(مختصر فقه العبادات) [ 22 ] كتاب الصلاة ( صلاة أهل الأعذار – ثانيا : السفر )

(مختصر فقه العبادات) [ 22 ] كتاب الصلاة ( صلاة أهل الأعذار – ثانيا : السفر )

مشاهدات: 465

مختصر فقه العبادات

[ 22 ]

( كتاب الصلاة )

صلاة أهل الأعذار ( السفر )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

صلاة أهل الأعذار ثانيا ( السفر )

 ( مسألة ) :

يصح الفرض على الراحلة خشية التأذي بوحل ونحوه ، ويجب استقبال القبلة ويومئ بالركوع والسجود إلا إذا استطاع الإتيان بما يجب فيفعل .

 ( الشرح ) :

سبق معنا أن النافلة في السفر يجوز أن تؤدى على الراحلة  ، أما هنا فإنها  ( مسألة ) تتعلق بالفرض

فإذا كانت السماء تمطر والأرض وحلة لا يستطيع أن يصلي عليها العبد فله أن يصلي على راحلته ، ولا يعفى في هذه الحال في ترك استقبال القبلة فيجب عليه أن يصلي ، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها فيصلي على راحلته ويأتي بما يستطيع من الواجبات ، ويومئ برأسه في الركوع وفي السجود

وقد جاء هذا في السنن لكن الحديث فيه ضعف (1) ولكن العموم أي عموم الأدلة تدل على ذلك.

 ( مسألة )

المسافر له أن يقصر إذا فارق عامر قريته والصحيح جواز القصر في أي سفر مباح أو محرم .

 ( الشرح ):

هذا هو العذر الثاني وهو السفر ، فإن المسافر له في صفة صلاته ما ليس في الإقامة  ، فإذا سافر فله أن يقصر وذلك أن يقصر الرباعية إلى ركعتين

لكن متى يستبيح رخص  السفر؟

إذا فارق عامر قريته فإذا ترك عامر قريته وخرج وأسفر في الصحراء فله أن يقصر ، وأن يستبيح رخص السفر ، ولو كان يرى بيوت قريته المهم أن يخرج حتى لو خرج عنها بمقدار شبر فله أن يستبيح رخص السفر ، ولا يجوز له على القول الصحيح أن يستبيح رخص السفر وهو مازال في بلدته

وهل له أن يقصر في جميع أنواع السفر ؟

فيه خلاف بين العلماء .

هل يجوز له أن يقصر في سفر المعصية أم لا ؟

القول الصحيح :

الذي يرجحه شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجوز له أن يقصر حتى ولو كان سفره محرم لأن الله عز وجل أطلق قال:{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }(1)

 ( مسألة ) :

الصحيح أنه لا حد للسفر في المسافة .

 ( الشرح ):

هل السفر يحدد بمسافة ؟ كأن يحدد بأربعة برد وهي ما تساوي ثمانين كيلاً أو ما يقاربها  ، أم أن السفر راجع إلى عرف الناس فما عده الناس سفراً فهو سفر وما لم يعدوه فليس بسفر .

اختلف العلماء في هذا :

والقول الراجح: وهو رأي شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يحدد بمسافة معينة لأنه عز وجل أطلق فقال : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } (1)

والنبي r قصر في ثلاثة فراسخ (2)  ، والفرسخ ثلاثة أميال والميل يساوي كيلو ونصف أو يزيد بعض الشيء .

فما عده الناس سفراً فهو سفر  ، ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” إن كان السفر طويلاً  والمدة طويلة فله أن يقصر “

مثل أن يسافر من الرياض إلى مكة المسافة طويلة ، ويبقى فيها عشرة أيام فهذه مسافة طويلة ومدة طويلة ، العكس وهو أن يذهب إلى بلدة قريبة والوقت يسير مثل أن يذهب من الرياض إلى بلدة المزاحمية في يومه ويعود في يومه فهذا ليس بسفر، لكن لو أن المسافة قريبة والمدة طويلة فله أن يقصر فلو بقي مثلاً يومين أو ثلاثة أيام أو أربعة أيام فله أن يقصر لأن الناس يعدونه مسافراً، ولو كانت المسافة طويلة والمدة قصيرة (فله أن يقصر) كأن يسافر الى مكة ثم يعود في يومه

( مسألة ) :

 القصر للرباعية فقط في سفر الأمن والخوف .

 ( الشرح ) :

القصر لا يمكن أن يكون إلا في السفر سواءً كان هذا السفر آمناً أو مخوفاً ، فلا يصح أن يقصر في بلدته بخلاف الجمع بين الصلاتين يمكن أن يحصل في الإقامة ، لكن القصر قصر الرباعية إلى ركعتين لا يمكن أن يكون إلا في السفر .

 ( مسألة ) :

 القصر نوعان : قصر عدد وهذا في السفر وقصر هيئة وهذا في صلاة الخوف وقد يجتمعان .

 ( الشرح ) :

 القصر نوعان :

 قصر عدد : وهو ما نحن بصدد الحديث عنه إذا كان في السفر فتقصر الرباعية إلى اثنتين .

أما قصر الهيئة : هو ما يكون في حال الخوف  في حال الحرب فقد يحصل حرب وأنت في بلدتك فهنا لا تقصر الرباعية إلى ركعتين ، وإنما لك أن تقصر الصلاة لهيئة معينة سيأتي بيانها في صلاة الخوف  بإذن الله تعالى

فإذا كانت الحرب خارج بلدتك فيجتمع قصر العدد وقصر الهيئة ، وأما إذا كان في بلدتك فليس هناك إلا قصر الهيئة .

( مسألة ) :

 الراجح أن الإتمام في السفر مكروه وليس بمحرم لفعل عثمان رضى الله عنه 

 ( الشرح ) :

المسافر له أن يقصر فالسنة في حقه أن يقصر ، لكن لو أتم هل تصح صلاته أم لا؟

اختلف العلماء في ذلك :

بعض العلماء يقول : إن القصر في السفر واجب ، ولا يحق له أن يتم ، ولكن الصحيح وهو رأي شيخ الإسلام رحمه الله أن الإتمام في السفر مكروه وليس بمحرم فإن أتم فصلاته صحيحة

والدليل ما جاء عند البخاري : أن عثمان رضي الله عنه أتم الصلاة في منى فلم يقصر الرباعية وإنما أتمها وتابعه على ذلك الصحابة رضي الله عنهم (2)

فدل على أن الإتمام ليس بمحرم ولكن الأفضل أن يقصر

وما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر أحياناً ويتم أحياناً فهو حديث ضعيف .(3)

 ( مسألة ) :

 يلزم الإتمام إن صلى خلف من يتم .

 ( الشرح ) :

يلزم أن يتم المسافر إذا صلى خلف من يتم،

مثال : أتيت إلى أناس يصلون صلاة العشاء يصلونها أربعاً ، وأنت مسافر وهي في حقك في الأصل ركعتان فإذا دخلت معهم حتى لو لم تدرك إلا التشهد الأخير فيجب أن تتم وأن تأتي بأربع إذا سلم الإمام .

الدليل:  ما جاء عند مسلم : أن ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل ما بال المسافر يتم إذا صلى خلف المقيم ويقصر إذا صلى لوحده ؟

فقال : سنة أبي القاسم r  (1)

فإذاً : يجب على المسافر إذا دخل وصلى خلف من يتم أن يتم .

 أما ما يفعله البعض : إذا قام الإمام إلى الركعة الثالثة من العشاء جلس وقال أنا مسافر فهذا خطأ فقد يدخل مع الإمام من أول الصلاة فإذا صلى الإمام ركعتين وجلس للتشهد الأول في حق الإمام ، قام الإمام إلى ثالثته قال المسافر أجلس وأتشهد وأفارق الإمام

فهذا صلاته باطلة ولا تقاس على ما سبق

إذا دخل وفي نيته المغرب والإمام يصلي العشاء أربعاً لا تقاس على تلك ( المسألة ) لأنه يجب عليه أن يجلس لأنه لو قام إلى رابعة في المغرب فتبطل صلاته ، وأما هنا لو قام سيتم والإتمام ليس بمحرم وهنا إن جلس فهو قدم القصر والقصر حكمه سنة  ، ومتابعة الإمام واجبة

لما لم نقل متابعة الإمام واجبة في حق من دخل المغرب مع من يصلي العشاء ؟

قلنا لأن هناك ما هو أوجب لأنه لو قام إلى الرابعة مع الإمام بطلت صلاته لأن صلاة المغرب ثلاث ركعات ، كذلك لو كان الإمام مسافراً ويصلي المغرب ، وأنت ستصلي العشاء ، وأنت مسافر سوف تصلي ركعتين فالإمام سيأتي بثلاث المغرب في حقه ثلاث أي إتمام فهنا إذا قام الإمام إلى الثالثة وأنت تصلي العشاء قصراً فعليك أن تقوم وتصلي أربعاً حتى لا تخالف الإمام  ، أي تفوت سنة القصر ولا يفوته واجب المتابعة

ولذا الصحابة رضي الله عنهم : كابن مسعود رضي الله عنه لما أتم عثمان رضي الله عنه مع أنه دخل ابن مسعود رضي الله عنه بنية القصر لما أتم قام معه ولم يجلس ولم يجلس غيره من الصحابة  (1) فلوكان هذا مستساغاً لفعله ابن مسعود رضي الله عنه لما أتم عثمان الرباعية ولو جلس بطلت صلاته

 ( مسألة ) :

 من سافر ليترخص فيحرم عليه الترخص .

 ( الشرح ) :

إنسان لا يريد السفر وإنما يريد أن يسافر من أجل أن يفطر أو من أجل أن يقصر الصلاة فهذا تحايل ، ولا يجوز له لكن إن سافر بقصد السفر فالسنة أن يترخص برخص السفر.

 ( مسألة ) :

من صلى العشاء وهو مسافر خلف من يصلي المغرب مسافراً أو مقيماً فيجب الإتمام ؟

 ( الشرح ):

مثلنا على هذا في ( المسألة ) السابقة .

 ( مسألة )

ان أحرم بصلاة خلف متم ففسدت فيلزمه الاتمام

 ( الشرح )

للقاعدة ( القضاء يحكي الأداء ) ، ولكن لو دخل في صلاة وهو على غير طهارة ، فهنا يقصر لأنه لم يحرم بالصلاة مع الامام ، فدخوله في الصلاة على غير طهارة

 ( مسألة ) :

 من ذكر صلاة حضر في سفر فيتم وعكسه على الصحيح يقصر .

 ( الشرح ) :

إنسان مسافر : فذكر أن صلاة الظهر التي صلاها في بلدته صلاها على غير طهارة الآن هو في سفر فذكر أن صلاة الظهر وقد وقعت في الحضر ولم تقع في السفر

فيقال في الحالة : هذه تصليها أربعاً لأن النبي r قال  : (من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها ) (1) يعني يصليها بعينها هي .

وهي قد حصلت له في الحضر ، وفي الحضر أربع ركعات

العكس :  لو أنه قدم إلى بلدته تذكر أن صلاة الظهر في سفره ، وقد صلاها ركعتين تذكر أنه صلاها على غير طهارة هل يقضيها على نحو ما كان في سفره  ، كما هو الشأن في  ( مسألة ) الحضر ؟

قولان :

فبعض العلماء يقول:  يتم

وبعض العلماء يقول : يقصر

والصحيح : أنه يقصر لأن النبي r قال :« مَنْ نَسِىَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا » (2)  أي فليصل هذه الصلاة بعينها وهذه الصلاة إنما وجبت عليه في السفر أو وقعت منه في السفر قصراً .

 ( مسألة ) :

 من إئتَم بمقيم فيجب أن يتم ولولم يدرك إلا التشهد الأخير.

 ( الشرح ):

ذكرنا هذا في  ( المسألة ) السابقة

 ( مسألة ) :

 العبرة في الإتمام والقصر بحالك فعل الصلاة هل أنت مقيم فتتم أم مسافر فتقصر؟

 ( الشرح ) :

صورة هذه المسألة : لو أن شخصاً أراد أن يجمع في سفره جمع تأخير بين الظهر والعصر فلم يجمع حتى وصل إلى بلدته ، الصلاة وجبت عليه في سفره وهو الآن وصل إلى بلدته

هل يقصر أم يتم ؟

نقول : كما هنا العبرة بحالك فعل الصلاة أنت الآن لما أردت أن تفعل الصلاة هل أنت في حضر أم أنت في سفر ؟ أنت في حضر إذاً تصليها أربعاً بقطع النظر عن أن وقت صلاة الظهر دخل عليك وأنت في السفر .؟

 والعكس وجبت عليك صلاة الظهر في بلدتك ثم خرجت ولم تصلها فهنا لما خرجت من بلدتك أردت أن تصلي فحال فعلك لهذه الصلاة في السفر فهنا على الصحيح تصليها ركعتين .

( مسألة ) :

الصحيح أن نية القصر لا تشترط وكذا لا تشترط نية الإتمام.

 ( الشرح ) :

أنت مسافر صليت خلف مسافر نيتك القصر لأنه مسافر فإذا بهذا المسافر يتم يجب عليك أن تتابعه أنت الآن لم تنو الإتمام نويت القصر

ومن ثم : فإنها لا تشترط وتصح صلاتك فلا تشترط نية الإتمام ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لما دخلوا مع عثمان رضي الله عنه كانوا قد نووا القصر فأتم فأتموا معه (1)

وكذلك العكس :فالنبي r في السفر نوى القصر والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يعلمون بحاله فهم دخلوا على أنها صلاة تمام فدخلوا معه عليه الصلاة والسلام مع أن نيتهم الإتمام فقصر النبي صلى الله عليه وسلم،

ولذا : لما سافروا معه لم يقل لهم قبل أن يشرع في الصلاة سأقصر وإنما قصر (2) فدل على أن نية القصر ونية الإتمام كما هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله لا تشترط .(3)

 

( مسألة ) :

الصحيح انه لا يحدد السفر بمدة إلا من أراد الاستيطان أو الإقامة الدائمة كالسفراء أما الإقامة المقيدة بعمل أو زمن فهو سفر .

 ( الشرح ) :

ما دام أن الإنسان قد خرج من بلدته فهو مسافر حتى يرجع إليها

وهذا هو القول الصحيح ، فالنبي r : جلس في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة (1) وفي مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة (2)

وابن عمر رضي الله عنهما أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وقد حال الثلج بينه وبين الدخول  (3)

وكثيراً من السلف : صلوا الصلاة ولم يشترطوا مدة معينة لا أربعة أيام ولا ستة أيام بل متى ما كنت مسافراً فلتستبح برخص السفر لعموم الأدلة .

قال تعالى :{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } (1)

فما دام أن الإنسان ذهب إلى بلدة وأقام فيها مدة ولو كانت طويلة وفي نيته أن يرجع إلى بلدته فإن له أن يستبيح رخص السفر .

فالإقامة في بلدة غير بلدتك مقيدة بعمل أو زمن لا تخرجك عن كونك مسافراً

أما الإقامة التي يراد فيها الاستيطان :  فإنه يخرج عن حكم المسافر

وكذلك الإقامة الدائمة مثل : سفراء الدول هؤلاء يشبهون المستوطنين فإنهم في حكم المقيمين .

 ( مسألة ) :

من جمع جمع تقديم ثم وصل بلده أجزأته على الصحيح وكذا لوجمع بالتيمم.

 ( الشرح ) :

إنسان صلى الظهر والعصر وهو مسافر فوصل إلى بلده قبل دخول وقت العصر هو الآن صلى الظهر والعصر فصلاته صحيحة ، ولا يلزمه على الصحيح أن يصلي العصر مرة أخرى ؛ لأنه أدى هاتين الصلاتين بأمر الشرع فهو أداها لوجود السبب وهو السفر

 وكذا لو جمع بالتيمم لو أن إنسان افتقد الماء وكان في سفر ثم جمع بين الظهر والعصر فلما فرغ من الصلاة أي من الصلاتين وجد الماء الصحيح أن  صلاة العصر صحيحة.

 ( مسألة ) :

قال بعض العلماء من دخل بلداً كانت وطناً له قديماً واستوطن غيرها فيقصر ولوكان أولاده أو داره أو ماله فيها .

 ( الشرح ) :

الصحابة رضي الله عنهم خرجوا من مكة مهاجرين إلى المدينة  ، وكانت مكة موطناً لهم فلما رجعوا مع النبي r في الفتح وفي حجة الوداع قصروا الصلاة في مكة (1) لم ؟

لأنهم اتخذوا المدينة موطناً لهم وكذلك لوكان الإنسان مستوطناً في بلد لكن في بلدة أخرى بيت له فيه أبواه مثلاً أوفيه أولاد له فإذا وصلهم فهو مسافر فالعبرة بالبلدة التي استوطن فيها بقطع النظر عن بيت له ، أو  مال له .

 ( مسألة ) :

على القولين أن من منع من السفر لسبب فيقصر

 ( الشرح ):

على القولين اللذين هما إذا حدد مدة من الزمن فبعض العلماء يقول يقصر وبعض العلماء يقول إذا كان حدد أكثر من أربعة أيام فيتم من حين ما يصل إلى البلدة التي سافر إليها ، القول هذا خلاف ما نرجحه

صورة هذه : لو كانت بلدتك الرياض ثم أردت أن تسافر إلى مكة وتبقى فيها ثلاثة أيام فلك أن تقصر ، لكن لو كانت نيتك أن تبقى فيها مثلاً عشرة أيام فيقولون من حين ما تصل إلى مكة تتم

فعلى هذين القولين :  لو أن إنساناً سافر لغرض ما وهولا يدري متى ينتهي غرضه ، إنسان ذهب مثلاً إلى دولة خارج البلاد للعلاج ولا يدري متى ينتهي العلاج

فحتى على القول الآخر يقولون لو جلس سنيناً فله أن يستبيح رخص السفر لأنه لا يدري متى ينتهي سفره وهذا في الحقيقة يدل على قوة ما استدل به شيخ الإسلام رحمه الله فلماذا هذا التفريق فهو في الحقيقة في حكم المسافر التارك لبلده .

 ( مسألة ) :

قصر العدد لا يكون إلا في السفر.

 ( الشرح ):

لا يكون قصر الرباعية إلا في السفر ، وبإجماع العلماء لا تقصر المغرب و الفجر

 

باب / الجمع

 ( مسألة ) :

هو من رخص السفر ويجوز في الحضر والسنة إذا جد به السير ويجوز حال النزول .

 ( الشرح ):

الجمع قال بعض العلماء :يباح

ولكن الصحيح : أنه متى ما احتاج إليه الإنسان فيستحب فهو من رخص السفر وهو يختلف عن القصر

فالقصر لا يكون إلا في السفر أما الجمع قد يكون في الحضر

ولذا أرشد النبي r ( المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين ) (1) ، ولذا المريض الذي يلحقه ضرر أو تلحقه مشقة بتفريق الصلاتين له أن يجمع مع أنه في الحضر

ولكن هل له أن يقصر ؟ لا والسنة في الجمع للمسافر إذا جدبه السير يعني إذا كان سائراً في الطريق.

مثلاً: سافر من الرياض إلى مكة

وقد خرج قبل الظهر وأراد أن يصلي في وقت الظهر فنقول : أنت الآن في الطريق فالسنة لك أن تجمع بين الظهر والعصر ، ولكن لو كان نازلاً قد يكون نازلاً في البلدة التي سافر إليها .

ولتعلم : أنه إذا وصل المسافر إلى البلدة التي يريدها فالواجب عليه أن يجيب المؤذن لعموم قوله r :(من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) (1) ولم يفرق بين المسافر و الحاضر، لكن لو أنه وصل مثلاً إلى مكة بعد فراغ الناس من صلاة الظهر : فهل له أن يجمع بين الظهر والعصر؟ له أن يجمع جوازاً

لكن الأفضل : أن لا يفعل ، والدليل على ذلك: أن النبي r في غزوة تبوك كان نازلاً في مكان فجمع r بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء خرج من خيمته فصلى بهم الظهر والعصر ، ثم دخل ثم لما جاء وقت المغرب خرج فصلى بهم المغرب والعشاء ثم دخل (2)

لكن غالب أحواله r أنه كان لا يجمع في السفر إلا إذا جدبه السير.

( مسألة ) :

 من يباح له الجمع المريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة كالمستحاضة وضابط المشقة أن يتأثر بالقيام والقعود إذا فرق بين الصلاتين مع مشقة الوضوء لكل صلاة.

 ( الشرح ) :

المريض إذا لحقته المشقة بتفريق الصلاة فله أن يجمع .

والدليل : أن الاستحاضة مرض فأرشد عليه الصلاة والسلام المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين (1) لكن ليست مشقة مطلقة ، وإنما كما تقدم في ضابط المشقة

ودليل الجمع بهذا التوسع: وأوسع المذاهب في الجمع هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله كما قال شيخ الإسلام رحمه

ودليل الجمع : حديث أبن عباس رضي الله عنهما عند مسلم (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ.) (2) وفي رواية (فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ ) (3)  قيل : لابن عباس رضي الله عنهما لم؟

قال:  (أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.) (4) وبهذا التعبير من بن عباس رضي الله عنهما : نخلص إلى أن الحرج متى ما وجد فله أن يجمع أما إذا لم يكن هناك حرج فلا يجمع لأن أبن عباس رضي الله عنهما لم (يقل أراد أن يوسع على أمته )

بعض الناس : قد يستدل بحديث أبن عباس رضي الله عنهما على الجمع مطلقاً

 نقول : لا انظر إلى تعبير ابن عباس رضي الله عنهما ماذا قال أراد أن لا يحرج أمته ولم يقل أراد أن يوسع على أمته ، ولذا لم يفعلها r إلا مرة واحدة فهذا هو الأمر الأول الذي يباح له الجمع وهو المرض.

 ( مسألة ) :

 ومن الأسباب المطر الذي يبل الثياب ومعه مشقة وهذه أمثلة والقاعدة أن المشقة تبيح الجمع وأما من غير سبب فلا يجوز وجمعه عليه الصلاة والسلام بالمدينة قال عنه أبن عباس أراد أن لا يحرج أمته ولم يقل يوسع على أمته .

 ( الشرح ) :

كما أسلفنا لكن المطر الذي تحصل به المشقة ، وهو يبل الثياب لكن فيه مشقة فيباح الجمع بين المغرب والعشاء

وعلى القول الصحيح بين الظهر والعصر فمدار الجمع على قاعدة هي :

( الحرج والمشقة)  ، والجمع في المطر يختلف باختلاف المواقع وباختلاف المدن ، فالمدن المزفلتة تكون المشقة فيها قليلة ، ولكن لا يعني أن بعض مساجد المدن حتى ولو كانت مزفلتة أنه لا يجمع فيها ، فقد يكون المسجد في منحدر والأمطار تتصبب ، وهناك بهذا المسجد كبار السنن ضعفاء فلا يقل كما هو الشائع في هذا العصر أنه لا جمع في المدن ليس بصحيح فالمدار على المشقة والحرج وقلنا هذه أمثلة وهو المرض والمطر وإلا لو كانت هناك ريح شديدة ويحصل معها الحرج ُفيجمع.

( مسألة ) :

الجمع من أجل المطر لمن يحضر الجماعة وأما النساء فلا يجمعن وضابط الجمع في المطر وجود المشقة في الجملة لا لكل فرد من المصلين ومن لا يشق عليه الجمع فتجمع حتى لا تفوته الجماعة .

 ( الشرح ) :

الجمع من أجل المطر لمن يحضر صلاة الجماعة ولو حصل مطر غزير :

فلا يجوز للنساء أن يجمعن لأن الجمع بسبب المطر خيفة من أن تفوت صلاة الجماعة وهن لسن من أهل الجماعة

وكذلك المرضى في البيوت الذين لا يستطيعون حضور صلاة الجماعة هل لهم أن يجمعوا؟  لا  ، لم؟ لأن السبب الذي من أجله حصل الجمع بين الصلاتين في المطر خيفة من أن تفوته صلاة الجماعة ، والمراد بذلك المشقة، والمشقة في الجملة فقد يكون غالب الجماعة يشق عليهم لكن البعض لا يشق عليهم فنقول لهؤلاء البعض صلوا مع الجماعة حتى لا تفوتكم صلاة الجماعة

 ( مسألة ) :

الأفضل أن يفعل الأرفق به من جمع تقديم أو جمع تأخير .

 ( الشرح ):

الحكمة من مشروعية الجمع التيسير

 فلو قال قائل أيهما أفضل جمع التقديم أم جمع التأخير؟

فنقول الأفضل ما كان الأرفق بك فإذا كان جمع التقديم الأرفق بك فاجمع وإن كان جمع التأخير أرفق بك فاجمع جمع تأخير فمدار الأمر على الرفق والتيسير .

 ( مسألة ) :

الصحيح لا تشترط نية الجمع إنما يشترط وجود سبب الجمع .

 ( الشرح ) :

الصحابة رضي الله عنهم دخلوا مع النبي r ولم يكن في نيتهم أن يجمعوا وكان في نيته أن يجمع فجمعوا معه (1) فدل على أن نية الجمع غير مشترطة

خلافاً لفقهاء الحنابلة يقولون :  إذا أراد أن يجمع بين المغرب والعشاء مثلاً لابد أن ينوي الجمع قبل أن يشرع في صلاة المغرب ولكن لا دليل عليه

ومن ثم: لو أنه صلى المغرب ولم يكن في نيته الجمع وبعد الفراغ من صلاة المغرب إذا بالأمطار تهطل هطولاً عجيباً

فيقولون : لا يصلي العشاء مع أن سبب الجمع وهو المطر موجود

ولكن الصحيح : أنه غير مشترط ، وإنما المشترط وجود السبب فإذا صلى المغرب ولم يكن في نيته الجمع ثم حصل سبب الجمع كالمطر فله أن يجمع

مثلاً  : صلى وهو صحيح المغرب ثم لما فرغ من المغرب إذا بمرض يلم به فقيل له لما صلى المغرب سنجرى لك العملية الآن ، ولكن هذه العملية ستطول حتى يخرج وقت العشاء فعلى المذهب لا يصلي لأنه لم يشترط النية قبل المغرب لكن الصحيح أنه يصلي صلاة العشاء .

( مسألة ) :

اختار شيخ الإسلام عدم اشتراط الموالاة بين الصلاتين 

 ( الشرح ) :

هذا هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله لأنه يرى أن الجمع جمع بين الوقتين فيقول : إن الظهر والعصر جمع وقتهما فصار وقتاً واحداً ، وكذلك المغرب والعشاء ، المذهب يقولون  : الجمع للصلاتين ليس للوقتين، ومن ثم يقولون أنه لو صلى الظهر وفي نيته الجمع ثم فصل بفاصل طويل مثل : أن يصلي سنة راتبة ، لو صلى المغرب مثلاً ثم صلى سنة راتبه أو تذكر صلاة فائتة فصلاها ثم أراد أن يجمع معها العشاء فلا يجمع لكن شيخ الإسلام رحمه الله قال إن الوقتين صارا وقتاً واحداً ولذا لو كان هناك فاصل طويل بين الوقتين فله أن يصلي جمعاً .

 ( مسألة ) :

 الصحيح أنه لا يشترط وجود العذر عند افتتاح الأولى إنما تشترط عند فراغه من الأولى فلو لم ينزل المطر إلا بعد الفراغ من الأولى جاز الجمع .

 ( الشرح ) :

بعض العلماء يقول لابد أن يكون السبب موجوداً من أول الصلاة الأولى إلى افتتاح الصلاة الثانية .

مثال: المطر : يقولون لابد أن يكون المطر هاطلاً قبل أن تشرع في صلاة المغرب إلى أن تكبر تكبيرة الإحرام لصلاة العشاء .

والصحيح : أنه كما قلنا لو صلى المغرب وليس هناك سبب كالمطر مثلاً ثم لما فرغ من المغرب هطل المطر له أن يجمع معها العشاء .

 ( مسألة ) :

 لا يسقط الترتيب بين الصلاتين في الجمع لعذر أو لغيره على المذهب

 ( الشرح ) :

مرت هذه  ( المسألة ) في الجمع بين الفوائت ، قلنا : إن الفوائت يجب أن يرتب بينها فإذا قدم مثلاً العصر وهي فائتة على الظهر نسياناً أو جهلاً فإن صلاة العصر صحيحة.

أما في الجمع فلا  ، فلو قدم وهو مسافر صلاة العصر على الظهر  ، نقول له  : لابد أن تعيد صلاة العصر  ، وقلنا العلة في ذلك لأن الفوائت تؤدى خارج الوقت أما الجمع فإنها تؤدى في الوقت فتلك تؤدى قضاءً وهذه تؤدى أداءً ، ويرى شيخ الإسلام رحمه الله :

أن الترتيب في الجمع بين الصلاتين يسقط بالعذر ، من نسيان ونحوه لعموم الأدلة ، وهو الصواب

 ( مسألة ) :

صلاة الجمعة لا تجمع مع العصر .

 ( الشرح ) :

لأن الجمع ما جاء إلا بين الظهرين والعشائين ، فلا تجمع العصر مع الجمعة وذلك لأن أحكامهما مختلفة فما يفعله البعض حينما يؤدي صلاة الجمعة في الحرم ويريد أن يذهب إلى بلده ويريد أن يصلي معها العصر جمع تقديم فصلاة العصر لا تصح .

 ( مسألة ) :

 يشترط أن يكون العذر موجود عند افتتاح الثانية ولا يلزم استمراره فلو توقف المطر مثلاً أثناء الثانية فلا يبطل الجمع .

 ( الشرح ) :

قلنا : لو صلى المغرب من غير أن يكون هناك مطر فلما فرغ منها نزل المطر  ، قلنا  : يجمع ويصلي العشاء فلو أنه صلى العشاء بناء على وجود المطر الشديد

فقال : الله أكبر تكبيرة الإحرام ثم توقف المطر أو كان مريضاً دخل صلاة العشاء جامعاً لها بسبب المرض ثم شفاه الله  عز وجل هل تبطل صلاة العشاء أم أنه يستمر ؟ يستمر .

 ( مسألة ):

 إن أراد جمع التأخير فيشترط في الجمع نية  تأخير الأولى حتى لا يؤخر الصلاة عن وقتها .

 ( الشرح ) :

قلنا : إن الصلاة لا يجوز أن تؤخر عن وقتها بأي حال من الأحوال ، فإذا أراد أن يجمع جمع تقديم فالأمر واضح لكن إن أراد أن يجمع الظهر مع العصر جمع تأخير فلابد أن ينوي الجمع لأنه  لو لم ينو الجمع لخرج وقت صلاة الظهر فلابد في جمع التأخير أن ينوي الجمع حتى لا يخرج صلاة الظهر عن وقتها من غير نية الجمع .

( مسألة ) :

يشترط استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية لجمع التأخير فلو قدم إلى بلده قبل خروج وقت الأولى فيتم .

 ( الشرح ) :

كما ذكرنا لكم العبرة بحال فعل الصلاة , هو أراد أن يجمع جمع تأخير فلما أتى إلى بلدته كان ذلك قبل دخول وقت صلاة العصر فهنا لا سفر ، هو لم يصل الظهر ولا العصر فلما وصل إلى بلده وصل قبل وقت صلاة العصر

 هل له أن يبقى على نية الجمع ؟

 الجواب : لا .

نقول له يجب أن تؤدي الآن صلاة الظهر تماماً حتى لا تخرجها عن وقتها وأما صلاة العصر فواضح .

 

 ( مسألة ) :

لا يشترط لصحة الجمع اتحاد نية المأموم والإمام .

 ( الشرح ):

لا يشترط اتحاد نية المأموم والإمام في الجمع  ، معنى ذلك لو صليت الظهر وأنت مسافر مع جماعة ثم صليت العصر مع جماعة اختلفت النيتان مرة مع إمام أي الظهر صليتها مع إمام والعصر صليتها مع إمام ، لو أنك صليت الظهر لوحدك ثم صليت العصر مع جماعة فالجمع صحيح لو صليت .

مثال آخر : لو صليت صلاة الظهر إماماً وصليت صلاة العصر مأموماً فلا حرج إذاً لا يشترط اتحاد نية الإمام والمأموم في الجمع .