شرح كتاب التوحيد
( 57 )
[ باب ما جاء في الـ ” لو ” ]
وقول الله تعالى :
﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾
[آل عمران154]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=-lE2ApDngE4&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=58
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد:
1ـ أن المنافقين لما جرى ما جرى في غزوة أحد قالوا: ﴿ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ﴾ [آل عمران154]، يقولون هذه الكلمة على سبيل الاعتراض على قدر الله إذ لو آمنوا بقضائه وقدره لما قالوا هذه الكلمة فتكون «لو» في هذا السياق مذمومة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران168]
1 ـ أن هذه الآية نزلت أيضاً في المنافقين لما جرى ما جرى في غزوة أحد.
2 ـ أن الله عز وجل ذكر عن هؤلاء المنافقين أنهم سموا المؤمنين إخواناً والمراد من هذه الأخوة، الأخوة الظاهرة فهم إخوانهم في الظاهر وإلا فهم في الباطن كفار وليسوا بأخوة للمؤمنين ، فإنهم أخوة لهم في الصورة لا في الحقيقة.
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»
من الفوائد:
أن حكم قول «لو» لا يخلو من حالات:
1- الحالة الأولى: أن يعترض بها على الشرع كما فعل المنافقون فيما ذكره عنهم في غزوة أحد.
الحالة الثانية : أن تقال على سبيل الإخبار ، فهذا جائز كما لو قلت: «لو زرتني في البيت لأكرمتك» ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :«لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ» ، وهذا على أحد قولي العلماء في «لو» التي في هذا الحديث .
الحالة الثالثة : أن يقولها معترضاً على قدر الله عز وجل كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الحالة الرابعة : أن تقال هذه الكلمة في سياق التمني فيكون على حسب ما تمنى ، إن تمنى خيراً فيثاب ، وإن تمنى شراً فيعاقب ، ويدل لذلك الوجه الثاني في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ» فيكون معنى «لو» في هذا الحديث على الوجه الثاني «التمني» ، ولما جاء عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عز وجل مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ عز وجل فِيهِ حَقَّهُ ، قَالَ فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ قَالَ وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عز وجل عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا ، قَالَ فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ قَالَ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ قَالَ وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ عز وجل وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ، قَالَ وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ قَالَ هِيَ نِيَّتُهُ فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ»
الحالة الخامسة: أن يؤتى بـ «لو» للندم كأن يندم على ترك الطاعة ،كما لو قال لو أنني صليت صلاة الفجر هذا اليوم لظفرت بخير عظيم فهذا جائز بل مستحب، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» فكونه يأتي بها على سبيل الندم لكونه فعل المعصية أو ترك الطاعة فإنه مأجور.
2 ـ أن المسلم يحرص على ما ينفعه عظم أم صغر، ولذا أتى بـ «ما» الموصولة التي تعم قال صلى الله عليه وسلم: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ».
3 ـ أنه قال صلى الله عليه وسلم: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ» يعني احرص على النافع وذلك ” لأن الاسم الموصول وصلته تحولان إلى اسم فاعل ” فهنا «ما» الموصولة و«ينفعك» صلة الموصول فتجمعان ثم تحولان إلى اسم فاعل كأنه قال: «احرص على النافع» وإذا كان يحرص على النافع فحرصه على الأنفع من باب أولى.
4 ـ أن المسلم يجب عليه أن يحرص على وقته ولا يصرفه فيما لا طائل من ورائه، فما ظنكم بمن يصرف وقته في محرم.
5 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر السبب لم يغفل أن يُذَكِّر هذا الحريص بأن يعتمد على الله عز وجل فقال:«احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ» هذا هو بذل السبب ثم قال:«وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» وهذا هو الاعتماد على الله عز وجل .
6 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَلاَ تَعْجِزْ» فإن المسلم إذا رأى النافع ينبغي له ألا يكون عاجزا كسولا، فإن المسلم على ما عوَّد نفسه عليه، فلو عود نفسه على الجد والاجتهاد أصبح مجداً مجتهدا، وإن عود نفسه على الكسل أصبح كسولا، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من العجز والكسل، لأنهما يحرمان الإنسان خيرا عظيما وللأسف هذا يظهر في طلب العلم تجد أن الإنسان أول طلبه للعلم حريص على العلم ويستعين بالله على ذلك، لكن قد يفتر ويصيبه العجز والكسل فيدع العلم، ولذا جاءت هذه الجملة مبينة لهذا المقصود إذ قال:«وَلاَ تَعْجِزْ»
7ـ أن ابن القيم رحمه الله قال كما في زاد المعاد: «إن العجز والكسل قرينان لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما وهما يفوتان على المسلم كل خير ويحصل بهما كل شر، ثم قال إن تخلف صلاح العبد وكماله، إما لعدم قدرته على هذا الشيء فيكون عجزا، وإما أن يكون قادرا ولكنه لا يسعى إليه فيكون كسلا، ومن ثمَّ ينشأ عن هذا حصول الشر، ومن الشر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر العجز والكسل ذكر البخل والجبن، فقال: فينشأ عن ذلك حصول كل شر ومن الشر أن يعطل بدنه عن النفع وذلك بالجبن، أو يعطل ماله عن النفع وذلك بالبخل، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم بعد «الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ» «غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ» فقال رحمه الله: وينشأ عن ذلك غلبتان إما بحق وذلك بغلبة الدين، وإما بغير حق وذلك بقهر الرجال».
8 ـ أنه يجوز الاحتجاج بالقدر فيما لا قدرة للإنسان فيه كمصيبة نزلت به فإنه يجوز أن يحتج بالقدر على نزول هذه المصيبة ولذا قال: «قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ» في بعض النسخ «قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ» ومن ثمَّ فإن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن الاحتجاج بالقدر على المصائب جائز أما على المعائب فغير جائز ويتضح ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ لَهُ آدَمُ يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ثَلَاثًا» يعني أن آدم غلب موسى عليه السلام بالحجة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: لأن آدم احتج بالقدر على المصيبة ولم يحتج به على المعصية، ولذا لو أن شخصا عند فعله للمعصية يقول لو أراد الله عز وجل لم أفعلها فنقول هذا هو المذموم، لكن لو جاء شخص وقال فعلت في الماضي كذا وهذا بأمر الله عز وجل وقدره فإنه يجوز أن يحتج بالقدر.
ولذا قال ابن القيم رحمه الله: يجوز الاحتجاج بالقدر في الماضي أما المستقيل فلا، ويمكن أن يستدل بقصته صلى الله عليه وسلم لما أتى فاطمة وعلياً رضي الله عنهما وأمرهما أن يصليا بالليل فقال علي رضي الله عنه: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا» فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ ، فعلي رضي الله عنه لم يحتج بالقدر على عيب وإنما أوضح بأن قيامهما إنما هو بقدر الله وأنهما لا قدرة لهما على القيام إلا إذا قدره.
9 ـ أن الندم على وقوع المصيبة يفتح بابا للشيطان قال صلى الله عليه وسلم:«فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» لكنه لو قالها تندماً على فعل معصية أو ترك واجب فإنه كما سلف محمود.
10 ـ أنه صلى الله عليه وسلم قال:«وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ» و«شَىْءٌ» نكرة في سياق الشرط فتعم أي شيء حتى الشيء القليل ولذا جاء حديث لكن فيه ضعف وقد اختلفوا في تصحيحه: «لِيَسْتَرْجِعْ أَحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ فَإِنَّهَا مِنَ المَصَائِبِ»
11 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم:«قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ» رد على القدرية إذ يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه .
12 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم:«فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» لأنها هنا للاعتراض على قدر الله عز وجل .
13 ـ أن أضافتها إلى الشيطان تعني تقبيحها والتنقير منها .
14 ـ أن إضافتها إلى الشيطان لأن الشيطان يحب ذلك فهو يحب أن يندم ابن آدم، ولذا قال تعالى:﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة10].
ـــــــــــــــــــــــ