شرح كتاب التوحيد
(34)
باب قول الله تعالى :
{ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف 99]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=zxYzgjCWcH0&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=35
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد:
1 ـ أن المؤلف رحمه الله لم يذكر عنوانا لهذا الباب، وقلت: إن المؤلف رحمه الله كما قلت سابقاً حسن الترتيب، فهذا الباب له علاقة بالأبواب السابقة، فإن هذا الباب يتحدث عن الرجاء، لأن من يأمن مكر الله عز وجل قد غلَّب الرجاء، فيكون المؤلف رحمه الله ذكر باب المحبة وهي أحد أركان العبادة، ثم ذكر الخوف وهو أحد أركان العبادة، ثم ذكر التوكل الذي له علاقة بالخوف، ثم ذكر الرجاء الذي هو الركن الثالث من أركان العبادة في هذه الآية ﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف99].
2 ـ أن هذه الآية سبقتها آيات، قال عز وجل : ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ(98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ(99)﴾ [الأعراف 96 ـ 99].
3 ـ أن من أمن مكر الله عز وجل مغلبا لجانب الرجاء فإن الله عز وجل يمكر به ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال30]، قال عز وجل :﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف182]، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر رضي الله عنه: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا وهوَ مُقيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ» ثم تلا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾ [الأنعام44].
4 ـ أن من غلَّب جانب الرجاء فقد وقع في الخسران، ولذا ختم الآية بقوله:﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ99﴾[الأعراف 99]
5 ـ إثبات صفة المكر لله عز وجل ، وأتت بذلك نصوص كثيرة ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل50] لكن هذه الصفة من الصفات المقيدة، فليست من الصفات التي تُطلق على الله عز وجل مطلقاً، وإنما هي مقيدة، يقال هو يمكر بمن يمكر به، وذلك لأن المكر على نوعين:
فالمكر المذموم أن يوقع الآخر في السوء، وهذا مذموم.
والمكر المحمود أن من مُكر به مَكَر بمن مَكَر به، فإنه يدل على قوته وعلى قدرته، ولذا لا تطلق عليه سبحانه إلا على سبيل التقييد، فيقال: «الله عز وجل يمكر بمن يمكر بأوليائه»؛ ولذا قالعز وجل في آية أخرى:﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال30] .
وقوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾ [الحجر56]
من الفوائد:
1 ـ أن القنوط من رحمة الله سببه ترك الرجاء، فإن الإنسان إذا غلَّب جانب الخوف فإنه يقع في القنوط من رحمة الله، ولعل المؤلف أراد أن يُذكَّر طالب العلم بأنه لابد مع الرجاء من وجود الخوف، ولابد مع الخوف من وجود الرجاء.
2 ـ أن القنوط من رحمة الله ضلال، لم؟
لأن من يقنط من رحمة الله فقد قدح في رحمته الواسعة قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف156].
3 ـ إثبات صفة الرحمة لله عز وجل خلافا لمن حرفها فقال:« إنها الثواب أو إرادة الثواب ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر؟ فقال: « الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْح اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ »
من الفوائد:
1 ـ أن الكبائر اختلف فيها هل هي محددة بوصف أو عدد؟ فقال بعض العلماء: إنها محددة بعدد، بمعنى أن لها عددا معينا. ثم اختلفوا في هذا العدد.
وقال بعض العلماء: وهو رأي شيخ الإسلام رحمه الله «أنها محددة بالوصف» فكل ذنب رتب الله عز وجل عليه حدا في الدنيا أو عقوبة أو سخطاً أو ناراً أو غضباً، فإنه من الكبائر، وهذا هو الأضبط.
2 ـ أن الكبائر لا تُكفر إلا بالتوبة كما مر معنا «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ»
3 ـ أن الشرك الأصغر من الكبائر، لأنه قال لما سئل عن الكبائر، قال:«الشرك بالله» وهي كلمة عامة فيصح أن يطلق على الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر أنه من الكبائر، مع التصريح أنه شرك، وسيأتي معنا في أثر ابن مسعود رضي الله عنه: «أن الشرك بالله من أكبر الكبائر».
4 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْح اللَّهِ» فيه تغليب لجانب الخوف، وأن قوله صلى الله عليه وسلم:«وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ» فيه تغليب لجانب الرجاء، ومن ثمَّ فإن على المسلم أن يأتي بالخوف وبالرجاء.
5ـ أن ترك الخوف والرجاء من الكبائر، فإن ترك أحد أركان العبادة سبيل سريع إلى الشرك بالله، ولذا ذكر هاتين الجملتين بعد جملة الشرك بالله عز وجل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
«أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ» رواه عبد الرزاق.
من الفوائد:
1 ـ أن الكبائر ليست على درجة واحدة، فإنها تتفاوت، ولذا قال رضي الله عنه: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ» فدل على أن الكبائر درجات .
2 ـ أن هذا الأثر ذكر القنوط من رحمة الله، وذكر اليأس من روح الله عز وجل ، فهل هناك فرق بين القنوط وبين اليأس مع أنهما يتعلقان بركن واحد وهو الخوف؟ فيقال: إن القنوط استبعاد لحصول المطلوب، أن يستبعد العبد أن يحصل له مطلوبه، أما اليأس فهو أن يستبعد الإنسان أن يزول عنه المكروه، ولذا قال في الآية السابقة: ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ﴾ [الحجر56].