله عنه ، بحيث لا يراه أحد ، وهذا في أصله سنة كما قلنا ، ولكن إذا كان يراه أحد فإن الواجب أن يبتعد حتى لا يُرى .

 

2 – باب الرَّجُلِ يَتَبَوَّأُ لِبَوْلِهِ

الحديث رقم –3-

 

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ حَدَّثَنِى شَيْخٌ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْبَصْرَةَ فَكَانَ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِى مُوسَى فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَبِى مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى إِنِّى كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا فِى أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ ثُمَّ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا ».) .
قال الشيخ الألباني : ضعيف .

 

الشرح :

هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ، وقد أخذ به فقهاء الحنابلة ، ويُستدل بهذا الحديث على ما ذكروه : من أن السنة إذا أراد أن يقضي حاجته أن يتخذ مكانا رخوا ، بحيث لا ينتشر عليه بوله ، فيما لو كانت الأرض صلبة ، فإذا كانت رطبة فإن البول لا يرتد عليه ، وهذا من حيث المعنى مقبول ، لكن من حيث الاستدلال بهذا الحديث فغير مقبول لأن الضعيف لا تقوم به حجة .

 

3 – باب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ.

 

 

حديث رقم -4-

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ – قَالَ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ ». وَقَالَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ – قَالَ « أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ».

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

حديث رقم -5-

 

 

عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ – هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ – عَنْ أَنَسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ ». وَقَالَ شُعْبَةُ وَقَالَ مَرَّةً « أَعُوذُ بِاللَّهِ ». وَقَالَ وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ « فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ ».

 

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

 

من السنة إذا أراد المسلم أن يأتي إلى الخلاء أن يقول هذا الذكر ، فيستعيذ بالله من شر [ الخُبُث ] الذي هو الشر ، ومن [ الخبائث ] الذين هم الشياطين ، فاستعاذ بالله عز وجل من الشر وأهله .

 

حديث رقم -6-

 

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ».

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

يستفاد من هذا الحديث :أن ذكر الدعاء السابق لسبب ، ما هو السبب ؟ مذكور في هذا الحديث ( إن هذه الحشوش محتضرة ) يعني يحضر فيها الشياطين ، فمن أجل ذلك إذا دخل الخلاء يقول هذا الذكر .

 

ومن الفوائد :

من هذا الحديث على وجه الخصوص :

أن هذا الدعاء يقال في البنيان والصحراء ، فمتى ما أراد الخلاء فليقل هذا الذكر .

 

4 – باب كَرَاهِيَةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.

 

 

الحديث رقم -7-

 

7 – حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قِيلَ لَهُ لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَىْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ. قَالَ أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَأَنْ لاَ نَسْتَنْجِىَ بِالْيَمِينِ وَأَنْ لاَ يَسْتَنْجِىَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ يَسْتَنْجِىَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ.

 

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

هذا الحديث يستفاد منه :

أن الاستنجاء باليمين ، وأن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار ، وأن استقبال القبلة أثناء البول أو الغائط ، منهي عنه .

 

ومن الفوائد :

استدل بعض العلماء بهذا الحديث على تحريم استقبال القبلة ببول أو غائط في صحراء أو في بنيان .

 

ومن الفوائد :

استدل به بعض العلماء على أن الاستنجاء باليمين محرم ، لأن النهي يقتضي التحريم ما لم يأت صارف يصرفه ، بينما جمهور العلماء يرون أنه من قبيل الاستحباب لأنه يتعلق بالآداب .

 

ومن الفوائد :

استدل بهذا الحديث من قال : بأن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار محرم وغير كافٍ وغير مجزئ .

 

ومن الفوائد :

استدل بهذا الحديث على أن الاستجمار بالعظم ورجيع الدواب أنه غير مجزئ في الاستجمار .

وما ذُكر مما استدل به هو الصواب إلا المسألة الأولى وهي مسألة استقبال القبلة ببول أو غائط ، فإن فيها كلاماً طويلاً سيأتي إن شاء الله تعالى في ضمن الأحاديث الأخرى .

 

حديث رقم -8-

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا وَلاَ يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ ». وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ.) .

قال الشيخ الألباني : حسن .

 

الشرح :

الرِّمة هي : من الرميم وهي العظم , وما ذُكر من فوائد في الحديث السابق يُذكر هنا .

 

ومما يستفاد من هذا الحديث :

 

أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر والدا لنا ، ولذلك قال تعالى : { َوأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } الأحزاب6 ، وفي قراءة { وهو أب لهم } فهو في مقام الأب الذي يحرص على أمته ، فتعتبر الأمة أولادا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث الاهتمام لا من حيث أبوة النسب { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } الأحزاب40 .

 

حديث رقم -9-

 

عَنْ أَبِى أَيُّوبَ رِوَايَةً قَالَ « إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا ». فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَكُنَّا نَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.)

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

يستفاد من هذا الحديث :

استدل بهذا الحديث بعض العلماء الذين قالوا : بأن استقبال القبلة في البنيان حرام ، لصنيع أبي أيوب ومن معه .

 

ومن الفوائد :

أن الاستقبال والاستدبار المنهي عنه قيِّد بقول ( ببول أو غائط ) فدل على أن قول من يقول : بأن الاستقبال والاستدبار للكعبة منهي عنه من أجل العورة غير صحيح ، ومن ثم فإنه لا يجوز له أن يجامع زوجته وهو مستقبل أو مستدبر الكعبة عندهم ، فدل على أن هذا القول مرجوح وأن الراجح ما قيد في الحديث من أن الاستقبال والاستدبار إنما هو للبول والغائط .

 

ومن الفوائد :

استدل بهذا الحديث بعض العلماء على أن الإنسان له أن يذكر الله سبحانه وتعالى في الخلاء فيما لو سمع الأذان فأراد أن يتابعه ، وفيما لو عطس فحمد الله ، استدلوا بفعل الصحابة ( فننحرف عنها ونستغفر الله ) استدلوا بهذا الحديث على أنه استغفار وذكر قلبي وهذا يُسلم لهم فيما لو كان الاستغفار الحاصل من الصحابة داخل الخلاء ، ربما يكون خارج الخلاء ، لكن كونه يربط رضي الله عنه فيقول ( فننحرف ) الانحراف حاصل داخل الخلاء أم خارجه ؟ في الداخل ( فننحرف عنها ونستغفر الله ) دل على أن الاستغفار هنا داخل الخلاء .

 

ومن الفوائد :

أن الانحراف المقبول هو الانحراف الكثير أما الانحراف اليسير الذي لا يدل على أن الإنسان منحرف فإنه داخل ضمن النهي .

 

حديث رقم -10-

 

عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِى مَعْقِلٍ الأَسَدِىِّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو زَيْدٍ هُوَ مَوْلَى بَنِى ثَعْلَبَةَ.

الشرح :

هذا الحديث حكم عليه الألباني رحمه الله بأنه ( منكر ) وحُق له أن يكون منكرا ، لم ؟ لأن في حديث أبي أيوب السابق قال ( ولكن شرقوا أو غربوا ) وهذا الحديث وهو حديث أبي أيوب موجه إلى أهل المدينة ، لأن قبلتهم جهة الجنوب ، فهم إما يشرقون وإما يغربون .

 

فهذا الحديث منكر لأنه يخالف حديث أبي أيوب ، لأنه ذكر هنا ( نهي أن تستقبل القبلتين ) أي المقدس والكعبة ، ومعلوم أن الشام في جهة مغرب المدينة ، فكيف يكون هذا النهي ؟! فدل على أن حديث منكر .

 

حديث رقم -11-

 

11 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِىَ عَنْ هَذَا قَالَ بَلَى إِنَّمَا نُهِىَ عَنْ ذَلِكَ فِى الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَىْءٌ يَسْتُرُكَ فَلاَ بَأْسَ.

قال الشيخ الألباني : حسن .

 

الشرح :

 

هذا الفعل من ابن عمر رضي الله عنهما يدل على أنه إذا كان بينك وبين القبلة شيء ، أنه يجوز استقبالها واستدبارها ، وهذا استدل به من قال من العلماء : إن استقبال القبلة واستدبارها في البنيان جائز .

 

وشيخ الإسلام رحمه الله  :

يرى التحريم مطلقا في البنيان وفي الصحراء ، ويقول رحمه الله : لو قلنا بأن الحاجز هو المانع لقلنا إن الذي يقضي حاجته في الصحراء أمامه جبال وأودية وشواهق فهي حوائل ومع ذلك نهى الشرع عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء ، ولكن قوله رحمه الله من حيث المعنى مقبول ، ولكن يقال : إن الشرع فرَّق بين الحائل القريب وبين الحائل البعيد .

 

5- باب الرخصة في ذلك

 

حديث رقم -12-

 

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَقَدِ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ).

 قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

يستفاد من هذا الحديث :

 

الرد على الحديث السابق الذي حكم عليه بالنكارة ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس .

 

ومن الفوائد :

أن ابن عمر رضي الله عنهما سماه بيته مع أن الأحاديث الأخرى والروايات الأخرى قال ( بيت حفصة ) فهي أخته ، فنسب البيت إليه باعتبار أن أخته تسكنه ، ومن ثم فلا بأس أن يقول الإنسان لبيت أخته أنه بيته .

 

ومن الفوائد :

استدل بعض العلماء بهذا الحديث ، وهو حديث صريح ، استدل على أن الاستقبال والاستدبار للكعبة في البنيان جائز

 

بينما بعض العلماء : استدل به على أن الاستدبار جائز دون الاستقبال ، لأن الاستدبار أخف من الاستقبال ، لأنه إذا استقبل استقبل بقبله ودبره ، بينما استدل به بعض العلماء على أن هذا الحديث خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومما يرد على من قال بهذا القول الأخير ، مما يرد عليه ما ذكره أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه لما أناخ راحته استقبل القبلة ) فدل هذا على أن ابن عمر رضي الله عنهما ما فهم الخصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

 حديث رقم -13-

 

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَهَى نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا.))

 

الشرح :

هذا الحديث ربما يستدل به على أن الاستقبال في البيان والصحراء جائز ، فيكون هذا الحديث ناسخا للأحاديث الأخرى ، لأنه ذكر أن هذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُقبض بعام

 

لكن بعض العلماء لا يرى هذا ، ويقول : إن جابرا رضي الله عنه كان يفهم أن النهي على سبيل العموم في الصحراء وفي البنيان ، فعَلِم أن النهي إنما هو في الصحراء دون البنيان ، ولهذا يستدل بهذا الحديث من يقول: إن الاستقبال والاستدبار حال قضاء الحاجة جائز في البنيان دون الصحراء .

 

لو قال قائل : إن الحديث عام ، فلماذا خصصتم البنيان دون الصحراء؟

 

نقول : حديث المغيرة بن شعبة الأول وحديث جابر الثاني يدلان على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى في الصحراء .

 

ومن الفوائد :

أخذ بعض العلماء من جملة الأحاديث أن النهي للكراهة ، للجمع بين الأحاديث .

 

والصواب في هذا :

أن استقبال القبلة واستدبارها محرَّم في الصحراء ، أما البنيان فالأولى بالمسلم أن لا يستقبل ولا يستدبر الكعبة حال قضاء الحاجة ، ولذلك لو استقبلها شخص لا ينكر عليه إنكارا عظيما ، لكن يبين له أن الأولى أن لا يستقبل ولا يستدبر .

 

ومن الفوائد :

قلنا في حديث ابن عمر لما ارتقى على بيت حفصة رأى النبي صلى الله عليه وسلم ( مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة ) حديث جابر قررنا أنه في البنيان ، ومن ثم فإن حديث جابر يرد على مَنْ قال : إن حديث ابن عمر لما ارتقى على بيت حفصة ، أن النهي إنما هو عن الاستقبال ، وهو رأي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ،  فيقال : يُرد عليهم بهذا الحديث ، لأن حديث جابر نص على الاستقبال .

 

بابُ كيف التكشُّفِ عند الحاجة

 

 حديث رقم -14-

 

(( حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ.))

 

قال الشيخ الألباني : صحيح .

الشرح :

يستفاد من هذا الحديث :

 

أن السنة للمسلم إذا أراد أن يقضي حاجته في الصحراء أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض خيفة من أن يراه أحد وهو لا يشعر به ، لأنه إذا كان يعلم أن هناك أحدا هو قريب منه يجب عليه أن يتستر ، لكن من باب الزيادة في التستر أنه إذا كان في صحراء لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض

 

ومن الفوائد :

ما أشار إليه المؤلف رحمه الله [ باب التكشف عند الحاجة ] لأن بعض العلماء يقول : إذا كان الإنسان خاليا وليس عنده أحد أنه لا يحق له أن يتكشَّف وأن يظهر عورته ، لحديث سيأتي إن شاء الله وسأبيِّن ما يتعلق به ، فأراد أن يبين أن التكشَّف هنا ما جرى إلا من أجل حاجة .

 

بابُ كراهية الكلام [ عند الخلاء ]

 

حديث رقم -15-

(( عَنْ هِلاَلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ يَخْرُجُ الرَّجُلاَنِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ ».))

 

قال الشيخ الألباني : ضعيف .

 

الشرح:

هذا الحديث يصححه بعض العلماء ، وأظن أن الألباني رحمه الله رجع إلى تصحيحه ، فالألباني رحمه الله له كتاب [ تراجعات الألباني ] أظن أنه رجع إلى تصحيحه .

فهذا الحديث استدل به بعض العلماء : على أن الكلام أثناء قضاء الحاجة مكروه ، فلو طرق عليك طارقٌ باب الخلاء وأنت تقضي حاجتك فلا تجبه.

 

والصواب /:

لو صح هذا الحديث ، لأنه هناك من يصححه ، وضعفه كثير ، والصواب : أنه لو كان صحيحا لما اُقتصر الحكم على الكراهة كما ذهب إلى ذلك بعض فقهاء الحنابلة ، لما اقتصر على الكراهة بل تعدى إلى التحريم بل تعدى إلى أنه من كبائر الذنوب ، لم ؟ لأنه قال ( فإن الله يمقت ذلك ) أي يُبغض ، وإذا أبغض الله شيئا ففعله العبد ، دلَّ على أنه من الكبائر .

 

ثم لو صح لما كان الأمر محصورا في الكلام ( كلا ) إنما الحديث ذكر أمرين حتى يترتب عليه هذا العقاب ( أن يذهب الرجلان كاشفين عن عورتيهما) ويضيفان إلى ذلك الحديث .

8 – باب أَيَرُدُّ السَّلاَمَ وَهُوَ يَبُولُ

 

 

حديث رقم -16-

(عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرُوِىَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ.)

قال الشيخ الألباني : حسن .

 

الشرح :

هذا الحديث استدل به بعض العلماء : على أن المُسلِّم على المشغول أنه لا يستحق الجواب ، ولا يكون الجواب واجبا ، ولكن يرد عليهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه ، وقد علَّل بعلة في كونه لم يرد قال: ( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طُهر ) .

 

ومن الفوائد :

أن ذكر الله الأفضل في أحواله أن يكون على طهارة ، لكنه لا يلزم لحديث سيأتي إن شاء الله تعالى .

 

ومن الفوائد :

أن الجواب على المُسلِّم لو طال الفصل بينهما لا بأس به إذا كان هناك عذر.

 

ومن الفوائد :

ما ذهب إليه بعض العلماء من أن التيمم يكون مجزئا مع وجود الماء إذا كان هناك أمر طارئ يفوت بالوضوء ، لأنه قال ( تيمم ) مع أن الماء موجود ، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله : إن مَنْ خشي أن تفوته صلاة الجمعة فله أن يتيمم ولو مع وجود الماء ، وهذا هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله ويخالفه غيره  ، وأنا لا أريد ذِكر الأقوال الأخرى لأنه سيأتي معنا أحاديث إن شاء الله سواء في سنن أبي داود أو في السنن الأخرى أدلة لأصحاب الأقوال الأخرى .

 

 

حديث رقم -17-

 

(( عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ « إِنِّى كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ ». أَوْ قَالَ « عَلَى طَهَارَةٍ ».))

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

هذا الحديث بيّن ما أُبهم في الحديث السابق ، من أن هذا الرجل اسمه ( المهاجر بن قُنْفذ ) .

وبيًّن أن سبب عدم رد السلام ، قوله عليه الصلاة والسلام ( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ) .

 

9- بابٌ في الرجل يذكر الله تعالى على غير طُهر

 

حديث رقم -18-

(عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.) .

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

هذا الحديث أراد أبو داود رحمه الله أن يُبين ما ذُكر في الحديث السابق، فلا يتوهم متوهم أن الذكر لا يكون إلا على طهارة ، بل بيَّن في حديث عائشة رضي الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان  يذكر الله على كل أحيانه ) ومن بين أحيانه يكون غير متوضئ .

 

ومن الفوائد :

استدل بهذا الحديث بعض العلماء الذين يقولون إن قراءة القرآن للجنب جائز ، لأنها قالت (  كان  يذكر الله على كل أحيانه ) ومما يتبنى هذا القول الألباني رحمه الله .

 

10 – باب الخاتَم يكون فيه ذكر الله تعالى يُدخل به الخلاء

 

حديث رقم -19-

 

عن أنس قال : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. ) .

قال الشيخ الألباني : منكر .

 

الشرح :

هذا الحديث يستدل به بعض العلماء : على كراهية دخول الرجل بشيء فيه ذكر الله إلى الخلاء ، لأنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له خاتم ، وقد نقش عليه ( محمد رسول الله ) ففيه كلمة ( الله ) ومع ذلك ما كان يدخل به ، كان يضعه قبل أن يدخل الخلاء ، وهذا لو صح لهم الحديث ، لكن الحديث غير صحيح ، فإذا لم يكن صحيحا دلَّ على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل به الخلاء.

 

11- بابُ الاستبراءِ من البول

 

حديث رقم -20-

 

 

 (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ ». ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا وَقَالَ « لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا » ) .

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

 

يستفاد من هذا الحديث :

استدل بهذا الحديث بعض العلماء على أن البول كله بجميع أنواعه نجس ، سواء كان لآدمي أو لحيوان ، مأكول اللحم أو لم يكن مأكولا ، وهذا هو رأي الشافعي رحمه الله ، لأنه قال هنا ( من البول ) فدلَّ على العموم ، ويعارضه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمره للعرنيين ( لما اشتكوا بطونهم ، أمرهم أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها ) فدلَّ على أن مأكول اللحم [ بوله وروثه وقيؤه ومنيه طاهر ] وهذا هو رأي الجمهور ، ويرد على الشافعي : أنه جاء في إحدى الروايات قال ( لا يستتر من بوله ) فأضاف البول إلى الآدمي ، فدلَّ على أن النجس هو بول الآدمي .

 

ومن الفوائد :

خصوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر ، فلا يحق لأحد أن يضع غُصنين أو جريدتين رطبتين على القبور لعل الله أن يخفف عنهم ، لأن هذا لم يرد عن سلف هذه الأمة وما فعله بعضهم (إن صح ) فهو اجتهاد لم يوافق عليه الكثير ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله جل وعلا حقيقة هذين الرجلين ، بينما نحن فلا نعلم ، فقد يكون من في القبور ممن أردنا أن نضع على قبورهم أغصانا أو جريدا قد يكونون في نعيم ، ولو وضعنا أيضا لأسأنا الظن بصاحب هذا القبر .

 

ومن الفوائد :

أن قوله عليه الصلاة والسلام ( وما يعذبان في كبير ) للعلماء في ذلك معاني متعددة ، لكن أوضحها وأقربها : ( وما يعذبان في كبير ) يشق عليهما أن يتركاه ، فهو أمر سهل .

 

حديث رقم -21-

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَعْنَاهُ قَالَ « كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ». وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ « يَسْتَنْزِهُ ».

 

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

 

يستفاد من هذا الحديث :

أن قوله هنا ( كان لا يستتر من بوله ) فهذه الرواية ترد على الشافعية.

 

ومن الفوائد :

يستفاد من هذا الرواية : أن المسلم يستتر لبوله في مكان رخوٍ لين ، ولعل هذا الحديث يؤيد ما ذهب إليه بعض العلماء ، لكنهم استدلوا بالحديث السابق ( أنه كان إذا أتى دمِثا ) .

 

حديث رقم -22-

 

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ قَالَ انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجَ وَمَعَهُ دَرَقَةٌ ثُمَّ اسْتَتَرَ بِهَا ثُمَّ بَالَ فَقُلْنَا انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ. فَسَمِعَ ذَلِكَ فَقَالَ « أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا لَقِىَ صَاحِبُ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَوْلُ قَطَعُوا مَا أَصَابَهُ الْبَوْلُ مِنْهُمْ فَنَهَاهُمْ فَعُذِّبَ فِى قَبْرِهِ ».

قال الشيخ الألباني : صحيح موقوف .

 

الشرح :

 

من الفوائد :

أن ( الترقة ) المذكورة هنا هي التُرس التي يتقى به من ضربات السيوف وما شابه ذلك .

 

ومن الفوائد :

أن هذا الرجل الذي أنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء : كان قليل العلم ، وإلا ما كان له أن يقول هذا القول .

 

ومن الفوائد :

أن الله سبحانه وتعالى وضع آصارا على بيني إسرائيل ، فإن الواحد منهم إذا أصاب ثوبه بولٌ وَجَبَ عليه أن يقطع هذا المصاب ، بينما هذه الأمة أمروا بغسله تخفيفا .

 

ومن الفوائد :

أن من أسباب عذاب القبر عدم التنزه من البول .

 

12- بابُ البول قائماً

حديث رقم -23-

 

(( عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.))

 

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

 

من فوائد هذا الحديث :

أن هذا الحديث استدل به بعض العلماء على جواز البول قائما ، ومنعه البعض فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله إلا لأنه كان يشعر بألم في ظهره ، وأن الألم الذي يكون في الظهر أو في الصلب من بين علاجه أن يبول قائما ، ولكنه مردود لعدم الدليل .

 

وقالوا أيضا :

إن سبب بوله عليه الصلاة والسلام قائما ما جاء في مستدرك الحاكم ( أنه كان به جرح في مَأْبِضه ) وهو باطن الركبة ، فلم يتمكن من الجلوس ، ولكن هذا الحديث ضعيف

 

والصواب :

جواز البول قائما بشرط أن يأمن ارتداد البول عليه ، وأن يأمن من أن ينظر أحد إلى عورته .

 

ومن الفوائد :

أن ما ذكر في حديث المغيرة وهو وأول حديث وفي حديث جابر وهو الحديث الثاني ، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان يبتعد إذا أراد أن يقضي حاجته ) وأن هذا الفعل سنة ، مما يدل على السنية : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  دعا حذيفة أن يقف عند عقبه ) فهو قريب منه فدل على أن فعله عليه الصلاة والسلام يوضح أن هذا الحكم ليس واجبا وأنه على سبيل الاستحباب .

 

 

13- بابٌ في الرَّجل يبول بالليل في الإناء ، ثم يضعه عنده

 

 

حديث رقم -24-

 

(( عَنْ حُكَيْمَةَ بِنْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ.).

قال الشيخ الألباني : حسن صحيح .

 

الشرح :

قدح من عيدان : يعني من خشب .

 

من فوائد هذا الحديث :

يستدل بعض العلماء على أن الإنسان له أن يخصص قدحا يبول فيه ، ولا يلزم أن يذهب إلى بيت الخلاء .

ولكن بعض العلماء يرى أن هذا الحديث ضعيف .

فقال من يقول بالجواز : ورد في الصحيحين ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بطست ليبول فيه )

فقال من كره هذا الفعل : إن النبي صلى الله عليه وسلم ( دعا بطست ليبول فيه ) هذا في مرضه ، كما في الصحيحين

ومما يدل على الجواز : فعل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقد فعل هذا ، فالأمر في ذلك واسع .

 

14- باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها 

 

حديث رقم -25-

 

(( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ ». قَالُوا وَمَا اللاَّعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الَّذِى يَتَخَلَّى فِى طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ ».

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

 

يستفاد من هذا الحديث :

تحريم التغوُّط والتبول في أماكن الناس وفي طرقهم وفي ظلهم .

 

ومن الفوائد :

أن الإضافة في اللغة لها فوائد ، وكما قلت مرارا : إن اللغة يستفاد منها في فهم كلام الله عز وجل وفي فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

قال : ( في طريق الناس أو ظلهم ) يعني في ظل الناس ، فدلَّ هذا على أن الطريق المطروق المسلوك يحرم فيه التبول والتغوط ، لكن لو كان مهجورا ، أيكون طريقا للناس ؟ ( لا ) إذاً يجوز في الطريق المهجور .

وكذلك في الظل : فالظل الذي لا ينتفع به يجوز البول فيه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( قد بال عند نخل ) ومعلوم أن النخل له ظل .

 

 

حديث رقم -26-

 

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ الْبَرَازَ فِى الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ ».

قال الشيخ الألباني : حسن .

 

الشرح :

 

يستفاد من هذا الحديث :

مع أن هذا الحديث يضعفه بعض العلماء كابن حجر رحمه الله ، وقال أبو داود رحمه الله : إنه مرسل .

 

وهنا فائدة : هي أن أبا داود رحمه الله قاعدته هنا ، أنه إذا سكت عن الحديث فهو عنده حسن ، يعني مقبول .

بعض العلماء يرى أن هذا الحديث ضعيف ، ومن ثم لا تقوم به حجة ، ولكنه ولو كان ضعيفا فهو مقبول ، لم ؟ لأن في التغوط والتبول في هذه الأماكن إضرارا بالمسلمين ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند ابن ماجة  ( لا ضرر ولا ضِرار ) .

 

ومن الفوائد :

أنه نصَّ على  ( قارعة الطريق ) وهي الوسط ، لأن الوسط هو الذي يسار فيه ، إذاً لو أتى إلى جانب الطريق الذي لا  يستفاد منه فلا بأس بذلك .

 

والحديث السابق ( اتقوا اللاعنين ) خصّص ما عُمِّم هنا قال ( البراز في الموارد وفي قارعة الطريق والظل ) دلَّ على أن أي ظل يحرم فيه ، لكن ما  ذكر هناك من الإضافة دلَّ على التخصيص ، ولذلك علماء النحو يقولون [ إن من فوائد الإضافة: التخصيص ] .

 

15- بابٌ في البول في المُستحم

 

 

حديث رقم -27-

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ») .

قال الشيخ الألباني : صحيح .

قَالَ أَحْمَدُ « ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ ».

ضعيف .

 

الشرح :

هذا الحديث يؤكد ما مضى ، وهو وجوب الاستتار والتنزه من البول .

 

ومن الفوائد :

استدل بهذا الحديث بعض العلماء على أن البول في المستحم ثم الاغتسال فيه أو الوضوء ، أنه عام في المكان اللين وفي المكان الصلب .

بينما بعض العلماء يقول : إذا كان صلبا مثل البلاط فيصدق عليه هذا الحديث ، لم ؟ لأن البول سيرتد عليه ، بينما إذا كان لينا فإن البول يذهب في الأرض .

 

والصواب:

مع من عمَّم ، هذا إذا صحت الزيادة الأخرى ، والألباني رحمه الله قال في الحديث الأول ( صحيح ) وفي الثاني قال ( ضعيف) مقصوده : ( إن عامَّة الوسواس منه ) وهذه هي العلة فـ ( إن عامَّة الوسواس منه ) قال من يقول بعموم النهي في بلاط أو في صلب أو في رخو ، قال : لأن الوسواس حاصل في الأمرين .

 

ومن الفوائد :

أنه لا ينبغي عقلا ولا يستساغ عقلا أن يفعل الإنسان هذا الفعل ، وهو أن يبول في مستحمه ثم يغتسل فيه .

 

حديث رقم -28-

 

(( حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِىِّ – وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ – قَالَ لَقِيتُ رَجُلاً صَحِبَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ فِى مُغْتَسَلِهِ.))

قال الشيخ الألباني : صحيح .

 

الشرح :

أبو هريرة رضي الله عنه ، كم صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنين؟

أسلم عام خيبر في السنة السابعة ، إذاً صحبه أربع سنوات .

 

يستفاد من هذا الحديث :

النهي عن البول في المغتسل ووجوب التنزه من البول .

 

ومن الفوائد :

أن الامتشاط كل يوم منهيٌ عنه ، وستأتي أحاديث أخرى إن شاء الله تعالى تزيد هذا الحديث وضوحا ، وأما ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان كثيرا ما يسرح لحيته ، ويدهن رأسه ) أو الحديث الآخر ، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان يُسرح لحيته في اليوم مرتين ) فهو حديث ضعيف ، وما ورد من حديث ، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان لا يدع المشط معه لا في حضر ولا في سفر ) فهو حديث ضعيف ، ولو دلَّ على اصطحابه للمشط فلا يدل على كثرة الفعل في اليوم الواحد أكثر من مرة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد أحاديث فيما يتعلق بهذه المسألة.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

 

الأسئلة :

 

س1 : هل بول النبي صلى الله عليه وسلم نجس ؟

 

ج 1 : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو صح من أن ( الجارية شربت بوله ) لو صح لأن بعض العلماء يضعفه لكن الأصل أنه هو والأمة سواء في الأحكام ، فبوله كبول غيره ، ثم إنه لا يستفاد من هذا في عصرنا.

 

س2 : هل البانيو يصدق عليه هذا النهي ؟

 

ج2  : ما يسمى بـ [ البانيو ] هذا ينطبق عليه هذا الحديث ( لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه ) .

 

س3 : إذا كان الماء أكثر من قلتين ، فهل يدخل هذا الحديث ( لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه ) ؟

 

ج3  : نعم يدخل ، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ) وفي رواية ( لم يحمل الخبث ) لا يدل على أنه لا ينجس ، ربما ينجس ، لكن الغالب في الماء الذي يبلغ هذا المقدار أنه لا يتنجس .

 

س4 : متى يقال ( أعوذ بالله من الخبث والخبائث) ؟

 

ج4  : هذا الذِكر يكون عند الدخول .

 

س5 : ما حكم استقبال القبلة أثناء قضاء الحاجة في المنزل ؟

 

ج5  : الأولى له ألا يستقبلها ، فإن كانت موجودة فلا يطالب أهل المنزل بإزالتها ، إلا إذا أرادوا أن يرمموا وأن يعيدوا البناء ، فيقال : الأفضل لكم أن تجعلوها في غير اتجاه القبلة ، لكن لو وُجدت فلا يؤمر بإزالتها ، وإذا وجدها الإنسان ولم يتمكن من الانحراف فلا بأس عليه، فأمرها في البنيان أخف من الصحراء .

 

س6 :هل ورد حديث في حفظ العورة ؟

 

ج6  : نعم ، هذا حديث معاوية بن حيدة قال : عوراتنا يا رسول الله ما نأتي منها وما نذر ؟ فقال : عليه الصلاة والسلام  : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) ، فقال يا رسول الله : فإذا كنت في الخلاء ؟ قال : (فالله أحق أن يستحيى منه) .

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد