شرح كتاب التوحيد ( 48 ) [ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم ]

شرح كتاب التوحيد ( 48 ) [ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم ]

مشاهدات: 512

شرح كتاب التوحيد

( 48 )

[ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب

من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم

وقول الله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ

قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ

[التوبة 65]

ثم لما ذكر هذه الآية ذكر سبب نزولها فقال:

عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة دخل حديث بعضهم في بعض- أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم :

﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ما يلتفت إليه وما يزيده عليه»

 من الفوائد:

1 ـ أن سب النبي صلى الله عليه وسلم  كفر ، كما أن سب الله عز وجل  كفر، لكن لو أن سابَّ الله عز وجل   تاب في الدنيا فإننا نرفع عنه حكم الدنيا فلا يقتل، بينما لو تاب من سب النبي صلى الله عليه وسلم  فإنه على القول الصحيح لا تقبل توبته في الدنيا، أما بينه وبين الله فتقبل، لِمَ؟ أحق النبي صلى الله عليه وسلم  أعظم من حق الله عز وجل ؟ الجواب: لا، ولكنَّ الله عز وجل  بيَّن لنا أنه أسقط حقه بالتوبة، بينما النبي صلى الله عليه وسلم  لم يبين لنا ذلك، فقد عفا صلى الله عليه وسلم  في حياته عن بعض من سبَّه، ولم يعف عن آخرين، وكذلك يشمل الحكم من قذف النبي صلى الله عليه وسلم، أو قذف عائشة رضي الله عنها، لأن الله عز وجل  برَّأها ، فمن قذفها فكأنه أنكر ما جاء في القرآن ، وكذلك غيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح أن من قذف زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم  غير عائشة رضي الله عنها لأن عائشة مجمع على ذلك ، فالقول الصحيح أنه يكفر ، لم؟ لأن الله عز وجل  دافع عن عائشة رضي الله عنها لأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه يشتركن معها في هذه الحيثية.

2 ـ أن الاستهزاء بآيات الله الكونية كأن يستهزئ بالشمس أو القمر أو يقول: إن وجود البرد في فصل الشتاء غير مناسب فإنه كفر، أو استهزأ بآيات الله عز وجل  الشرعية التي هي القرآن فكذلك.

3 ـ أن من استهزئ بالله عز وجل  أو بشرعه في عقله خلل وهو من أعظم الضالين ، لم ؟ كيف يجعل هذا المستهزئُ اللهَ عز وجل  العظيم الكامل محلاً للسخرية فهذا يدل على جنونه وعلى خبله .

4 ـ أن المتحدث واحد، ومع ذلك عمَّم الحكم على الكل، لم؟ لأنهم سكتوا، بينما عوف رضي الله عنه  قال كذبت إنك منافق.

5 ـ أن عوفاً رضي الله عنه  ليس بنمَّام، مع أنه نقل الكلام، وذلك لأنه نقل الكلام لمصلحة شرعية، أما من نقل الكلام على وجه الإفساد فإنه نمام .

6 ـ الغلظة على أعداء الدين ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم  أغلظ عليهم فكان لا يلتفت إليه وما يزيد على قوله: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعَدَ إِيمَانِكُمْ﴾    [التوبة65].

7 ـ أن بعض الأعذار لا ينبغي أن تقبل، وإلا في الأصل أن المسلم يقبل عذر أخيه، لكن في بعض الأحوال تكون بعض الأعذار لا ينبغي قبولها زجرا لصاحبها وردعا لغيره أن يقع فيها، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم  لما قتل أسامة  رضي الله عنه ذلك الرجل الذي قال لا إله إلا الله لم يزد صلى الله عليه وسلم  على «كَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»  وكان يبرر أسامة موقفه يقول: «يا رسول الله ما قالها إلا تعوذا» أي خوفاً من السيف.

8 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين في عهده مع أن المنافق كافر، والجواب عن هذا : أن عمر رضي الله عنه  لما أراد أن يقتل رجلا من المنافقين قال: يا عمر دعه حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، لأن المنافق يظهر الإسلام فلو قتله وانتشر الخبر لسمعه من لم يسلم فلربما تكون هناك مفسدة كبرى وهي انصراف الناس عن دين النبي صلى الله عليه وسلم.

9ـ أن المنافق لم يقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أما بعد وفاته فإنه إذا تحقق نفاقه فإنه يقتل كما قال ابن القيم رحمه الله ، ولابد أن يتوب فإن لم يتب قتل فإن تاب رفع عنه، لكن لابد أن نتحقق من توبته، وذلك بأن يظهر منهم الصلاح، لأنه ليس كغيره لأن هؤلاء سبيلهم المراوغة، ولذا قال عز وجل عنهم : ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً(146)﴾  [النساء145 ، 146].

10 ـ أن هذا المنافق سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم  والصحابة بثلاث صفات وهم منها براء ، وصفهم بأنهم يكثرون الأكل، ووصفهم بأنهم كذبة، ووصفهم بأنهم جبناء، وعند التأمل نجد أن هذه الصفات الثلاث هي في المنافقين ، وليست في المؤمنين ، أولا: كثرة الأكل ، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»

وأما الدليل على أنهم كذبة قال :﴿وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة107]، وأما الدليل على أنهم جبناء فكما قال تعالى :﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً﴾  [الأحزاب20].

11ـ أن شيخ الإسلام رحمه الله قال في كتابه  «الصارم المسلول على شاتم الرسول»، قال: هل يكفر من سب الصحابة أو لا؟  وكذلك ذكر هذه المسألة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، والأفضل أن نذكر التفصيل ثم نذكر الإجمال :

أولا: إذا استباح سب الصحابة وقال إن سبهم حلال.     

ثانيا: إذا زعم أنهم قد ارتدوا إلا قليلا منهم.                                                     

ثالثا: إذا زعم أن عامتهم قد فسقوا وعصوا.

رابعا: أن يسب من أثنى الله عليه كالشيخين أبي بكر وعمر، ففي هذه الحالات الأربع يكون كافراً.

وبعض العلماء قال: إن من سب الشيخين مطلقا سواء اعتقد أنهم يستحقون السب أم لم يعتقد فإنه كافر.

ولا يكفر في حالات:       

الحالة الأولى: إذا سبَّ من تواتر الثناء عليه ولم يعتقد أحقيته بالسب فإنه لا يكفر، ما عدا الشيخين كما سبق.             

الحالة الثانية: إذا اعتقد أحقية السب لمن لم يتواتر الثناء عليه.

الحالة الثالثة:  إذا سبهم فيما لا يقدح في دينهم كوصفهم بالبخل ونحو ذلك ، وعلى القول بعدم كفرهم فإن الإمام أحمد رحمه الله يقول: يعزر ويسجن حتى الموت إن لم يتب ، ولماذا هذا التشديد في سب الصحابة؟

فالجواب عن هذا : أن سب الصحابة في ظاهره القدح في مَنْ؟ في الله عز وجل  وفي الرسول صلى الله عليه وسلم وفي القرآن كيف؟ لأن سب هؤلاء للصحابة يترتب على ذلك أن الله  عز وجل لم يختر لنبيه الصحبة الطيبة ، وأما القدح في النبي صلى الله عليه وسلم  فلأنه لم يختر لنفسه الصحبة الطيبة، أو لم يحسن الاختيار، وأما القدح في القرآن فلأنهم نقلوا إلينا هذا القرآن، فسبهم قدح في القرآن.

12 ـ أن الاستهزاء بشيء من أمور الدين كفر ولو على سبيل المزاح؟

13 ـ أن الترويح عن النفس لا يكون بما يخالف الشرع ، ولذلك البعض من الناس قد يختلق نكتاً يضحك بها الناس في سبيل الاعتداء على أعراض آخرين ، أو ربما تكون هذه النكت فيها محاذير شرعية، وإلا فإدخال السرور على النفس مطلب شرعي ولا يكون الإنسان مكثراً، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ»

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ