شرح كتاب التوحيد
( 43 )
[ باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ( لاتَحْلِفُوا بآبَائكُم، مَن حَلَف بالله فَلْيصدُقْ ومَنْ حُلِفَ له بالله فلْيَرضَ، ومَنْ لم يَرْضَ بالله فليس مِنْ الله ) »
رواه ابن ماجه بسند حسن.
من الفوائد:
1 ـ أن النهي عن الحلف بالآباء في الحديث ليس على سبيل الحصر، ولذا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق «لاتَحْلِفُوا بآبَائكُم، مَنْ حَلَف بالله فَلْيصدُقْ ومَنْ حُلِفَ له بالله فلْيَرضَ، ومَنْ لم يَرْضَ بالله فليس مِنْ الله ».
وجاءت رواية «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلاَ بِأُمَّهَاتِكُمْ» وهذا الحديث وهو حديث «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلاَ بِأُمَّهَاتِكُمْ» سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر رضي الله عنه وهو يحلف بأبيه، فقال صلى الله عليه وسلم هذا القول، فقال عمر رضي الله عنه: «لا أقولها لا ذاكرا ولا آثراً» يعني لا أقولها أنا ولا أروي هذه الكلمة عمن قالها.
2 ـ أن عمررضي الله عنه جرى على لسانه هذا اللفظ الشركي بناء على ما كان عليه أهل الجاهلية ولم يكن قصداً منه ، ولذا لما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.
3 ـ ” أن الحكم المُعلَّق بوصف يثبت بثبوته وينتفي بانتفائه “
فلو قال قائل : أحلف بأبي ولا أريد في قلبي أن أعظمه وإنما هو لفظ جاري على اللسان .
فنقول : لا يجوز هذا، لأن هذا الحكم معلق بالوصف ، فإن نويت فإن الإثم يكون أشد.
ولو اعترض معترض فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي :«أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» حلف صلى الله عليه وسلم بأبي هذا الرجل، كيف يحلف بغير الله عز وجل ؟
فالواجب عن هذا:
قال بعض العلماء : إن هذا الفعل الصادر منه صلى الله عليه وسلم قبل النهي، لأنهم كانوا في الجاهلية يعتادون الحلف بالآباء ولم يأت النهي عن ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك الصحابة حينا من الزمن حتى تستقر قلوبهم على التوحيد ثم نهاهم عن هذا اللفظ المتعلق بالشرك الأصغر ، بدليل أن قصة هذا الأعرابي في أول الإسلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أركان الإسلام ، ومما يدل على ذلك ما جرى على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وبعض العلماء يقول: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم كما هو الشأن في قوله:«وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ»
وما يجوز في حق النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز لغيره.
لكن لو قال قائل: إن الخصوصية تحتاج إلى دليل؟
فيقال : إن هذا من المتشابه ، وطريقة الراسخين في العلم أنهم لا يتشبثون بحديث واحد أو بنص واحد ويدعون نصوصاً كثيرة تنهي عن هذا الشيء، فسبيلهم أنهم يردون هذا المتشابه إلى المحكم الكثير حتى يصبح الكل محكماً، ولذا قال عنهم: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِه ِكُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران7]، ثم دعوا الله أن يثبت قلوبهم:﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعَدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران8] وذلك لأن هذا المتشابه قد يزيغ به البعض فيبدأ يطعن في دين الله عز وجل ، فقالوا: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران8].
كيف تترك أحاديث النهي عن الحلف بغير الله عز وجل التي تواترت تواتراً معنويا من أجل حديث واحد قد أجيب عنه من قبل العلماء.
وقال بعض العلماء: إن الأصل «أفلح والله إن صدق» فكانوا لا يضعون النقط، فالناظر إلى هذه الكلمة يظن أنها «أفلح وأبيه» وإنما هي «أفلح والله»
وقال بعض العلماء: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فلديه من تعظيم الله عز وجل ما ليس عند غيره .
وقال بعض العلماء: إن هذا من اللفظ الذي يجري على اللسان من غير قصد معناه، وهذا لا شك في ضعفه، لم؟
لأنه لا يجوز للمسلم أن يتلفظ بلفظ مخالف للشرع، وإن كان لا يقصد معناه، وإلا فقد يحتج علينا من يخلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقول أنا لم أقصد، هي جرت على لساني.
وقال بعض العلماء: إن هذه الرواية «شاذة» لأن الوارد في الصحيحين «أفلح إن صدق» فتكون هذه الرواية التي انفرد بها مسلم رحمه الله تكون شاذة، والشاذ [ من خالف فيه الثقة من هو أوثق منه ]
فيقال: إن الأصل عدم الشذوذ وأن الأصل أن تقبل زيادة الثقة لكن كيف تقبل زيادة الثقة المخالفة لنصوص كثيرة ؟
ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن العلماء يضعفون بعض الأحاديث الثابتة بقرائن يعرفونها في نفس الحديث، وهذا ما يسمى عند علماء الحديث بعلم علل الحديث، وهو من أنفس علومهم كما قال رحمه الله.
وعلى هذا فيقول الأقرب أنها قبل النهي.
4 ـ وجوب الصدق في اليمين قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بالله فليصدق» لأن الصدق واجب في أصله ففي اليمين من باب أولى.
5 ـ أن من حلف بغير الله فليبادر بالتوبة، ما هي التوبة؟
قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
وجاء في المسند أن سعدا لما حلف بغير الله قال له صلى الله عليه وسلم:
«قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ انْفُثْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا وَتَعَوَّذْ وَلَا تَعُدْ»
لكن الحديث فيه ضعف.
6 ـ أن الحلف بغير الله عز وجل لا كفارة فيه – الكفارة المعروفة وهي كفارة اليمين – لم؟ لأنه شرك لا يمكن أن يغفر إلا بالتوبة.
7 ـ أن الحلف بالله عز وجل كاذباً عدَّه بعض العلماء يمينا غموساً، تغمس صاحبها في الإثم، ثم تغمسه في النار.
وبعض العلماء قال: إنها ليست يميناً غموساً إنما تكون يميناً غموساً إذا حلف بالله عز وجل كاذباً ليقتطع بها حق مسلم.
8 ـ وجوب الرضا بيمين الحالف ، لم؟ لأن هذا الحالف ذكر اسم الله فمن باب تعظيم هذا الاسم أن نقبل وأن نرضى بيمينه لا لتعظيم هذا الحالف ولكن لتعظيم المحلوف به وهو الله عز وجل .
ولو قال قائل: أيجب أن أرضى بكل يمين حالف ، فبعض الناس كذبة قد ارتسمت فيه صفة الكذب؟
فالجواب عن ذلك : أن متى ما تيقن أو غلب على ظنه أنه كاذب فلا يجب عليه الرضا، ويدل لذلك ما جاء في حديث «القسامة» أن الصحابة رضي الله عنهم لم يرضوا بأيمان اليهود ولم يعنفهم صلى الله عليه وسلم أما إن تيقن أنه من الصادقين أو غلب على ظنه الصدق أو جهل حاله فإن الأصل في المسلم الصدق فيجب عليه أن يرضى باليمين.
9 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن لم يرض فليس من الله» وعيد شديد معناه أن الله عز وجل قد تبرأ منه ، وليس معناه أنه قد خرج من الدين ، خلافا للخوارج الذين يكفرون صاحب الكبيرة ، وكذلك خلافا للمعتزلة الذين يقولون هو في منزلة بين منزلتين، ثم في المقابل فيه رد على المرجئة الذين يقولون بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ