( فقه المعاملات )
( 22 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب البيوع )
( 22 )
(باب السبق- باب العارية )
[ السبق ]
بسكون الباء أي المسابقة وبفتحها أي العوض وهي عقد جائز إلا إذا ظهر السبق لأحدهما ويسميها البعض الفروسية.
الشرح :
السبق هي الفروسية عند بعض العلماء وهي
( عقد جائز) ولا يكون عقداً لازماً إلا إذا أجريت مسابقة وظهر فوز أحدهما على الفوز فلا يجوز للطرف الآخر أن يفسخها ، لِمَ ؟ لأنه تبين فوز صاحبه .
مسألة :
السبق نوعان :
ما فيه إعانة على الجهاد فيأخذ العوض عليه ، وما عداه من اللعب الذي لا يشغل عن واجب ولا مضرة فيه لا يجوز الأخذ عليه .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام قال : [ لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ] النصل يعني الرمي بالسهام الرمي ، الخف : يعني الجمال ، الحافر : يعني الخيول ، فهذه الأشياء تعين على الجهاد فيجوز أن يؤخذ العوض عليها ، وأما ماعدا ذلك كالمسابقة على الإقدام أو على الدراجات فلا يجوز أن يؤخذ العوض على هذه المسابقة .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
يشترط لصحة المسابقة تعيين المركوبين واتحادهما في النوع وكذلك القوسين وتحديد مسافة معتادة للسبق ، وأن يكون العوض معلوماً مباحاً خارجاً عن شبه القمار إما من غيرهما فجائز بلا نزاع أو من أحدهما عند الجمهور ، وإن كان منهما فالصحيح الجواز ولو عدم المحلل .
الشرح :
ما يُعين على الجهاد مما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يأخذ عليه العوض ، لكن يشترط في المسابقة على الخيول أو على الجمال تعيين المركوبين لا الراكبين ،
لابد أن نعين المركوبين ،
فلو كانت مجموعة فلا بد أن نعين اثنين أو ثلاثة مما سيتسابق عليها ،
وكذلك اتحادهما في النوع:
فمثلاً فرس عربي لابد من فرس عربي ،
أما إذا كان فرساً عربياً وفرساً غير عربي فلا يجوز:
لأن المقصود من المسابقة إظهار القوة والنشاط وكذلك في الرمي :
لابد أن نبين نوع القوسين لأن الأقواس تختلف في الجودة ، ولا بد أن نحدد مسافة معتادة فإذا حددنا مسافة بعيدة لا يمكن أن يصل إليها الرمي فلا فائدة من المسابقة ، فإذا تمت هذه الشروط فيجوز أن يؤخذ العوض ، اثنان سيتسابقان على خيل إن كان الدافع للعوض غيرهما بمعنى أن يقول شخصاً هذا ألف ريال لمن يسبق منكما فإذا سبق أحدهما فيدفع إلى هذا الشخص الألف هذا بلا نزاع ، لو لم يكن هناك طرفاً آخر
وإنما قال أحد المتسابقين إن سبقتني يا فلان فلك ألف ريال فجائز عند الجمهور ، الحالة الثالثة : لو قال كلاهما مني ألف ريال ومنك ألف ريال المجموع ألفان ،
فمن يسبق يأخذ الألفين
بعض العلماء يقول هذا محرم ، لِمَ ؟
لأنه شبه بالقمار ولا بد من أن نأتي بشخص ثالث لا ناقة له ولا جمل يدخل ضمن المسابقة ، فإن فاز فيأخذ العوض وإن لم يفز فلا شيء عليه ويعدون ذلك محللاً وشيخ الإسلام يقول أقرب الأمور إلى العدل ألا يكون هناك محلل وهو القول الراجح ،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ، قال :
( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر )
وماعدا هذه الأشياء التي لا تعين على الجهاد فلا يجوز أن يؤخذ عليها العوض لا من كليهما أو من أحدهما وعند الفقهاء أيضاً لا من شخص آخر ، لكن كونه من شخص آخر يمكن أن يكون هناك نظر ، لكن من أحدهما أو من كليهما فلا يجوز .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
لا يجوز أن يشتغل عن الرماية فيما لا حاجة فيه ، وكذا ألا يزعج في الاستعجال والسنة أن يكون لكل واحد منهما غرض خاص به ، وإن كان الهدف واحداً فيصح .
الشرح :
فلا يشغل أحدهما بما لا طائل من ورائه، بما له طائل في غير الرمي ، وكذلك لا يُزعج ، لا يقال له : يا فلان أسرع بالرمي ، وأيضاً هو لا يتأخر والسنة أن يكون لكل واحد منهم هدف كل منهم يرمي إلى هدف معين ، ولو كان الرمي إلى هدف واحد يرميانه فيصح
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
يكره أن يمدح المصيب ويعاب المخطئ .
الشرح :
لا ينبغي أن يمدح المصيب ويعاب المخطئ حتى لا ينكسر قلبه .
) باب أحكام العارية (
مسألة :
[ العارية ] : بتشديد الياء وتخفيفها ،التبرع بشيء لمن ينتفع به ويردوه وهي واجبة على الغني .
الشرح :
العارية أو العارية بالتشديد يصح الوجهان ، وقد قال الفقهاء ـ فقهاء الحنابلة ـ أنها سنة ، والصحيح كما قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ إنها واجبة مع الغنى ، لأن الله ذم من يمنع الماعون كما في قوله تعالى :
الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{7}
! !! ! !
مسألة :
شروط صحة العارية :
أولاً :
أن يكون المعير جائز التبرع ، والمستعير جائز التصرف .
الشرح :
لا بد أن يكون المعير الذي سيعير ما لديه ، لابد أن يكون جائز التبرع فلا يجوز للولي أي ولي اليتيم أن يعير شيئاً ليتيمه ، لأن هذا الولي غير جائز التبرع ، وأن يكون المستعير جائز التصرف فلا يجوز أن تعير صبياً فلو أعرته شيئاً وأتلفه فلا شيء عليه لأنك فرطت
ثانياً :
أن يكون نفع العين مباحاً .
الشرح :
فلا يجوز أن تعيره إناءً ليشرب فيه خمراً .
ثالثاً :
أن تبقى العين بعد الانتفاع بها .
الشرح :
أن تبقى العين فإن كانت المعارة تفنى ، فتنتفي الإعارة ، لِمَ ؟ لأن المقصود من العارية الانتفاع لا بذل العين .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
لا يجوز إعارة عبد مسلم لكافر ، ولا إعارة صيد أو آلته لمحرم .
الشرح :
لا يجوز إعارة عبد مسلم لكافر ، لأن فيه إذلال له ، وقد قال تعالى :
وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }النساء141
وكذلك لا يجوز أن يعار صيد أو آلة صيد لمحرم لأن المحرم لا يجوز له أن يصيد الصيد ، فإذا أعاره فإنه آثم فهذا من التعاون على الإثم والعدوان .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
للمعير أن يسترجع عاريته إلا إذا ترتب على ذلك ضرر للقاعدة [ الضرر لا يزال بالضرر ] ولا يجوز له أخذ الأجرة ، لأنه لا يملك الرجوع .
الشرح :
إذا أعرت شيئاً فيجوز لك أن تطالب به ، وأن تسترده إلا إذا كان هناك ضرراً على المستعير ، وذلك كأن تعيره إناؤك ليضع فيه طعاماً فلو طلبته منه لأفسدت عليه طعامه ، فلا يجوز أن تسترده ، ولو قلت يا فلان بما أني طلبته ولم ترده أريد أجرة عليه ، فنقول : لا يجوز أن تأخذ الأجرة عليه ، لِمَ ؟ لأنه في الابتداء لا يحق لك الرجوع وبالتالي لا يحق لك أن تأخذ عليه أجر .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
يجب على المستعير أن يحافظ عليها فإن استخدمها في غير ما أخذت لأجله وجب عليه الضمان مطلقاً ، وإلا فلا ضمان إذا لم يتعدى ولم يفرط ، لكن لو تلفت قبل استخدامها ولم يفرط فلا يضمن على الصحيح .
الشرح :
يجب على المستعير أن يحافظ عليها لأنها أمانة ، فإن استخدمها في غير ما أخذت له كأن يستعير جملاً ليركبه فعدل عن ذلك فحمل عليه فتلف فإنه يضمن لِمَ ؟ لأنه استخدمه في غير ما أستعير له فهو استعاره من أجل الركوب فاستخدمه في الحمل ، لكن ان استخدمه للركوب وركب فتلف لم يضمن إلا إذا كان متعديا أو مفرطا ، لكن لو أنه لم يستخدم هذا الشيء المعار ، استعار جملاً فلم يستخدمه فتلف ، فالقول الصحيح أنه لا يضمن .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
إن تلف دون تعدي أو تفريط فليس لصاحبها حق المطالبة .
الشرح :
إذا استخدمها المستعير ، ولم يفرط ولم يتعد فلا يضمن وليس لصاحبها حق المطالبة فيما تلف .
! ! ! ! ! ! !
قاعدة :
[ كل عقد اقتضى الضمان شرعاً لم يغيره الشرط ، كاشتراط صاحبها الضمان مطلقاً ، أو نفى المستعير لضمانها مطلقاً على قول المذهب ] .
الشرح :
لو قال أعيرك هذا الإناء ، لكن إن تلف تضمنه بقطع النظر تعديت أم لا تتعدى فرطت أم لم تفرط فلا يصح هذا الشرط ويبقى الحكم على ما هو عليه ، ولو قال المستعير استعرت منك لكن لا أضمنه لو تلف بتعدي مني أو تفريط فلا يصح هذا الشرط ، وهذا هو قول المذهب ، ولكن لشيخ الإسلام رأي وهذا قول قوي ، قال : إنه لا يضمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلمون على شروطهم ) فإذا اتفقا فكيف نلزم أحدهما بالضمان .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
لا يجوز له أن يعيرها على الصحيح ، أو يأجرها إلا بإذن صاحبها .
الشرح :
إذا استعرت إناء فلا يجوز لك أن تعيره على شخص آخر إلا بإذن صاحبه وكذلك لو استعرت جملاً فلا يجوز أن تؤجره إلا بإذن صاحبه .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
مؤنة الرد على المستعير ، والأقرب أن نفقتها وقت الإعارة على المالك .
الشرح :
مؤنة الرد على المستعير ، استعرت جملاً فلا تكلف صاحبه أن، يأتي إليك ليأخذه وإنما ترده إليه ، حتى لو تكلفت مالاً في رده فتكون الكلفة عليك لا عليه ، لكن النفقة على المعير لو استعرت جملاً هذا الجمل يحتاج إلى نفقة إلى طعام وقد استعرته لمدة أسبوع ،
إنفاقه وإطعامه على من ؟
قولان :
الأول : قيل على المعير ،
الثاني : قيل على المستعير ،
والأقرب أنه على المالك الذي هو المعير ، لِمَ ؟
لأنه بذله لوجه الله ، فليكمل ما بذله لوجه الله جل وعلا .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
إن أعارها لآخر وهو يعلم عليه ضمانها وأجرتها ، وإن كان الثاني لا يعلم أنها عارية فعليه الضمان والأجرة على الأول .
الشرح :
استعرت إناءً فأعرته شخصاً آخر فتلف يكون الضمان على من ؟
يقال إن كان المستعير الذي استعارها منك عنده علم بأن هذه الإناء عارية ، فعليه الضمان وعليه الأجرة في هذه المدة التي استفاد فيها من هذا الإناء ، لكن إن كان لا يعلم ، أعرته وهو لا يعلم أن هذا الإناء عارية فتلف ، فإن عليه الضمان والأجرة على المستعير الأول