شرح كتاب التوحيد ( 10 ) [ باب ما جاء في الذبح لغير الله ]

شرح كتاب التوحيد ( 10 ) [ باب ما جاء في الذبح لغير الله ]

مشاهدات: 415

شرح كتاب التوحيد

( 10 )

[ باب ما جاء في الذبح لغير الله ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=VFu1DDmuF7E&index=11&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب  ما جاء في الذبح لغير الله

وقول الله تعالى :

﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 162)  لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ( 163) ﴾

[الأنعام 162 ، 163].

 من الفوائد:

1 ـ قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن أعظم العبادات البدنية هي الصلاة، وإن أعظم العبادات المالية النحر، ولذا فإنه جمع بينهما هنا لأن معنى ﴿نُسُكِي﴾ يعني ذبحي.

2 ـ أن صرف العبادة البدنية كالصلاة أو المالية كالنحر أو المشتركة كالحج، لأن الحج عبادة بدنية مالية، فمن صرف هذه العبادة لغير الله عز وجل  فقد أشرك بالله شركاً أكبر.

3 ـ وجوب الإخلاص في التوحيد بجميع أنواعه، ولذا قال هنا ذاكراً لتوحيد الألوهية ﴿صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾  [الأنعام 162] وذكر توحيد الربوبية في قوله:﴿وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي﴾  [الأنعام 162].

4 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم  هو أول من أسلم من هذه الأمة من حيث الزمن، وهو أول من أسلم من الأمم السابقة من حيث عِظم إسلامه صلى الله عليه وسلم.

5 ـ أن الذبح الذي هو النسك موجود في الأمم السابقة قال تعالى: ﴿وَلِكُلِ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً﴾  [الحج 34] وهذا يدل على ما ذكره شيخ الإسلام من أن الذبح أعظم العبادات المالية ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم: «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرُ النَّعَمِ» فإن دوابهم هي من أعظم وأنفس أموالهم، فالإقدام على نحرها تقرباً لله عز وجل  يدل على كمال التوحيد، ولذا يُعَلِّقون على الجِمَال القلائدَ كما سلف في حديث أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه ، وقال  عز وجل : ﴿وَإِذَا الْعِشَارٌ عُطِّلَتْ ﴾  [التكوير 4] يعني النوق الحوامل تعطل وتترك وتهمل من شدة ما يرونه من الأهوال.

6 ـ أن قوله: ﴿وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾  [الأنعام163]  أن الأمر هنا أمر شرعي وهو في حق النبي صلى الله عليه وسلم  شرعي كوني، لأنه قام به، ويقال في الأمر الشرعي والكوني ما قيل في القضاء وما قيل في التحريم كما سبق، ومما يدل على الأمر الكوني على أحد وجهي التفسير قوله تعالى:  ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾  [الإسراء 16] وهذا هو الأرجح في الآية من أن الأمر أمر كوني في تفسير قوله ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾.

7 ـ أن على الداعية أن يكون أول العاملين بما يدعو إليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم  دعا إلى ما ذكر في هذه الآية وكان أول الناس فعلاً له.

8 ـ أن الواجب على المسلم أن تكون جميع أحواله لله عز وجل   حال محياه ومماته فيكون في نومه وفي أكله وفي شربه وفي معاشرته لأهله وأصحابه وفي الحديث مع إخوانه ولو كان في غير الحديث في الشرع أن يكون لله عز وجل ، فيحتسب ويستحضر النية بالتقرب إلى الله عز وجل  بهذا الفعل ، كإدخال السرور على هؤلاء أو رفع محنة أو معاونة أو مساعدة ونحو ذلك .

9 ـ أن كلمة ﴿أَنَا﴾ ليست مذمومة على سبيل الإطلاق، فإنها مذمومة في حق من افتخر فإن إبليس قال: ﴿أَنَا خَيرٌ مِنْهُ﴾  [الأعراف 12] فَذُّمَّ على هذه الكلمة، وسماها ابن القيم  رحمه الله طاغوتاً، لكنها ليست مذمومة على سبيل الإطلاق فإن من قالها من باب التواضع لله عز وجل والتحدث بنعمة الله عليه فهو جائز كما هنا قال: ﴿وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾  [الأنعام 163].

10ـ أنه صلى الله عليه وسلم أول المسلمين في هذه الأمة وفي سابقها من الأمم، وذلك لأن الإسلام نوعان :

النوع الأول: إسلام عام : وهذا ما كان عليه الأنبياء السابقون وأتباعهم.

النوع الثاني: إسلام خاص : وهو إسلام هذه الأمة وهذا الإسلام الخاص في أمة محمد صلى الله عليه وسلم  نسخ الإسلامَ العام الذي في الأمم السابقة فقال عز وجل : ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران : 85 ]

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وقوله تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر2].

 من الفوائد تحت هذه الآية :

1 ـ وجوب شكر نعمة الله عز وجل ، ومن أعظم ما يشكر الله عليه التوحيد، ولذا جاءت الآية مصدرة بالفاء  «السببية» أي بسبب إعطائنا لك الكوثر، صل لربك و انحر، فإذا أردت أن تكون شاكراً لله فعليك أن تقوم بالتوحيد.

2 ـ أن الكوثر المذكور هنا جاء تفسيره في حديثه صلى الله عليه وسلم  قال: «إنه نهر في الجنة» وقال بعض المفسرين هو الخير الكثير، ولا تناقض فإن النهر من الخير الكثير الذي أعطاه الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم , كما قال تعالى : ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾  [الضحى5].

3 ـ أن هذه الآية ذكرت العبادة البدنية وهي الصلاة ، والعبادة المالية وهي النحر.

4 ـ وجوب الإخلاص لله في النحر وفي الصلاة ولذا قال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾  [الكوثر2] لا إلى غيره , وكذلك ﴿وَانْحَرْ﴾ يعني وانحر لربك لا لغيره.

5 ـ أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فيكون المعنى  فربُّك الذي أعطاك هذا الكوثر وأنعم عليك يستلزم أن تكون العبادة لله عز وجل .

6 ـ أن النحر للرب لا لفقره ، وإنما هو لفقر عباده فيتقربون إليه بهذه العبادة لفقرهم حتى يغنيهم عز وجل  في دنياهم وفي أخراهم ، ولذا قال تعالى: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾  [الحج37].

7 ـ أن النحر يكون للإبل ، أما الذبح فيكون للبقر وللغنم ، فيكون ذكر النحر هنا لا يعني أن الذبح يخرج من هذا لأن ما جاز نحره جاز ذبحه، وما جاز ذبحه جاز نحره، لكن الحديث في الأفضلية ، ولعل ذكر النحر هنا المتعلق بالإبل لأنها أنفس أموالهم ومن أحب أموالهم ، فإذا قدمت المحبوب لنفسك تقرباً إلى الله عز وجل  دلَّ على أن حبك لله عز وجل أعظم، فمن كان هذا شأنه فليبشر بالخير من الله عز وجل .

8 ـ أن التوحيد جمع للقلب وجمع للشمل، ولذا قال في آخر السورة: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾  [الكوثر 3] يعني أن مبغضك هو الأبتر يعني الأقطع إذ قالوا: إن محمداً لا يولد له وأن أولاده قد ماتوا وهم صغار، فكافأه الله بأن جعل أبناء هؤلاء الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم  ضد آبائهم، فدل على أن الشرك شتات وأن التوحيد اجتماع، فكلما كان العبد أقرب لله عز وجل   وأطوع كلما جمع الله عز وجل  له شمله، ولذا قال  صلى الله عليه وسلم   كما عند الترمذي: «مَنْ كانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ الله غِنَاهُ في قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ الله فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ»

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال :

” حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيه، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ”  رواه مسلم.

 من الفوائد تحت هذا الحديث:

1 ـ أن اللعن : هو الطرد والإبعاد من رحمة الله عز وجل  فيقع على من ذبح لغير الله عز وجل .

2 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في هذا الحديث لعناً بالوصف ولم يحدد شخصاً بعينه، وذلك لأن اللعن كما قال شيخ الإسلام كالتكفير، فإن الكفر خبر واللعن إنشاء من أنواعه «الدعاء» والكلام عند أهل البلاغة إما إنشاءً وإما خبراً،  فالخبر هو التكفير، والإنشاء الذي هو الدعاء هو اللعن، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما لعن بعض الكفار كما سيأتي معنا قال تعالى له:  ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران128] .

3 ـ أن النبي  صلى الله عليه وسلم  جمع في هذا الحديث بين حق الخالق جل وعلا وبين حق المخلوق، فحقه في كلمة «مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ» وأما حق المخلوق ففي الكلمات التي بعد الكلمة الأولى.

4 ـ أن المُحْدِث المبتدع قد حلت به لعنة الله ما لم يرجع عن بدعته ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا» فكيف بالمحدث؟  فإذا كان المتستر والناصر للمحدث مستحقاً للعن، فالمحدث نفسه من باب أولى.

5 ـ أن قوله  صلى الله عليه وسلم: «وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ» يدخل في ذلك النحر، وذلك لأن غالب ما يكون في إراقة الدماء هو الذبح، فإنهم في الغالب يذبحون الغنم والبقر أما الإبل فلأنها نفيسة فلا يقدمون على ذبحها إلا نادراً،  وإذا كان النص في ذكر بيان الغالب فلا مفهوم له.

6 ـ أن لعنة الله عز وجل  يستحقها من غيَّر منار الأرض أي مراسيم الأرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم:

«مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»

7 ـ أن ذكر جملة «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيه» بعد جملة «وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ» بينهما توافق وذلك لأن الله عز وجل  أحسن إلى المخلوق بإنشائه من العدم فهذا إحسان، فمن الإساءة إليه أن تصرف العبادة لغيره، وأما الوالدان فإنهما سبب جعله الله عز وجل  في وجود هذا المخلوق، فلعنهما هو مقابلة الإحسان بالإساءة، وأما جملة «وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ» فإنها تتوافق مع جملة «وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا» وذلك لأن المحدث مبتدع مغير للدين في الأرض ، وكذلك من غيَّر مراسيم الأرض فإنه مغير للأرض ففي كليهما إفساد وفساد فهذا فساد للدين وهذا فساد للدنيا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعن طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال :

«دَخَلَ الْجَنَّة رَجُلٌ َ فِي ذُبَابٍ وَدَخَلَ النَّار رَجُلٌ َ فِي ذُبَابٍ , قالوا وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مَرَّ رَجُلاَنِ عَلَى قَوْمٍ لهم صَنَم لاَ يجوزه أَحَدٌ حتى يقرِّب شَيْئًا , َقَالُوا لأَحَدِهِمَا: قَرِّب , قال ليس عندي شيء أقرِّب , قالوا له قرِّب وَلَوْ ذُبَابًا، فقرَّب ذُبَابًا فخلوا سبيله فدخل النار، وَقَالُوا: لِلآخَرِ: قرِّب، قَالَ ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل ، فضربوا عنقه فدخل الجنة » رواه أحمد

 

 هذا الحديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه ، وعلى افتراض أنه ثابت فإن فيه من الفوائد ما يأتي :

1 ـ أن الذبح لغير الله عز وجل شرك أكبر بقطع النظر عن هذا المذبوح، ولو كان حقيراً، لأن العبرة بما في القلب.

2 ـ أن على المسلم أن يسأل الله عز وجل  حسن الختام، فإن ظاهر هذا الحديث أن من قرَّب ذباباً كان مسلماً، ولذلك قرَّب ذباباً فدخل النار.

3 ـ أن المكره على التلفظ بكلمة الكفر معذور كما قال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾  [النحل106]

ويدخل على الصحيح لعموم هذا الآية التي ذكرت آنفا يدخل الإكراه على فعل الكفر، فلو أجبر أو أكره على أن يسجد لغير الله عز وجل   فله أن يفعل إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان وهذا هو رأي البخاري رحمه الله لأن الآية مطلقة ولم يقيد الإكراه بالقول أو بالفعل.

4 ـ أن الإكراه لا يكون على ما في القلب كما قال الإمام المجدد في كشف الشبهات ، إنما يكون الإكراه في القول والفعل ، فهذا الذي قرَّب ذباباً قد انشرح صدره بالكفر، إذ لو قرَّب ذباباً وقلبه مطمئن بالإيمان لما كان مصيره إلى النار ، ولذا قال المجدد في كشف الشبهات : « فلو فعل أو قال الكفر شاحَّاً بوطنه أو جاهه أو ماله فليس بمعذور »

وأقرب مثال في ذلك أن قيصر لما جرى معه ما جرى في قصته مع أبي سفيان رضي الله عنه كان قد أظهر الإيمان لكنه شَحَّ بملكه.

5 ـ أن المسلم إذا أُكْره على الكفر فهل يفعله أو يصبر؟

اختلف العلماء في ذلك: فقال بعضهم: الأفضل أن يصبر، وقال بعضهم: الأفضل له أن يقول كلمة الكفر ويستبقي نفسه ، لقوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ( 29)   وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً ( 30) ﴾  [النساء 29 -30] ولكن هذه الآية لا تصدق عليه لأنه قال ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً﴾  [النساء 29] وهو لم يفعل ذلك عدواناً وظلماً وإنما أجبر عليه.

ومن أدلة هذا القول: أن عمار بن ياسر رضي الله عنه  كان يُكره على الكفر فكان يقول كلمة الكفر فأخبر النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال : «إِنْ عَادُوا فَعُدْ»  .

وأما من قال: الأفضل له ألا يقولها حتى لو قتل ، فلفعل بلال رضي الله عنه فكان يجبر عليها ويأبى ويقول : «أحدٌ  أحدٌ»

وهناك قول آخر يراه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله  وهو  إن كان في إكراهه على الكفر ضَرَرٌ على الدين فيحرم عليه ، ويجب عليه أن يصبر، ولو قتل كما في قصة الغلام :

فإنه قال للملك : « ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَي ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَم »  وأمره أن يحشد الملأ حتى يظهر التوحيد »

ويدل له أن الإمام أحمد  رحمه الله  في فتنة خلق القرآن قد اتقى العلماء بطش الوالي ، فقالوا : بأن القرآن مخلوق ، استبقاءً لأنفسهم ، لكن الإمام أحمد  رحمه بقي صامداً لأن بيان الحق عليه قد أصبح فرضاً عينياً ؛ إذ لو قال كما قالوا لسرت هذه البدعة ، فصبر رحمه الله.

وأما إذا لم يكن هناك ضرر على الدين فإن الأفضل أن يقولها لأن بقاء المسلم فيه خير لاسيما إن كان عالماً غنياً باذلاً، وحتى ولو لم يكن فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم : « وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْرًا »

6 ـ أن تقريب الذباب لا يعني أن ما هو أقل من الذباب لا يحصل به الكفر، فلو قرَّب ما هو أقل من الذباب منشرحاً صدره بالكفر فإنه يكفر.

7 ـ أن مفهوم اللقب غير معتبر عند الأصوليين، فهذه القصة فيها ذكر للرجل الذي قرَّب فلو أن امرأة قربت ذباباً كان حكمها كحكم هذا الرجل.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ