( فقه المعاملات )
(33)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب النكاح )
[ 4 ]
( باب : الشروط في النكاح )
باب الشروط في النكاح يختلف عن شروط النكاح . شروط النكاح مَرَّتْ لا بد من الإتيان بها : تعيين الزوجين ،رضاهما ، الإشهاد ، و الولي . أما هنا الشروط في النكاح وهي من الزوجين أو من أحدهما ويجوز إسقاطها .
الشروط المعتبرة في النكاح : ماكان في العقد أو قبله وهو نوعان :
الشروط المعتبرة قبل النكاح أي قبل عقد النكاح وأثناء عقد النكاح . أما بعد العقد فلا وجود له ولا اعتبار .
= أولاً : شروطٌ صحيحة ،
وهي كل ما فيه مصلحةٌ للزوجين . كما لو اشترطت عليه أن لا يتزوج عليها ،
فإنْ خالف . فلها الفسخ إلا إن علمت ومكَّنَتْهُ من نفسها .
الشرح :
من بين الشروط الصحيحة أن تشترط عليه أن لا يتزوج بغيرها ، فإن خالف فلها الفسخ ، ومعنى : ( لها الفسخ ) أن لا شيء له . لا مهرٌ ولا غيره لقوله r :
(( إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ))
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
إن لم يلتزم بشرطها فلها الفسخ إن خالف إنما خالف إلا في حالة واحدة ، لو أنها اشترطت أن لا يتزوج عليها وعلمت أنه تزوج وأراد أن يجامعها فمَكَّنَتْهُ ، فهذا التمكين بالفعل دلَّ على رضاها فلا يحق لها الفسخ .
هذا كمثال في الشروط الصحيحة
وإلا قد يشترط مثلاً : أن تسافر معه أو أن تسكن مع أهله أو هي تشترط أن تسكن لوحدها أو أن تسكن عند أهلها ، أما لو اشترطت طلاق زوجته الأولى .
فقولان لأهل العلم والصحيح أنه شرطٌ فاسدٌ لقوله r : (( لا تسْأَلُ المرأةُ طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها فلتنكح فإن لها ما قدر لها )) .
ثانياً :
الشروط الفاسدة .
وهي نوعان : شروطٌ تبطل العقد :
أولاً : نكاح الشغار .
كأن يزوَّجَ أحدهما الآخر موليته ولا مهر تصريحاً أو مسكوتاً عنه ، وكذا لو حِيلة ً .
الشرح :
نكاح الشغار نكاحٌ باطلٌ فيكون هذا الشرط الفاسد مبطلاً للعقد كأن يقول : زوجني ابنتك و أزوجك ابنتي من غير مهرٍ بيننا .
أو مسكوتاً عنه
كأن يقول : زوجني ابنتك و أزوجك ابنتي . وسكت عن المهر أو أنه قال : زوجني ابنتك و أزوجك ابنتي بمهر . وهما يريدان الحيلة بمعنى : أن المهر هو هو ، لكن من باب التحايل فهذا هو نكاح الشغار الذي لا يصح .
ثانياً :
نكاح المحلل . كما لو اتفقا عليه قبل العقد أو نوى الزوج الثاني التحليل بقلبه دون شرط ، فمن لا فرقة بيده لا أثر لنيَّته .
الشرح :
هذا هو نكاح المحلل قال r :
(( ألا أخبركم بالتيس المستعار ))
سماه النبي r بالتيس المستعار ،
وذلك أن يطلِّقَ رجلٌ زوجَتَهُ ثلاثاً فتَبِينُ منه فتندمُ أو يندمُ هو ، ويرغب كلٌ منهما أن يعود للآخر ، فيتفقان مع شخصٍ آخر ليتزوج بها عقداً دون أن يحصل جماع ثم يطلقها ثم يتزوج بها الزوجُ الأولُ .
فهذا هو التيس المستعار .
فلو اتفقنا مع شخصٍ قبل العقد فإن العقد باطلٌ ولا يصح ،
وكذلك لو أنه اتفق مع رجلٍ يتزوج بها وقبل العقد نوى الزوج الثاني الذي يُدْعى بالمحلل نوى الزواج فخدع الأول . حصل اتفاق لكنه أراد عند النكاح أن يغير نيته ، فغير نيته .
فلما تزوَّج بها فالزواج بها صحيح حتى لو كانت نية الزوج الأول التحليل أو نية الزوجة التحليل ،
ولذا القاعدة والضابط هنا : من لا فرقة بيده لا أثر لنيته . فالنية تؤثر في هذا الحكم إذا كانت من الزوج الثاني ، أما من الزوج الأول أو الزوجة فلا اعتبار .
ثالثاً :
نكاح المتعة , وزمن إباحته لم يَطُلْ .
الشرح :
نكاح المتعة محرم .
وهو أن يتفق مع امرأةٍ أن يتزوَّج بها لمدة شهرٍ أو شهرين بأجرةٍ بمبلغٍ من المالِ . وقد حرمه النبي r حيث أباحه يوم الفتح ، وما خرجوا من مكة إلا وقد حُرِّم ، فهو محرمٌ وهو باطلٌ .
وأما النكاح بنية الطلاق :
فالأصل فيه الصحّة لوجود الشروط لكن بشرط أن لا يتذرع به إلى أن يجامع النساء بستار النكاح وهو في حقيقته زاني ، مثل ما يفعل البعض إذا سافر للتنزُّهِ فعل ما فعل وقال بنية النكاح .
ولربما يتزوج أحدهم في الشهر عشرين امرأةً . معنى أن نقول : أنه لابد أن يَعْتَدَّ إذا تزوّج بأربعٍ و أراد أن يطلق واحدة ويتزوج بأخرى لا بد أن يَعْتَدَّ . والزواج بنية الطلاق مختلفٌ فيه بين المعاصرين ،
وذلك كأن يذهب شخصٌ للدراسة ويخشى على نفسه من الزنا ولا يريد أن يقع في الزنا وتزوج بنية الطلاق ،
فهذا يجوز له لأنه ربما يعدل عن الطلاق فربما تعجبه المرأة لكن هذا من غير أن يتحدد هذا في نيَّتِهِ ، فيجوز من حيث الصحة ولكن من حيث الحكم فإنه آثمٌ . لمَ ؟ لأنه يخدع المرأة ، فالمرأة لو علمت بذلك لما أقدمت على الزواج به ولكن من حيث الصحة فهو صحيح بالشروط التي ذكرناها .
= النوع الثاني : من الشروط الفاسدة شروطٌ لا تبطل النكاح .
منها :
كأن يشترط إسقاط حقٍ من حقوقها ، فالعقد صحيحٌ والشرط باطلٌ .
الشرح :
فمن الشروط الفاسدة التي لا تبطل العقد وذلك أن يقول : أتزوج بكِ على أن لا أنفق عليكِ أو أن أقسم لضرائرك ولا أقسم لكِ . فهذا شرط فاسد والعقد صحيح ، لأن مقتضى الزواج – كما مرَّ معنا في البيع – مقتضى الزواج أ، ينفق عليها وأن يقسم لها ، فلو وافقته فالنكاح صحيح والشرط فاسد ويلزمه أن ينفق عليها ويقسم لها .
= ومنها:
إن اشترط صفة ً فيها وبانت أقل فهو بالخيار ، أما إن بانت أعلى فلا فسخ .
الشرح :
لو اشترط في الزوجة أو في هذه المرأة أن تكون جميلةً فبانت أنها ليست كذلك فهو بالخيار إن شاء أن يمضي النكاح وإن شاء أن يفسخه . ولو اشترط أن تكون ثيِّباً فبانت أنها بكرٌ – هنا صفةٌ عاليةٌ – فلا يحق له الفسخ .
مسألة :
لو أسقطت حقها وأرادت الرجوعَ ، فلها ذلك .
الشرح :
لو أن المرأة أسقطت حقها وقالت لزوجها : لا تُنْفِق عليَّ أو اقسِم لزوجاتك أو إني أهب هذا اليوم لفلانة . ثم لما مضت أيامٌ ندِمَت وأرادت أن تتراجع فلها ذلك ولكنها لا تتطالب فيما مضى ، لأن ما مضى أسقطته .
( بابٌ في : العيوب في النكاح )
مسألة= يثبت الخيار في كل عيبٍ يمنع الاستمتاع أو يُخَاف من أذاه أو تتعدى نجاسته . والأمثلة كثيرة كأن يكون عنيناً أو كانت رتقاء ، ولو كان العيب مشتركاً ولو حدث بعد العقد ومتى زال العيب قبل الفسخ فلا فسخ وكذا إن تم الفسخ لعيبٍ وبان عدم وجوده . ويستمر النكاح ولا ينقص الفسخ عدد الطلاق .
الشرح :
يثبت الخيار في عيبٍ يمنع الاستمتاع بالمرأة ، فلو أنه تزوج بامرأة فبان أن بها عيباً يمنع الاستمتاع بها أو يخاف أذاه أو تتعدى نجاسته كمستحاضة أو سيلان في فرجها .
أو العكس كأن يكون عنيناً تزوجت به هو ، والعنين هو : الذي لا ينتشر ذكره . يشتهي النكاح أو الجماع ولكن لا ينتشر ذكره .
أو كانت رتقاء كأن تكون مسدودة الفرج أو ما شابه ذلك من العيوب ، حتى لو كان العيب مشتركاً . لو أن هذا الزوج وجد أنها برصاء وهو أيضاً فيه برص ،
فإن له الخيار لأن الإنسان لا يأنف من عيب نفسه ، لكنه يأنف من عيب غيره ولو أنه تزوج بها وعقد عليها وليس بها عيبٌ ثم بعد العقد حصل عيبٌ ، فله الفسخ . ومتى زال العيب قبل الفسخ
بمعنى أنه عقد عليها وفيها عيبٌ ثم بعد العقد زال هذا العيب فلا فسخ
ومثل ذلك لو أنه فسخ لعيبٍ فبان أنه لم يكن بها عيبٌ فإن النكاح يستمر
والفسخ ليس بطلاقٍ لا ينقص عدد الطلاق ،
ولذا لو أنها فسخت منه أو فسخ نكاحها ثم بعد حينٍ أراد أن يتزوج بها فله ذلك وله من الطلاق ثلاث ، لأن الفسخ لا ينقص عدد الطلاق .
مسألة :
إن تمَّ الفسخ بالعيب قبل الدخول فلا مهر لها بعده ، ويرجع على من غره .
الشرح :
إن حصل الفسخ بالعيب قبل الدخول عقد عليها ثم فسخ العقد قبل الدخول لهذا العيب فلا مهر لها ، لكن لو أنه دخل بها ولمّا دخل بها وجد العيب فهنا لها مهر المثل بما حصل من الجماع لها لأن هذا نظير الدخول بها ومن ثمّ يدفع المهر ويعود على من غرَّه إن كان غرّه الأب أو العم فإنه يعود عليه .
مسألة :
لو رَضِيَت الكبيرة العاقلة بمجبوبٍ لم يمنعها وليُّها .
الشرح :
لو أن الكبيرة رَضِيَت وهي عاقلة رَضِيَت بزوجٍ مجبوبٍ . أي ليس فيه ذكر قد جبّ ذكره ، فليس لوليِّها أن يمنعها لأنَّ لذة الجماع لها .
مسألة :
إن كان العيب يظهر ويختفي ، فلا فسخ .
الشرح :
إن كان بها عيبٌ مرةً يظهرُ ومرةً لا يظهر فإنه لا فسخ إنما الفسخ يكون في العيب المستمر .
( بابٌ في : أنكحة عموم الكفار )
وأنكحتهم كأنحكحة المسلمين في الصحة ، و وقوع الطلاق ويحرم عليهم كما يحرم على المسلمين من النساء ونقرّهم على فسادها بشرطين :
الشرح :
نكاحٌهم كنكاح المسلمين .
ولذا أضاف الله عز وجل نساء الكفار إليهم في قوله تعالى :
{ وامرأته حمّالةَ الحَطَب }
فدل على أنّ هذه الإضافة تقتضي النكاح الصحيح ، ولذا النبي r لما أسْلَمَ مَنْ تَحْتَهُ ثمان من النسوة . قال : ( اختر مِنْهُنَّ أربعاً )
ولم يقل : مِنْ هُنَّ؟ المتأخرات . لأنهم أقدموا على هذه العقود على أنها صحيحة ولو أن أحدًا منهم طلّق في حال كفره ثم أسلم فإنه لا يبقى بعد إسلامه من عدد الطلاق إلا اثنتين .
ويحرمُ عليهم ما يحرمُ على المسلمين من النساء ، لكن لو أنهم أسلموا وإذا بعقودهم فاسدة يمكن أنهم تزوجوا بغير شهودٍ . يعني : حصل فسادٌ بها .
فما الحكم ؟
ونقرُّهم على فاسد عقودهم بشرطين :
أولاً : إن اعتقدوا صحتة بشرعهم . : إذا أسلموا .
الشرح :
إن اعتقدوا صحته في شرعهم فيقرُّون على ذلك ولا يتعرض لذلك ، لكن إن كانوا لا يعتقدون فإننا نعيدُ هذا العقد إذا ترافعوا إلينا وهو الشرط الثاني ، فإنهم إن ترافعوا إلينا نحكم بينهم بالحق . قال تعالى : { وإن حكمتَ فاحكم بينهم بالقسط }
ولذا لو أن الكافر أسلم وجمع بين أختين .
فيُقال : إن كان يعتقد في شرعهم جواز الجمع بين الأختين .فنقول : اختر واحدة . لكن إن كان قد جمع بين أختين وليس في شرعهم ويعتقد أنه غير جائز . فنقول : طلِّقِ المتأخرة . ففرقٌ بين ما يعتقدون صحته وما لا يعتقدون .
مسألة :
وإن كان معه امرأة لا يباح ابتداء العقد عليها كذات محرمٍ . فرّق بينهما .
الشرح :
لو أنه أسلم وتحته أخته أو عمته فلا يُقَرُّ على هذا فيُفَرَّق بينهما لأنه لا يجوز أن يتزوج بها ابتداءً فكذلك استمراراً .
مسألة :
إن قبضت المرأة مهرها برِأت ذمته وإن لم تقبضه وكان مُحرماً فيفرضُ لها مهر المثل وإن قبضت البعض أخذت الباقي بمهرِ مثلِهَا .
الشرح :
إن قبضت المرأة مهرها في حال الكفر فإنه لا يتعرض لهذا المهر حتى لو كان هذا المهرُ محرّمًا كخنزيرٍ ونحوه ، لكن إن لم تقبضه حتى أسْلَمَت أو أسلم فإننا نفرض لها مهر مثلها من نسائها من جمالٍ وبكارةٍ ونحوهما ، وإن قبضت بعض المحرم فما قبَضَتْهُ قد قَبَضَتهُ وانتهى ، وما بقيَ يعطى بقدر مثله من مهر مثلها .
مسألة :
إن أسلم زوج كتابيَّةٍ استمر النكاح وإن كانت غير كتابيَّةٍ بطل النكاح وعليه نصف المهر إن كان قبل الدخول ، وإن أسلمت هي بطل ولا مهر لها قبل الدخول .
الشرح :
لو أسلم الكافر وكان تحته كتابيَّةٌ فيبقى النكاح . لمَ ؟ لأن المسلم يجوز له أن يتزوج بالحرّةِ الكتابيَّةِ ويستمر النكاح وإن كانت غير كتابيّةٍ فإن النكاح يبطُلُ وبما أن هذا الإسلام سببٌ للفرقة بينهما ، فإنه يعطيها نصف المهر .
مسألة :
إن أسلم زوج كتابيّةٍ استمر النكاح ، وإن كانت غير كتابيّةٍ بطل النكاح وعليه نصف المهر إن كان قبل الدخول ، وإن أسلمت هي بطل ولا مهر لها .
الشرح :
إن أسلم كافرٌ وتحته كتابيَّةٌ فإن النكاح يكون باقياً مستمراً ، لأن المسلم يجوز له أن يتزوج بالحرّة ِ الكتابيَّةِ . وإن لم تكن كتابيّةً يبطل ثم إنَّ المهر لا يبخس حقها منه إن كان قبل الدخول . فإنّ عليه نصف المهر ، لأن الفرقة كانت منه ، وإن أسلمت هي فإن النكاح يبطل سواءٌ كان كتابيّاً أو لم يكن كتابيّاً ولا مهر لها لأن الفرقة جاءت من قِبَلِهَا .
مسألة :
وإن أسلمت بعد الدخول فإنْ أسْلَمَ وقتَ العِدَّةِ استمر النكاح ، وإنْ انقضت فلها أن تتزوج وإن أحبَّت انتظرته دون تجديد عقدٍ .
الشرح :
وإن أسلمت المرأة بعد الدخول فإن أسلم الزوج وقت العدّةِ فإنَّ النكاح باقٍ ، وإن انتهت العدّةُ ولم يُسْلِم فإنَّ لها الخيار إن شاءت أن تتزوج وإن شاءت انتظرته لعله أن يُسْلِم . فإن أسْلَمَ بعد العدَّةِ فترجعُ إليه ولا يلزم على القول الصحيح أن يكون هناك تجديد عقدٍ ، لأن النبي r ردَّ ابنته زينبَ إلى أبي العاص بن الربيع بعدما مضت سنتان من الفرقة بينهما .