عمدة الأحكام ( كتاب الصلاة )
الدرس الخامس
أن كلمة ( بينا ) تنطق بهذا النطق وتنطق بنطق آخر، تنطق ( بينما )
أن البعض يمكن أن يطلق عليه لفظ الكل ، فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ليسوا الناس كلهم وإنما هم بعض ولذلك أطلق عليهم كلمة ( الناس ).
أن الآية الواحدة أو الآيتين أو أكثر من ذلك يصح أن يطلق عليها لفظ ( قرآن ) مع أنها ليست القرآن كله ولذا قال ( أنزل عليه الليلة قرآن ).
أن هناك لفظا آخر وهو ( أن الآتي أتاهم في صلاة العصر ) وهنا يحصل تعارض ولكن هذا التعارض يندفع إذا علمنا بأن الآتي في صلاة الصبح غير الآتي في صلاة العصر فالآتي في صلاة العصر إنما أتى لقوم وهم في المدينة وأما صلاة الصبح فإنه آتٍ أتى أهل قباء ، وأهل قباء خارج المدينة فلا تعارض لأن القصة حصلت مرتين .
أن معتقد أهل السنة والجماعة [ أن القرآن منزَّل غير مخلوق وهو كلام الله عز وجل منه بدأ وإليه يعود ] .
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة يصلي مستقبل الكعبة ولكن استقباله إلى جهة الشام فيكون بذلك مستقبلا للكعبة ولبيت المقدس فلما هاجر أُمِر باستقبال بيت المقدس تأليفا لليهود لعل وعسى أن يتبعوه، ثم بعد ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا أُمر أن يستقبل الكعبة ، وكان يحب استقبالها لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام .
أن استقبال القبلة يتسامح فيه فإذا اجتهد الإنسان فأخطأ أو أُخبر بخبر الثقة فأخطأ هذا الثقة ، فهنا لو صلى على غير اتجاه القبلة ثم تبين له الخطأ فصلاته صحيحة ، وكذلك الحال لو أخبر وهو في الصلاة بأن القبلة من هذا الجهة فلا يقطع صلاته وإنما ينحرف كما فعل الصحابة رضي الله عنهم هنا .
عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : ( اسْتَقْبَلْنَا أَنَساً حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ , فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ , فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ , وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ – يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ – فَقُلْتُ : رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ؟ فَقَالَ : لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( يَفْعَلُهُ لم أفْعَله ) .
أن استقبال القبلة يتسامح فيه كما سلف في صلاة المسافر المتنفل السائر.
أن استقبال الزائر حين قدومه من سفرٍ أمرٌ حسن كما فعل السلف هنا بأنس رضي الله عنه استقبلوه ( بعين التمر ) وهو موضع ومكان من الأماكن .
اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بصنيع النبي صلى الله عليه وسلم .
أن المتعارف عليه عند الأمة أن استقبال القبلة في الصلاة أمر محتَّم ولذا سأل أنس بن سيرين أنسا لما رآه يصلي إلى غير القبلة .
أن على العالم إذا ذكر حكما أن يعزو هذا الحكم إلى الدليل حتى يطمئن السائل .
أن على طلاب العلم أن يفعلوا كما فعل أنس ابن سيرين رحمه الله فإنه لما رأى أمرا مستغربا من أنس بن مالك رضي الله عنه لم يبادر بالإنكار ولم يبادر بالخوض في عرضه وإنما سأله وهذا هو عين الحكمة ولذا لو أن أنس بن سيرين أنكر عليه ولم يستفهم منه ما ظفر بهذا العلم فلربما يظن طالب العلم أنه على صواب، وإذا بهذا العالم عنده من العلم ما جعله يفعل هذا الأمر ، وهذا مما يُحتاج إليه في هذا العصر .
أن الصلاة على الحمار أمر جائز بدليل صنيع أنس رضي الله عنه ولكن هل قول أنس ( لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله لم أفعله ) هل هو راجع إلى الصلاة إلى غير القبلة أو أنه راجع إلى الصلاة لغير القبلة والصلاة على حمار ؟
فإن كان كما قلنا : من أنه راجع إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على حمار إلى غير القبلة فيكون عليه الصلاة والسلام صلى على الحمار في سفره ، وشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه عليه الصلاة والسلام لم يصل في سفره على الحمار ، ولكن هناك من الروايات ما يؤيد خلاف ما ذهب إليه شيخ الإسلام كما قال ابن حجر رحمه الله من أنه عليه الصلاة والسلام صلى على حمار في غزوة خيَّبر .
أن الحمار طاهر البدن ، ولو كان نجسا لما جازت الصلاة عليه ولأنه عُرْضة لأن يَعْرَق ، وإذا قلنا بأنه نجس فيكون عرقه نجسا ولأن الأمطار عرضة إلى أن تصيب بدنه والنبي صلى الله عليه وسلم كان يركبه وكذلك الصحابة فدل على طهارته على القول الراجح ، والمقصود طهارته من حيث البدن فعرقه ولعابه وما يخرج من أنفه طاهر وبدنه طاهر أما فضلاته من بول أو غائط فإنه نجس .
دقة الرواة في نقلهم للأحاديث فإن أنس بن سيرين ذكر أن أنس بن مالك رضي الله عنه صلى عن يسار القبلة ولم ينقل أنه صلى إلى غير القبلة بل حدَّد وجهته .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ( قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ ) .
أن تسوية الصف بحيث لا يتقدم أحد على أحد أمر محثوث عليه في الشرع ، ولكن هل هذا الأمر مستحب أم واجب ؟
بمعنى أن الأمة لو لم تحرص عليه ورئي تقدم في الصفوف أيأثمون أو يأثم من فرط أم أنه لا يأثم وإنما ترك الأولى ؟
أن تسوية الصف إتمام للصلاة ، بل ورد في رواية ( من إقامة الصلاة ) بل ورد في رواية ( من حُسْن الصلاة ) .
أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العلة في الأمر بتسوية الصف من باب اطمئنان النفس ودعوتها إلى تطبيق هذا الأمر فإذا علم العبد أن تسوية الصف إتمام لصلاته حرص على ذلك .
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما , قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ )
أن هذا الحديث دليل لمن قال بأن تسوية الصف واجبة ، لأنه رتب عليها عقوبة إذ قال ( أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) فلو كان الأمر مستحبا لما شدَّد في هذا .
أن المخالفة بين الوجوه في هذا الحديث، قال بعض العلماء : إنها مخالفة حسية بمعنى أن وجوههم تكون إلى القفا ، ولا يبعد أن يحصل مثل هذا .
والبعض من العلماء : يرى أن المخالفة هنا مخالفة معنوية ، ومعنى المخالفة المعنوية أن تختلف وجهات النظر بين هؤلاء فلا يتفقون فتكون قلوبهم مختلفة غير متفقة للرواية الأخرى ( أو ليخالفن الله بين قلوبكم ) وهذا هو الصواب .
حرص الإسلام على الاجتماع فإن صلاة الجماعة تدعو إلى اجتماع المسلمين وتآلفهم ، ومن مظاهر هذا الاجتماع أن تجتمع أبدانهم في الصلاة في صف واحد إذ لو رُئي أحد متقدم على أخيه فهذا التقدم أو التأخر لا يدل على الاجتماع ويؤكد هذا ويقرره أن المأموم لا يخالف إمامه كما سيأتي بيان ذلك فلو خالفه عرَّض نفسه للعقوبة الصارمة .
أن تسوية الصف المذكور هنا لا ينحصر في صلاة الفرض وإنما في كل صلاة شُرع لها الاجتماع فلو صليت صلاة الكسوف أو الاستسقاء أو التراويح فالحكم هو هو .
وَلِمُسْلِمٍ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( يُسَوِّي صُفُوفَنَا , حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ , حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ , ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ , حَتَّى إذَا كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ , فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ , فَقَالَ : عِبَادَ اللَّهِ , لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) .
هذه الرواية تابعة للحديث السابق إذاً من ضمن فوائد الحديث السابق بناء على هذه الرواية :
يشرع للإمام أن يسوي صفوف المصلين وأن يفعل ذلك بنفسه ولكن الناس وللأسف يتذمَّرون حتى من قول الإمام ( استووا ) فكيف لو سوى صفوفهم فعلا وتطبيقا ولذا النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أن النفوس تنكر هذا ولا تريده وهذا من دعوى الشيطان ولذا في سنن أبي داود قال عليه الصلاة والسلام ( لينوا بأيدي إخوانكم ) معناها على أحد الأقوال : لتكن لينا سهلا إذا أخذ أخوك المسلم بيدك لكي يسوي الصف .
أن تسوية النبي صلى الله عليه وسلم للصفوف تسوية مبالغ فيها إذ كان يسوي بين صفوفهم كما تسوى أعواد السهام وهذا إن دل يدل على حرصه صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر .
أن على العالم ألا يُحْبَط فيما لو لم يُسمع كلامه بل عليه أن يكرر وأن يراعي أحوال الناس في الدعوة وهذا يدل عليه قوله ( حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ) فكرر العلم والأمر .
أن الكلام المفيد لا بأس به بين الإقامة والتكبير إذ لما أراد أن يكبر فرأى صدر هذا الرجل باديا تكلم عليه الصلاة والسلام .
أن على الداعية والعالم أن يرقق قلوب المدعوين إلى فعل الخير باختيار الألفاظ الجالبة لهم إلى فعل الخير إذ صدَّر حديثه عليه الصلاة والسلام بقوله ( عباد الله ) يعني أنتم عباد الله ، والعبد لله عز وجل خليق به ألا يخالف أمره .
أن حرف النداء الذي هو ( يا ) يحذف كثيرا إذا دل عليه المقام فإن الأصل ( يا عباد الله ) فحذت ( يا النداء ) للعلم بها ، كما في قوله تعالى { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ } يوسف46 ، أصلها ( يا يوسف ) والأمثلة كثيرة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ , فَأَكَلَ مِنْهُ , ثُمَّ قَالَ : قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ ؟ قَالَ أَنَسٌ : فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ , فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ , فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ , وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا . فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ انْصَرَفَ ) .
وَلِمُسْلِمٍ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ , وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا ) .
أن الجدة هنا وهي ( مُليَّكة ) هي جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وليست جدة أنس رضي الله عنه ، لأن عبد الله بن أبي طلحة هو أخ لأنس رضي الله عنه من جهة الأم ومن أبنائه إسحاق ، فتكون هذه الجدة المذكورة هي أم أبيه التي هي أم أنس رضي الله عنه .
أن السنة في حق المسلم إذا أتى لأمر معيَّن أن يبدأ به قبل أمر آخر فإن إتيانه عليه الصلاة والسلام هنا من أجل الصلاة أم الدعوة ؟ من أجل الدعوة ، ولذا لما دعاه عتبان بن مالك رضي الله عنه كي يصلي له في منزله حتى يتخذه مصليا ، كان هناك طعام وقد أعده عتبان والنبي عليه الصلاة والسلام أتى من أجل الطعام أم من أجل الصلاة ؟ من أجل الصلاة ، ولذا قال أين أصلي لك ؟ فلما صلى أكل الطعام ، فالسنة في حقك إذا أتيت إلى مكان لأمر ما ، وطرأ أمر آخر أن تبدأ بهذا الأمر الذي أتيت له .
أن المسلم إذا ضيَّف ضيفا عليه أن يسعى لتقديم مأكول محبوب لدى الضيَّف ولذا قال ( بطعام صنعته له ) فهذا الطعام قد صُنِع خصيصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
أن العبادة إذا فعلت وأريد بها التقرب إلى الله سبحانه وتعالى مع التعليم للآخرين فلا يكون هذا التعليم محبطا للأجر ولذا النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى على المنبر وقال : إنما فعلت ذلك لتعلَّموا صلاتي ولتأتموا بي ) .
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يأخذ الصحابة عنه أفعاله وأقواله ، بل كان عليه الصلاة والسلام حريصا على ربط القول بالعمل ، فهو علَّم أصحابه رضي الله عنهم الصلاة بقوله وأضاف إلى ذلك تعليمه لهم بفعله .
أن مَن في المنازل أو في البيوت لا يُحجب عنهم العلم وإنما على المسلم أن ينشر العلم لهؤلاء الذين لا يحضرون المساجد فإن المرأة والطفل كما هو مذكور هنا كانوا بحاجة إلى أن يروا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهم يرونه .
أن قوله صلى الله عليه وسلم ( فأصلي لكم ) ليس معناه أن يتقرب بهذه الصلاة إليهم وإنما معناها فلأصلي لأجلكم .
بيان ما كان عليه الصحابة من شظف المعيشة وقلة المال إذ إن هذا الحصير قد اسود ومعلوم أن الحصير ليس ناعما بل يُظهر آثارا في بدن القاعد عليه .
أن معنى ( من طول ما لبس ) أي جُلس عليه لأن الحصير يلبس أم يجلس عليه ؟ يجلس عليه ، ومن ثم فإن اللباس المحرم لبسه لا يجوز أن يفترش وأن يجلس عليه لم ؟ لأن الجلوس لبسٌ .
أن الصلاة على حائل يحول بين المصلي والأرض أمرٌ جائز ومن ثم فإنه صلى الله عليه وسلم صلى على الأرض مباشرة من غير حائل وصلى عليه الصلاة والسلام على ( الخمرة ) ن اأن ا
وهي حصير بقدّر السجود على الكفين والوجه ، ومن ثم فإنه صلى الله عليه وسلم صلى على الحصير الذي يكون البدن عليه كاملا ، إذاً من أنكر من المتشددين الصلاة على الفرش التي في المساجد مردود عليه .
أن الحائل غير المتصل ببدن الإنسان لا يؤثر عليه في صلاته فإنه صلى على الحصير ، فكون هذا الحصير يمنع أعضاء السجود من أن تباشر الأرض لا يؤثر ، لكن لو كان هذا الحائل متصل ببدن الإنسان كأن يسجد مثلا على شماغه فهنا فيكره له إلا إذا كانت هناك حاجة
حرص أنس رضي الله عنه على تهيئة هذا الحصير للنبي صلى الله عليه وسلم ليكون ألطف من حالته الأولى إذ قام فنضحه بالماء ، ومعلوم أن النضح لا يؤثر فيه تأثيرا كبيرا .
أن الأصل في الأشياء الطهارة ، فلو رأيت سجادة متسخة أو فرشة قذرة أو أرضا متلوثة متغيرة فلك أن تصلي عليها ما لم تتيقن أن النجاسة قد أصابتها فإذا كان الأمر مجهولا لديك فالأصل أن تصلي والأصل في الأشياء الطهارة ولذا هذا الحصير ما هو حال لونه ؟ ( قد اسود ) ومعلوم أن الحصر تصنع في ذلك العصر من النخيل ومعلوم أن هذا اللون يختلف عن اللون الأسود .
أن الرجل البالغ له أن يصَّطف في الصف مع مَنْ لم يبلغ إذا بلغ سن التمييز إذا بلغ سن السابعة لأن أنسا رضي الله عنه صلى واصطف مع هذا اليتيم، ومعلوم أن اليتيم هو من مات أبوه قبل أن يبلغ ، أما إذا بلغ فلا يوصف بأنه يتيم ولذلك البعض قد يكون بالغا ويقول أنا يتيم وهذا خطأ قد انتفى عنه وصف اليتم ببلوغه ، وهذا هو القول الراجح لأن بعض العلماء يرون أن البالغ لا يصطف وحده مع من لم يبلغ ولكن الصواب ما ذكر هنا ، لكن لو قيل : إن المذكور هنا نافلة فلماذا تُعَدُّون هذا الحكم إلى الفريضة ؟
الجواب / أن الأصل تساوي الفرض والنافلة في الأحكام إلا ما دل عليه الدليل وأصل هذه القاعدة حديث ابن عمر ( غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ) .
أن المرأة صف وحدها مع الرجال ، فيصح أن تصلي منفردة مع الرجال إذا كانت وحدها كما هو صنيع العجوز المذكورة في هذا الحديث ، لكن لو كانت المرأة معها امرأة أخرى أو نساء فانفردت عن أختها أو انفردت عن صف النساء فإن صلاتها لا تصح .
إذاً / الرجل من غير عذر أيجوز له أن يصلي منفردا عن الصف ؟ (لا) .
أيجوز للمرأة ؟ ( نعم ) إلا في حالة واحدة وهي / إذا كان معها امرأة أخرى أو نساء أخريات فانفردت عن صف النساء فإن صلاتها لا تصح
إذاً / متى تصلي منفردة ؟
إذا كانت وحدها ، لكن إذا كان النساء يصلين جماعة وكانت هناك امرأة إمامة للنساء وانفردت واحدة عن صفهن فصلاتها باطلة .
أن صلاة النفل يصح أن تؤدى جماعة سواء كانت بليل أو بنهار وهذا في بعض الأحيان أما لو استمر جماعة على أن يؤدوا صلاة النافلة جماعة باستمرار فإن هذا من البدع ، لكن لو أن أناسا اجتمعوا في يومٍ ما وقال أحدهم : تعالوا لنصلي الضحى جماعة فلا بأس بهذا لكن أن يجعلوا هذا الأمر راتبا هذا لا يصح .
أن الرجل إذا لم يكن معه شخص آخر لا بالغ ولا غير بالغ فإنه يقف عن يمين الإمام وتكون المرأة خلفهم .
أن اصطفاف المرأة وحدها خلف صف الرجال عذر شرعي لأنها ممنوعة من القرب من الرجال وهذا عذر شرعي ،هذا العذر جعلها تصلي وحدها إذاً يستدل بهذا الحديث على أن من أتى من الرجال إلى صلاة الجماعة ووجد أن الصف قد اكتمل وليس له مكان لا عن يمين الإمام ولا في الصف أن له أن يصلي منفردا لم ؟
لأن عنده عذرا حسيا شرعيا فلا يوجد عنده مكان كما أن المرأة عندها عذر شرعي .
أن موقف الرجل الواحد مع الإمام يكون عن يمينه ولا يتقدم عليه ولا يتأخر لقوله ( فأقامني عن يمينه ) وكما سيأتي في إحدى روايات حديث ابن عباس الآتي قال ( فقمت حذاءه ) فدل على أنهما متساويان خلافاً لمن رأى من العلماء أن الإمام إذا كان معه شخص آخر أنه يتقدم قليلا ، والصواب أنه يكون حذاءه لا يتقدم عليه ولا يتأخر .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : قَالَ : ( بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ . فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ . فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ . فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ ) .
فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ كن ينقلن للصحابة رضي الله عنهم ما خفي عليهم من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن لهن فضلا إذ إنهن يسمحن لأقاربهن أن يدخلوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم لكي يأخذوا عنه مباشرة إذ إن ميمونة رضي الله عنها هي خالة بن عباس كما أن ابن عمر فيما سبق من أحاديث كان يدخل على أخته حفصة .
حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل بل إن صلاة الليل على أحد قولي العلماء واجبة عليه ولذا قال تعالى { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } الإسراء79 ، { نَافِلَةً } واجبة عليك .
بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الخير حتى في أولادهم فانظروا كيف كان حال اليتيم في قصة أنس رضي الله عنه وانظروا إلى حال ابن عباس رضي الله عنهما وهو لم يبلغ ماذا فعل ؟
دعاه إيمانه إلى أن يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أن الإمام مع المأموم له أربع حالات : –
أن موقف المأموم مع الإمام له أربع حالات :-
هذا إذا كانوا أكثر من اثنين فإذا كانوا ثلاثة فأكثر فحالاتهم كالتالي على حسب الأفضلية : –
الحالة الأولى : أن يكونوا خلفه إذا كان اثنين فأكثر ويدل لها قصة أنس قال ( فصففت واليتيم وراءه ) .
الحالة الثانية : في الأفضلية / أن يكونوا عن يمينه وعن يساره كما دل على ذلك حديث عند مسلم .
الحالة الثالثة : أن يكونوا عن يمينه كما هو مذكور في قصة ابن عباس وقصة أنس .
الحالة الرابعة : أن يكونوا عن يساره مع خلو اليمين ، لأن الحالة الثالثة أن يكون عن يمينه وعن يساره إذاً إذا وقفوا عن يساره هل خلا يمينه ؟ لم يخل ، إذاً الحالة الرابعة إذا وقفوا عن يساره مع خلو اليمين هل تصح الصلاة أم لا ؟
جمهور العلماء يرون الصحة خلافا للحنابلة وهو الصواب فلو وقف عن يساره دون أن يكون هناك شخص عن يمينه فلا بأس بذلك لأنه ترك الأفضل والدليل على هذا / أن ابن عباس رضي الله عنهما أول ما كبر وصلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقف عن يساره ولو كانت الصلاة لا تصح لأمره عليه الصلاة والسلام باستئنافها من جديد لكن لما أخذه ووضعه عن اليمين دل على أن أول صلاته كانت صحيحة إذاً آخرها من باب أولى لأن أولها تكبيرة الإحرام وهي أعظم أركان الصلاة فإذا صحت في هذا المقام فما عداها من الأركان من باب أولى.
وهناك حالة خامسة / وهي أن يتقدم المأموم على إمامه، وهذه فيها خلاف بين العلماء وأفضل الأقوال توسطا و هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله يقول : إن لم يوجد مكان إلا أمام الإمام فصلاته صحيحة للعذر الشرعي .
أن من وقف عن يسارك فلتأخذ برأسه وتجعله عن يمينك من الوراء بمعنى أن تسحبه من خلفك ولا تجعله يكون أمامك كما صنع عليه الصلاة والسلام كما هو مذكور في بعض الروايات في هذا الحديث ، ولو قال قائل : إن وقوف ابن عباس رضي الله عنهما جهة اليسار في صلاة نفل فلماذا ترتقون بالحكم إلى صلاة الفرض ؟
نقول : إن الأصل تساوي صلاة النفل مع الفرض في الأحكام ما لم يأت دليل يستثني أحدهما .
أن المصلي يمكن أن يحوِّل نيته من نية الانفراد إلى الإمامة وهو في الصلاة ولا يؤثر على الصلاة أين الدليل ؟ هنا في هذا الحديث إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي منفردا وهو لا يدري هل ابن عباس رضي الله عنهما سيدخل معه أو لا ؟ فلما دخل معه قلب نية الانفراد إلى نية الإمامة ، ومن ثم فإن اختلاف النية في الصلاة إذ كون الإنسان ينتقل من إمامة إلى ائتمام أو من ائتمام إلى إمامة أو ما شابه ذلك من هذه التنقلات فلا بأس بها أو أنه يصلي صلاة الظهر خلف من يصلي صلاة العصر وهذا معمول به وهو كثير فهذا لا يؤثر .
ن أن صلاة النفل الليلية يمكن أن تؤدى جماعة لكن في بعض الأحيان كما دل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
لقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم من التلطف والترقق والتريث ما لم يبلغه غيره في التعامل إذ لم يؤنب ابن عباس رضي الله عنهما وإنما أخذه بلطف وأقامه عن يمنيه بخلاف ما نربي عليه أنفسنا وأولادنا وللأسف ولذا لما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة وكانت يده تطيش في الصحفة في الطعام قال ( يا غلام ) كأنه يخاطب رجلا ، ولذلك الطفل يتربى على ما عليه أبوه أو مربيه فإن كان لطيفا نشأ بإذن الله هذا الولد لطيفا وإذا كان المربي عنيفا ويتلقى الطفل من هذا المربي التوجيهات غلظة ينشأ على هذا
وينشأ ناشئ الفتيان منا |
|
على ما كان عوده أبوه |
قال ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) كأنه يتحدث مع رجل بلغ من العمر عِتيا ، وهذه لفتة يجب أن نتنبه إليها في تربية من ولانا الله عز وجل على تربيته وألا تكون هموم الدنيا ومشاغلها وأتعابها تكون على حساب التربية لهؤلاء الأولاد .
وصلى الله على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين