شرح كتاب التوحيد
( 58 )
[ باب النهي عن سب الريح ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=3J9DlDplQEY&index=59&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ» صححه الترمذي.
من الفوائد:
1 ـ أن هذا الباب يعد جزءاً من جزئيات سب الدهر، فإن الحديث هنا خاص وهناك عام.
2 ـ أن علة النهي عن سب الريح لأنها خلق مدبر لا تتصرف في شيء ، فسبها سب لخالقها بطريق غير مباشر.
3 ـ أن على المسلم أن يتخذ الأسباب الشرعية التي تمنع الأذى من أن يصل إليه وذلك بإرشاده صلى الله عليه وسلم هنا بأن يقول هذا الذكر ، وهذا الدعاء الوارد في الحديث ، وأيضا عليه أن يتخذ الأسباب الحسية التي تمنع أذى الريح من أن تصل إليه وذلك بأن يغلق النوافذ والأبواب وما شابه ذلك.
4 ـ أن سب المخلوق كالريح فيه عجز وذلك لأن هذا المخلوق لا يدبر شيئا فعليك أن تلجأ إلى مدبرها وخالقها بأن تدعوه بهذا الدعاء.
5 ـ أن هناك فرقا بين الريح – والرياح، فالرياح تأتي بالخير قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ [الحجر22]، وجاء قوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلا تَجْعَلْهَا رِيحًا» هذا إن صح هذا الحديث لأن بعض العلماء يضعفه ، أما الريح فإنها قد تأتي بالخير وقد تأتي بالشر، فمثال إتيانها بالخير قوله تعالى: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ»
وإتيانها بالشر قال تعالى: ﴿جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾ وقوله تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ﴾ [الذاريات41]، وقال صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» والصبا هي الريح الشرقية، والدبور: هي الريح الغربية فإذاً فيها خير وشر.
6 ـ أنه قال هنا:«وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ» وقد جاء في حديث عند مسلم «مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» فوردت هذه الكلمة وهذه الكلمة.
7 ـ أن مخاطبة الله عز وجل للجمادات خطاب لمن يعقل ويدرك، ولذا قال تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ [الإسراء44]، وقال عن السماوات والأرض:﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت11]
8 ـ أن الله عز وجل أقسم بالرياح في قوله:﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً﴾ [الذاريات1]
وهذا يدل على أنها عظيمة ، ومن عظمتها أن الله عز وجل لو أرسلها لما استطاع البشر أن يمنعوها ولو أتوا بجميع تقنياتهم ووسائلهم.
9 ـ أن قوله: «مَا أُمِرَتْ بِهِ» الأمر الكوني، لأن الأمر نوعان إما أمر كوني إما أمر شرعي ، فمن أمثلة الكوني كما هنا ومن أمثلة الشرعي قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء58]، ويقال في حديث:«مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» ما قيل هنا، وهو أن الإرسال قد يكون شرعياً وقد يكون كونياً ، فمن أمثلة الشرعي قوله تعالى:﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً﴾ [النساء79]، ومن أمثلة الكوني قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ [مريم83].
10 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم في ظاهر هذا الحديث علَّق ذكر هذا الدعاء إذا رأى العبد من الريح من يكره إذ قال:«فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ» فدل على أنه إذا لم يأته ما يكرهه فلا يقله.
11 ـ أن [ما] هنا في قوله:«مَا تَكْرَهُونَ» ما: موصولة، فتعم أي شيء نكرهه تأتي به هذه الريح.