شرح كتاب التوحيد
( 67 )
باب ما جاء في قوله تعالى :
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر 67]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=qWH83MWyOCQ&index=68&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد:
1- أن من عَبَدَ اللهَ حق عبادته فهو الذي عظم الله حق تعظيمه وهذا ما يسمى بمفهوم المخالفة.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ: أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ67﴾ [الزمر67]
وفي رواية مسلم:«والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن، فيقول: أنا الملك، أنا الله»
وفي رواية للبخاري:
«يجعل السماوات على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع» أخرجاه
من الفوائد:
1 ـ إثبات الأصابع لله عز وجل وهي أصابع حقيقية تليق بجلاله وعظمته ، خلافا لمن حرَّفها فقال: إن المراد بالأصابع هنا هي سهولة التصرف في السماوات والمخلوقات.
وقد جاء حديث آخر في إثبات الأصابع لله عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عز وجل »
2 ـ أن قول الراوي ثم قرأ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ يدل على أن الآية سابقة لهذه القصة وأن هذه القصة ليست سببا لنزول هذه الآية.
3 ـ أن كل ما في الأرض من جبال وبحار ونحو ذلك في قبضته خلافاً لمن حرَّف صفة القبض إذ قال: إن القبض معناه الملك، وهذا لا يستقيم لأنه جل وعلا مالك لكل شيء .
4 ـ إثبات طي الله عز وجل للسماوات فهو يطويها طيا حقيقيا خلافا لمن حرفها فقال معنى السماوات بيمينه يعني هالكات.
5 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك ليس إنكاراً لقول الحبر ، وإنما تصديقاً لقوله.
6 ـ أن حديث ابن مسعود رضي الله عنه كامل تام ، أما الرواية التي ذكرها المؤلف رحمه الله عند مسلم رحمه الله ، والرواية الأخرى التي عند البخاري رحمه الله فهي مختصرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولمسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا:
«يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ السَّبْعَ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟»
من الفوائد:
1 ـ إثبات صفة اليدين لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته.
ولو قال قائل : لماذا قلتم يدين؟
فالجواب : لقوله تعالى : ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة64] وهناك آية على أنها واحدة ، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة64] وفي آية أخرى أنها مجموعة قال تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس71].
والجواب عن هذا : أن لله يدين اثنتين، وأما قوله ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة64] فإن ” يد ” مفرد أضيفت ، والمفرد إذا أضيف فإنه لا يبقى على إفراده بل يكون أعم، ولذا قال لإبليس: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص75] أما الآية التي جاءت مجموعة ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴾ [يس71] فإن الأيدي هنا جمعت مشاكلة للمضاف إليه الذي هو «نا» وهذا هو غاية البلاغة وكذلك إذا أضيف المثنى إلى جمع الأبلغ في اللغة أن يجمع المضاف، لقوله تعالى: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ مع أن الخطاب موجه لحفصة وعائشة رضي الله عنهما ولم يقل: قلباكما وإنما أتى بضمير الجمع «نا» للتعظيم ويقال في العين كالقول في اليد قال تعالى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾[طه39]، قال تعالى: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر14] فيكون لله عينان بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»
2 ـ أنه جاء في رواية عند مسلم جاء ذكر الشمال «ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ» وهذا يعارض في ظاهره قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» ومن ثمَّ قال بعض العلماء: إن رواية الشمال شاذة، لأن الثقة خالف من هو أوثق منه .
وقال بعض العلماء: إنها ثابتة ولا يقاس الله بخلقه، وهذا هو الصحيح أما قوله:«وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» فلا مانع أن تثبت الشمال ، وإنما ذكر أن كلتا يديه يمين حتى لا يتوهم متوهم أن شمال الله عز وجل كشمال المخلوق يكون فيها النقص والضعف.
3 ـ إثبات العظمة لله عز وجل وإنما قال: «أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟» يوم القيامة تأكيدا على أنه انفرد بها في ذلك اليوم.
4 ـ أنه يجوز أن يشير العالم عند ذكر سمع الله أو بصره أن يشير إلى سمعه وبصره ، ولذا لما قرأ صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ أشار إلى سمعه وإلى بصره، ولذلك لما ذكر صلى الله عليه وسلم قوله: «ثم يهزهن» أشار بكفه فقبضها وبسطها حتى قال ابن عمر رضي الله عنهما : «أساقط المنبر برسول الله صلى الله عليه وسلم » ولكن ينبغي ألا يشار إلى هذا عند عوام الناس حتى لا يفهموا فهماً خاطئاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
«ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم»
من الفوائد:
1 ـ أن المؤلف ذكر هذا الأثر بصيغة التمريض.
2 ـ أن هذا الأثر الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما إن كان ثابتاً ولم يأخذه عن بني إسرائيل فإن فيه إثبات صفة الكف لله عز وجل .
3 ـ أن هذه السماوات السبع والأرضين السبع مع ما لهن من العظمة يكن في كف الرحمن كخردلة كقطعة حديد في يد أحدنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال ابن جرير:
حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب قال: قال ابن زيد حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس»
قال: وقال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض»
من الفوائد:
1 ـ أن الكرسي هو موضع القدمين لله ، وهو كما قال بعض السلف كالمرقاة للعرش، وأما العرش فهو سرير الملك، من حيث اللغة، وقد قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله من مجموع ما جاء في صفة أنه ” سرير له قوائم تحمله الملائكة وهو كالقبة على السماوات ، وهو أعلى المخلوقات وهو ثقيل ” لقوله صلى الله عليه وسلم في الذكر المضعف ” سبحان الله زنة عرشه ” .
وقد قال البعض: إن العرش ليس بثقيل ولا بخفيف ، وهذا ترده النصوص ، وكذلك ترد النصوص من قال: إن العرش هو الكرسي، وكذلك ترد النصوص قول من يقول إن الكرسي هو العلم، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه فسر الكرسي بالعلم فهو غير صحيح .
2 ـ أن قوله:«ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس» هذا فيه مقال فإن صح فيكون معناه أن السماوات السبع بمثابة سبعة دراهم ألقيت في بئر فمعنى «الترس» أي البئر.
3 ـ أن السماوات السبع إذا قورنت بالكرسي مع عظمها تكون كحلقة ألقيت في صحراء
4 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم يضرب الأمثال لتقريب المعلومة إلى الأذهان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن ابن مسعود رضي الله عنه :
قال: «بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم»
أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، ورواه بنحوه عن المسعودي عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله. قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، قال: وله طرق»
من الفوائد :
1 ـ أن المؤلف أسهب في ذكر سند هذا الحديث، ولعله يشير إلى أن الحديث صحيح خلافاً لمن ضعفه .
2 ـ أن المسافة التي بين السماء الدنيا والتي تليها هي مسيرة خمسمائة سنة ، فلو سار أحد على دابة خمسمائة سنة فإنه يقطع مسافة طويلة هذه المسافة هي المسافة التي تكون بين السماء الدنيا والتي تليها.
3 ـ أن العرش أعلى من السماء السابعة وبينهما خمسمائة سنة.
4 ـ أن هناك ماء فوق الكرسي ، وبينهما خمسمائة سنة ، أي مسيرة خمسمائة سنة .
5 ـ أن العرش فوق الماء ، وهذا يدل على أنه أعلى الخلق ، والله فوق العرش مستوياً على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته فالله عز وجل قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته فهو بائن من خلقه ليس في خلقه شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من خلقه.
6 ـ أنه مع هذه المسافات البعيدة لا يخفى عليه عز وجل أعمال بني آدم ، وهذا شامل للأقوال والأفعال لأن القول يعد عملا لأنه عمل باللسان.
7 ـ أن هذه المخلوقات العظيمة تدل على عظم خالقها جل وعلا
8 ـ أن مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا تعارض بين علوه ومعيته مع خلقه فهو قريب في علوه علي في دنوه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالعَرْشِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ» أخرجه أبو داود وغيره
من الفوائد:
1ـ هذا الحديث صححه ابن القيم والذهبي، وقال شيخ الإسلام في الفتاوى: إن فيه رجلاً قال عنه البخاري لا يعرف، لكن قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن ابن خزيمة وثَّق هذا الرجل والقاعدة : [أن من علم حجة على من لم يعلم ] وهذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله لكن هؤلاء الأئمة قد صححوه.
2 ـ أن عمق هذا البحر الذي فوق السماء السابعة كما بين السماء والأرض.
3 ـ أن هذا البحر لعله هو الماء المذكور في قوله تعالى: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾ [هود7] ، والله تعالى أعلم .
4 ـ إثبات صفة العلو لله عز وجل .
5 ـ وجوب الخوف من الله عز وجل لأنه مطلع على كل شيء لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبهذا انتهى ما أريد الكلام عنه من فوائد مختصرة على أبواب كتاب التوحيد، وتمَّ ذلك ولله الحمد في يوم الثلاثاء ضحى الثامن عشر من شهر رجب لعام ألف وأربعمائة وستة وعشرين، وكانت البداية يوم السبت عصرا الخامس من شهر رجب لعام ألف وأربعمائة وستة وعشرين
نسأل الله العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعل هذا العلم حجة لنا لا حجة علينا، والله أعلم
وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ