شرح كتاب التوحيد ( 39 ) [ باب قول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} الآية  [النساء60]

شرح كتاب التوحيد ( 39 ) [ باب قول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} الآية  [النساء60]

مشاهدات: 537

شرح كتاب التوحيد

( 39 )

باب قول الله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ

وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ

وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ

أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }

 [النساء60]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=xCCiywaW0IM&index=40&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من الفوائد :

1 ـ أن المؤلف رحمه الله لم يذكر عنواناً ، وهذا الباب له صلة بالباب السابق، فالباب السابق فيه بيان لحكم من أطاع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله عز وجل أما هنا ففيه بيان لحكم من ذهب لشخص يحكم له بغير شرع الله عز وجل .

2 ـ  أن سبب نزول هذه الآيات سيأتي في آخر ما ذكره المؤلف رحمه الله وهذا السبب قد قال عنه بعض العلماء إنه ضعيف لكونه مرسلا ، لكن شيخ الإسلام  رحمه الله  في كتابه «الصارم المسلول على شاتم الرسول»  يقول : إن له شاهدا يصلح للاعتبار .

وسبب النزول ما ذكره الشعبي  رحمه الله :

«أنه كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة ، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ، فاتفقا أن يأتي كاهنا من جهينة فيتحاكما إليه : فنزلت : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ..﴾  [النساء60] الآية

وقيل: إنها نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فذكر له أحدهما القصة فقال: للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله

3- أن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله له رسالة في تحكيم القوانين الوضعية ، فقال رحمه الله ما ملخصه: «من حكَّم القوانين الوضعية لا يخلو من حالات:

أولاً: أن يطبقها إنكاراً للشرع فهذا يكفر بالإجماع، لقوله تعالى:﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة50].

ثانياً: أن يعتقد جواز تحكيمها فهذا كافر بالإجماع، لأنه استحل ما حرمه الله عز وجل .

ثالثاً: أن يحكم بها لأنه يبغض أحكام الله جل وعلا ، فهذا كافر بالإجماع لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾  [محمد9].

رابعاً: أن يحكمها وهو مقر بالشرع ولا يبغض أحكام الشرع ولكنه يرى أنها أحسن من حكم الله عز وجل  فهذا كافر بالإجماع.

خامساً: أن يحكمها لكونها مثل الشرع فكذلك يعد كافرا لقوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾  [المائدة50]، فدل على أن غير أحكام الله ليست مثل أحكام الله عز وجل في الحسن.

سادساً: أن يصنع محاكم تضاهي المحاكم الشرعية إمدادا وإعدادا فيقولون إنه يكفر لم؟  لأن صنيعه هذا يدل على أنه راضي ومحسن لها وذلك لأن هذه قرائن تدل على ما في قلبه.

سابعاً: أن يحكم العادات التي تجري بين القبائل معرضا عن شرع الله فهذا أيضا كفر.

ثامناً: أن يحكم غير الشرع من أجل أن يظلم المحكوم عليه فهذا ظلم  لقوله تعالى: ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾  [المائدة45] ولكنه ظلم في عداد الكفر الأصغر.

تاسعاً:  أن يحكمها لهوى في نفسه من غير الاعتبارات السابقة فهذا يكون فاسقا لقوله تعالى: ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾  [المائدة47] »

2 ـ أن الله عز وجل  قال: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾  [المائدة44]، وقال: ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾  [المائدة45]. وقال:﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة47]. هل هذه الأوصاف لموصوف واحد أو لمتعدد؟

قولان: فبعض العلماء يقول: إنها لموصوف متعدد، ومن ثمَّ فيكون الحكم كما سبق من التفصيل،  وبعض العلماء: يقول إنها لموصوف واحد، ومن ثم فإن من حكم غير الشرع فهو كافر فيكون  الظلم والفسق المراد به الكفر المخرج عن الملة، قال تعالى عن إبليس : ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [الكهف50]، وقال تعالى: ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة254] والفسق هنا هو: الكفر، ولكن القول الأول هو الصحيح.

4 ـ أن من تحاكم إلى غير شرع الله فإن حكمه القتل كما صنع عمر رضي الله عنه ولكن لا يقتله إلا ولي الأمر حتى لا يفتات عليه لكن لو قال قائل: إن عمر رضي الله عنه لم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فالجواب أن عمر رضي الله عنه لم يملك نفسه لغيرته على الدين ولذلك إذا سمع كلمة من أحد تناقض الشرع ، قال: يا رسول الله إنه منافق أفأقتله؟ فكان صلى الله عليه وسلم  يرده، فهذا من اجتهاده، حملته الغيرة على الدين ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم. أو لعل عمر ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم  لن ينكر عليه لعظم ما صنعه هذا المنافق، وليس هذا ببعيد فإنه رضي الله عنه ملهم فلعل فعله وافق الشرع بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه، فليس لأحد أن يفعل كما فعل عمر رضي الله عنه.

5 ـ أن هذه الآية نزلت في المنافقين كما هو واضح في سياق الآيات.

6 ـ أن شيخ الإسلام رحمه الله قال في قوله تعالى:  ﴿إِنَّ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوفِيقاً﴾، قال: إن حال نفاة الصفات كحال المنافقين، فإن نفاة الصفات يقال لهم:﴿تَعَالَوا إِلَى مَا أَنْزَلَ الله﴾ فيقولون: نحن نريد أن نحسن ونريد أن نوفق بين النصوص، وقد كذبوا في ذلك.

7 ـ بيان أن القرآن منزل غير مخلوق .

8 ـ بيان لأصل من أصول الإيمان وهو: الإيمان بالكتب.

  • ـ أن قوله تعالى: ﴿يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيكَ﴾ وما موصولة تفيد العموم، فمن كفر بجزئية من جزئيات أركان الإيمان فإنه كافر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ  ﴾ [البقرة11].

 من فوائد هذه الآية:

1 ـ أن الإفساد في الأرض على نوعين:

النوع الأول: إفساد حسي ، وذلك يكون بقطع الشجر وتهديم البيوت وقتل الأنفس.

النوع الثاني: إفساد معنوي ، وذلك أن يفسد في الأرض بالذنوب والشرك ، ولا شك أن الإفساد الحسي يحصل بسبب الإفساد المعنوي ، لأنه إذا أذنب لم يتورع عن أن يهدم بناء أو أن يقتل نفسا.

2ـ أن الواجب على المسلم أن يسأل الله عز وجل  الثبات على دينه وأن يرزقه البصيرة في العلم حتى لا تختلط عليه أقواله وآراؤه ، وذلك لأن هؤلاء المنافقين اختلطت عليهم الآراء فقالوا في فعلهم الفاسد : إنه إصلاح.

ثم ذكر قوله تعالى :  ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )

من الفوائد :

1 ـ أن الإفساد في الأرض نتيجة ترك الدين فإن هذه الأرض صالحة بمجيء الرسل فإذا أذنب أو أشرك فإنه أفسد في الأرض بعد إصلاحها ولا شك أنه إذا خلا المجتمع من الفساد المعنوي فإن الفساد الحسي يندثر ويزول.

2 ـ أن الأصل في الإنسان الفطرة السليمة الصحيحة، كما قال صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» ، ولذا فإن الإفساد في الأرض إفساد للإصلاح الذي جاءت به الرسل، وإفساد للإصلاح الذي أودعه الله في قلوب الناس من الفطر السليمة الصحيحة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وقول الله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾  [المائدة50].

 من الفوائد:

1 ـ أن إضافة الحكم إلى الجاهلية من باب التنفير وهو أبلغ من أن يقول إن هذا محرم لأن ما نسب إلى الجاهلية أو ما نسب إلى الجهل فإن النفس تنفر منه .

2 ـ أن كلمة﴿حُكْمَ﴾ مفرد أضيف إلى معرفة ﴿اَلْجَاهِلِيَّةِ﴾ فعم بذلك كل أحكام الجاهلية  فجميع أحكام الجاهلية ضلال.

3ـ أن الجاهلية قد يراد بها ما كان قبل الإسلام وهذه جاهلية عامة، وقد زالت تلك الجاهلية بنور الإسلام وبالعلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن قد تكون هناك جاهلية بعد الإسلام مما يُحدث في الدين من بدع وخرافات، لكنها جاهلية نسبية، ومن أدلتها قوله صلى الله عليه وسلم «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»

ولا تكون جاهلية عامة بعد الإسلام، لأن هناك بعض المصطلحات يروج لها مثل قول «جاهلية هذا العصر»، أو «جاهلية هذا القرن» هنا يترتب عليه أن من يعيش في هذا العصر الذي وصف بأنه جاهلية أنه كافر، وهذا ليس بصحيح، بل ترده النصوص الشرعية، قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله»

فليس هناك جاهلية عامة بعد الإسلام، أما بعد الإسلام فهناك جاهلية نسبية، إما في شخص أو في مكان، فلا تكون عامة، فقول البشرية عادوا إلى الجاهلية التي قبل الإسلام  فهذا كلام باطل ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ أعظم من معتقد الخوارج، إن كان قد قال هذا ويريد أن يرتب عليه أمورا وأحكاما، لكن إن كانت مجرد مقولة، لأن بعضا من الناس لسان لغيره، مجرد ألفاظ يسمعها وإذا به يلقيها من غير ما يفهما ولا يفهم ما يترتب عليها، لكن إن كان يعرف ما يترتب عليها من أن أصحاب هذا الزمن عادوا إلى ما كان عليه البشر قبل مجيء الإسلام، فهذا معتقد أعظم من معتقد الخوارج، لم؟ لأنه وصف الإسلام بأنه غير موجود، ومن ينكر الإسلام فهو كافر، بل هذا إلحاد في الدين.

4 ـ الإنكار الشديد في حق من أعرض عن حكم الله عز وجل  وابتغى حكم الجاهلية.

5 ـ أن الاستفهام في قوله عز وجل : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ حُكْماً لِقَومٍ يُوقِنُونَ ﴾  [المائدة50] استفهام نفي مشرب بالتحدي ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ حُكْماً﴾ [المائدة50] الجواب  : لا أحد أحسن من الله حكما.

6 ـ أن قوله عز وجل :﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ حُكْماً﴾  [المائدة50] أن كلمة ﴿أَحْسَنُ﴾أفعل  تفضيل، فتفيد بأنه ليس هناك حكم يساوي حكم الله في الحسن ومن باب أولى أنه ليس هناك حكم أحسن من حكم الله عز وجل .

7 ـ أن التحكيم للشرع إنما يكون من قبل الولاة ، ولذا ختمت الآية بقوله : ﴿لِقَومٍ يُوقِنُونَ﴾ واليقين كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله مما تنال به الإمامة في الدين فمن أحب أن يستقر حكمه فعليه أن يحكم الشرع قال تعالى:﴿وَجَعَلْنَا منهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾[السجدة 24]

8 ـ أن كلمة ﴿أَحْسَنُ﴾ أفعل تفضيل، تفيد بأن جميع أحكام الله عز وجل  حسنى وأنها بلغت في الحسن غايتها.

ولو قال قائل: إن الله  عز وجل يقول: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾  [الزمر18]،وقال في أمره لموسى صلى الله عليه وسلم: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي اَلْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ مَوعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف145] قد يفهم أن هناك مراتب للحسن في أحكام الشرع؟

والجواب عن هذا: أن الله عز وجل أمر موسى صلى الله عليه وسلم أن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها بمعنى أنهم يأخذون بالأكمل ، يعني بأن يأتوا بالواجبات وما زاد عليها من السنن ولا يقتصرون على أقل ما أمر فيها.

9ـ أن من لوازم وصف أحكام الله عز وجل  بأنها بالغة في الحسن من لوازم ذلك أن تكون صالحة لكل زمان ومكان، ولذا من يقول:إن الأحكام الشرعية لا تتناسب مع هذا العصر فإنه كافر بهذه الآية ومن كفر بآية من القرآن فقد كفر بالقرآن كله.

 

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» قال النووي رحمه الله: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.

 من الفوائد:

1 ـ  أن الإيمان الصادق الصحيح هو الذي يدعو صاحبه إلى العمل الصالح في كل أمر من أموره ، ولذا قال: «حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به».

2 ـ  أن النفي هنا نفي للكمال كما سبق بيانه ولكن قد يكون نفيا لأًصل الإيمان إذا لم يكن في قلبه محبة للشرع لقوله تعالى:﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾  [محمد9].

3 ـ أن بعض العلماء قد ضعف هذا الحديث من حيث السند كالألباني رحمه الله، كما في مشكاة المصابيح، وذكر كلام النووي وتصحيحه له، ولكنه ضعفه رحمه الله.

وذكره ابن حجر في الفتح وقال «رجاله ثقات» وذكر تصحيح النووي له، وكونه يقول: « رجاله ثقات» لا يعني الصحة، فإنه قد يكون السند رجاله ثقات ويكون منقطعاً أو به علة، وتكلم عنه ابن رجب رحمه الله في «جامع العلوم والحكم» ورواه الطبراني والحكيم الترمذي والبغوي في «شرح السنة»، وكتاب «الحجة على تارك المحجة» لأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي، قال ابن رجب رحمه الله: » ويبعد أن يكون صحيحا، لأن نعيم بن حماد تفرد به، واضطرب في إسناده، لأن نعيم بن حماد كان  أئمة الحديث يحسنون به الظن، لأنه كان قوياً على أهل الأهواء والبدع، لكن تبين لهم فيما بعد أنه يهِمُ في بعض الأحاديث، فالموقوف منها قد يرفعه، قال أبو داود: «له نحو من عشرين حديثا ليس لها أصل».

ومع ذلك لم يبخسوه حقه فإنه إمام من أئمة المسلمين في رده على أهل الأهواء، لكنه في الحديث تبين ضعفه، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كلام ابن رجب رحمه الله في كتاب «جامع العلوم والحكم» في شرحه على هذا الحديث.

قلت :

قد يطعن في هذا الحديث من حيث المتن وذلك لأنه قال: ﴿هَوَاهُ﴾ ومعلوم أن الهوى لا يكون إلا في ما ترغبه النفس من الشهوة وعلى القول بصحته فإننا نقول بأن الهوى نوعان هوى مذموم: وهذا هو الغالب، وهوى محمود:  وهو أن يكون هذا الهوى تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، فالهوى من حيث الأصل : المحبة والميل مطلقاً، ويطلق في الغالب على المذموم، لكن قد يكون هوى محموداً ويراد منه الميل إلى الحق ومحبته الخالصة – ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم.

وهذا يدل على فضل هؤلاء المتأخرين.

ومن الأدلة ما جاء في سؤال صفوان بن عسّال: هل سمعتَ منَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يذكر الهوى، فقال: سأله أعرابيٌّ عن الرجل يُحبُّ القومَ ولم يلحق بهم، فقال: «المرءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»

وما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنكر على النساء اللواتي كن يهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلمَّا نزل قوله عز وجل : ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾، قالت عائشة للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما أرى ربَّك إلا يُسارعُ في هواك»  قال القرطبي رحمه الله : «في رضاك» لكن الغيرة منها حملتها على هذا اللفظ، ومثل هذا يتسامح فيه.

وما جاء عند مسلم من حديث ابن عباس في أسرى بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِي اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ،  قُلْتُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِى رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنِّى أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ – نَسِيبًا لِعُمَرَ – فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا فَهَوِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ» الحديث

وقال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد عرف أنه لا يأخذ الرشوة وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتي كاهنا من جهينة فيتحاكما إليه: فنزلت:﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ…﴾الآية

وقيل: نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمررضي الله عنه فذكر له أحدهما القصة فقال: للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم أكذلك؟  قال: نعم،  فضربه بالسيف فقتله

 وفي هذا السبب من الفوائد غير ما ذكر هناك عند الآية :

1 ـ أن اليهود يعلمون صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فإن اليهودي لم يوافق المنافق على أن يذهب إلى كعب بن الأشرف وإنما أمره أن يأتي إلى النبي عليه صلى الله عليه وسلم.

2 ـ أن الرشوة سبب لتعطيل أحكام الشرع وهذا واضح جلي ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ»

3 ـ أن هذا الحديث أثبت أن اليهود يأخذون الرشوة وقد صرح بذلك القرآن، قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ [الأعراف169]

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ