شرح كتاب التوحيد ( 53 ) [ باب قول : اللهم اغفر لي إن شئت ]

شرح كتاب التوحيد ( 53 ) [ باب قول : اللهم اغفر لي إن شئت ]

مشاهدات: 480

شرح كتاب التوحيد

( 53 )

[ باب قول : اللهم اغفر لي إن شئت ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=2-5uUUZGO98&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=54

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ»

ولمسلم:«وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيء أَعْطَاهُ»

 من الفوائد :

1 ـ أنه يحرم أن يقول العبد في دعائه «إن شاء الله» لأسباب ثلاثة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم  من مجموع هذه الروايات:

أولا: أن هذا اللفظ يشعر بأن هناك أحدا يمنع الله عز وجل  من إجابة هذه الدعوة كما تدل عليه رواية «لَا مُكْرِهَ لَهُ».

ثانيا: أن هذا اللفظ يشعر بأن هذا العبد مستغنٍ عن الله عز وجل ،ولذا تدل عليه رواية مسلم  «وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ»

ثالثا: أن هذا اللفظ يشعر بأن الله عز وجل   قد يثقله أن يجيب دعوة عبده، ولذا قال: «فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَىْءٌ أَعْطَاهُ».

2 ـ أنه يجب أن يعزم المسلم في الدعاء، لأن الدعاء كما قال صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»

وقال:«اُدْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» فهو القادر على كل شيء.

3 ـ أنه لا يجوز الاعتداء في الدعاء، وذكر المشيئة اعتداء في الدعاء ، ولذا قال تعالى : ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55] ثم ختم الآية بقوله ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾  [الأعراف: 55] وقال صلى الله عليه وسلم «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِى الدُّعَاءِ»

ومن أمثلة الاعتداء في الدعاء غير ما ذكر هنا، أن يكون الدعاء فيما يستحيل حساً، كأن يقول: «اللهم اجعلني قائمًا قاعدًا»

وإما شرعًا: كأن يسأل الله عز وجل  أن يجعله نبياً، فإن هذا من الاعتداء في الدعاء.

4 ـ أن ذكر المغفرة والمشيئة هنا في قوله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ» لا يدل على أن الحكم منحصراً فيهما ، فأي دعاء لا يجوز أن تقول فيه: «إن شاء الله» وكذلك أن ذكر المشيئة لا يعني أن ما عداها من جمل الاستثناء أنها جائزة ، فلو قال:«اللهم اغفر لي إذا أذنت أو إذا أردت» فإن الحكم باق.

5 ـ أنه  صلى الله عليه وسلم  قدَّم المغفرة على الرحمة هنا  « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ » ثم قال: «اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي» وهذا يؤكد ما قاله العلماء من أن  [التخلية قبل التحلية] وذلك لأن المغفرة لزوال المكروه ، والرحمة لحصول المطلوب.

6 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فقيد هذا بالمشيئة فهو يتعارض مع حديث الباب.

والجواب عن هذا: أن هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ليس دعاء، وإنما هو خبر ، وفرق بين الخبر وبين الدعاء فهو دعاء بأسلوب الخبر.

7 ـ أنه يجب الجزم في الدعاء فيما يطلبه العبد فيما فيه مصلحة دينية أو دنيوية هذا إذا كانت هذه المصلحة معلومة واضحة في النفع ، أما إذا كان لا يعلم كأن يطلب طلباً من أمور الدنيا لا يعلم أفيه خيرأم لا؟ فإن له أن يعلق هذا الدعاء ، كما جاء في حديث الاستخارة فإنه ليس فيه الاستثناء وإنما فيه تعليق حصول المطلوب بعلم الله عز وجل .

8 ـ أن الجزم بالدعاء يدل على كمال عبودية الإنسان، وذلك لأن الرغبة في دعاء الله عز وجل  لتحقيق شيء يدل على رجاء العبد لربه، وأن طلب العبد أن يزيل الله عز وجل   عنه مكروها فيه تعلق بالخوف من الله عز وجل ، وأن المقبل على الدعوة  يكون محبا للمدعو، ومن ثم فقد اجتمعت أركان العبادة الثلاثة في الدعاء إذا جزم به العبد [محبة – وخوف – ورجاء]، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:«الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»

9 ـ أن الله عز وجل   قادر على كل شيء، ولذا قال:«لاَ يَتَعَاظَمُهُ شيء أَعْطَاهُ» فـ «شيء» نكرة في سياق النفي فتعم أي شيء، ولذا عند مسلم في الحديث القدسي قال: «لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فسألوني فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عندي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ»

10ـ أن الداعي لا يعدم خيراً ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم من مجموع ما ذكر من أحاديث عند الترمذي وغيره أنه ” إما أن تستجاب دعوته ، وإما أن يصرف عنه من السوء نظير هذه الدعوة ، وإما أن يدخر الله عز وجل   ثواب هذه الدعوة له يوم القيامة ” ، ولذا لما قال صلى الله عليه وسلم: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل من القوم إذاً نكثر قال الله أكثر»

11ـ أن قوله:«وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ» أن العبد كلما كان شديد الرغبة في دعوة الله عز وجل   كلما كان محبوبا عند الله وكلما ارتفعت منزلته، ولذا وصف عز وجل  لما ذكر الأنبياء في سورة الأنبياء قال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء90].

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ