شرح كتاب التوحيد
( 64 )
[ باب ما جاء في الإقسام على الله ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=mPLxhwGnHME&index=65&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد تحت هذا العنوان:
1 ـ أن معنى هذا الباب هو أن تحلف على الله عز وجل كما تحلف على المخلوق بأن يفعل كذا أو لا يفعل كذا، وحكمه لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى: أن يصدر عن حسن ظن بالله عز وجل وتأميل الخير منه لا إعجابا بعبادته ولا احتقارا لغيره ، فهذا جائز ويدل له ما جاء عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم:«رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ»
ولكن الأولى تركه أو ترك الإكثار منه ، وقلنا بهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحض أمته على ذلك ، لكن لو صدر على هذا المقتضى وعلى هذا الضابط فإنه جائز .
الحالة الثانية: أن يصدر هذا اللفظ من معجب بعبادته ومحتقر لغيره ، كأنه يرى أن له فضلا عند الله عز وجل بهذه العبادة ، فهذا هو المحرم، وقد يصل إلى بطلان العمل كله الذي هو من مقتضيات الكفر، وهذا النوع الثاني الذي من أجله عقد المؤلف هذا الباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عَنْ جُنْدَبٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَالَ رجلٌ: وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ، فَقَالَ اللهُ: مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّي عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ؟ إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ له وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» رواه مسلم.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن القائل رجل عابد، قال أبو هريرة رضي الله عنه : « تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ »
من الفوائد:
1 ـ أن كلمة «عمل» مفرد أضيف إلى الضمير فيعم، فهو محتمل بأن من أقسم على الله عز وجل إعجاباً بعبادته، فاقتضى أن جميع أعماله باطلة، ويحتمل أن الحبوط إنما يكون للعمل الذي افتخر به والوجه الأول قوي ، ولذا فيجب على المسلم أن يحذر من هذا.
2 ـ أن هذا الرجل المذنب قد غفر الله له تفضلا منه ، أو أن هذا المذنب يذنب ثم يتوب بينه وبين الله عز وجل ، ثم تضعف نفسه فيعود إلى ذنبه مرة أخرى ، فتكون توبته الأولى صحيحة ، لأن من شروط التوبة النصوح أن يعزم على ألا يعود إلى الذنب ، وليس من شروطها ألا يعود إلى الذنب فرق بين العزيمة وبين العودة .
3 ـ أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي ذكره المؤلف رحمه الله اختصره فهو عند أبي داود ونصه « كَانَ رَجُلاَنِ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ مُتَآخِيَيْنِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِى الْعِبَادَةِ فَكَانَ لاَ يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ أَقْصِرْ. فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ أَقْصِرْ فَقَالَ خَلِّنِ وَرَبِّى أَبُعِثْتَ عَلَىَّ رَقِيبًا فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لاَ يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقُبِضَ أَرْوَاحُهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِى يَدِى قَادِرًا وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ برحمتي وَقَالَ لِلآخَرِ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ »
يعني أهلكت دنياه وآخرته، ومعنى «أهلكت دنياه» لأن العبد لا تعتبر له حياة في هذه الدنيا إلا إذا كان في محاب الله ، فإذا زالت العبادة في الدنيا فكأن الدنيا قد زالت لأنها عرضة للفناء ، وأما الهلاك في الآخرة فشيء ظاهر .
4 ـ بيان خطر الجهل ، وقد مر معنا حديث قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً فهذا الرجل العابد لو كان عالماً لكان علمه بإذن الله مانعا له من قول هذا القول.
5 ـ أن حبوط عمل هذا العابد لأنه أدلى بعبادته وامتن بها على الله عز وجل وظن أن له مكانة عند الله عز وجل ليست لغيره.
6 ـ أن معنى «مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّي عَلَىَّ» يعني من ذا الذي يحلف علي.