ِشرح كتاب التوحيد
( 28 )
[ باب ما جاء في التطير ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد تحت هذا العنوان :
1- أن الطيرة لما كانت أحد أنواع السحر – كما مر معنا – في حديث «إِنَّ الْعِيَافَةَ وَالطَّرْقَ وَالطِّيَرَةَ مِنْ الْجِبْتِ» ناسب أن يفردها في باب مستقل .
2- أن التطير هو التشاؤم ، سواء كان هذا التشاؤم بمرئي كأن يرى بومة فيتشاءم بها ، أو بمسموع كأن يسمع من يقول «يا خاسر» فيتشاءم بها، أو بمعلوم كأن يتشاءم بمكان أو زمان.
3- إنما قيل «التطير» لأن غالب ما يتشاءمون به الطيور، فإذا ذهبت يمنة تفاءلوا وإذا ذهبت يسرة تشاءموا، وهذا يظهر في الحديث السابق «إِنَّ الْعِيَافَةَ وَالطَّرْقَ وَالطِّيَرَةَ مِنْ الْجِبْتِ».
فإن العيافة هي زجر الطير، ثم ذكر بعد ذلك الطيرة، فهذا من باب عطف العام على الخاص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 131]
من الفوائد:
2ـ أن الله عز وجل خالق كل شيء ، فهو خالق حتى الشر ، لكنه لا يخلق شرا محضا كما سلف ، قال هنا : ﴿ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الأعراف: 131]
3ـ أن ختام الآية بقوله ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : 131] يدل على أن من خالف منهج الله جل وعلا أنه من الجهال ، حتى ولو كان في واقع أمره يعد من العلماء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ﴿ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾ [يس: 19]
من الفوائد:
1ـ أن التطير كان موجودا في عهد عيسى عليه السلام ، ولذا قال عز وجل : ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: 14] فإن عيسى عليه السلام أرسل اثنين إلى قرية كما قال تعالى ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ 13﴾ [يس: 13]
قال بعض المفسرين: هي «أنطاكيا» لكن ليس عليه دليل .
فعزز هذين الرسولين برسول ثالث.
2ـ أن قوله تعالى: ﴿ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾ لا يتعارض مع قوله : ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ وذلك لأن الآية السابقة أثبتت أن التطير خلقه الله ، لكنه سُلِّط عليهم بسبب أعمالهم .
3ـ أن قوله : ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [يس: 19] فيه إيجاز، والإيجاز هو: أن يؤتى بكلمة تغني عن معان متعددة ، فيكون السياق: «أئن ذكرتم تطيرتم » ، كان من الواجب في التذكر الاتباع لا التطير ولا التشاؤم.
4ـ أن التطير إسراف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن أبي هريرة رضي الله عنه :
« أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ» أخرجاه زاد مسلم «وَلاَ نَوْءَ وَلاَ غُولَ» .
من الفوائد :
1ـ أن النفي الموجود هنا في هذا الحديث «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ» ليس نفيا لوجودهما ، وإنما هو نفي لتأثيرهما ، فقوله «لاَ عَدْوَى» لا يعني أن العدوى لا تقع، فإن الحس يدل على ذلك ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم «وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ» وجاء عند مسلم : «كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النبي صلى الله عليه وسلم :«إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ».
وأما ما جاء «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ وَقَالَ كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ» فإنه حديث ضعيف.
2ـ أن نفي الطيرة لا يعني نفي لوجودها ، فهي موجودة لكن نفيها هنا نفي لتأثيرها
3- أن معنى قوله : «ولا هامة» قيل : هي المرض.
وقيل :هي البومة ، فكانت إذا نعقت على بيت قوم تشاءموا بأن صاحبه سيهلك ، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد ، ولذا: « لما مر طائر فنعق هذا الطائر قال رجل : خير، فقال ابن عباس : «لا خير ولا شر» يعني أن هذا الطائر لا يأتي بخير ولا يأتي بشر.
4ـ أن معنى قوله : «ولا صفر» قيل : هو داء يصيب البطن ، وقيل: هو شهر صفر ، كانوا يتشاءمون به ، وكانوا يتشاءمون أيضاً بشهر شوال كما جاء عند مسلم ، قالت عائشة رضي الله عنها :
«قَالَتْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَي نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّى»
ومن المعاني التي قالها العلماء في ذلك : قالوا :
«ولا صفر» يعني أن صفر ليس من الأشهر الحرم ، كما كانوا يصنعون ذلك، فإذا أرادوا أن يستبيحوا المحرم جعلوا محله صفر، وكل هذه داخلة في كلمة « صفر» .
5 ـ أن البدعة لا يجوز أن تعالج بالبدعة ؛ ولذا فإن البعض إذا فرغ من شيء في صفر قال : « فرغ في صفر الخير» من أجل أن يمحو ما كان عليه أهل الجاهلية من التطير، ونظير هذا ما يصنعه بعض الجهال فإنهم يوسعون على أنفسهم وعلى أهليهم في يوم عاشوراء واختلقوا حديث: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ فيِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ سَنَتِهِ» يريدون بذلك أن يمحوا بدعة الروافض الذين يجعلون هذا اليوم يوم مأتم وحزن ولكنَّ الخيرَ في اتباع شرع الله عز وجل .
6 ـ أن معنى قوله : «ولا نوء » سيأتي في باب مستقل متعلق بالنجوم ، فمعنى «لا نوء» أي لا نجم.
7ـ أن معنى قوله : «ولا غول» معناه نفي هذا الجنس من الشياطين الذي يزعم فيه بأنه يضل ابن آدم في السفر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه :
عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ»، قَالَوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ »
من الفوائد :
1 ـ استحباب التفاؤل ، وقد فسَّره النبي رضي الله عنه بـ: «الكلمة الطيبة» ولذا ثبت عند الترمذي : من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ يَا رَاشِدُ يَا نَجِيحُ» يعني يا ناجح ، تفاؤلا بأن يكون مآل أمره في هذه الحاجة في رشد وفي نجاح. ولذا كما في صلح الحديبية: «لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ»
2 ـ أن الفأل كما يكون بالكلمة الطيبة يكون أيضا بالفعل الطيب، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أبردتم إليَّ بَرِيداً ؛ فابعثُوه حَسَنَ الوجهِ، حَسَنَ الاسمِ » ، وهذا الحديث ظن البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب أن يُرسل إليه من هو جميل في تقاسيم وجهه ، ولذا ضعف كثير من العلماء هذا الحديث ، بل قال ابن القيم رحمه الله «لا يصح في حسن الوجوه حديث» ، وقد حسنه الألباني رحمه الله ، وعلى تحسين الألباني رحمه الله فإنما أراد من حسن الوجه أن يأتي إليه رجل ليس به عيوب من باب التفاؤل، بدليل أنه قال : «حسن الاسم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأبي داود بسند صحيح :
عَنْ عقبة بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلا ترُدُّ مُسْلِمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللَّهُمَّ لا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ»
من الفوائد:
1 ـ أن هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ، لكن يصححه غيره ، كما أشار إلى ذلك المؤلف رحمه الله ، وأيضا يصححه النووي رحمه الله
2- أن الطيرة منها ما هو حسن ، وما هو الحسن من الطيرة ؟ هو الفأل ، وإنما جعل الفأل من الطيرة لأن التطير المذموم يجعل الإنسان يقدم إذا ذهب الطير عن طريق اليمين، فكذلك من سمع كلمة طيبة تراه يقدم على حاجته وعلى بغيته ، فلذا سميت تطيرا من حيث المعنى اللغوي ، وإلا فهي في الحقيقة ليست من التطير المذموم ، وإنما كانت تطيرا باعتبار ما ذكر، وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ» فلا يفهم من ذلك أن هناك فألا سيئا ، إلا إذا قيل إن الفأل من التطير، فاستثنى من التطير ما كان صالحا.
أو يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم «الفأل الصالح» بيان بما كان في الواقع ، وهو أن الفأل لا يكون إلا حسنا صالحا.
3 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ترد مسلماً» يدل على أن من ردته الطيرة ففي إسلامه خلل، بل إنه شرك كما سيأتي في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي بعد هذا الحديث «الطيرة شرك».
4 ـ أن من حصل له في قلبه نوع من التطير، فليبادر بذكر هذا الدعاء «اللَّهُمَّ لا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ».
5 ـ أن حصول الحسنات للعبد سواء كانت حسنات دينية أو دنيوية إنما هي من الله عز وجل ، إما أن تكون من الله عز وجل ابتداءً دون سبب أو تكون بسبب جعله جل وعلا سببا عن طريق المخلوق، فلو أعطاك المخلوق شيئا فإن المعطي في الحقيقة هو الله عز وجل ، وإنما جعل هذا المخلوق سببا.
6 ـ أن قوله: «وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ»، يشمل ما كان يسوء الإنسان من قول أو فعل فما يدفع عنك إنما هو من الله عز وجل ، حتى لو أنقذك المخلوق من غرق أو حريق فإن المنقذ هو الله عز وجل وقد جعل هذا المخلوق سببا.
7 ـ أن على العالم إذا ذكر شيئا مجملا يختلف الحكم فيه فالواجب عليه أن يبين ما هو الجائز وما هو الممنوع ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما ذُكرت الطيرة عنده قال : «أحسنها الفأل»
8 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم:« ما يكره» « ما » موصولة ، والأسماء الموصولة تفيد العموم يعني أي شيء يكرهه صغر أم كبر بسبب التطير.
9 ـ أن هذا الدعاء واجب ، لأمره صلى الله عليه وسلم :«فَإِذَا رَأَيْتَ مِنَ الطِّيَرَةِ مَا تَكْرَهُ فَقُلِ: اللَّهُمَّ لا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ» إلخ، ولأن هذا الدعاء يُذكِّر الإنسان بالتوحيد والاعتماد على الله عز وجل حتى يخلص قلبه من الاعتماد على هذا الشيء الذي تطير به.
10ـ أن معنى قولِه: «وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ» أنه لا حول للإنسان ولا قوة إلا بالله عز وجل فلا يستطيع أن يتحول من شيء سيئ إلى حسن أو من حسن إلى أحسن إلا بقوة من الله عز وجل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وله من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا :
«الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ وَمَا مِنَّا إِلاَّ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ» رواه أبو داود والترمذي وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود رضي الله عنه.
من الفوائد:
1 ـ مَرَّ معنا أنه من جعل سببًا لم يجعله الشرع سببا فإنه مشرك بالله شركا أصغر ، وكذلك الشأن في الطيرة فإنه جعلها سببا في الإقدام أو الإحجام ، وهو سبب لم يثبت عن طريق الشرع ، وقد تكون الطيرة شركا أكبر باعتبار اعتقاده فإذا اعتقد أن هذه الطيور مؤثرة بذاتها فقد اعتقد أن مع الله عز وجل خالقا آخر ، ومن ثمَّ يكون مشركا بالله شركا أكبر .
2 ـ أن العلماء متفقون على أن قوله : «الطيرة شرك» من قوله صلى الله عليه وسلم لكن القول الأخير «وما منَّا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل» معناه : وما منَّا إلا ويصيبه شيء من التطير لكنه يذهب بالتوكل فهل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أم هو من قول ابن مسعود رضي الله عنه ؟
الترمذي رحمه الله كما ذكر المؤلف قال: وجعل آخره من قول ابن مسعود رضي الله عنه ، وعلى ذلك جملة من المحققين.
والألباني رحمه الله يرى أنه من الحديث ، وأن التطير قد يقع في أول وهلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، إذ قال: إن الإدراج في الحديث الأصل عدمه ، ولكن الصحيح أنه مدرج، ونحن نقول إن قول الألباني الأصل عدم الإدراج صحيح، لكن قد يأتي دليل يدل على أن هذا الشيء مدرج ، وذلك لأن الطيرة نوع من الشرك ، ومثل هذا لا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه معصوم حتى من الكبائر، ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تحت حديث:«فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» قال يستحيل أن يكون هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأن الغرة لا يمكن أن تكون في الرأس، فيلزم على هذا القول أن يزيد في غسل الوجه إلى ما فوق الناصية ، وما فوق الناصية ليس بغرة .
3 ـ أن علاج التطير يكون بالتوكل على الله عز وجل .
4 ـ افتقار العبد إلى كرم الله عز وجل وتوفيقه ، ولذا قال : «ولكن الله يذهبه بالتوكل» ولم يقل : «ولكن تذهبه بالتوكل» وذلك لأنك إذا نجوت من التطير بتوكلك إنما هذه النجاة بفضل من الله عز وجل إذ ألهمك ووفقك وأعانك.
5 ـ حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التحذير من الوقوع في الشرك ، ولذا قال : « الطيرة شرك الطيرة شرك » كررها من باب التأكيد على خطورتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأحمد من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما :
«مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عن حَاجته فَقَدْ أَشْرَكَ، قَالُوا: فمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمُ اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُكَ، وَلاَ طَيْرَ إِلاَّ طَيْرُكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ»
من الفوائد:
1 ـ أن هذا الدعاء يُكَفِّر التطير، والتعبير بقوله : «فما كفارة ذلك؟» الكفارة قد تكون قبل حصول الشيء وبعده ، فيكون هذا القول يقال قبل حصول التشاؤم إذا طرأ عليه أو إذا وقع فيه فليقل هذا الدعاء.
2 ـ حرص الصحابة رضي الله عنهم على استفهام النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم حتى يتضح إليهم الأمر ولاسيما في العقيدة.
3 ـ أن قوله: « من ردته الطيرة عن حاجته » يستفاد من ذلك أن الإنسان إذا أقدم على حاجة فوجد أن هذه الحاجة فيها مصلحة فشرع فيها فحصل له عراقيل فالواجب عليه أن يستمر ولا يجعل هذه العقبات والعراقيل محلا للتشاؤم والتطير من هذا الشيء.
4 ـ أن الخير بيد الله عز وجل كما قال :
﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26 ].
5 ـ أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا طير إلا طيرك» أن هذه الطيور حينما ترسل فتذهب يمنة أو يسرة إنما تذهب بأمر الله وليس لها تصرف.
6 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم:«ولا إله غيرك» يدل على أن الطيرة شرك ، لأن من اعتمد عليها فقد أشرك.\
وله من حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما : «إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ»
من الفوائد:
1- أن هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله لكنه حديث ضعيف، وعلى القول بصحته فإن معنى ذلك : أن الطيرة إما أن تجعل الإنسان يمضي في حاجته إذا ذهب الطير عن اليمين أو يحجم عن حاجته إذا ذهب إلى جهة اليسار.
2 ـ أن قوله «الطيرة ما أمضاك» يخرج الفأل ، لأن الفأل يدعو الإنسان إلى أن يمضي في حاجته
3 ـ أن الفأل المحمود لابد فيه من الضوابط ولذا لو أن الإنسان اعتمد على الفأل الحسن فقد أشرك بالله عز وجل .
4ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيء فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ» وهذا الحديث ورد بروايات منها :
«إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ» وورد بدون إنما «الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ»
فيكون معنى هذا الحديث: أنه إن قُدِّر أن هناك تشاؤما فإن هذا التشاؤم لا يكون إلا في هذه الأشياء الثلاثة ، ومن ثمَّ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الشؤم في ثلاثة» أو رواية «الشؤم في ثلاثة» روايتان مرجوحتان ،وهذا هو رأي الألباني رحمه الله يرى أن الشؤم لا يقع في شيء أبدا لا في هذه الأشياء الثلاثة ولا في غيرها، ولذا قال: (( إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة ))
وبعض العلماء يقول : إن التشاؤم مذموم ويستثنى منه التشاؤم في هذه الأشياء الثلاثة ، لوجود الروايات الأخرى وأن هذه الروايات ثابتة وصحيحة ، ومما يدل عليه أنه جاء في سنن أبي داود:
«عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا ثُمَّ تَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعُوهَا ذَمِيمَةً»
يعني انتقلوا عنها، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يبعد قلوبهم من أن ينشغلوا بهذه الدار حتى يزول عنهم الوهم، وذلك لأنهم إذا توهموا فكل ما يأتيهم مما يسوؤهم ظنوا أنه من هذه الدار، ويدل له أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه كما في سنن أبي داود: «أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيء وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلاً سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ وَرُئِي بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِي كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ بِهَا وَرُئِي بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِي كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ».
وهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم ليس للتطير، وإنما لأنه صلى الله عليه وسلم زال منه الفأل وزوال الفأل لا شك أنه يؤثر على المسلم ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث السابق : «إذا بعثتم إليَّ بريدا فليكن حسن الوجه حسن الاسم » .
ولو قال قائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا»
ولذا عمر رضي الله عنه لما أراد أن يقدم على الشام أُخبر قبل دخوله بأن الطاعون قد وقع فيها فرجع «قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ» .
فليس عدم الدخول إلى هذه الأرض الموبوءة من التطير في شيء.