عمدة الأحكام الدرس الرابع ( كتاب الصلاة – باب الأذان والإقامة – باب استقبال القبلة [ 1 ] )

عمدة الأحكام الدرس الرابع ( كتاب الصلاة – باب الأذان والإقامة – باب استقبال القبلة [ 1 ] )

مشاهدات: 408

عمدة الأحكام  ( كتاب الصلاة )

الدرس الرابع

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

باب الأذان والإقامة
الحديث التاسع عشر

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ , وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ) .
الشرح

معاني الكلمات :

الأذان / هو التعبد لله عز وجل بالإعلام بدخول وقت الصلاة .

الإقامة / هي التعبد لله سبحانه وتعالى بإعلام الحاضرين بإقامة الصلاة

أُمِر / الآمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

من فوائد هذا الحديث ما يلي :-

أن صيغة [ أُمِر] صيغة رفع ، بمعنى أن هذا اللفظ من قبيل المرفوع حكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن إخفاء الآمر الذي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قيل ( أُمِر)  أن إخفاءه للعلم به ، فمعلوم أنه لا يأمر بلالا بهذا الأمر إلا الرسول عليه الصلاة والسلام  .

ومن الفوائد :

أن أذان بلال المذكور في هذا الحديث أخذ به الإمام أحمد رحمه الله فجمل الأذان التي تُطبق عندنا نحن في السعودية وكذلك جمل الإقامة المطبقة هي جمل الأذان وجمل الإقامة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا ، وإلا فهناك صيغ وجمل أخرى بزيادة أو نقصان فهذه قد أخذ بها بعض العلماء والحصيلة أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من صيغ في الأذان يؤخذ به ، ولكنها لا تطبق عند عوام الناس حتى لا يحصل تشويش، يقول علي رضي الله عنه كما عند البخاري          ( حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذب الله ورسوله ) فلو أُذِن بأذان أبي محذورة مثلا لاستراب الناس ولربما قالوا إن هذا لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام فحتى ندفع هذا المحظور لا يطبق مثل هذا الأذان المختلف عندنا إلا إن كان الإنسان عند طلاب علم كأن يكون في منتزه أو في صحراء وأراد أن يطبق لأن مَنْ أمامه ومن حوله يفهمون فهذا شيء حسن ، ولكن لا يعني أن نجعل الناس في جهالة بل نبيَّن لهم تبيينا شرعيا فيتحدث الإمام أو يتحدث العالم أن هناك صيغا أخرى ، أما التطبيق فعسير جدا .

ومن الفوائد :

أن شفع الأذان وإيتار الإقامة من حيث الغالب وإلا فالتكبير مثلا في الأذان أربع والإيتار في الإقامة فيها التكبير اثنتان .

الحديث العشرون

عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيِّ قَالَ : ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ – قَالَ : فَخَرَجَ بِلالٌ بِوَضُوءٍ , فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ , قَالَ : فَخَرَجَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ , كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ , قَالَ : فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ , قَالَ : فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا , يَقُولُ يَمِيناً وَشِمَالاً : حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ; حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ , فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ نَزَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ) .
الشرح

معاني الكلمات :

الأبطح : مكان بمكة ،سمي بهذا الاسم لكثرة البطحاء فيه ، ويسمى بالمحصب ويسمى بخَيْف بني كنانة ، وكان عليه الصلاة والسلام ينزل هذا المنزل،  تقول عائشة رضي الله عنها ( كان أسمح لخروجه )  والآن لا يوجد أبطح لأنه قد بني فيه بعض الأسواق فليس هناك أبطح في هذا العصر .

قبة : خيمة .

أدم : جلد .

بوضوئه  : أي بالماء المتوضأ به .

نائل : آخذ

ناضح : آخذ من الآخذ .

حُلة : هي ثوبان .

حي على الصلاة : أمر بالإقبال عليها .

عنزة : عصا تشبه الرمح .

من فوائد هذا الحديث :-

أن نزول النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى إلى مكة بالأبطح أن نزوله كما قالت عائشة رضي الله عنها ( أسمح لخروجه ) فإذا فرغ من النسك مكث فيه وقتا ، وبعض الصحابة يرى أن النزول به من السنن وليس من الأمر المباح لا كما قالت عائشة رضي الله عنها .

ومن الفوائد :

أن الوُضوء إذا ضمت واوه فالمراد الفعل وإذا فتحت واؤه فالمراد الماء ، ومثله لو قلت السَحور والسُحور ، ومثله الطَهور والطُهور ، فإذا فتحت مثلا في السَحور  فالمراد الطعام وإذا ضممت فالمراد الفعل .

ومن الفوائد :

يسر الإسلام إذ إن تطبيقه عليه الصلاة والسلام في أنساكه يدل على اليسر خلافا لمن يشق على نفسه إذا ذهب إلى مكة حاجا ، إذ ضربت له القبة في هذا المكان ليستريح عليه الصلاة والسلام .

 

ومن الفوائد :

دقة نقل الصحابي لما يجري من حال النبي صلى الله عليه وسلم إذ نقل أن هذه القبة ( من أدم ) أي من جلد .

ومن الفوائد :

أن قوله ( من أدم ) يدل على أن جلد الميتة إذا دبغ يطهر لأنه عمَّم هنا وهذا هو الصواب أن جلد المأكول لحمه إذا مات فدبغ الجلد أن جلده  طاهر إذ يبعد منه عليه الصلاة والسلام أن يستظل بشيء نجس .

ومن الفوائد :

خدمة الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام إذ خرج بلال بوضوئه .

ومن الفوائد:

فضيلة بلال رضي الله عنه إذ كان لصيقا بالنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره .

ومن الفوائد:

أن التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والمقصود من هذه الآثار المقصود الآثار المتعلقة ببدنه لا بالأماكن التي نزل فيها ولذا كان الصحابة يتبركون بما يبقى من ماء وضوئه ويتبركون بشعره عليه الصلاة والسلام وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يسري على من سواه حتى ولو كان من  أعلم الناس فلا يجوز أن يتبرك بآثاره .

 

ومن الفوائد :

أن خروج النبي عليه الصلاة والسلام وعليه هذه الحلة الحمراء يفيد أن لبس الأحمر الخالص جائز،  وهي مسألة خلافية وطويل الحديث فيها وابن القيم رحمه الله يرى النهي عن لبس الأحمر إذ يقول إن الحلة هنا لا تكون حلة إلا من ثوبين وهما أحمر وفيهما خطوط سود وأطلق على الحلة بأنها حمراء باعتبار أن الأحمر هو الأكثر وليس معناه أن هذا الحلة كلها حمراء كما لو قلنا : هذا شماغ أحمر ، مع أن فيه بياضا ،  فعلى المسلم أن يحتاط في هذا الأمر وأن يجتنب لبسه .

ومن الفوائد :

بيان أن الرسول عليه الصلاة والسلام ( كان أبيض)  لأنه ذكر صفة لون ساقه .

ومن الفوائد :

أن على المسلم أن يحرص على أن يتوضأ فور ما يؤذن الم ( فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ ) .

ومن الفوائد :

أن بلالا رضي الله عنه كان يلتفت في الحيعلتين يمينا وشمالا والحيعلتان هما قول ( حي على الصلاة حي على الفلاح ) .

 

ومن الفوائد :

أن إخبار أبي جحيفة بالتفات بلال في الحيعلتين يدل على أن بلالا كان في بقية جمل الأذان لا يلتفت .

ومن الفوائد :

هل الالتفات في الحيعلتين يلتفت يمينا فيقول ( حي على الصلاة ) ثم يلتفت يسارا فيقولها مرة أخرى ثم يلتفت يمينا فيقول ( حي على الفلاح ) ثم يلتفت يسارا فيقول ( حي على الفلاح ) ؟

أم أن ( حي على الصلاة ) كلتيهما تقال يمينا وأن قول ( حي على الفلاح ) تقال شمالا ؟

قولان لأهل العلم والذي يظهر أن ( حي على الصلاة ) تقال جهة اليمين وأن ( حي على الفلاح ) تقال جهة اليسار ، وهذا الذي يظهر من حديث أبي جحيفة .

ومن الفوائد :

أن قول المؤذن ( حي على الصلاة ) ينبغي أن يكون حال الالتفات وألا يكون حين قولها مستقبلا القبلة بوجهه وإنما يقولها وهو في حالة الالتفات فمن حين ما يبدأ فيقول هذه الجملة يلتفت وتكون نهاية لفظ الجملة قبل أن يستقبل بوجهه القبلة هذا هو السنة .

ومن الفوائد :

أن الالتفات هنا من بلال ، الالتفات لفيه ووجهه أم التفات ببدنه ؟ التفات بفيه ووجهه دون بدنه ، إذاً تكون القدمان حال الأذان مستقرتين ويكون الالتفات بوجهه .

ومن الفوائد :

أن هذه سنة معمول بها بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم فهل يستغنى عنها في هذا العصر لوجود المكبرات أم أنها تبقى ؟

قولان لأهل العلم في هذا العصر : الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى أنه  يستغنى عنهما ، ويقول لو التفت يمينا وشمالا لانحرف عن مصدر الصوت فقلَّ الصوت لأن المراد من الالتفات هو بث الصوت في جهات متعددة وهذا يستغنى عنه إذا استقبل مكبر الصوت .

والبعض الآخر كالألباني رحمه الله يرى أن السنة باقية ، وهذا في نظري هو الصواب ، لم ؟

لأن مَنْ يقول بأن الالتفات علته أن يوزع الصوت علة ليست منصوصة ولا دليل عليها فلربما أن تكون هناك علة أخرى ، فقد يكون من بين العلل أن يكون من رآه عن بُعدٍ وهو لم يسمع صوته يقول هو يؤذن وليس هو بقائم ، فإذاً تبقى هذه السنة على ما هي علي ويلتفت في الجملتين ويمكن أن يُجعل مكبر آخر جهة اليمين وجهة اليسار ، المهم أن هذه السنة لا تندثر بوجود هذا المكبر .

ومن الفوائد :

استحباب وضع السترة للمصلي لأنه عليه الصلاة والسلام ركزت له عنزة ، وهل هي واجبة أم سنة ؟ سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في الأحاديث القادمة .

ومن الفوائد :

أن قوله ( ركزت له عنزة ) يدل على أن الأفضل في السترة أن تكون قائمة وليس مضجعة على الأرض وإنما تكون قائمة .

ومن الفوائد :

أن مرور الحمار والكلب يؤثر على صلاة العبد ما لم تكن أمامه سترة ، فإذا كانت أمامه سترة  فلا يضر كحال النبي عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة هنا وهو نازل بالأبطح وجمع بينهما ، جمع بين الظهر والعصر وهو نازل وقد فعل ذلك أيضا في غزوة تبوك وهذا يدل على أن المسافر النازل في مكان لو أراد أن يجمع بين الصلاتين وهو مستقر في مكانه فله ذلك ، لكن الأفضل في الجمع ألا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدَّ به السير وهو في الطريق أما وهو نازل فالأفضل له أن يجعل كل صلاة في وقتها لكن لو شاء أن يجمع بينهما كما فعل عليه الصلاة والسلام فلا بأس بذلك .

ومن الفوائد :

أن المسافر يفعل في الجمع ما هو أرفق به فإن كان الأرفق به جمع التقديم فليفعل كما فعل عليه الصلاة والسلام وإن كان الأرفق به جمع التأخير فليفعل .

ومن الفوائد :

أن المسافر متى ما كان مسافرا فله أن يقصر وأن يجمع حتى يدخل بلده ولذلك قال ( ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى  رجع إلى المدينة ) إذاً لو أنني قادم من مكة ولم يبق عليَّ لدخول الرياض إلا عشرة كيلوات مثلا ولم أدخل في البنيان أرى بنيان الرياض ولكن لم أدخل بعد وهي بلدتي فلي أن أجمع وأن اقصر لأني ما زلت مسافرا، ولذا في صحيح البخاري لما قيل لعلي رضي الله عنه ( أتقصر الصلاة وهذا بيوت الكوفة ؟ قال رضي الله عنه :  لا نزال نقصر حتى ندخلها ) لأن الإنسان المسافر ربما يظن أنه سيصل وقد يأتي مانع يمنعه من أن يصل إلى بلدته ، فما دام مسافرا فله الجمع والقصر .

 
الحديث الحادي والعشرون

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( إنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ , فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ )  .

الشرح

 

من فوائد هذا الحديث :

أن للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مؤذن من بينهم ابن أم مكتوم كما في هذا الحديث .

 

 ومن الفوائد :

أن أذان بلال كان بليل قبل طلوع الفجر ويراد من أذان بلال ما جاء في الروايات الأخرى قال ( ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم ) فأذان بلال بليل قبل أن يدخل وقت الفجر من أجل أن من كان قائما ومشغولا يذكِّره بأن وقت صلاة الفجر قرب أن يدخل فليتنبه،  وكذلك من كان نائما يتنبه لماذا ؟ من أجل أن يتسحر إن كا يريد الصيام أو يوتر إن أراد  الإيتار ، بينما أذان ابن أم مكتوم يراد منه الأذان الذي يعلم به دخول وقت صلاة الفجر ، ومن ثم فلو أذن شخص قبل طلوع الفجر هل أذانه هذا يكفي عن الأذان الذي يراد منه دخول وقت صلاة الفجر ؟

بعض العلماء يقول : نعم ، مَنْ أذن قبل دخول وقت الفجر بنصف ساعة أو ساعة فهذا يكفي عن أذان الفجر لفعل بلال ، والصواب أنه لا يكفي لأنه بيَّن في الأحاديث الأخرى العلة التي يراد منها أذان بلال .

 

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث قد جاء بلفظ معاكس لهذا اللفظ وهو ( إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال )

فبعض العلماء يرى أن هذا قد انقلب على بعض الرواة وأن الصواب ما ذكر هنا ، ما الذي ذكر هنا ؟ أن الذي يؤذن بليل هو بلال والذي يؤذن بدخول وقت صلاة الفجر هو ابن أم مكتوم .

والألباني رحمه الله يقول : ليس هناك قلب وإنما كان بلال في أول الأمر يؤذن بدخول وقت صلاة الفجر ثم تغيَّر الحال ثم انتقل ابن أم مكتوم من الأذان بالليل إلى الأذان عند دخول وقت صلاة الفجر وبلال انتقل إلى محل ابن أم مكتوم وليس هناك قلب ، وهذا هو الصواب لأن الأصل هو عدم القلب في مصطلح الحديث .

ومن الفوائد :

أن الأفضل أن يكون بين الأذانين وقت قصير وليس وقتا طويلا ولذا في السنن ( ما بين أن ينزل هذا يصعد هذا ) إذاً الوقت قصير بينهما إذاً مما يستحب في الأذان الأول أن يكون قريبا من الأذان الثاني ولا يكون هناك فاصل طويل من الزمن .

ومن الفوائد :

لا يشترط في المؤذن أن يكون بصيرا لأن ابن أم مكتوم كان أعمى ولذلك ( لا يؤذن حتى يقال له أصبحتَ أصبحتَ ) .

 

ومن الفوائد :

أن مَنْ أراد الصيام فعليه أن يؤخر السحور فهو أفضل له لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأكل والشرب قريبا من أذان ابن أم مكتوم ، وابن أم مكتوم متى يؤذن ؟ يؤذن بدخول وقت الصلاة فدل على أن الأفضل كما جاءت بذلك النصوص الكثيرة أن السحور ، الأفضل فيه أن يكون مؤخرا .

ومن الفوائد :

أن من أراد الصيام فعليه أن يمسك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من حين ما يسمع الأذان لأنه ماذا قال ؟ ( حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ) إذاً ما يفعله البعض من الاستمرار في الأكل بعد الأذان إذا كان هذا المؤذن يؤذن عند دخول وقت الصلاة يكون هذا الفعل من هذا الصائم يكون فعلا غير شرعي ، أما إذا كان المؤذن يؤذن قبل دخول وقت الصلاة فهنا له أن يأكل ولا يلتفت إلى أذانه ويكون هذا الأذان تنطعا لأن الورع أن تتقيد بما ورد به الشرع .

ومن الفوائد :

أن الامتناع عن الأكل والشرب من الصائم عند سماع الأذان يستثنى منه أمر واحد وهو فيما إذا كان الصائم قد رفع الإناء ليشرب فأذن فليشرب وهذا على القول الراجح من قولي العلماء لأن الرخصة جاءت بذلك ويدل له ما جاء عند أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام ( إذا أذن المؤذن والإناء في يد أحدكم فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ) .

ومن الفوائد :

أن المسلم ليس مطالبا بأن يتحقق من دخول وقت الصلاة أو من وقت الامتناع عن الأكل والشرب بل يكتفى بخبر المؤذن وتكون العهدة على المؤذن فمتى ما سمعت المؤذن يؤذن عند دخول الصلاة فلك الحق تصلي ، متى ما سمعت المؤذن يؤذن لأذان المغرب وأن صائم فلي أن أفطر بناءً على خبره لأن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال ؟ ( كلوا وشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ) ولم يأمرهم أن يبحثوا هل أذانه وقع في الوقت أم لم يقع ؟ اللهم إلا إذا عرفنا أن هذا المؤذن قد أخطأ فهذا شيء آخر لكن إن كنت لا أدري فلي الحق أن أبني على ما أخبر به من دخول وقت الصلاة .

الحديث الثاني والعشرون

 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (  إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ) .

الشرح

 

من فوائد هذا الحديث :-

أن متابعة المؤذن سنة على الصحيح من قولي العلماء وليست واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم مالك ابن الحويرث الصلاة والأذان ولم يأمره بأن يتابع المؤذن ، فدل على أن متابعة المؤذن سنة وليست واجبة .

ومن الفوائد :

أن متابعة المؤذن مقيدة بالسماع الواضح فلو كنت أرى مؤذنا على بُعد ولم أسمعه ولكني رأيت حركته تجاه اليمين وتجاه اليسار هل أتابعه ؟      ( لا )

إذا سمعتَ صوت أذان لكن الصوت ليس صوتا واضحا  ؟

لا يتابع .

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ( المؤذن ) هنا فدل على أن كل أذان سمعته فالأولى بك أن تجيب هذا المؤذن ، فلو أذن مؤذن وتابعته ثم لما فرغ أذن مؤذن آخر فتتابعه ، إذاً يتابع أكثر من مؤذن واحد .

ومن الفوائد :

أن متابعة المؤذن مبدأها من السماع فلو لم أسمع  جمل التكبير وإنما بدأ السماع عندي من جملة الشهادة هل أعيد مرة أخرى ثم أتابع المؤذن من حيث وقف ؟ أم أنني أبدأ من حيث ما سمعت ؟

قولان ، والصواب / من حيث السماع وأما ما مضى فلا يعاد لأنني لم أسمعه .

 

ومن الفوائد :

أن متابعة المؤذن تكون فور فراغه من الجملة فلا أتقدم ولا أٌوافق ولا أتأخر بمعنى إذا قال ( الله أكبر ) فسكت أقول بعدها مباشرة ( الله أكبر )

لا أتأخر ولا أتوافق معه في التكبير لأنه هنا أتى بحرف الفاء ( فقولوا ) والفاء تفيد الترتيب والتعقيب ويدل لذلك فعليه عليه الصلاة والسلام كما في السنن ( كان إذا سكت المؤذن تابعه ) .

ومن الفوائد :

أن كل جملة قالها المؤذن أقولها بلفظها كبَّر أكبَّر ، تشهد أتشهد وهلم جرا ، لو قال ( الصلاة خير من النوم )  أقول ( الصلاة خير من النوم)  ، وأما ما ورد من أحاديث أنه يقال ( صدقت وبررت ) أو ما شابه ذلك من الأذكار التي تقال إذا قال المؤذن ( الصلاة خير من النوم ) فلا تصح إذاً إذا قال ( الصلاة خير من النوم ) أقول ( الصلاة خير من النوم )

فإذا قال ( حي على الصلاة ) أقول ( لا حول ولا قوة إلا بالله )

لكن هذا الحديث يقول لا ،  ( فقولوا مثل ما يقول )  بعض العلماء يرى أن ( الحيعلتين) تقالان كما يقولها المؤذن بناء على هذا الحديث  والصواب / أن الحيعلتين مستنثاة من حديث عمر رضي الله عنه كما في صحيح مسلم ( إذا قال المؤذن حي على الصلاة ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وإذا قال : حي على الفلاح ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ) .

باب استقبال القبلة

الحديث الثالث والعشرون

 

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ , حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ , يُومِئُ بِرَأْسِهِ , وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ ) .
وَفِي رِوَايَةٍ : ( كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ ) .
وَلِمُسْلِمٍ : ( غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ )

وللبخاري : ( إلا الفرائض ) .

الشرح

معاني الكلمات :

يسبح : أي يتنفل .

من فوائد هذا الحديث :

استقبال القبلة في الصلاة شرط من شروط صحة الصلاة .

ومن الفوائد :

أن التسبيح سنة من حيث الأصل لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعبرون عن النافلة وعن التطوع بأنها سنة إلا ما جاء النص على أن هذا اللفظ من التسبيح واجب .

ومن الفوائد :

أن استقبال القبلة يتسامح عنه في السفر بشروط :

أولا : أن تكون هذا الصلاة نافلة لأن الفريضة يجب عليه أن يستقبل فيها القبلة على أي حال كان إلا إن كان هناك عذر .

ثانيا : أن يكون هذا المسافر سائرا يعني ليس نازلا في مكان فإن كان نازلا في مكان ما فأراد أن يتنفل فيجب عليه أن يستقبل القبلة في هذه الصلاة النافلة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على ظهر دابته تنفلا من باب اغتنام الزمن فيما يقربه إلى الله تعالى ، ولذا فإسقاط استقبال القبلة للمسافر المتنفل السائر من باب أن يشجع على الازدياد من النوافل .

ومن الفوائد :

أن جهة المسافر المتطوع هي قبلته ، وهل يبتدأ قبل أن يشرع في الصلاة هل يبتدأ حينما يكبر تكبيرة الإحرام مستقبلا للقبلة ثم إذا تحركت به دابته تُسومح في هذا ؟ أم أنه له أن يبدأ الصلاة على أي جهة كانت ولو كان غير مستقبل للقبلة ؟

الصواب /  أن الأفضل أن يوقف دابته وأن يوجهها تجاه القبلة ثم يكبر تكبيرة الإحرام ثم ينطلق إلى جهة سيره لأنه ورد ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود لكن لو لم يفعل فلا حرج في ذلك لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب وإنما يدل على الاستحباب ما لم يرد دليل يدل على أن فعله خرج من الاستحباب إلى الوجوب .

من الفوائد :

أن الوتر سنة وليس فريضة كما قال بعض العلماء فبعض العلماء يرى أن الوتر واجب ، ولكن يرد عليهم بهذا الحديث لأنه قال هنا ( إلا الفرائض ) ( غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ) فدل على أن الوتر ليس من الصلوات المكتوبة ، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يدعه .

ومن الفوائد :

أن صلاة النبي  صلى الله عليه وسلم على هذه الراحلة هي  صلاة منه على البعير ، وهذا لا يتنافى مع قوله عليه الصلاة والسلام ( على ذروة كل بعير شيطان ) هذا لا يتنافى مع  ما كان يفعله عليه الصلاة والسلام من الصلاة عليه .

 ومن الفوائد :

أن صلاته عليه الصلاة والسلام لهذه النافلة على هذا الوضع وهو يمشي على قدميه أم على الراحلة ؟ على الراحلة .

لو كان هناك مسافر وليست له راحلة وهو يمشي على قدميه هل يحق له أن يتنفل تطوعا ؟

قولان لأهل العلم ، والصحيح / أن له ذلك لأن المقصود من صلاة النفل وكون المسافر سائرا أن يُشجع على النوافل وهذه طاقته وقدرته .

ومن الفوائد :

أن من عجز عن الركوع والسجود التامَّيْنِ عليه أن يومئ برأسه ويكون إيماؤه للسجود أخفض من الركوع ، ومن ثم فليعلم أنه لم يرد في صلاة المريض أنه يومئ بعينه لم يرد صحيحا عن النبي عليه الصلاة والسلام وإنما ورد من وجه ضعيف أو من سند ضعيف ولم يرد البتة ولا أصل أن للمريض أن يصلي بأصبعه كما يظنه البعض .

إذاً / آخر مرحلة يصلي فيها المريض بجوارحه أن يومئ برأسه فإذا عجز عن الإيماء بالرأس ، فهل ينتقل إلى الإيماء بالعين أم أن الجوارح تسقط عنه ويقال له صل بقلبك وبلسانك فتنوي أنك في قيام وتكبر تكبيرة الاحرام وتقرأ الفاتحة ثم تنوي أنك في ركوع وهلم جرا  قولان والصواب سقوط فعل الجوارح عنه .

ومن الفوائد :

حرص الصحابة رضي الله عنهم على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ كان ابن عمر يفعل هذا الفعل .

ومن الفوائد :

أن العلماء أخذوا قاعدة من هذا الحديث وهي [ أن الأصل تساوي الفرض والنفل في الأحكام ما لم يرد دليل يستثني أحدهما ] ووجه الدلالة أن الصحابة قالوا ( لا يصلي عليها المكتوبة ) فدل على أن ما كان مستقرا في أذهانهم أن النافلة والمكتوبة على حد سواء فلما استثنوا المكتوبة من هذا الحديث دل على أن الأصل عندهم أن النافلة والفرض في الحكم سواء ما لم يرد دليل .

مثال ذلك / ما ورد هنا من استقبال القبلة .

وصلى الله على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين