شرح كتاب التوحيد ( 7 ) [ باب مِن الشرك لبسُ الحلقةِ والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ]

شرح كتاب التوحيد ( 7 ) [ باب مِن الشرك لبسُ الحلقةِ والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ]

مشاهدات: 436

 

شرح كتاب التوحيد

( 7 )

[ باب مِن الشرك لبسُ الحلقةِ والخيط

ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=WBKjBwkpZ2g&index=8&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 من الفوائد:

1 ـ أن المؤلف رحمه الله ذكر الحلقة والخيط من باب  ذكر المثال لا الحصر، فيقاس عليهما غيرهما.

2 ـ أن كلمة المؤلف «لرفع البلاء»، إنما تكون بعد نزوله، وأما كلمة «الدفع» فتكون قبل نزوله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر38].

 من الفوائد تحت هذه الآية :

1 ـ أن هذه الآية في سياق الشرك الأكبر ،  وذلك لأنهم يستشفعون بالأصنام ، فدل على أن المؤلف رحمه الله استدل بآية في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر ،  ولا مانع من ذلك ، وسيأتي استدلال حذيفة رضي الله عنه ، ووجه المقارنة بينهما أن كفار قريش استغاثوا بالأصنام وليست سبباً، فكذلك يقاس على ذلك كل سبب لم يثبت لا من طريق الشرع ولا من طريق الحس ، فيكون جاعله مشركاً بالله عز وجل .

فمثال السبب الثابت من حيث الشرع العسل فيه شفاء، وكذلك الحبة السوداء.

وأما مثال ما ثبت بالحس فهذه الحبوب المسكنات للرأس ونحوها، ولكن يشترط أن يكون الثابت عن طريق الحس له أثرٌ بيَّن، فإن الإنسان قد يلبس الحلقة والخيط ويظن أن هذه الحلقة وهذا الخيط قد أزال عنه المرض، وليس ثمت أثر بَيِّن وإنما هو وهم توهمه.

2 ـ أن الواجب على المسلم إذا اتخذ الأسباب الشرعية أن يعتمد على الله عز وجل  لأنه هو النافع والضار ، ولذا قد يُعطل الله عز وجل السبب ويوجد المسبب ، فإن النار سبب للإحراق ومع ذلك فإنها لم تحرق إبراهيم  عليه السلام .

3 ـ أن ترك الأسباب قدح في العقل وأن الاعتماد عليها قدح في الشرع، وذلك لأن الإنسان إذا قال وهو عطشان : سأظل على ما أنا عليه حتى يأتيني الماء فإن الناظر إليه يقول : هذا مجنون كيف يأتيه الماء؟ فهو قدح في العقل ، والاعتماد عليها قدح في الشرع ، لأن الاعتماد لا يكون إلا على الله عز وجل .

4 ـ أنه إذا اعتقد أن السبب مؤثر بذاته دون الله عز وجل  فهو شرك أكبر، لأنه اعتقد أن مع الله عز وجل  خالقاً آخر، وأما إن اعتقد أن الله عز وجل  هو المؤثر وأتى بالأسباب الشرعية فهذا جائز، وإن اعتقد أن الله عز وجل  هو المؤثر لكنه أتى بالأسباب غير الشرعية كوضع الحلقة والخيط ونحوهما فهذا مشرك بالله عز وجل   شركاً أصغر ، لأنه جعل هذا الشيء سبباً وهو عز وجل  لم يجعله سبباً لا من طريق الشرع ولا من طريق الحس.

5 ـ أن النافع والضار هو الله عز وجل ، ولذلك قال الفضيل رحمه الله: « من عرف الناس استراح » من عرف أن الناس لا ينفعون ولا يضرون استراح ، ولم يتعلق قلبه بهم .

6 ـ وجوب الاعتماد على الله عز وجل ، ولذا قال: ﴿قُلْ حَسْبِي اَللَّهُ﴾  [الزمر38] وهذا يدل على أن الحسب له عز وجل ؛ ولذا لما ذكر في سورة التوبة قال: ﴿وَلَو أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾   [التوبة 59] فجمع بين الله والرسول في الإيتاء ﴿وَلَو أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ﴾  [التوبة59] ولم يأت بكلمة الرسول في الحسب ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى الله رَاغِبُونَ ﴾  [التوبة59].

7 ـ أن الضر خلقه الله عز وجل  لكنه لا يُنسب إليه تأدباً كما قال عن أيوب عليه السلام :  ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾  [ص: 41] فنسبه إلى الشيطان تأدباً مع الله عز وجل ، والنبي صلى الله عليه وسلم  كما عند مسلم  في حديث الاستفتاح في قيام الليل قال: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» لكنه عز وجل لا يريد الضر والشر لذاته فهو لم يخلق عز وجل  شراً محضاً ، فإن كان شراً فإنه باعتبار المخلوق لكنه خير باعتبار آخر.

لو قال قائل: إنه نسب الضر إلى الله كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ﴾  [الزمر: 38] ؟

فيقال: إن نسبته هنا من باب التحدي كما قال  ﴿قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾  [الأحزاب17]، لأنه في مقام التحدي، وفي بيان قدرته إن شاء أن ينزل الضر بأحد أنزله به ولم تستطع هذه المعبودات ولا الخلق كلهم أن يمنعوه، كما قال تعالى:﴿وَهَو يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيهِ﴾  [المؤمنون 88] يعني من أراده الله عز وجل بسوء لا يستطيع أحد أن يجير هذا الإنسان، وإذا لم يكن في مقام بيان القدرة والتحدي لم ينسب الشر إليه كما قال عز وجل عن الجن ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾  [الجن 10] قال هنا: ﴿أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾  [الجن10] ثم لما جاء الخير والرشد قال : ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾  [الجن10] نسب الرشد إليه بينما الضر أبهمه وأجمله.

8 ـ أن آية الباب هي كقوله تعالى : ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾  [فاطر2] ونظيرها من السنة قوله صلى الله عليه وسلم   في حديث ابن عباس رضي الله عنه  «وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ»

9 ـ أن جملة ﴿عَلَيهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ( 38) ﴾  [الزمر38] فيها حصر وقصر للتوكل من العبد على الله عز وجل ، لأن من أنواع القصر  [تقديم ما حقه التأخير] فقوله ﴿عَلَيهِ﴾ خبر، والخبر حقه التأخير فدل على حصر التوكل على الله عز وجل   فلم يقل يتوكل المتوكلون عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه :

«أَنَّ  النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى رجلا فِي يَدِه حَلَقَةً مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ، فقَالَ: انْزعْهَا فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فَإِنَّكَ لو مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ ما أفلحتَ أبدا» رواه أحمد بسند لا بأس به

 من الفوائد:

1 ـ نفي الفلاح لمن أشرك بالله  عز وجل ولو كان من الصحابة رضي الله عنهم ، فما ظنك بغيرهم ؟.

2 ـ أن معنى «الواهنة» مرض يصيب اليد.

3 ـ وجوب الإنكار على من باشر سبباً غير شرعي، ولذا قال صلى الله عليه وسلم  «انْزعْهَا».

4 ـ أن على الداعية أن يبين الآثار السيئة الناجمة عن الذنب الذي ينهى عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإنها لا تزيدك إلا وهنا».

5 ـ أن الشرك الأصغر خطره عظيم ومن أخطاره إصابة صاحبه بالوهن في بدنه وفي عقيدته وفي شأنه كله.

6 ـ أن التنصيص على حلقة من صُفْر، لا يعني أن الحلقة من الحديد أو من الفضة أو من النحاس أنها غير داخلة فهذا المفهوم غير معتبر لأنه جاء لبيان الواقع.

7 ـ أن على الداعية أن يتريث في دعوته إذا رأى ما يستنكره بل عليه أن يتريث وأن يترسل لقوله صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل:«مَا هَذِهِ»؟ ولم ينكر عليه ابتداءً.

8 ـ أن المباشر للأسباب غير الشرعية مآله إلى ضرر.

9 ـ أن صاحب الحلقة لو اعتقد أنها مؤثرة بذاتها لم يفلح كل الفلاح، كما قال عز وجل  عن فتية الكهف ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾  [الكهف: 20]

10 ـ أن كلمة «مِنْ» الجارة تفيد السببية، لقوله صلى الله عليه وسلم  للرجل  «مَا هَذِهِ»؟ فقال الرجل: «من الواهنة» يعني بسبب الواهنة

11 ـ أن المؤلف رحمه الله قال: رواه أحمد بسند لا بأس به، ولعله يريد أن يثبت صحة هذا الحديث خلافاً لمن قال إنه ضعيف، وممن يضعفه الألباني رحمه الله لكن غيره من العلماء يثبته ولا شك أنه من حيث المعنى ثابت لا مرية فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وله  عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ الله لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً فَلاَ وَدَّعَ الله لَهُ» وفي رواية  «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فّقَدْ أَشْرَكَ»

 من الفوائد :

1 ـ أن التميمة هي : أخراز تصنع من جلد أو من خيوط أو نحو ذلك، تعلق على بدن الإنسان يزعمون أنها تحفظه أو أنها تزيل عنه الضر.

2 ـ أن الوَدَعَة هي أحجار يستخرجونها من البحر يزعمون أنها ترفع البلاء أو تدفعه.

3 ـ أن ذكر التميمة والودعة لبيان التمثيل لا الحصر، فلو وضع بعرة جمل أو شاة لهذا الغرض فإنها داخلة تحت هذا الوعيد.

4 ـ أن هذا الحديث إما أن يكون من باب الخبر فيكون صلى الله عليه وسلم  أخبر أن من تعلق تميمة فإن الله عز وجل  لا يتم له أمره، وأن من تعلَّق ودعة يريد أن تسكن نفسه وحاله أنه لا يكون في دعة ولا في سكون.

ويمكن أن يكون هذا الحديث دعاءً منه  صلى الله عليه وسلم وإنما جاء بسياق الخبر، وهذا عند البلاغيين يسمى بـ «الإنشاء الآتي في صورة الخبر»  كأن من فعل ذلك انتفى عنه الخير والسكون والدعة.

5 ـ أن الحديث الآخر أثبت أن تعليق التمائم شرك، وهل هو شرك أصغر أم أكبر؟ سبق بيان ذلك،  فمن زعم أنها مؤثرة وأنها نافعة من دون الله عز وجل  فإنه شرك أكبر، ومن زعم أن هذه ليست مؤثرة ًبذاتها وإنما هي سبب فهو شرك أصغر.

6 ـ أن كلمة «مَنْ» في قوله «مَنْ تَعَلَّقَ» اسم شرط، فهو شامل لكل شخص حتى لو كان في حالة مرض وبؤس فإنها شاملة، لأن المريض والمتضرر عليه أن يأتي بالأسباب الشرعية.

7 ـ أن قوله: «مرفوعاً» يعني مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،  وهو بخلاف الموقوف، فالموقوف: هو المنقول عن الصحابي، وما نقل عن التابعي ومن دونه فيسمى بالمقطوع.

8 ـ معاملة الإنسان بنقيض قصده فإن معلق التميمة يريد أن يتم له أمر، وأن معلق الودعة يريد أن يكون في دعة ، لكنه لما لم يأت بالأسباب من أبوابها عومل بنقيض قصده فانتفى عنه التمام والدعة والسكون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ولابن أبي حاتم عن حذيفة رضي الله عنه

«أنه رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ خَيْطٌ مِنَ الحُمّى فَقَطَعَهُ ،  وتلا قوله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [يوسف106]

 من الفوائد :

1 ـ أن حذيفة رضي الله عنه استدل بآية في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر وهذا معتمد الشيخ رحمه الله إذ صدَّر هذا الباب بقوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَءَيتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾  [الزمر38].

2 ـ أن الشرك الأكبر لا يجتمع مع الإيمان أبداً، وأما الشرك الأصغر فيجتمع مع الإيمان.

3 ـ أن أساليب الدعوة متفاوتة متغايرة وتختلف باختلاف الأشخاص ، ولابد من معرفة حال المدعو والطريقة المناسبة له، ولذا فإن حذيفة بادر بقطع هذا الخيط، وقد قال  صلى الله عليه وسلم  كما عند مسلم «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» وفي حديث آخر «وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»

4 ـ أن أعظم المنكرات هو الشرك بالله عز وجل  .

5 ـ أن ذكر «الخيط » ، في هذا الأثر لبيان الواقع فلو وضع حبلاً أو سلسلة لهذا الغرض فإن الحكم كحكم الخيط وكذلك لو وضعه في غير اليد يعني كوضع الخيط في الرجل أو في الرقبة أو في الأصبع.

6- أن قول الرجل: « من الحمَّى » يعني بسبب الحمى فـ «مِن» هنا سببية.

7 ـ أن قوله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾  [يوسف106].

هي في الشرك الأكبر ومن صور إيمانهم مع الشرك شركهم في التلبية، إذ كانوا يقولون: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا تملكه وما ملك».

8- أن قوله ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾  [يوسف 106].

قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: «أكثر المفسرين من السلف أن المقصود أن هؤلاء المشركين آمنوا بتوحيد الربوبية وهو أن الله هو الخالق الرازق، وأنهم أشركوا في توحيد الألوهية، ونقل عن بعضهم – أي المشركين – أشركوا مع الله في التلبية «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا تملكه وما ملك»

قال: وعندي إشكال، ولم أر من شفى العليل في هذه المسألة كيف يجمع الإيمان مع الشرك؟

لأن قوله ﴿وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ جملة حالية وهي تقيد العامل وتصف صاحب الحال.

مثال: – وهذا المثال لم يذكره وإنما للتقريب – جاء زيد راكبا، هنا جملة حالية، الركوب قيد المجيء ووصف حال زيد.

فيقول: الفعل «يؤمن» مقيد بشركهم فلا يؤمنون إلا حالة كونهم مشركين، قال ويتنافى أن يجمع الإيمان مع الشرك، فأرى أن الإيمان هنا إيمان لغوي، لأن الإيمان اللغوي لا بأس أن يشترك معه الشرك من حيث المعنى، كما أن الإسلام في قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾  [الحجرات: 14] فالإسلام هنا إسلام لغوي، باعتبار أنه لا يمكن أن يكون هناك إسلام بدون إيمان.

وهذه لا نتحدث عنها كثيرًا؛ لأن الآية سبق وأن تحدثنا عنها وذكر العلماء عشرة أوجه حولها، لكن الإسلام هنا في هذه الآية إسلام شرعي لأنه كما قلنا:  لابد مع الإسلام شيء من الإيمان حتى يصحح هذا الإسلام وإلا كان منافقاً.

ووجدت في «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام كلامًا جميلًا، قال: «في حديث عمران بن حصين عند الترمذي – وفيه من الضعف ما فيه – قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي يا حصين كم تعبد اليوم إلها؟ قال سبعة، ستة في الأرض وواحدا في السماء قال فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء ؟ » .

قال: ونظير هذا قول إبراهيم عليه السلام ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ 26 إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ27﴾  [الزخرف: 26، 27] وصفهم بأنهم يعبدون، ففعلهم عبادة، فإن كان الاستثناء منقطعا فلا إشكال على أحد الوجهين، فتكون «إلا» بمعنى «لكن» لكن أعبد الذي فطرني، وإن كان الاستثناء هنا متصلا فيكون قوم إبراهيم يعبدون الآلهة ويعبدون معها الله عز وجل ، قال فيظنون – كما تظن اليهود والنصارى – يظنون أن عبادتهم للآلهة مع عبادتهم لله، يظنون أنها عبادة وليست عبادة لله، متى تكون العبادة لله إذا أتت على وجه الإطلاق، أما على وجه التقييد كحال هؤلاء فلا، بدليل ماذا ؟

قال ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ قيَّد الإيمان هنا، فالإيمان إذا أطلق يراد منه الإيمان الشرعي، لكن إذا قيد فلا، ولذا ماذا قال عز وجل  عن أهل الكتاب؟

﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾ [النساء: 51] فإيمانهم هنا مقيد، كالبشرى إذا أطلقت تكون في الخير، لكن إذا قيدت تكون على ما قيدت به ، قال تعالى:﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾  [آل عمران : 21].

فنخلص من هذا : أن هؤلاء يظنون أنها عبادة وأن هذا إيمان، إذاً كأنه رحمه الله يقول: ذُكروا بوصف الإيمان أو بوصف العبادة باعتبار ما كانوا يعتقدونه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ