شرح كتاب التوحيد ( 45 ) [ باب من سب الدهر فقد آذى الله ]

شرح كتاب التوحيد ( 45 ) [ باب من سب الدهر فقد آذى الله ]

مشاهدات: 479

  شرح كتاب التوحيد

( 45 )

[ باب من سب الدهر فقد آذى الله ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=Cqe85-lsU8E&index=46&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 من الفوائد تحت هذا العنوان :

1 ـ أن معنى سب الدهر: أي تنقصه، ولا ينحصر السب في اللعن – لا-  بل إن عيبه وتنقصه سب له، ولذا في إحدى الروايات، «قَالَ اللَّهُ عز وجل  يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ» فكلمة «خيبة الدهر» تعد سباً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقول الله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾  [الجاثية24]

 من الفوائد:

1 ـ أن هناك طائفة تدعى بالدهرية يقولون: إنه لا بعث ولا نشور، وإنما يولد أناس ويهلك آخرون، وهذا القول مردود من وجهين، من وجه شرعي ومن وجه حسي :

أما الوجه الشرعي : فإن الله ذكر أنه يحي ويميت.

وأما الوجه الحسي : فلأن هناك أناساً كباراً قد طعنوا في السن ولم يهلكهم الدهر، ولاسيما في الأمم السابقة إذ تكون أعمارهم تصل إلى الألف أو ما دونه، أو ما فوقه بقليل ، ولأن هناك أطفالاً يموتون قبل أن يؤثر فيهم الدهر، قد يموت بعد ولادته بشهر أو بسنة ، فدل على أن الدهر لا يزيد في العمر ولا ينقص فيه ، ولذا قال عز وجل  منكراً عليهم :﴿وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية24]، يستفاد من هذا أن من قال قولاً يجب عليه أن يكون هذا القول على برهان ودليل وأن الظنون كما قال تعالى:﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ [النجم28].

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

في الصحيح عن أبي هريرةرضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «قَالَ اللَّهُ عز وجل  يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»

وفي رواية: «لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ»

 من الفوائد:

1 ـ أن هذا حديث قدسي، ويسمى بالحديث الإلهي أو بالحديث الرباني، وليس له من أحكام القرآن شيء، فإنه يجوز أن يمس من غير طهارة ولا يتعبد بتلاوته كما هو القرآن ولا يقرأ به في الصلاة.

2 ـ أن الأذية ثابتة لله عز وجل  إذ قال : «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ» وليس معنى الأذية أن الضرر يصل إليه عز وجل   – كلا- أما الأذية فثابتة ، ولذا قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [الأحزاب57].

وأما الضرر فلا يصل إليه، كيف وهو الجبار العظيم جل وعلا، والإنسان وهو المخلوق ولله عز وجل  المثل الأعلى قد يتأذى من غير ضرر، كأن يتكلم عليه شخص بكلمة فيتأذى بها ولا يحصل له منها ضرر.

3 ـ أن سب الدهر لا يخلو من ثلاث حالات :

أولا: أن يعتقد أن الدهر هو الذي خلق هذا المكروه فهذا مشرك بالله شركاً في الربوبية لأنه اعتقد أن مع الله عز وجل  خالقا.

ثانيا: أن يعتقد أن هذا المكروه من الله ، لكنه سب الدهر لأن الدهر محل وزمن لهذا المكروه فهذا محرم.

ثالثا: أن يذكر الدهر بوصف يتوهم فيه أنه سب له وهو يريد من ذلك الإخبار ، فلا بأس بذلك، ولذا قال لوط  صلى الله عليه وسلم:﴿هَذَا يَومٌ عَصِيبٌ﴾  [هود77] ولما افتقد الصحابة النبي  صلى الله عليه وسلم  ذات ليلة قالوا : «فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ» فهم لم يسبوا الدهر وإنما أخبروا عن واقع هذا اليوم.

4 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم  قد يذكر الحكم ويذكر له علة، فعلة هذا الحكم تحريم سب الدهر لم؟ لأنه أذية لله عز وجل ، فقد تكون العلة منصوصة كما في قوله  صلى الله عليه وسلم:«لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ»

5 ـ أن معنى قوله:«وَأَنَا الدَّهْرُ» مفسر بما بعده قال:«أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»

وجاء في رواية البخاري «بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ» وجاء عند أحمد رحمه الله  «أَنَا الدَّهْرُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي لِي أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ»

وليس معنى ذلك أن الدهر هو الله ، ولذا أُنكر على ابن حزم رحمه الله إذ قال:  إن الدهر اسم من أسماء الله عز وجل ، ويرد عليه بأن الدهر اسم جامد لا يشتق منه صفة وأسماء الله عز وجل  حسنى ، فإذا قلنا العليم فله صفة العلم، وهلم جراً، ولأن الحديث لا يسعفه ، إذ قال: أقلب الليل والنهار، فكيف يكون المُقَلِّب مُقَلَبَا؟ هذا لا يتأتى، ولأنه قال في الرواية الأخرى: «بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ» فكيف يكون هو بيد نفسه، وفي رواية أحمد:«الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي لِي» فكيف يكون هذا؟

6 ـ أن هناك لفظاً وهو «لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله» وهو يختلف عن هذا اللفظ الذي عندنا فما عندنا في هذا المتن «لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» ولذا فإن جميع الرواة اتفقوا على هذا اللفظ المذكور في هذا المتن .

7 ـ إثبات صفة العلو لله عز وجل لأنه قال:  قال الله تعالى.

8 ـ أن كلمة الدهر محلاة بالألف واللام، فتشمل أي جزء من أجزاء الدهر حتى الدقيقة حتى الثانية  ، فمن سبها فإنه بذلك قد سب الله عز وجل .

9ـ أن الدهر خلق مدبر لا يملك شيئاً فسبه سب لمدبره وخالقه وهو الله ، ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم  عن سب الريح قال:  «لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا…»  كما سيأتي معنا في باب عقده المؤلف رحمه الله  ، لم؟

لأن هذه الريح خلق مدبر أمرها الله عز وجل  بما شاء.

10ـ أن تقليبه عز وجل  لليل والنهار فيه فائدة قال تعالى : ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ﴾ [النور44]، من باب أن يتذكر الخلق، ولذا قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾ [آل عمران190] وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ﴾ [الفرقان62] وأن هذا الليل وأن هذا النهار المتعاقبان لابد أن يقفا في يوم من الأيام، وأن ينتقل هؤلاء الناس من هذه الدنيا إلى دار باقية لا تفنى لا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر فيها.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ