شرح كتاب التوحيد ( 8 ) [ باب ما جاء في الرقى والتمائم ]

شرح كتاب التوحيد ( 8 ) [ باب ما جاء في الرقى والتمائم ]

مشاهدات: 448

شرح كتاب التوحيد

( 8 )

[ باب ما جاء في الرقى والتمائم ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=MUGS_zpg14c&index=9&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 من الفوائد تحت هذا العنوان:

1 ـ أن الرقية الشرعية هي : ما توفرت فيها شروط أربعة :

أولًا:  أن تكون خالية من الشرك.

ثانيًا:  أن تكون باللغة العربية.

ثالثًا:  أن تكون مفهومةً معلومة ليس فيها طلاسم، فلو كان أكثرهُا معلوماً دون اليسير فإنها رقيةٌ غير شرعية.

رابعًا: أن يعتقد فاعلُها أن المؤثر هو الله عز وجل  وإنما هي سبب، فمتى اختل شرط من هذه الشروط فهي رقية غير شرعية.

2- أن التمائم نوعان:

النوع الأول: تمائم من غير القرآن، وقد مضى الحديث عنها عند قوله  صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ الله لَهُ»

النوع الثاني: أن تكون من القرآن أو من الأذكار، وقد اختلف فيها العلماء والراجح وهو رأي ابن مسعود رضي الله عنه أنه منهي عنها والنهي للتحريم وذلك لأسباب :

أولاً: عموم النصوص الشرعية فلم تفرق بين التمائم التي من القرآن ومن غير القرآن.

ثانياً: سد باب الشرك ، وهذا هو ديدنه وفعله ودأبه صلى الله عليه وسلم ، فكان يحمي التوحيد ، ويسد كل طريق يفضي إلى الشرك ، فإن المُعلِّق للتمائم التي من القرآن قد يُفضي به الأمر إلى أن يُعلِّق في المستقبل تمائم من غير القرآن ، وعندنا قاعدة في الشرع وهي  [وجوب سد الذرائع].

ثالثا: أن التمائم من القرآن يكون تعليقها سبباً لامتهانها ولا سيما على الصبيان، إما أن يقيئوا عليها أو يدخلوها في أماكن قذرة أو تسقط منهم في هذه الأماكن.

وأما ما ورد عند الترمذي وغيره أن :

«عبد الله بن عمرو بن العاص» كان يعلق على أولاده دعاء الفزع وهو «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ»

فقد كان يُعَلِّم أولاده هذه الكلمات ويحفِّظُهم إياها إذا كان بالغاً، وأما من لم يبلغ فإنه يكتبها ويعلقها عليه , فهذا الفعل من عبد الله رضي الله عنه غير ثابت ، أما دعاء الفزع فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم لو ثبت فإنه فعل صحابي خالف النصوص العامة ، بل خالف صحابياً من فقهاء الصحابة وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وإذا اختلف الصحابيان رُجِّح من عنده الدليل، وعلى هذا فإن وضع المصحف في البيت لكي يحفظ أهله دون أن يُقرأ ، وإنما بقصد الحفظ أو يوضع في السيارة بقصد الحفظ من الحوادث والنكبات ، فإنه داخل في التمائم المنهي عنها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه :

«أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم  في بعض أسفاره فأرسل رسولاً أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ»

 ومن الفوائد:

1 ـ حرصه صلى الله عليه وسلم على بعث الدعاة والرسل لنشر التوحيد.

2ـ أن ذكر الرقبة في هذا الحديث لبيان الوقع، فلو وضعت القلادة في قدم البعير أو في يده فالحكم هو هو، وكذلك لو كان التعليق واقعاً لا على جمل وإنما على بقرة أو على شاة أو على خيل فإن الحكمَ هو هو، وذلك لأن هذه الكلمات جاءت في هذا الحديث لبيان الواقع، وما كان لبيان الواقع فإن القاعدة الأصولية تقول : «إن مفهومه غير معتبر».

3 ـ أن الإبل كما سبق ذكره من أنفس أموالهم ، ولذا فإنهم كانوا يعلقون على رقابها هذه القلائد لحفظها من العين.

4ـ أن الدعوة إلى الله عز وجل  لا تقصر في مكان دون مكان أو في زمن دون زمن فإنه صلى الله عليه وسلم  أرسل هذا الرسول في سفر، وهذا هو ما يليق بالمسلم أن يكون داعياً إلى الله عز وجل  في حله وفي ترحاله.

5ـ وقوله : «أو قلادة»: «أو» الأصل فيها عند النحويين أنها تفيد التخيير أو الشك ، فكأن الراوي شك: هل هي قلادة من وتر أو قلادة؟

وإذا حصل الشك فإنا نطرح الشك، ونبني على اليقين، فيكون اليقين هنا: أن المنهي عنه القلادة المصنوعة من وتر

أما مطلق القلادة فلا تدخل في النهي، حتى ولو وجدت هذه النية، ولكن الصحيح:  أن «أو» هنا ليست على بابها، وإنما المقصود منها «الواو»: «أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر وقلادة إلا قطعت»

وقد جاء في رواية أبي داود ما يبين هذا: أتت بلفظ «الواو» «قلادة من وتر ولا قلادة إلا قطعت» .

ولو قيل: بأن الواو على بابها، وأنها للشك فلا يجوز أن توضع القلادة بهذه النية لما مر معنا قوله: «من تعلق تميمة فلا أتم الله».

6 ـ أن التعلق المذموم هنا إذا كان باعتقاد، أما إن كان هذا التعليق دون اعتقاد كأن يعلق حبلاً في رقبة بعير ليقوده فإنه لا حرج في ذلك، ولذا فالنبي صلى الله عليه وسلم: «قَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ» في حجة  الوداع.

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ»    رواه أحمد وأبو داود.

 من الفوائد:

1ـ أن الرقية المحكوم عليها في هذا الحديث بأنها شرك هي الرقية التي اختل فيها شرط من الشروط السابقة.

2 ـ أن الرقية إذا توفرت فيها الشروط السابقة ولو لم تكن من القرآن ولا من السنة وإنما بدعاء قد توفرت فيه الشروط السابقة فإنه نافع بإذن الله تعالى , لأن الرقية كما سلف من ذكر كلام شيخ الإسلام رحمه الله  أن الرقية من جنس الدعاء وللمسلم أن يدعو الله عز وجل بما شاء، ولذا قال  صلى الله عليه وسلم  كما عند مسلم «اعْرِضُوا عَلَىَّ رُقَاكُمْ لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» .

3 ـ أن معنى «التِّوَلَة» شيء يُصنع يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى زوجته، ويشبهه في هذا  العصر «دبلة الخطوبة» فإن هذه الدبلة فيها تشبه بالنصارى إذ إنهم يضعون هذه الدبلة على الإبهام، ويقولون: باسم الأب ، ثم يضعونها على السبابة ويقولون: باسم الابن، ثم يضعونها على الوسطى، ويقولون: باسم روح القدس، ثم يضعونها في البنصر، وحال البعض إذا خلع هذه الدبلة ظن أن العلاقة بينه وبين زوجته أو ظنت أن العلاقة بينها وبين زوجها أنها قد انتهت وأن الجامع لقلبيهما هي هذه الدبلة , فإذا وجدت هذه النية فإنها من التِّوَل.

4 ـ أن كلمة التمائم هنا دخلت عليها «أل» فتفيد العموم فيدخل تحتها التمائم من القرآن ومن غير القرآن.

5 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على «الرقى والتمائم والتولة» بأنها شرك، وهل هو شرك أصغر أم أكبر؟  سبق الحديث عن ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعن عبد الله بن عُكَيم رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ تعَلَّقَ شَيْئًا وُكِل إِلَيْهِ»  رواه أحمد والترمذي.

 من الفوائد :

1 ـ أن من انحاز قلبه إلى شيء سواء كان هذا الشيء رفيعاً أو وضيعاً، فإن الله عز وجل  يتخلى عنه، فمن اعتمد على غير الله عز وجل  فقد خسر.

2 ـ بيان أن ما سوى الله عز وجل   فهو ضعيف ولو منحه الله عز وجل  قوة وقدرة كالجن أو كالملائكة ، فمن علَّق قلبه بغير الله عز وجل فإن مآله إلى ضعف وخسارة لأنه فوض أمره واعتمد قلبه على هذا المخلوق الضعيف وترك الاعتماد على الخالق القوي عز وجل  ولذا قال في سياق آية في الشرك قال تعالى : ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾  [المائدة17].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وروى أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ» .

 من الفوائد :

1ـ أن ذكر العظم والرجيع هنا عام، لأنهما نكرتان في سياق الشرط.

2ـ حرصه صلى الله عليه وسلم على نشر التوحيد بين صفوف أمته ولو بعد وفاته،  ولذا أرشد رويفع أن يدعو إلى التوحيد فقال: «فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ»

3 ـ أن التصرف في البدن لأجل دفع العين يدخل تحت هذا الحديث لأنهم كانوا يعقدون لحاهم خيفة من أن يصابوا بالعين، فعلى المسلم أن يكون طبيعياً في حاله وفي شأنه وفي المقابل عليه أن يلتزم بالأذكار والمعوذات التي تحفظه بإذن الله عز وجل  ، وقد قال بعض الشراح إنهم كانوا يعقدون لحاهم افتخاراً.

4 ـ أن الاستنجاء بالرجيع أو بالعظم محرم، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم  أن الرجيع علف لدواب إخواننا من الجن كما عند مسلم:

«لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِى أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعَرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ» .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعن سعيد بن جبير رحمه الله  قال : «مَنْ قَطَعَ تَمِيمَةً مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ»  رواه وكيع

 من الفوائد :

1 ـ أن هذا الأثر مقطوع، لأنه مأثور عن تابعي، وهذا المقطوع لا نجزم به ثبوت هذا الثواب، لأنه صادر من تابعي لكنه لو صدر من صحابي كان من قبيل المرفوع حكماً، لأنه مما لا يقال بالرأي، ولعل مرادَ سعيد رحمه الله أن من قطع هذه التميمة فقد خلَّص صاحبها من الشرك الذي هو رق، والإنسان إذا خلَّص رقيقاً وأعتقه فإن الله عز وجل  يخلصه من النار كما ثبت ذلك في الصحيحين: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ» .

 

وفي رواية خارج الصحيحين: «كانت فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ» .

2 ـ أن هناك قاعدة فقهية وهي  «أن المتسبب كالمباشر»، فإنه لما تسبب في قطعها وخلصه من الرق كان كمن باشر عتق رقبة، وهذه القاعدة تؤخذ استئناساً من هذا الأثر، وإلا فهناك أدلة مرفوعة من بينها قوله صلى الله عليه وسلم  : «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ».

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وله عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : « كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّمَائِمَ كُلَّهَا، مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ الْقُرْآنِ»

وإبراهيم هو: إبراهيم النخعي رحمه الله  أخذ العلم عن كبار طلاب ابن مسعود رضي الله عنه.

 من الفوائد:

1 ـ الكراهة تكون في الغالب عند السلف للتحريم، بخلاف الكراهة عند الفقهاء فإن المكروه  [يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله].

2 ـ أن قوله: «كانوا يكرهون التمائم» يعني تلامذة ابن مسعود رضي الله عنه، وفي هذا دليل على أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما  قد خالفه صحابي آخر وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، فهو يرى أن التمائم كلها لا تجوز من القرآن ومن غير القرآن.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ