شرح كتاب التوحيد (33) [ باب قول الله تعالى: { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }[المائدة 23]

شرح كتاب التوحيد (33) [ باب قول الله تعالى: { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }[المائدة 23]

مشاهدات: 430

شرح كتاب التوحيد

(33)

بـاب قول الله تعالى :

{ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

 [المائدة 23]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=-oLfwLIMK78&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=34&spfreload=10

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 من الفوائد:

1 ـ أن المؤلف رحمه الله لم يذكر له عنواناً وإنما صدَّر الباب بهذه الآية.

وعندي أن هذا الباب له مناسبة بالباب السابق، وكما سلف أن المتمعن في هذا الكتاب «كتاب التوحيد» المتمعن فيه يجد أن الشيخ رحمه الله كان فقيها وذكيا وحسنا في الترتيب، فمناسبة هذا الباب وهو يتحدث عن التوكل بالباب السابق الذي هو الخوف، المناسبة واضحة وهي «أن من خاف الله عز وجل  توكل عليه».

2- أن طائفة غلت في الأسباب، وطائفة أنكرت الأسباب، وأهل السنة والجماعة توسطوا في ذلك.

فمن أنكر الأسباب يقول: إن تحصيل العلم الشرعي لم يكن سببه الاجتهاد، وإنما حصل العلم من الله عز وجل عند الاجتهاد لا بالاجتهاد، فإن الله عز وجل  أعطى هذا الشخص علما في تلك اللحظة لما اجتهد ولم يكن منه اجتهاد، فاجتهاده ليس سبباً في تحصل العلم، وهذا كما أسلفنا قدح في العقل؛ ولذا يقولون لما ترمي بالحصاة على الزجاج فتكسره، يقولون: إن رميك الحصاة لهذا الزجاج إن هذه الرمية ليست سببا في الكسر، إنما كسره الله عند حصول الرمي، وكذلك لو ضربت شخصا فتألم، فإن هذا الألم ليس من هذه الضربة إنما حصل الألم من الله عز وجل  عند هذه الضربة، وهذا قدح في العقل، وقدح في حكمة الله عز وجل  لأنه جل وعلا ربط الأسباب بالمسببات، فسبب الشبع هو الأكل، وسبب الارتواء هو الشرب، وسبب تحصيل العلم هو الاجتهاد.

لكن ليعلم أن السبب لا يؤثر بذاته، فمن قال إن السبب يؤثر بذاته فقد وقع فيما وقعت فيه الطائفة الأخرى التي تغالي في الأسباب، والغلو في الأسباب شرك لأنه اعتماد على السبب.

وأما أهل السنة والجماعة: فإنهم اعتمدوا على الله عز وجل  وعملوا بالأسباب مع اعتقادهم أن الأسباب لا تؤثر بذاتها  ولهذا قد يوجد السبب ولا يوجد المُسبب كما سلف، إبراهيم  صلى الله عليه وسلم  أوقدت له النيرات وألقي فيها، والنار سبب للإحراق ولم يحترق لأن الله عز وجل  إذا شاء أن يعطل السبب عطله؛ ولذا قال بعض العلماء: «ليس المتوكل من فتح الباب للسارق أو أدخل يده في فم الثعبان».

3 ـ أن التوكل من مقتضيات الإيمان، قال تعالى:﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾  [المائدة23].

4 ـ أن التوكل نصف الدين، كما قال تعالى:﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾

[الفاتحة5].

5 ـ قال شيخ الإسلام  رحمه الله:« ليس للمعطلة – الذين عطلوا الصفات – ولا للقدرية – الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه- ليس لهم توكل، فكيف يتوكل هذا العبد الذي لا يرى لله صفة القوة أو صفة الإرادة أو صفة المشيئة؟ وكذلك هذا القدري الذي يقول إن العبد يخلق فعل نفسه، كيف له أن يتوكل على الله  عز وجل ؟».

6 ـ أن من وكَّل غيره في قضاء حاجة فليس متوكلا عليه، وذلك لأن التوكل يكون من الضعيف على القوي، أو من هو في مرتبة دنيا يعتمد على من هو في مرتبة عليا، لكن التوكيل حينما توكل شخصا ترى أنك أنت أيها الموكل أرفع من الوكيل، وقد استناب صلى الله عليه وسلم  كثيرا من الصحابة.

7 ـ أن من أسمائه جل وعلا  «الوكيل» قال تعالى:﴿وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾  [النساء81]، لأنه عز وجل  يُعتمد عليه، وهو عز وجل  يوكل، قال تعالى:﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾  [الأنعام89] وتوكيله عز وجل  لهؤلاء العباد المراد منه أن يقوموا بشرعه، كما قلنا في تولي العبد لله، ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله «لا يقال: وخليفة الله» لأن الخلافة لا تكون إلا عند غياب صاحبها، والله عز وجل  الملك القادر،ولذا ما ورد في حديث «خليفة الله المهدي»  فإنه لا يصح.

أما قوله تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾  [البقرة30]. لم يقل:«خليفة لي» ثم إن المراد بالخلافة في الأرض أن تعمر، ولذا قالت الملائكة:﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾  [البقرة30]. وهذا يخالف العمارة، فقال عز وجل :﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾  [البقرة30].

8 ـ أن من اعتمد على سبب خفي فهو مشرك بالله شركا أكبر، كمن يعتمد على الأموات والأصنام، فإنه لم يعتمد عليهم إلا لاعتقاده بأن لهم قدرة وأنهم يملكون النفع ويدفعون الضر .

9ـ أن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، يعني ليكن توكلك على الله عز وجل  وحده، فإنه لم يقل: «فتوكلوا على الله إن كنتم مؤمنين» إنما قدم الجار والمجرور.

10- أن الحصر هنا في قوله:﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾  يفيد أن التوكل لا يكون إلا على الله عز وجل  وحده، ومن ثم فإن قول بعض الناس  «توكلت على الله ثم عليك» فإنه على الصحيح قول خاطئ، فإن هناك من المعاصرين وهي فتوى للجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، وليس من ضمن اللجنة آنذاك الشيخ صالح الفوزان لأنه يرى المنع، والأدلة التي ذكروها تفيد أنهم حملوا هذا اللفظ على ما يقدر عليه الإنسان كالمشيئة، ولذلك استدلوا بالنصوص التي فيها مشيئة للعبد كقوله تعالى ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾  [الإنسان: 30]  وكقوله صلى الله عليه وسلم «ما شاء الله ثم شئت»

وكثير من العلماء يمنع ذلك، لأن التوكل عبادة قلبية، فلا يقدر العبد على شيء منها، لاسيما أن الشريعة جاءت بسد الأبواب المفضية إلى الشرك، فالصواب عدم قولها ويكفي أن يقول وكلتك، والإنسان يحتاط لأن هناك من العلماء من قال إنه شرك أصغر

وقوله تعالى:  ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال2]

 من الفوائد:

1 ـ أن من صفات المؤمنين التوكل على الله عز وجل ، ولذا ختم الآية بقوله: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ  ﴾ [الأنفال2].

2 ـ أن هذه الصفات المذكورة في هذه الآية من الصفات العظمى للمؤمنين، لم؟ لأن الله عز وجل  صدَّر الآية بأداة الحصر  فكأنه حصر الإيمان في هذه الصفات، وهذا يدل على عظمها .

3 ـ أن قوله:﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ﴾  [الأنفال2]  يدل على أن الإنسان قد ينتفع قلبه بالاستماع إلى قراءة القرآن من الآخرين  ولا شك أن الأصل أن يقرأ الإنسان بنفسه، لكن لو رأى أن الأنفع لقلبه أن يسمع القرآن فليسمع، ولذا قال صلى الله عليه وسلم لابن مسعودرضي الله عنه: «اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ» قال: «قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي»

4 ـ أن الله عز وجل  ذكر من صفات المؤمنين وجل القلب،قال:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال2]   يعني: خافت.

فالذكر يسبب وجل القلوب عند المؤمنين، وهذا قد يتعارض في الظاهر مع قوله تعالى:﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾  [الرعد28]. فكيف يكون هنا وجل وهناك طمأنينة عند الذكر؟

فالجوب عن ذلك: أن المؤمنين عند آيات الوعيد وآيات الخوف توجل قلوبهم، وعند آيات الوعد والترغيب تطمئن قلوبهم.

ومن هنا فإن على المسلم أن يجمع بين الخوف والرجاء كما في هاتين الآتيتين، ولذا عائشة ل كما عند الترمذي سألت عن صفة المؤمنين في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون60]  قالت: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: « قال لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات»

5 ـ أن الجار والمجرور هنا قُدم، قال عز وجل :﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ولم يقل: «ويتوكلون على ربهم» من باب الحصر، بمعنى: أنك أيها العبد لا تتوكل إلا على الله عز وجل .

6 ـ أن قوله عز وجل : ﴿زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ الزيادة لا تكون إلا لنقصان، فلا يزيد الشيء إلا لكونه ناقصا في الأصل، ومن ثم فإن فيه دلالة على أن الإيمان يزيد وينقص، لأن من لوازم الزيادة النقصان.

7 ـ أن قوله عز وجل : ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ ذكر القلب، لأن القلب إذا انتفع انتفعت الجوارح، ولذا قال صلى الله عليه وسلم  كما في الصحيحين:«أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»

ولذا إذا أراد العبد أن ينتفع بالأذكار عليه أن يتوافق لسانه على ما في قلبه فيجد حلاوة ولذة بهذا الذكر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾   [الأنفال64]

 من الفوائد:

1 ـ أن معنى هذه الآية على القول الصحيح الذي لا يجوز العدول عنه: أن الله عز وجل  «حسب» يعني كافي النبي صلى الله عليه وسلم وكافي المؤمنين، وليس معناه كما قال البعض إن الله والمؤمنين يكفون النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون المعنى الصحيح أن الله  عز وجل هو حسب الجميع، لأن المعنى الآخر فيه تضاد، فكيف يعتمد النبي صلى الله عليه وسلم على أتباعه وهم أقل منه درجة في الخير والعلم؟ولأن الحسب إنما هو منسوب إلى الله عز وجل كما مر معنا، قال تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة59]، فجعل الإيتاء من الله  ومن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن الحسب حصره في الله عز وجل .

2 ـ أن الإنسان العظيم في العبادة وفي الخير محتاج إلى الله عز وجل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم  مع ما يقوم به من العبادة والخير إلا أنه محتاج إلى إعانة الله عز وجل .

3 ـ أن المتوكل على الله عز وجل  من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وقول الله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾  [الطلاق3]

 من الفوائد:

1 ـ أن من فوَّض أمره إلى الله  عز وجل فليطمئن فإن الله  عز وجل قد تولى أمره، ولا يعجل ولذا قال عز وجل  بعد هذه الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ يعني ما أمر به عز وجل  وأراده سيكون، ولذا قال:﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ [الطلاق3]، بمعنى أنك أيها المتوكل إذا اعتمدت على الله فلا تستعجل ثمرة ما تريده من الله عز وجل ، لم؟ لأن الله قدَّر أن يحصل هذا الشيء في وقته لمصلحة يراها عز وجل .

2 ـ أن من توكل على غير الله عز وجل  فإن الله عز وجل  ليس حسبه، ومن لم يكن الله عز وجل  حسبه فهو المخذول، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ».

ولذا بعض الصحابة في غزوة حنين لما قالوا: لن نُغلب اليوم من قلة، لما رأوا أنفسهم اثني عشر ألفا، ماذا كان من أمرهم؟ أن الأعداء تسلطوا عليهم وهربوا حتى وفقهم الله عز وجل  فعادوا مرة أخرى ونصرهم

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

«حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ  عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم  حِينَ قَالُوا له:﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران173]

رواه البخاري والنسائي

 من الفوائد:

1 ـ أن ابن عباس رضي الله عنهما ذكر هنا أمرا قد مضى، وأخبر أن إبراهيم  صلى الله عليه وسلم  قال لما ألقي في النار: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» مع أن ابن عباس رضي الله عنه كثيرا ما يأخذ عن بني إسرائيل، وقد قال العلماء: إن الصحابي إذا قال قولا ليس للرأي فيه مجال، وإنما هو أمر غيبي قد وقع في الماضي أو سيقع فإنه يكون من قبيل الحديث المرفوع حكما، لأن الصحابي لا يقول شيئا من تلقاء نفسه، إلا من عُرف بالأخذ من بني إسرائيل فإنه لا يعد قوله فيما أخبر به من قبيل المرفوع حكما.

فماذا يقال في هذا الحديث؟

الجواب: أن ابن عباس رضي الله عنه لم يذكر إبراهيم صلى الله عليه وسلم  وحده، وإنما ذكر معه نبينا صلى الله عليه وسلم فدل على أنه لم يأخذه عن بني إسرائيل.

2 ـ أن ذكر إبراهيم ونبينا عليهما الصلاة والسلام يدل على أنهما من أعظم المتوكلين على الله عز وجل ، ولذا استحقا أن يكونا خليلين لله عز وجل .

3 ـ بيان ثمرة التوكل على الله عز وجل ، فإن من ثمرة التوكل على الله أنه عز وجل  أنقذ إبراهيم  صلى الله عليه وسلم  من هلاك محقق، فقد أضرمت له النيران وقذف فيها ومع ذلك لما توكل على ربه  عز وجل   أنقذه وخلصه، وهذا معنى قوله عز وجل : ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾  [الطلاق3] ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذه الآية المذكورة: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران 173]، فإنه في غزوة أحد لما انقضت المعركة قيل: إن أبا سفيان رضي الله عنه قد جمع لك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «قوموا لمواجهتهم» مع ما فيه هو وأصحابه من الجروح والتعب والنصب، لكنهم توكلوا على الله عز وجل ، فما هي الثمرة؟ قال عز وجل  بعد هذه الآيات:﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران174]، فلما أُخبر أبو سفيان بعزم النبي صلى الله عليه وسلم هرب فلم ينلهم سوء، ثم رجعوا والتقوا بالناس واشتروا منهم تجارة فربحوا وغنموا، فهذا من الفضل والرحمة من الله عز وجل .

4 ـ أن التوكل على الله عز وجل  من الإيمان.

5 ـ أن قوله:﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾ يفيد أن العبد كلما ازداد توكله على الله ازداد إيمانا.

6 ـ أن على المتوكل ألا ينساق بسمعه إلى قول المرجفين والمثبطين والمخوفين، ولذا قالوا:﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ﴾  [آل عمران 173] ولم يكتفوا بذلك ﴿فَاخْشَوْهُمْ﴾ فإن تثبيط المثبطين أو كلام الغاوين ينبغي ألا يزيد المؤمن إلا إقداما في الخير، فما دمت على الحق لا تلتفت بسمعك لا إلى فلان ولا إلى فلان، إنما عليك أن تُقدم متوكلا على الله عز وجل ، فإذا كان ما بينك وبين الله عز وجل  عامر فلا عليك.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ