شرح كتاب التوحيد ( 27 ) [ باب ما جاء في النُشرة ]

شرح كتاب التوحيد ( 27 ) [ باب ما جاء في النُشرة ]

مشاهدات: 519

شرح كتاب التوحيد

( 27 )

[ باب ما جاء في النُشرة ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=yHwcLXjJ66g&index=28&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من الفوائد تحت هذا العنوان:

أن المؤلف رحمه الله لما ذكر السحر وأنواعه ناسب أن يبين كيف يعالج هذا السحر وكيف يفك ويتخلص منه.

وعن جابر رضي الله عنه:   «أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ النُّشْرَةِ فَقَالَ: هُي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»

رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود  ، وقال: سئل أحمد عنها؟ فقال: ابن مسعود يكره هذا كله  

 من الفوائد:

1 ـ أن ابن القيم  رحمه الله كما سيأتي بيّن أنواع النشرة.

2 ـ أن حل السحر بسحر مثله من عمل الشيطان، كما أخبر بذلك  صلى الله عليه وسلم   ولم يقل: إنه محرم لأن نسبته وإضافته إلى الشيطان أعظم وأبلغ في تقبيحه والتنفير منه.

3 ـ حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعلم الخير، ولذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة.

4 ـ أن الكراهة عند السلف في الغالب تكون للتحريم كما هنا فقال: «ابن مسعود رضي الله عنه يكره هذا كله»  وقد سبق معنا في التمائم قال إبراهيم : كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غير القرآن.

5 ـ أن الإنسي إذا عمل عملا يحبه الشيطان فإن هذا العمل الذي قام به الإنسي يضاف إلى الشيطان لأنه من وحيه وتسويفه كما هنا في النشرة ، قال صلى الله عليه وسلم : «هُي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»

6 ـ أن قوله  صلى الله عليه وسلم : «هُي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» ضمير فصل وتوكيد، يعني هي لا غيرها، ففي هذا تأكيد على شناعتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وفي البخاري عن قتادة قلت لابن المسيب:

«رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ أَوْ يُؤَخَّذُ عَنْ امْرَأَتِهِ أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْإِصْلَاحَ فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ» انتهى.

 من الفوائد:

1 – أن بعض العلماء استنبط من كلام ابن المسيب رحمه الله  أن السحر يجوز أن يفك بسحر آخر عند الضرورة ، وذلك في حالة إذا ما خُشي على هذا المسحور من الهلاك .

والصحيح أنه لا يجوز أن يحل السحر بسحر مثله مطلقا ً، إذ لو قيل بهذا، لكان هناك مفاسد منها:                                              

أولاً: أن فائدة التعويذات الشرعية تنتفي عند هذا القول ، وهذا مخالف لقوله تعالى : ﴿وَنُنَزِّلُ مِنْ اَلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ﴾  [الإسراء 82] فهو شفاء من كل داء.

ثانيا: أن الذهاب إلى السحرة وتصديقهم يجرح التوحيد وكون الإنسان يموت على التوحيد أفضل من أن يحيا على الشرك، لأن مآله إلى الموت لا محالة.

ثالثا: أنه ينتفي عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْزَلَ الله دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً»

وهذا شامل فـ «داء ودواء» نكرتان في سياق النفي فتعم أي داء ، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلجأ إلى مثل هذا ولم يرشد أمته إلى ذلك إذا وصلوا إلى حالة الضرورة.

رابعا : أنه لو قيل بجواز فك السحر بسحر آخر لاضطررنا إلى أن نبقي بعض السحرة لكي يستفاد منهم ، أو يُدعى البعض إلى أن يتعلم السحر، وهذا يخالف ما جاءت به النصوص وما جاءت به الآثار عن الصحابة الكرام من أن الساحر يُقتل.

وأما قول ابن المسيب رحمه الله : فإنه قول تابعي ويعرض على الكتاب والسنة كما أن أقوال الصحابة تعرض على الكتاب والسنة والناظر يرى أن قوله يخالف عموم النصوص التي جاءت بتحريم الذهاب إلى الكهان والسحرة.

وبعض العلماء يقول : إن كلام ابن المسيب رحمه الله إنما هو في الأمر الذي يحتمل أن يكون الفك به سحرا أو غير سحر،  فما لم يتيقن أنه سحر  فيجوز، وقد قال بهذا بعض العلماء ، ولكن الصحيح أن يؤخذ بما جاء في النصوص الشرعية، بالتحريم مطلقا.

2 ـ أن المسلم إذا وقع بقريبه السحر الواجب عليه أن يتعاطى الأدوية الشرعية أو الأدوية المباحة لرفع هذا المرض الذي هو السحر، ثم أيضا في المقابل على المسلم أن يدفع هذا السحر قبل أن ينزل، وكيف يكون الدافع له ؟ الدافع هو أن يتحصن بالأوراد الشرعية فإنها حافظة له بإذن الله عز وجل ، وأيضا يحرص على ما قاله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ»

وتمر المدينة له فضل حتى ولو لم يكن عجوة لرواية مسلم: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمَّا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا» بل إن السعدي رحمه الله يقول: إن ذكر تمر المدينة في هذا الحديث من باب المثال ، وإلا فكل تمر داخل في هذا الحكم سواء كان من تمر المدينة أو لم يكن، والذي يظهر لي أنه لا يشمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد العموم لقال: «من تصبح بسبع تمرات» ولم يقيدها بعجوة المدينة ولا بما بين لابتيها.

3 ـ أن هناك طريقة لعلاج السحر ، وهو أن يُستخرج من مكانه إن عُلم بمكانه يستخرج، وأن تقرأ عليه المعوذات كما فعل صلى الله عليه وسلم ولو شاء أن يحرقه فله ذلك، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها «أفلا أحرقته يا رسول الله» فهو أقرها  صلى الله عليه وسلم   لكنه لم يحرقه للعلة التي ذكرها قال: «أمَّا قد شفاني الله فإني أخشى أن أحدث على الناس شرا»

4 ـ أن هناك طريقة أخرى في علاج السحر، وهو أن يستفرغ من هذا العضو الذي في بدن الإنسان ما أصابه من السحر أن تستفرغ منه المادة بحجامة أو فصد أو نحو ذلك وقد ذكر ذلك ابن القيم  رحمه الله في زاد المعاد وأيده بحديث «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر احتجم»  لكنه حديث ضعيف، لكن لا شك أن الحجامة فيها منفعة ولذا قال  صلى الله عليه وسلم :  «إنْ كانَ في شَيْءٍ مِمَّا تَداوُونَ بِهِ خَيْرٌ فالحِجامَةُ»

5 ـ أن هناك طريقة ثبتت بالتجربة في علاج السحر ولاسيما إذا كان هذا السحر في صرف الزوج عن زوجته في الجماع ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله قال: يؤتى بسبع ورقات من السدر وتدق وتوضع في ماء يكفي للشرب وللاغتسال ثم يقرأ الآيات التي جاءت فيها مناظرة بين موسى عليه السلام  والسحرة في سورة «طه والأعراف ويونس»  ويقرأ «قل يا أيها الكافرون – وقل هو الله أحد  والمعوذتين وآية الكرسي» قال رحمه الله : جرب هذا كثيرا ً فنفع الله به ولاسيما في حق من انحبس عن زوجته.

والتجارب يجب أن تكون في محيط الشرع ولا يؤخذ بكلامه رحمه الله على وجه الإطلاق، فلعل ما يؤيده في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين العلاج الشرعي والحسي، فإنه لما لدغته العقرب استعمل الملح وقرأ المعوذتين، لكن لا يقيد هذا العلاج الطبيعي بعدد من هذه الورقات أو غيرها.

6 ـ أن هذه الأدوية يجب أن يعتقد المسلم أنها سبب وأن النافع هو الله فإذا اعتمد على السبب صار شركا.

7 ـ أن المريض إذا تعاطى دواءً فلم ينتفع به لا يعجل وإنما عليه أن يكرر الدواء ولذا جاء في الصحيحين: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَبَرَأَ»

ولذا قد لا يؤثر العلاج من أول مرة من باب الاختبار والامتحان، هل يبقى هذا العبد على هذا العلاج الشرعي أم أنه ينصرف عنه إلى العلاج الشركي؟

وروي عن الحسن رحمه الله : أنه قال:  «لا يَحُّل السحر إلا ساحر»

قال ابن القيم رحمه الله :

النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان :

أحدهما: حل بسحر مثله ، وهو الذي من عمل الشيطان وعليه يحمل قول الحسن فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور.

الثاني : النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة ، فهذا جائز»

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ