شرح كتاب التوحيد ( 26 ) [ باب ما جاء في الكهان ونحوهم ] 

شرح كتاب التوحيد ( 26 ) [ باب ما جاء في الكهان ونحوهم ] 

مشاهدات: 463

شرح كتاب التوحيد

( 26 )

[ باب ما جاء في الكهان ونحوهم ] 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=OBz3Z4HzB3Y&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=27

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من الفوائد تحت هذا العنوان :

1 ـ أن الكهانة كانت موجودة في العرب كما مر معنا في حديث جابر، قال:«في كل حي واحد» وسبب انتشارها في العرب لأن النبوة قد انقطعت.

2 ـ أن ابن حجر رحمه الله قال: إن الكهانة تحصل بأمور:

أولا: ما يتلقى من الجن كما جاءت بذلك النصوص التي ذكرت فيما سبق.

ثانيا: ما يكون تخمينا.

ثالثا: ما يكون عن طريق التجربة، ولعل حديث ابن عباس رضي الله عنهما  الآتي «في أبجد هوز» يستدل به على النوعين الأخيرين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيء – فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ – لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يوماً»

 من الفوائد:

1 ـ أن العلماء اختلفوا من هو العرَّاف؟هل هو الكاهن؟ أو أن الكاهن مَنْ يدعي معرفة الأمور التي في المستقبل أو الذي يخبر عما في الضمير؟ وأما العراف فهو يخبر عما مضى بعلامات يستدل بها؟

وكأن شيخ الإسلام  رحمه الله – كما سيأتي في ذكر المؤلف رحمه الله لكلامه – يرى أن العرَّاف: شامل لمن يدعي معرفة الأمور التي في الماضي والتي في المستقبل.

2ـ أن سؤال الكُهَّان يختلف حكمه :

أولاً: إن سألهم سؤالاً مجرداً هذا لا تقبل له صلاة أربعين يوما.

ثانيا: أن يسألهم ويضيف إلى ذلك تصديقهم، فهذا كافر كفراً يخرجه عن ملة الإسلام، لقوله  صلى الله عليه وسلم  كما سيأتي  «فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم » وذلك لأنه لما صدقهم كأنه صدقهم بقولهم أنهم يعلمون الغيب  وإذا زعم أو صدَّق بأن هؤلاء يعلمون الغيب فقد كذَّب آية في كتاب الله عز وجل  ومن كذَّب بآية فقد كذَّب بالقرآن كله الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم

والآية هي قوله تعالى: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل65].

ثالثا: أن يسألهم لكي يستطلع أمرهم ومن ثم يفضحهم، فهذا لا بأس به ولكن ليس لكل أحد فلابد أن يكون هذا السائل لهم على درجة من الدين ليتقي الشهوات وعلى درجة من العلم حتى يتقي بها الشبهات، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ابن صياد وابن صياد قد ادعى النبوة وهو لم يبلغ الحلم، وهو من اليهود، وقد اختلف العلماء في ابن صياد هذا كما اختلف الصحابة رضي الله عنهم ،  هل ابن صياد هو الدجال الأكبر أم هو غيره؟

وقد قال شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله: إن ابن صياد أحد الدجالين وليس هو الدجال الأكبر، وذلك لأن الدجال الأكبر رآه تميم الداري رضي الله عنه  رآه رجلاً كبيراً وأنه من أعظم الرجال وابن صياد هذا إنما هو صغير في الجسم وصغير في السن.

3 ـ أن قوله  صلى الله عليه وسلم: «فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ»

«ما»: هنا موصولة فتعم، حتى لو صدقه فيما يحتمل صدقه فإنه داخل في هذا الوعيد.

4 ـ أن تحديد النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين يوما لا يعرف لها حكمة ، ولكن لها حكمة  ، الله أعلم بها، كما هو الشأن في تعيين عدد الركعات في الظهر وفي المغرب وفي الفجر،  لماذا كانت بعضها أكثر من بعض؟

5 ـ أن عدم قبول هذه الصلوات لا يدل على أن الإنسان يتركها، وإنما لا تبرأ ذمته حتى يأتي بها ولكنه لا يثاب عليها لِمَ؟ لأن سؤالهم سؤالا مجردا ذنب عظيم يسقط في الميزان ثواب هذه الصلوات.

  • ـ أن قوله: «لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يوماً»

أن هذا الحديث دليل على أحد أنواع القبول، لأن القبول على ثلاثة أنواع كما قال ابن القيم رحمه الله:

أولا: قبول ثناء؛ ولذا قال بعض السلف: «لو علمت أن الله تقبل مني ركعتين فرحت فرحا شديدا»، والمراد من القبول هنا  الثناء عليه في الملأ الأعلى.

ثانيا: القبول الذي يحصل به الأجر.

ثالثا: قبول إبراء الذمة من الواجب، ولكنه لا يحصل له ثواب عليه كما هنا، فإنه يصلي لكنها لا تقبل منه فإذا صلى سقط عنه العذاب.

7 ـ أن لفظ مسلم  «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يوماً» وأما قوله: «فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ» زيادة على ما ذكر، إنما هي عند الإمام أحمد رحمه الله ، وبالتالي إما أن تكون هذه الرواية شاذة ؛ لأن الثقة خالف من هو أوثق منه، فيكون السؤال المجرد لا تقبل بسببه الصلوات، أو يقال: إن هذه اللفظة وهي لفظة التصديق إذا كان صاحبها يكفر بتصديقه للكاهن فمن باب أولى ألا تقبل منه هذه الصلوات.

 

  • ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا»

«مَنْ»:  اسم شرط تفيد العموم فتشمل الصحيح والمريض والمضطر وغير المضطر، فليس هناك مبرر للمريض أن يأتي هؤلاء لعموم هذا الحديث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعن أبي هريرة رضي الله عنه :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم » رواه أبو داود.

 من الفوائد:

1 ـ أن من أتى الكهان وصدقهم فقد كفر كفراً يخرجه عن الملة، وهناك فوائد سبقت في ثنايا ذكر الحديث الذي قبله.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وللأربعة والحاكم وقال: صحيح على شرطهما عن أبي هريرةرضي الله عنه : «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم »

ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله موقوفاً

 من الفوائد :

1 ـ أن هذا الحديث ليس عند الأربعة وإنما هو في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه

2- أن قوله: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا» فالإتيان بالعراف والكاهن فيه إشارة إلى أن الكاهن يختلف عن العرَّاف.

3ـ أن الإمام المجدد رحمه الله ذكر الحديث عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم ثنَّى بذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه ثم ثلَّث بذكر حديث أبي هريرة في المسند ثم ربَّع بما جاء عند أبي يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً، وكلها في المعنى واحد، فلماذا؟

الجواب:  أن ذكر هذه الأدلة مع أنها في سياق واحد تقوي المدلول به، وإن كان الحكم يؤخذ من دليل واحد لكن كلما كثرت الأدلة كلما كان أقوى في تقرير هذا الحكم.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعا :

«لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أو تُطِيِّرَ لَهُ أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ أَوْ سَحر أو سُحر له، ومَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ  صلى الله عليه وسلم » رواه البزار بسند جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس رضي الله عنهما  دون قوله:«ومن أتى كاهنا» إلى آخره.

قال البغوي رحمه الله: «العرَّاف الذي يَدَّعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن  هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.

وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: العرَّاف: اسم للكاهن والمنجم والرمَّال ونحوهم، ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق .

 من الفوائد:

1 ـ الوعيد الشديد في حق من تطير أو تُطير له ، أي من فعل الطيرة أو من طلبها، كأن يأتي إنسان إلى صاحب طير ويقول: ازجل لي الطير أرى مآل سفرتي  إلى خير أم إلى شر؟.

وكذلك الوعيد الشديد في حق من سحر أو سُحر له ، أي كأن يأتي إنسان إلى الساحر ويقول: اسحر فلانا، وكذلك الشأن في من تَكَهَّن أو تُكِهن له.

2 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منَّا» أي ليس من طريقتنا، ففيها وعيد وترهيب، بينما الجهمية يقولون: إن معنى «ليس منا» أي ليس مثلنا،  وهذا تحريف وغلو،  لِم؟  لأنهم يريدون أن يقرروا ما ذهبوا إليه من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، فإن الإيمان واحد، وهل يعقل أن يكون إيمان فاسق كإيمان النبي صلى الله عليه وسلم ؟  لا يمكن أن يكون هذا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم ذكر رحمه الله كلام العلماء في تفسير «العراف والكاهن»

قال البغوي: العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة   «هذا قول» .

وقيل: هو الكاهن، يعني أن العراف هو الكاهن، والكاهن  هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل ، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.

وقال أبو العباس ابن تيمية : العراف: اسم للكاهن والمنجِّم والرّمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «فِي قَوْمٍ يَكْتُبُونَ  [أَبَا جَادٍّ]، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ: مَا أَرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلاقٍ»

 من الفوائد:

1 ـ أن تعليم الحروف الأبجدية  «أبجد هوز» إلى آخره، أن تعليمها من أجل أن تربط بالنجوم ومن ثمَّ يستدل بها على الحوادث الأرضية أنه من الكهانة، وللأسف هذا يوجد في بعض المجلات التي تضع الأبراج والحروف حتى يستدل اللاعب بهذه المربعات أو بهذه الخطوط على برجه وهل برجه يكون في سعادة أم شقاوة؟

وأما تعلُّم هذه الحروف لمعرفة حساب الجُمَل فهو موجود عند السلف فهم يعبرون عن الأرقام بالحروف ، فبدل أن يقولوا :  سبعمائة ،  يقولون  زاي ، وبدل أن يقولوا : أربعا يقولون دال ، ولذا قال بعضهم : فالدال والذال في التصوير واحدة، والدال أربعة، والذال سبعمائة.

2 ـ أن الإخبار عن الخسوف والكسوف ليس من الكهانة في شيء، وإنما هو خاضع لعملية حسابية لا علاقة لها بالغيب ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله في عصره ، قال تعالى : ﴿الشَّمْسُ وَاَلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾[ الرحمن :5 ]

3 ـ أن الأخبار الجوية التي تخبر عما يكون في الغد من تغيرات في الجو، ليست من الكهانة لأنها أمور وعلامات يستدل بها حينما يتكيف الجو بصورة معينة ، ولذا قد نرى السماء قد تلبدت بالغيوم ونقول يمكن أن تمطر السماء لكن يجب أن يقال: يتوقع أن يكون الجو في يوم غد كذلك بمشيئة الله عز وجل .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ