شرح كتاب التوحيد
( 13 )
[ باب من الشرك الاستعاذة بغير الله ]
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=nB1VM4N4JGg&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=14
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد تحت هذا العنوان :
1 ـ أن هناك فرقاً بين الاستعاذة واللياذة
فالاستعاذة: الاعتصام بالله عز وجل من شيء تخافه.
واللياذة: هي الطلب ، أن تطلب من الله عز وجل ما تؤمله وترغب فيه.
2 ـ أن الاستعاذة عبادة فمن صرفها لغير الله عز وجل فقد أشرك بالله عز وجل شركاً أكبر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾ [ الجن6] .
من الفوائد :
1 ـ أن الله عز وجل عاقب الإنس لما استعاذت بالجن فدل على أن الاستعاذة عبادة صرفت لغير الله عز وجل ، وقد كانوا في الجاهلية إذا نزلوا بوادٍ قالوا : « نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه » .
2 ـ أن الإنسان قد يعامل بنقيض قصده السيئ ، فإن الإنس ما استعاذوا بالجن إلا من أجل أن يُذْهِبُوا عنهم الخوف لكن الله عز وجل زادهم رهقاً ، أي خوفاً حتى أرهقهم هذا الخوف ، وهذا وجه في التفسير .
والوجه الآخر : أن الإنس زادوا الجن رهقاً إذ تمادوا في الشر، فالرهق على هذا الوجه إنما هو في حق الجن ، وقد قال تعالى مبيناً ما يكون يوم القيامة من الجدل والنقاش بين الإنس والجن حول هذا الأمر، قال تعالى : ﴿وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ ﴾ [الأنعام 128 ]
﴿اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ فإن الإنس استمتعوا بأن الخوف قد زال عنهم في ظنهم وأن الجن قد استمتعوا باستعاذة الإنس بهم إذ رأوا لأنفسهم مكانة وقدراً.
3 ـ أن المُحرَّم ولو كان فيه نفع لا يدل على جواز الاستفادة منه ، ولذا قال تعالى : ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة 219] فيكون الضرر أعظم من هذه المنفعة ، ولذا فإن الإنس في زعمهم أنهم انتفعوا باستعاذتهم بالجن لكن المضرة أكبر.
4 ـ جواز الاستعاذة بالمخلوق شريطة أن يكون هذا المخلوق المستعاذ به قادراً عليه ، وشريطة ألا يُعَلِّق رجاءه به ، وإنما يُعلِّق قلبه بالله عز وجل ومما يدل على ذلك ما جاء عند مسلم « أن المرأة المخزومية التي أمر صلى الله عليه وسلم بقطع يدها استعاذت بأم سلمة رضي الله عنها »
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في زمن الفتن قال : «فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ»
5 ـ أن الجن لا يملكون نفعاً ولا يدفعون ضراً وقد سبق الحديث عن أنهم لا يعلمون الغيب في أول آية في هذا الكتاب.
6 ـ أن هذه الآية في سورة الجن وأن الجن منهم الكفار ومنهم العصاة ومنهم المبتدعون، كما قال تعالى عنهم:﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً﴾ [الجن 11], يعني أصحاب مذاهب شتى مختلفة.
7 ـ أن في الجن ذكوراً وإناثاً لقوله : ﴿يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن 6]
8 ـ أن هؤلاء الجن خُلِقوا من نار وأن كافرهم يعذب في النار والواجب على المسلم ألا يقول: كيف يعذبون في النار وهم مخلوقون من نار؟
فالجواب عن هذا السؤال الذي لا يستفاد من ذكره ولا من طرحه ولا عن السؤال عنه: أن هذا من الأمور الغيبية ، فأمور الآخرة لا يتطرق إلى كنهها، فقد يكون الشيء من جنس الشيء الآخر ويكون أقوى منه، فقد تضرب بمطرقة من حديد مسماراً من حديد فيتأثر، ثم إن هؤلاء الجن لم يبقوا على حالهم فإن :
« النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَيْطَانًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَخَذَهُ فَخَنَقَهُ حَتَّى وَجَدَ بَرْدَ لسانه على يده ثم قال: «لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا حَتَّى يراه الناس»
9 ـ أن مفهوم اللقب عند الأصوليين غير معتبر ولذا لو أن الإنسي استعاذ بجنية لم يستعذ بجني وإنما استعاذ بجنية فإن الحكم باقٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن خولة بنت حكيم رضي الله عنها ، قالت:
«سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً فقَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ يَضُرُّهُ شَىْءٌ حَتَّى يَرْحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ » رواه مسلم .
من الفوائد تحت هذا الحديث :
1 ـ أن القرآن مُنزَّلٌ غير مخلوق ، لأنه صلى الله عليه وسلم أجاز الاستعاذة بكلمات الله التامة ، والاستعاذة في الأصل لا تجوز بالمخلوق لأن الاستعاذة في حكمها العام منهي عنها ، وهذه الكلمات وهي القرآن وصفت بالتامات، والمخلوق ليس بتام وإنما فيه نقص ، وكلماته جل وعلا كاملة لأنها صفة من صفاته عز وجل وهو الكامل.
2 ـ أن من نزل منزلاً أياً كان هذا المنزل فإنه يقول هذا الدعاء لأن كلمة «منزلاً» نكرة في سياق الشرط فتعم أي منزل، سواء كان منزلاً دائماً أو طارئاً، فلو أن الإنسان نزل في بيت جديد فليقل هذا الدعاء أو كان مسافراً فنزل بأرض يقوله أو استأجر بيتاً في سفره فإنه يقوله.
3 ـ أن كلمات الله عز وجل تامة بنص القرآن، قال تعالى:﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ [هود 119] , فالصدق في أخباره , والعدل في أحكامه.
4 ـ أن الشر لا ينسب إلى الله عز وجل ولذا إذا ذُكِر الشر إما أن يحْذَف الفاعل أو يُنْسَب إلى المخلوق ، ولذا قال هنا : ﴿مَنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق 2]
فالشر في المخلوق ، ومن ثمَّ فإنه عز وجل لا يخلق شراً مَحْضَاً كما سلف ذكره.
5 ـ أن قوله: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق 2] أي من شر كل مخلوق فيه شر، لأن بعض المخلوقين ليس فيه شر، بل هو خير كله كالملائكة والرسل عليهم الصلاة والسلام.
6 ـ أن الطفل الصغير يُعَلَّم هذا الدعاء، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «من نزل منزلاً» و«مَنْ» اسم شرط تفيد العموم، فالقائل لها كبيراً كان أم صغيراً، ذكراً أم أنثى فإنه يُحْفَظ بإذن الله عز وجل .
7 ـ أن البعض قد يقول هذا الذكر وهذا الدعاء أو ما شابه ذلك من الأذكار ولا يحصل له حفظ فيقال: إن العيب ليس في هذا الذكر، إنما العيب في قائله فلو كان معتقداً ما جاء فيه ما أُصِيب بأدنى ضر، ولذا قال ابن القيم رحمه الله: الذكر سلاح، والسلاح بضاربه فلا يعاب ولا يذم السلاح القوي إذا استخدمه شخص ضعيف.
8 ـ أن كلمة «شيء» نكرة في سياق النفي، قال «لم يَضُرُّه شيء» حتى القرصة من النملة وهي يسيرة لا يصاب بها.
9 ـ أن هذا الذكر نافع إلى وقت رحيل الإنسان، فإذا تجدد له منزل آخر ينزل فيه فليقله مرة أخرى.
10 ـ أن المخلوق قد يَضُرُّ مخلوقاً آخر، لكن كل ذلك بأمر الله عز وجل ،ولذا قال عز وجل عن السحرة ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّيِينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة 102] فإذا أذن الله عز وجل بالضرر وقدَّره فإن الضرر حاصل.
11 ـ أن ظاهر قوله عليه صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى يَرْحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» ظاهره الارتحال الذي يترك فيه الإنسان هذا المكان، ولذا لو أنه قام من هذا المنزل في إحضار ماء أو ما شابه ذلك فظاهره أنه لا يعيد هذا الذكر إذا كان ذهابه لا يصدق عليه أنه ارتحل عنه.
12ـ إثبات صفة الخلق لله عز وجل في قوله: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾.
13ـ حرص الصحابيات رضي الله عنهن على سماع الخير من النبي صلى الله عليه وسلم وعلى نشره، فإن خولة رضي الله عنها قالت: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » يقول: ونشرت هذا الخبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ