شرح كتاب التوحيد
( 31 )
باب قوله تعالى :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ }
[البقرة 165]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=_-VDiOKF1oA&index=32&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz
من الفوائد تحت هذا العنوان:
1 ـ أن المؤلف رحمه الله لم يذكر عنوانا لهذا الباب إلا قوله باب قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ ﴾ [البقرة : 165].
ولعل مراده رحمه الله أن يعوِّد طالب العلم على استنباط العنوان بنفسه من الآية.
من فوائد الآية:
1 ـ أن هذه الآية مرت معنا في باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
2 ـ أن أركان العبادة كما قال شيخ الإسلام رحمه الله هي ثلاثة: «المحبة – الخوف – الرجاء» وقال: إن أعظمها المحبة فهي تلقي العبد في طريق الله عز وجل ويقول بقدر قوتها وضعفها يكون هذا السير، ثم قال: والرجاء يقودها، والخوف يمنعها من الخروج عن هذا الطريق ، والمحبة تنقص كلما عظم أو كثر الذنب، لكن أصلها يكون موجودا ما لم تكن الذنوب صادرة عن نفاق.
ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ذلك الرجل الذي شرب الخمر فلعنه البعض فقال صلى الله عليه وسلم : «لا تلعنه أما علمت أنه يحب الله ورسوله»
ولذا قال السلف: «من عبد الله عز وجل بالمحبة وحدها فهو زنديق، ومن عبد الله عز وجل بالخوف فهو حروري،ومن عبد الله عز وجل بالرجاء فهو مرجئ».
وهذه المحبة المذكورة في هذه الآية تنمو وتغذى كما قال شيخ الإسلام رحمه الله بأمرين:
الأول: كثرة ذكر المحبوب عز وجل .
الثاني: مطالعة آلائه وإنعامه والتأمل في مخلوقاته.
وأما الرجاء: فإنه يقوى بمطالعة آيات الكرم والرحمة.
وأما الخوف: فإنه يقوى بالاطلاع على آيات الوعيد كالنار ونحوها، أي بالنصوص المذكورة في النار ونحوها.
3 ـ أن المحبة تنقسم إلى أقسام :
أولا: محبة العبادة وهي محبة التذلل والخضوع لله عز وجل ، ولذا يسميها البعض بالمحبة الخاصة ، وهذه لا تكون إلا لله عز وجل فمن أشرك بالله عز وجل أحداً فيها فهو مشرك بالله عز وجل شركاً أكبر، وذلك كصنيع عُبَّاد الأصنام والقبور فإنهم يحبونهم كحب الله عز وجل .
ثانيا : المحبة في الله عز وجل وهذه من مكملات محبة الله عز وجل ، وذلك كأن يحب شخصا لله أو يحب زمانا فضَّله الله عز وجل كشهر رمضان، أو يحب مكاناً فضله الله عز وجل كالمساجد الثلاثة.
ثالثا: محبة الرحمة والشفقة، وذلك كمحبة الوالد لولده، وهذه جائزة وسيأتي لها دليل في هذا الباب .
رابعا : محبة الاحترام والتقدير ، وذلك كمحبة الطالب لمعلمه وهذه جائزة.
خامسا : محبة طبيعية، كمحبة الإنسان للشرب وللأكل ، وهذه الأقسام الثلاثة الأخيرة هي في الأصل مباحة لكنها قد تكون محرمة باعتبار آخر، باعتبار المتعلق ، وذلك كأن يقدم محبة الأبناء على أمر الله فتكون في هذه الحال محرمة وقد تكون مستحبة ، وذلك كأن يحب الأكل أو الشرب ويتناوله من أجل أن يستعين به على طاعة الله عز وجل .
4 ـ إثبات أن المشركين يحبون الله لكنها محبة شركية لِمَ؟ لأنهم لم يكونوا مخلصين لله عز وجل في هذه المحبة ، ولذا فإن هذه المحبة لا تنفعهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة24].
من الفوائد :
1 ـ أن تقديم محبة هذه الأشياء على محبة الله عز وجل معرض صاحبها للعقاب، ولذا ختم الآية بقوله:﴿فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾.
2 ـ أن تقديم محبة هذه الأشياء على محبة الله عز وجل فسق لأنه ختم الآية فقال: ﴿وَاَللَّهُ لَا يَهْدِي اَلْقَومَ اَلْفَاسِقِينَ ﴾.
3 ـ أن معنى ﴿وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ يعني أقرباءكم ،ومعنى ﴿أَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ يعني اكتسبتموها ومعنى ﴿تِجَارَةٌ تَخْشَونَ كَسَادَهَا﴾ أي تخشون عدم نفاقها وتسويقها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» أخرجاه.
من الفوائد :
1 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان في هذا الحديث عن من لم يُقدِّم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبته لولده ووالده والناس أجمعين ، وليس النفي هنا نفياً لأصل الإيمان، وإنما هو نفي للكمال، يعني لا يكون أحدكم كامل الإيمان، إذ لو قلنا بأن النفي هنا نفي لأصل الإيمان فهذا هو معتقد الخوارج، الذين يقولون إن صاحب الكبيرة كافر مخلد في النار ، ومما يدل على أن النفي ليس لأصل الإيمان وإنما هو لكمال الإيمان ما سيأتي في الحديث إذ قال:«لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ…» وفرق بين من لم يجد حلاوة الإيمان ومن لم يجد الإيمان من أصله.
2 ـ أن النفي قد يكون نفياً لأصل الإيمان في حالة واحدة وهي إذا خلا القلب من محبة النبي صلى الله عليه وسلم فيكون بهذا الاعتبار كفراً.
3 ـ أن هذا الحديث ذكرمحبة التقدير ، لأن الولد يحب والده تقديراً واحتراما ، وذكر محبة الشفقة وذلك لأن الوالد يحب ولده شفقة.
4 ـ أن المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون أحب إليك من محبتك لنفسك، ولذا قَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْآنَ يَا عُمَرُ» .
يعني قد كمل إيمانك.
5 ـ أن من لوازم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتقديم محبته على محبة غيره: أن تقدم أقواله وأحكامه وإلا أصبحت هذه المحبة محبة ادعاء، فدلائل تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم أن تقدم أقواله وأحكامه ولذا قال عز وجل :﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [النساء65].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهما عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بهن حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».
وفي رواية «لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ…» إلى آخره.
من الفوائد:
1 ـ أن للإيمان حلاوة كما أن للمطعوم اللذيذ حلاوة، لكن حلاوة الإيمان أحسن وألذ لم؟ لأنها باقية أما حلاوة المطعوم فإنها تنتهي بانتهاء هذا المطعوم.
2 ـ أن مفهوم هذا الحديث يدل على أن من لم يتصف بهذه الصفات أن حلاوة الإيمان قد انتفت منه ، هذا من المفهوم ويدل له المنطوق في الرواية الأخرى قال:
وفي رواية «لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ…..».
3 ـ أن قَرْن محبة النبي صلى الله عليه وسلم مع محبة الله عز وجل جائز كما في هذا الحديث، وذلك لأن من أطاع النبي صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، قال تعالى ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه﴾ [النساء80]، ثم نحن نحب النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل وفي الله عز وجل ، لأن الله عز وجل جعله رسولا وأكرمه لكنه صلى الله عليه وسلم لا يرفع إلى منزلة الخالق عز وجل وإنما نحبه لما فيه من الصفات العظيمة التي فاق بها المخلوقين لكن هذه الصفات العظيمة التي جعلها الله عز وجل له لا يرتقى به إلى صفات الخالق.
4 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ» فيه دليل على القسم الثاني الذي هو المحبة في الله عز وجل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال:
« من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئا» رواه ابن جرير.
من الفوائد :
1 ـ أن الولاية المذكورة في أثر ابن عباس رضي الله عنهما إما أن يقال:«وَلاية» بالفتح، أو «وِلاية» بالكسر، وقد قال بعض العلماء: إنهما في المعنى سواء، سواء كان بالفتح أم كان بالكسر.
ولكن قال بعض العلماء إنها بالفتح بمعنى النصرة، كما قال تعالى:﴿مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ ﴾ [الأنفال72].
أما بالكسر فالمراد من ذلك تولي الأمور بأن تكون مسئولا ، ويدل لذلك على أحد وجهي التفسير ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد22].
ولا شك أن جعل كل كلمة لها معنى أحسن، لأن في هذا إثراءً للغة العربية، وعندنا قاعدة: «أن اللفظ إذا دار بين التأسيس والتأكيد فإن حمله على التأسيس أولى لأن فيه زيادة معنى ما لم يكن هناك دليل على التأكيد».
2 ـ أن الحب في الله عز وجل والبغض في الله عز وجل والموالاة في الله والمعاداة في الله عز وجل سبب لتأييد الله عز وجل للعبد ولذلك قال بعد هذه الجمل قال: «فإنما تنال ولاية الله بذلك».
3 ـ أن الولاية تنقسم إلى قسمين:
النوع الأول: ولاية من العبد لله عز وجل للعبد، ومعناها أن يقيم الدين ، وليس معناها أن الله عز وجل محتاج إلى العبد، ولذا قال تعالى:﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة56].
النوع الثاني: ولاية من الله عز وجل للعبد وهي على نوعين:
إما ولاية عامة: وهي لجميع الخلق الكافر والمؤمن فيتولى أمورهم ويرعى شئونهم ويرزقهم كما قال تعالـى:﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اَللَّهِ مَولَاهُمْ اَلْحَقِ﴾ [الأنعام 62]
أما الولاية الخاصة: فهي ولاية الله تعالى للمؤمنين ، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد11]. وولاية الله عز وجل ولاية خاصة تقتضي النصرة والتأييد والإعانة والتوفيق منه عز وجل لعباده الصالحين، كما قال تعالى:﴿بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران150].
4 ـ أن قول ابن عباس رضي الله عنهما : «وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا»، فيه دليل على أن العالم الشرعي لا يمكن أن يكون بعيدا عن واقعه فابن عباس رضي الله عنهما ذكر ما عليه واقع الناس ومن ثمَّ فإن قول البعض إن علماء الشرع يختصون في علم الشرع وأن هناك علما يُدعى فقه الواقع هذا لا دليل عليه لم؟
لأن العالم لا يمكن أن يذكر أحكاماً أو يبني أحكاماً إلا على واقع الناس ، فكيف يحكم على شيء وهو لم يره ولم يعلم به؟ والنبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيرية في من فقه في دين الله عز وجل كما في الصحيحين: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»
وهذه التسمية بفقه الواقع أتت ، من أجل صرف الناس عن التفقه في العلم الشرعي الذي به نجاتهم.
5ـ أن كثرة الصلاة والصيام لا تغني في تحصيل ولاية الله عز وجل حتى يأتي بالصفات الأربع المذكورة:« من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله».
6ـ هل محبة الكفار كفر أم لا ؟
قال الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان قال: «ظاهر الآيات الكثيرة أنها تنفي أصل الإيمان وذلك لما ذكر في النصوص الكثيرة الواردة في تحريم موالاة الكفار».
ولا ننازع في هذا، لكن هناك فرق بين الموالاة والتولي، فالتولي: هو أن ينصر الكفار هذا كفر كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51] ولذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه مع أنه أراد أن يخبر كفار قريش عن مجيء النبي صلى الله عليه وسلم «مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » وهذا لا شك أنه مناصرة، ولكن لم تكن عن محبة للكفر وبغض للإسلام، ولذا استفصل منه النبي صلى الله عليه وسلم «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ صَدَقَكُمْ»
أما قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» لما قال عمر رضي الله عنه:
«يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ» فقال صلى الله عليه وسلم هذه المقولة ولو كانت النصرة مطلقا كفراً لما استفصل منه صلى الله عليه وسلم ، ولذلك نزل فيه وأمثاله قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا﴾ [الممتحنة: 1].
فدل هذا على أن تولي الكفار ومناصرتهم حبا في الكفر وبغضا للإسلام فإنه لاشك أنه كفر بالله عز وجل
أما المحبة فقد سبق قول الشنقيطي رحمه الله وما يراه من ظاهر هذه النصوص ، ولاشك أن محبة هؤلاء خطر عظيم حتى لو لم يقل بكفر من أحبهم إلا أنها بريد إلى أن يكون مثلهم وأن يناصرهم وأن يحب ما هم عليه من الكفر وأن يرضى ما هم عليه من الكفر
فليحذر المسلم كل الحذر
7ـ أن قول ابن عباس رضي الله عنهما : «وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا» دل على أن المحبة من المسلم لأخيه المسلم يجب أن تكون لله عز وجل وفي الله عز وجل وليست على أمر من أمور الدنيا لأن أمور الدنيا تفنى وتزول ومن أحب شخصاً لمصلحة فإن محبته كذب، ولذا فإن المحبة الحقيقية هي المحبة في الدين وهي التي تبقى في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى:﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [الزخرف 67] واستثنى المتقين قال:﴿إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف67]. وقال في ذلك الرجل قال:﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً 28﴾ [الفرقان28].
8ـ أن محبة الزوجة لا ضرر فيها بشرط ألا تدعو هذه المحبة إلى ترك ما أمر الله عز وجل به، أو فعل ما نهى الله عز وجل عنه.
9ـ أن الحب قد يجر بالإنسان إلى العشق، والعشق من المراتب العليا في أقسام المحبة وهذا العشق إن كان لرجل أو امرأة، لأن العشق في الغالب لا يكون إلا لشهوة أو لذة فإنه محرم، لكن إن كان لزوجة فإنه جائز بالشرط السابق
وأما حديث «مَنْ عَشِقَ فَكَتَمَ وَعَفَّ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ» فهو حديث ضعيف من حيث السند ، ثم أيضا فيه مطعن في متنه، فكيف يوازي العشق الشهادة في سبيل الله عز وجل ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال ابن عباس رضي الله عنه : في قوله تعالى: ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166] قال: المودة» .
من الفوائد:
1 ـ أن ابن عباس رضي الله عنهما فسَّر «الأسباب» في قوله تعالى: «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ» بالمثال لأن من الأسباب التي يرتبط بها الناس المودة، والأسباب كثيرة، قد تكون هناك علاقة بسبب مصلحة دنيوية من مُلك أو منصب أو نحو ذلك فذكر الله عز وجل أنه إذا التقى الناس فإن جميع الأسباب تنقطع من بينها المودة، إلا إذا كانت هذه المودة بين الشخصين على تقوى من الله عز وجل .