مختصر فقه العبادات
[ 56 ]
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب الجهاد )
[ 3 ]
(أحكام / أهل الذمة )
( عقد الذمة وهي أخذ الجزية ، تؤخذ على الصحيح من كل المشركين ولا يعقدها إلا الإمام أو نائبه ، وهي مؤبدة لا يجوز الرجوع فيها متى ما بذلوا الجزية واللتزموا بأحكام الملة ، ويجب على الإمام أن يعقدها إذا طلبها المشركون ، أما إعطاء الأمان للمشرك فمن أي واحد من المسلمين )
الشرح :
عقد الذمة الصحيح أنها تؤخذ من عموم المشركين ، بعض العلماء يقول إنها لا تؤخذ إلا من اليهود والنصارى والمجوس ، والصحيح أنها تؤخذ من عموم المشركين لحديث بريدة في مسلم :
( إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ادعهم إلى الإسلام فإن أبوا فالجزية فإن أبوا فقاتلهم )
وهذا شامل لعموم المشركين ، وهي عقد مؤبد لا يجوز أن نتراجع فيه ، فمتى ما عقدها الإمام أو عقدها نائبه لا يجوز أن يتراجع فيها ، فهي عقد مؤبد ولا يجوز أن تنتقض إلا إذا امتنعوا من دفع الجزية أو امتنعوا من الالتزام بأحكام الإسلام ، وإلا فهي عقد مؤبد ولا يجوز للإمام الذي يأتي فيما بعد أن ينقضها إلا إذا نقضوها ، ويجب على الإمام أن يعقدها متى ما طلبها المشركون ،
فإذا حصل حرب بين المسلمين والكفار فطلبوا أن يلتزموا بأحكام الإسلام وأن يدفعوا الجزية فيجب على ولي الأمر أن يقبل منهم ، وأما الأمان فيكون من أي شخص ، فلو أن كافرا حربيا أراد أن يدخل بلاد المسلمين ليسمع كلام الله عله أن يسلم أو يدخل بتجارة ، فهنا يجوز من أي واحد حتى ولو من امرأة ،
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم هانئ:
( قد أمَّنا من أمَّنتي يا أم هانئ وأجرنا من أجرتي ) وهؤلاء :
الذمي والمعاهد والمستأمن :
فهؤلاء معصوموا الدم والمال ،لا يجوز أن يتعرض لهم بسوء ، ولا أن يتعرض لأموالهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في صحيح البخاري :
( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة )
بل إن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن من غدر به من المسلمين واستأمنه وأتاه على حين غرة وقتله فإن هذا المسلم يقتل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يقتل مسلم بكافر ) لكن يقول شيخ الإسلام إذا خدع هذا المعاهد أو هذا الذمي فإنه يقتل ، لأنه أصبح كالمحارب ، والمحارب الذي يفسد مصيره إلى القتل .
مسألة :
لاجزية على الصبي ولا على المرأة ولا على العبد ولا على الفقير الذي يعجز عنها.
الشرح:
هذا من سماحة الإسلام ومن عظم الإسلام فإذا دفعوا الجزية فإن الجزية لا تجب على كلهم فمن ليس من أهل النصرة ولا من أهل القتال أو كان فقيرا فلا يلزم بها . وهذا يدل على عظم الإسلام مع أنهم تحت أيدينا وتحت سيطرتنا فالصبي لا تؤخذ منه جزية والمرأة ليست من أهل القتال فلا تؤخذ منها جزية والعبد ليس من أهل القتال فلا تؤخذ منه جزية ، الفقير قد يكون من أهل القتال لكنه يعجز عنها فذلك لا جزية عليه.
مسألة:
( عقد الهدنة إنما هو للإمام أو نائبه )
الشرح :
عقد الأمان يكون من الشخص الواحد ، ولكن عقد الأمان قد يكون لجميع الكفار ، فهذا لا يكون إلا لولي أمر المسلمين فيجوز أن تعطي الكافر أمانا وأن تعطي عددا من الكفار أمانا بما يتناسب مع العرف ،
أما إن كان العدد كثير فلا إذاً عقد الأمان يجوز حتى من الشخص الواحد ، أما عقد الذمة وهي الاتفاق على دفع الجزية لا يكون إلا من الإمام أو نائبه ،
وأما عقد الهدنة ، فلو كان بيننا وبينهم قتال فأراد المسلمون وهؤلاء الكفار أن يوقفوا الحرب لمدة معينة فلا يعقدها إلا الإمام أو نائبه لأنها من المصالح العامة ، فإذاً كلها من الإمام أو نائبه لا الأمان يكون من الشخص في حدود العدد اليسير عرفا .
مسألة :
( وتعقد الهدنة إذا احتاج المسلمون إليها كما لو كانوا في حالة ضعف ، أما عقدها عقدا مؤبدا فلا يجوز لأن فيها تعطيلا للجهاد )
الشرح :
إيقاف الحرب بين المسلمين والكفار لا يعقد إلا عن طريق ولي أمر المسلمين أو نائبه ، وتعقد إذا احتاج المسلمون إليها كضعف ونحوه ،
فلو كان المسلمون ضعفاء فيعقدون هذه الهدنة لمدة معلومة ولو كانت طويلة كما فعل عليه الصلاة والسلام في صلح الحدييبة كما في البخاري
( اتفق مع كفار قريش على عشر سنين )
وهذه يحتاج إليها إذا كان في المسلمين ضعف ، حتى قال بعض العلماء لو احتاج المسلمون إلى إيقاف الحرب مع الكفار بمعاهدة تتضمن أن يدفع المسلمون مالا للكفار لجاز حتى يستبقي ولي أمر المسلمين دماء المسلمين وحياتهم ، ولذا:
النبي صلى الله عليه وسلم لما أحاطت به الأحزاب استشار سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في غطفان ، فقال عليه الصلاة والسلام :
( أرأيتما لو صالحناهم على شيء من تمر المدينة ؟ فقالا لا يا رسول الله ، والله ما كانوا يدخلونها إلا أذلاء ، فكيف يأخذون منها ؟ ) فكونه عليه الصلاة والسلام يستشيرهم على أن يدفع إلى غطفان مالا ويكفوا يدل على الجواز .
وإما عقدها عقدا مؤبدا مدى الحياة فلا يجوز لأن في ذلك تعطيل للجهاد .
مسألة :
( يلزم الإمام في عقد الذمة أخذهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض وإقامة الحدود التي يعتقدون حرمتها )
الشرح :
عرفنا فيما سبق من هم الذميون وهم الذين يدفعون الجزية ، فإذا بقوا في بلاد المسلمين فعليهم مع دفع الجزية أن يلتزموا بأحكام الإسلام ،
ومن أحكام الإسلام أن ينفذ فيهم إمام المسلمين الأحكام المتعلقة بالنفس والمال والعرض ، وأن يقيم عليهم الحدود التي يعتقدون حرمتها ، أما التي لا يعتقدون حرمتها فلا ينفذ فيهم ،
كما لو كانوا يرون أن شرب الخمر حلال فهذا حدٌ ومع ذلك لا يقام عليهم وذلك لأنهم يعتقدون حلها ، أما لو كانوا يعتقدون حرمتها فيقام عليهم الحد ، لكن لا يجوز لهم أن يظهروا شيئا من المحرمات على مرأى من المسلمين ، ولا يجوز أن يظهروا عبادتهم على مرأى من المسلمين أما في كنائسهم فلهم الحق في ذلك .
مسألة :
( ويلزمهم التميز عن المسلمين فلا يلبسون مثل لبسنا ولا تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم ولا بداءتهم بالسلام ولا إحداث الكنائس ولا بناء ما انهدم منها ولا يمكنوا من شراء بيت أو فنائه بحيث يعلو على المسلمين ، ويمنعون من إظهار المحرمات التي يعتقدون حلها )
الشرح :
عمر رضي الله عنه قد فرض شروطا على أهل الذمة ، وقد أخذ بها العلماء وقبلوها وأصبحت بمثابة المجمع عليها ، فأمرهم بأن يتميزوا عن المسلمين في اللباس ، فيلبسون غير لباس المسلمين وأمرهم إذا ركبوا ألا يركبوا خيلا وإنما يركبون مركوبات أخرى مثل الحمير وغيرها ، ثم يكون ركوبهم ليس كركوب المسلمين وإنما يجعلون أرجلهم إما من جهة اليمين أو من جهة اليسار ولا يجوز أن يصدروا في المجالس لأن في هذا تعظيم لهم ولا القيام لهم لأنه لا يجوز أن يقام للمسلم ،
وأنواع القيام منها ما هو محرم ومنها ما هو جائز ، فالمحرم منها نوعان :
أولا :
أن يكون المسلم جالسا وآخر قائم عليه ، فلا يجوز هذا إلا إذا أردنا بذلك إذلال الكفار وإظهار قوة المسلمين بحيث لو أن أشخاصا وقفوا على رأس الأمير أو لي أمر المسلمين لإظهار تعاضد وتكاتف المسلمين فجائز كما ثبت ذلك في صحيح البخاري .
ثانيا :
أن يقام للقادم دون أن يكون هناك سلام
، كأن يأتي شخص له مكانة فيقوم من في المجلس ثم يجلسون من غير أن يكون هناك سلام عليه ، فهذان محرمان ، فإذاً لا يجوز أن يقام لهؤلاء ولا بداءتهم بالسلام لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فإذا سلموا علينا نقول ( وعليكم ) ولا يجوز أن يحدثوا كنائس وأن يبنوها ، لكن كنائسهم الموجودة فإنها تبقى ، ولا يجوز أن يشتري بيتا يكون أعلى من بيت المسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( الإسلام يعلو ولا يعلى ) وأما ما يعتقدون حله من المحرمات فإنهم يتعاطونه في مساكنهم ، فلا يجوز لهم أن يظهروه أمام المسلمين ، فإن خالفوا شيئا مما التزموا من أحكام المسلمين فإن عهودهم تنتقض .
مسألة :
( إذا أبى الذمي بذل الجزية أو الالتزام بأحكام المسلمين أو تعدى على مسلم بقتل أو لواط أو قطع طريق أو تجسس أو إيواء جاسوس أو ذكر الله عز وجل أو رسوله أو كتابه بسوء انتقض عهده دون عهد نسائه وأولاده وحل دمه وماله وقتل )
الشرح :
العقد الذي بيننا وبين الذميين عقد مؤبد فمتى ما بذلوا الجزية واللتزموا بأحكام الإسلام لا يجوز لنا أن ننقض العهد الذي بيننا وبينهم ، لكن إن لم يدفعوا الجزية انتقض عهدهم ، وإن لم يلتزموا بأحكام الإسلام انتقض عهدهم ،
ولذا:
فالذي تعدى على المسلم :
بقتل أو زنا أو لواط أو قطع طريق
أو تجسس أو أنه آوى جاسوسا كافرا ينقل الأخبار إلى الكفار
او ذكر الله عز وجل أو كتابه أو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بسوء انتقض عهده دون عهد نسائه وأولاده
فأهل الذمة قد يظهر واحد أو اثنان لا يلتزمون بما ذكر أو يعتدون على المسلم بما ذكر فهنا ينتقض عهد من خرج ،لكن عهد نسائه وأولاده يبقى ، وإذا انتقض عهده حل دمه وماله فيقتل ويؤخذ ماله فيئا لبيت مال المسلمين ، لكن لو أن أهل الذمة كلهم نقضوا العهد فينتقض عهد نسائهم وأولادهم تبعا ،
ولو أن جماعة من أهل الذمة نقضوا العهد فهل يسرى النقض على البقية ؟
نقول لا ، ولكن بشرط أن ينكروا هؤلاء على هذه الجماعة التي خرجت ، لكن لو أنهم سكتوا ورضوا فإن الحكم يسري على الجميع مع أولادهم ونسائهم تبعا .
وبهذا ينتهي الحديث عن فقه العبادات ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .