شرح كتاب التوحيد (35) [ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله ]

شرح كتاب التوحيد (35) [ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله ]

مشاهدات: 466

شرح كتاب التوحيد

(35)

[ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=LnJi8qeTd3k&index=36&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 من الفوائد تحت هذا العنوان :

1 ـ أن الصبر على ثلاثة أنواع :

أولاً:  صبر على طاعة الله.

ثانياً: صبر  عن معصية الله.

ثالثاً: صبر على أقدار الله عز وجل المؤلمة.

وأفضلها ما كان على هذا الترتيب، وإنما كان الصبر على طاعة الله أفضل لأن فيه تركا وفعلا، ويليه الصبر عن معصية الله عز وجل  لأن فيه تركاً، وأما كون الصبر على أقدار الله المؤلمة في المرتبة الثالثة لأنه ليس فيه ترك ولا فعل للعبد وإنما هو من الله عز وجل ، هذا من حيث الإطلاق وإلا فقد يكون بعضها أفضل من الآخر بحسب المتعلق.

فمثال ذلك أن الإنسان قد يصبر على أن يصلي ألف ركعة ولا يستطيع أن يصبر عن امرأة جميلة فيكون الصبر له عن معصية الله عز وجل  بالنسبة لهذا الرجل أفضل من الصبر على طاعة الله عز وجل .

 

وقول الله تعالى:﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾  [التغابن11] .

قال علقمة: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ

 من الفوائد:

1 ـ أن علقمة رحمه الله قد فسَّر هذه الآية بمقتضى قراءة أخرى، وهذه القراءة الأخرى ليست سبعية وهي  ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدأ قَلبُه﴾.

2 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «يُبْتَلَى النَّاسُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِمْ» فإذا أنزل الله بك مصيبة فلأن قلبك حي.

3 ـ أن شيخ الإسلام  رحمه الله ذكر أنه يجب أمران قِبل المقدور:

أولاً: ما يجب قبل المقدور أن يتوكل على الله ولا يشغل قلبه بالمستقبل بل يعتمد على الله ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾  [الطلاق 3] لأن بعض الناس يصيبه الهم مما سيحصل في المستقبل.

ثانياً: الواجب بعد نزول المقدور الذي لا يلائمه، فالواجب عليه أن يصبر.

4 ـ أن الدين يبنى على أصلين: الشرع والقدر، ولذا يجمع بينهما في آيات كثيرة من بينها ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾  [الفاتحة 4] ومن بينها قوله تعالى عن يوسف عليه السلام : ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾  [يوسف90]، ومن بينها قوله تعالى:﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾  [هود123]

5 ـ أن الناس يختلفون عند نزول المصيبة، ما أن يكون جازعا متسخطاً وهذا محرم، وإما أن يكون صابرا، و إن كانت هذه المصيبة تألم بها ولا يرغب أنها وقعت لكنه يحبس نفسه عن التسخط فهذا واجب،  وإما أن يكون راضيا وهو أن يرضى بهذه المصيبة وهذا أمر مستحب، لأنه لا يقدر عليه كل أحد، وإما أن يكون شاكرا وهذا أيضا مستحب وهو أعلى ما يكون، وشكره على المصيبة لا لأن قلبه ميت، ولكنه يشكر الله عز وجل  على أنه لم ينزل به ما هو أعظم منها وأن الله عز وجل  لم يحرمه الأجر فيها.

6 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم  أرشد إلى أن من أصيب بمصيبة أن يتذكر مصيبته بموته صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي ,فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ»

7 ـ أن الإيمان استقرار للقلوب وهدوء للنفس.

8 ـ أن المبتلى قد يظهر عليه أنه صابر لكنه في نفسه غير صابر، ولذا قال في نهاية الآية:  ﴿وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ ﴾  [التغابن11] فإنه وإن خفي هذا الأمر على الخلق فإنه لا يخفى على الله عز وجل .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:

أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال  «اثْنَتَانِ فِى النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِى النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»

 من الفوائد:

1 ـ أن هذا الحديث مر معنا في باب الاستسقاء بالنجوم وذكر هنا اثنتين وذكر هناك أربعا، وهذا يؤكد ما قلنا من أنه صلى الله عليه وسلم  يحصر أمورا بعدد معين وإن كانت هناك ما هو أكثر منها من باب تقريب الأذهان وحفظ هذا الشيء الملقى , أو أنه صلى الله عليه وسلم اختصر هنا لكي يعلم كل شخص ما وقع فيه من هذه الصفات.

2 ـ أن قوله:«هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ» هو الكفر غير المخرج عن الملة ، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: «إن الكفر إذا جاء في النصوص الشرعية محلى بالألف واللام فهو الكفر المخرج عن الملة» كما قال صلى الله عليه وسلم عند مسلم:«بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ»

3 ـ أن هذا الحديث قال فيه  صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ» بينما قال في الحديث الذي مر معنا:«أربع في أمتي» ولا تعارض بينهما لأن هذه الصفات لا يسلم منها عموم الناس ولكنه ذكر الأمة تنفيرا من الوقوع فيما وقع فيه عموم الناس، ويمكن أن يقال: إن لفظ «الناس» من قبيل اللفظ العام الذي يراد به الخاص فيكون المراد من «الناس» هنا أمة الإجابة كما في الحديث السابق «أربع في أمتي»

4ـ أن الحديث السابق عمم في كلمة النياحة قال: «والنياحة» أما هنا فذكر «النياحة على الميت» ولعله والله أعلم أن النياحة يكثر وقوعها في مصيبة الموت أكثر منها في المصائب الأخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولهما عن ابن مسعود رضي الله عنه  مرفوعا:

«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ»

 من الفوائد :

1ـ أن ضرب الخد، وشق الجيب تسخط على قدر الله عز وجل   كما كانت الجاهلية تصنعه، وقد يكون التسخط بالقلب كفرا كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾  [الحج11]

2ـ أن ما ذكر في هذا الحديث من ضرب الخد وشق الجيب، إنما هو من باب ضرب المثال ، وإلا فإنه يدخل فيه ما شابهه من  نتف الشعر أو كسر الآنية ونحو ذلك ولهذا جاء في حديث  «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ» أي حلق شعره تسخطا عند نزول المصيبة.

3 ـ أن من شق جيبه على وجه التسخط فهو محرم، وإن شقه لا لسخط فإنه إسراف والإسراف محرم، وأما إن شقه لدفع أذية دابة أو هامة حصلت له وهجمت عليه فإنه جائز .

4 ـ أن لطم الوجه محرم ولو لم يكن هناك تسخط لنهي النبي صلى الله عليه وسلم  إذ قال: «وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ» فإن كان فيه تسخط كان أشد، لكن لو أن الخد ضرب ضربا يسيرا على وجه التعجب كما تفعله بعض النساء فإنه لا حرج كما صنعت زوجة إبراهيم عليه السلام﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴾  [الذاريات29]،  قال المفسرون تعجبا، وهذا بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه .

9ـ أن معنى «بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» أن يقول: واثبوراه، واويلاه، وهذا كمثال وإلا فإن كلمة «دعوى» مفرد أضيفت إلى المعرفة «الجاهلية» فتشمل أي دعوى فكل دعوى في الجاهلية كالتفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب ونحوه فإنه منهي عنها في دين الله عز وجل .

 

وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة»

 من الفوائد:

1 ـ أن الله خلق الخير والشر.

2 ـ إثبات صفة الإرادة لله عز وجل ، وفيه رد على الجهمية والمعتزلة الذين يقولون بأن الله لا إرادة له تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .

3 ـ أن الإنسان إذا أذنب ذنباً فعاقبه الله عليه في الدنيا فهو خير له من أن يؤخر له العقاب إلى يوم القيامة ، وإن كان الخير ألا يعاقب لا في الدنيا ولا في الآخرة.

4 ـ إثبات صفة الإمساك لله عز وجل  لقوله: «أمسك عنه بذنبه» ومنه قوله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ﴾ [فاطر41].

5 ـ أن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة ولذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «ولا تجعل مصيبتنا في ديننا»   كما جاء عند الترمذي.

6 ـ أن العقوبة والبلية قد تنزل لا لذنب اقترفه الإنسان وإنما لرفعة منزلته ، ولذا «كان صلى الله عليه وسلم  يوعك كما يوعك الرجلان»

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط»  حسنه الترمذي.

 من الفوائد:

1 ـ أن من أصيب بوخزة شوكة ليس كمن أصيب ببتر يده، فإن عظم الجزاء مع عظم البلاء إن صبر.

2 ـ إثبات صفة المحبة لله عز وجل  وهي من الصفات الفعلية.

3 ـ أن سبب ابتلاء الله للعبد محبته إما لتكفير ذنبه وإما لرفعة درجته.

4 ـ أن الابتلاء منه قد يكون بأمره القدري كأن يفقد مالاً، أو بأمره الشرعي كأن يأمره بعبادة من العبادات لأن النفوس تكره أن تلزم بقول أو فعل.

5 ـ أن الرضا المذكور هنا ليس هو الرضا عن المقدور ، لأن الرضا عن المقدور مستحب، وإنما المراد هنا هو الرضا بفعل الله فهذا واجب، ومن ثم فإن الرضا يكون الحكم فيه على حالتين:

الحالة الأولى: إذا نظر إلى هذه المصيبة أنها من الله فيجب عليه أن يرضى لأنه عبد،ولأن هذا الفعل من الله عز وجل .

الحالة الثانية: الرضا عن المصيبة عنها لا يكون واجبا وإنما يكون مستحبا كما مر معنا.

6 ـ أن الخير إذا ذكر في بعض النصوص يذكر باللام، والشر يذكر بـ على كما قال عز وجل : ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ ﴾يعني من الخير﴿وَعَلَيهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾  من الشر، لكن قد تذكر اللام مع الشر كما هنا «ومن سخط فله السخط» ولم يقل فعليه السخط، وقد قال بعض العلماء إن اللام تكون بمعنى «على» يعني من سخط فعليه السخط، وهناك قول آخر وهو الأصح والأحسن أن يقال:  إن السُخط يكون له استحقاقا، يعني هو مستحق للسخط كما قال:﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾  [الإسراء7].

7 ـ أن الابتلاء كما يكون بالمكروه، يكون بالمحبوب،  فالنعمة ابتلاء، ولذا على أحد وجهي التفسير قال تعالى عن بني إسرائيل:﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾  [البقرة49]، أي بلاء على النعمة وهي نعمة الإنجاء،  والتخلص من بطش فرعون، ولذا قال بعض الشعراء:

قد يُنعـم اللهُ بالبلــوى وإن عظمـــتْ    ويبتلي اللهُ بعــضَ النـاسِ بالنعـــمِ

وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : «ابتلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا ثم ابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر»

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ