( فقه المعاملات )
(40)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب الطلاق )
[ 3 ]
( باب الرجعة )
مسألة :
لوليِّه أن يقوم مقامه إذا جُنَّ )
الشرح :
الرجعة :
هي إعادة الزوجة للنكاح السابق، فالولي يقوم مقام الزوج إذا جُنَّ ، فلو جُنَّ الزوجُ وكان قد طلَّق زوجته ، فإنَّ وليَّه يقوم مقامه إذا رأى المصلحة في إرجاع الزوجة .
مسألة :
شروط الرجعة :
أولاً :
أن يكون الطلاق دون ما يملك من العدد ، فللحُرِّ ثلاثٌ و للعبدِ اثنتان .
الشرح :
لا بد في صحة الرجعة أن يكون الطلاق دون ما يملكه الزوجُ من العدد ، فإنَّه لو طلَّقَ ثلاثًا وهو حُرٌّ ، أو طلَّقَ اثنتين وهو عبدٌ فإنه لا رجعة إلا بعد زوجٍ آخرَ .
مسألة :
ثانيًا :
أن تكون في العدة .
الشرح :
أن تكون في العدة ، فإنه لو طلَّقها واحدةً ثم انتهت عدتها ، فإنه لا رجعة لأنها بانت بينونةً صغرى .
مسألة :
ثالثًا :
أن تكون مدخولاً بها أو مَخْلُوًّا بها .
الشرح :
أن تكون الزوجة مدخولاً بها أو مخلوًّا بها ، لأنها إن لم يدخل بها ولم يخلُ بها كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } ولذا :
إذا طلقها قبل الدخول والخلوة طلقةً واحدةً ، فإنها تبين منه بينونةً صغرى .
مسألة :
رابعًا :
أن تكون بلا عِوَضٍ .
الشرح :
أن تكون بلا عِوَضٍ . فإنه لو كان الطلاق حاصلاً بعِوَضٍ فهو خُلْعٌ – كما سبق – وإذا كان بعوضٍ فصار خُلْعًا فإنَّها تملك نفسَهَا .
مسألة :
خامسًا : أن يكون النكاح صحيحًا .
الشرح :
أن يكون النكاح صحيحًا ، لأن النكاح الفاسد إذا طلَّقَها فتبين منه .
مسألة :
سادسًا : أن تكون الرجعة منجزة .
الشرح :
أن تكون منجزةً . بمعنى : راجعتك .
أما لو قال : راجعت زوجتي إذا جاء الشهر الفلاني . فلا يصحُّ .أو : إذا رضِيَ أبي . فلا يصحُّ .
مسألة :سابعاً
أن يقصد الإصلاح .
الشرح :
أن يقصد الزوجُ الإصلاح ، فلو أنه راجعها من أجل أن يضربها فيحرم ولا تصح الرجعة على الصحيح . لقوله تعالى :{ إن أرادوا إصلاحًا } .
مسألة :
لا يشترط رضاها ولا علمها .
الشرح :
للقاعدة السابقة :
( من لا يُشْتَرَطُ رِضاهُ لا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ ) .
مسألة :
تحصل الرجعة إما بالقول أو بالوطئ مع النية على الصحيح .
الشرح :
تحصل الرجعة إما بالقول : كأن يقول : راجعتُكِ . أو : راجعْتُ زوجتي . أو بالفعل ، وذلك : أن يطأها مع نيةٍ للرجوع . وذلك : أن المطلَّقة الرجعيّة لا يجوز أن تخرج من البيت ولا يجوز له أن يخرجها . قال تعالى :{ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } إلى قوله :{ لا تخرجوهنَّ من بيوتهِنَّ ولا يخْرُجْنَ إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبيِّنَةٍ } فلتبق في بيت زوجها ولتتجمَّل له ، وتكون كالزوجات .
مسألة :
الإشهاد واجبٌ فيها على الصحيح .
الشرح :
لا بد أن يُشهد في إرجاعه لزوجته اثنين على القول الصحيح . خلافاً لمن قال : إنه سنَّة . لقوله تعالى :
{ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } .
مسألة :
الرجعية زوجة فيما عدا القسم .
الشرح :
فهي مثل الزوجات ، ما عدا القَسْمُ فإنه لا يَقْسِمُ لها .
مسألة :
تنتهي بانتهاء العدَّة : فإن كانت حاملاً فبوضعه كله . وإلا فالحيض إذا انقطع دم الحيضة الثالثة على الصحيح . وإن لم تغتسل .
الشرح :
تنتهي العدَّةُ باختلاف النساء . فإن كانت حاملاً فلا بد أن تضع ما في بطنها ، فلا تنتهي العدة بوضع نصفه ، بل بوضعه كله لا بد أن يخرج كله . وإن كان الحمل اثنين . لا بد أن يخرج الاثنان لقوله تعالى :
{ و أولات الأحمال أجَلُهُنَّ أن يَضَعْنّ حمْلَهُنَّ }
فإن لم تكن حاملاً فتكون عدتها بالحيض . وتنتهي بانقطاع دم الحيضة الثالثة على الصحيح وإن لم تغتسل ، لأنَّ بعض العلماء يقول : لو انقطع دمها بعد الحيضة الثالثة ولم تغتسل فليس فلزوجها الرجوع ،والصحيح أنه لا رجعة له
مسألة :
إن تزوجت وأتى ببيِّنَةٍ على رجعتها رُدَّت إليه ، وتَعْتَدُّ للثاني .
الشرح :
لو أنها تزوجت ولم تعلم أن زوجها قد راجعها فتبين بعد زواجها أنَّ زوجها قد راجعها في عدتها قبل أن تنقضي ، وهي تزوجت بعد انتهاء العدَّة . فيقال للزوج : ألديكَ بيِّنَةٌ على الرجعة .
فإن قال / لا ، فلا يُقْبَلُ قوله ، وإن أتى ببينة فترد إليه ، لكن لا يمسُّها الأول حتى تعتدَّ للثاني ، لئلا يختلط الماءان .
مسألة :
تعود البائنة الكبرى إن تزوجت بنكاحٍ صحيحٍ وجامعها في القُبُل مع الانتشار ، ولو كان من نائمٍ . ولو لم ينزل .
الشرح :
إذا أراد أن يتزوج الزوج الأول بزوجته التي بانت منه بينونةً كبرى فلا بد أن تتزوج بزوجٍ ثانٍ . قال تعالى :
{ فإنْ طلَّقها فلا تحِلُّ له من بعدُ حتى تنكِحَ زوجًا غيره }
لكن لا بد أن يكون هذا النكاح من الثاني نكاحًا صحيحًا
( ويخرج الفاسد والباطل )
ولا بد أن يجامعها الزوج الثاني في القُبُلِ مع الانتشار وذلك أن ينتشر ذكَرُه ،
أما مع استرخاء الذكر فلا يكون هذا جماعًا . حتى ولو جامعها في حال نومه ، وذلك : كأن ينتشر ذَكَرُهُ حال النومِ ، ثم تُدْخِلُ ذَكَرَهُ في فرجِهَا فيكون هذا جماعًا ولو لم يحصلْ إنزالٌ . فمتى ما جامعها في قُبُلِهَا قد انتشر ذكره ، فطلّقَها الثاني فلها أن تعود إلى الأول بعقدٍ جديدٍ وبمهرٍ جديد .
مسألة :
إن ادعت أنه جامعها وأنكر الزوج الثاني فقولها .
الشرح :
لو أن الزوج الثاني طلَّقها وأرادت أن تعود إلى الزوج الأول بنكاحٍ جديدٍ ، فأنكر الزوج الثاني أنه وطئها . قالت : لقد جامعني . وقال هو : لم أجمعها ، لم أطأها . وقالت : وطِئَني . فالقول قولها .
مسألة :
إن ادَّعَت انقضاء عدَّتها بوقتٍ لا يمكن انقضاؤها فيه لم يسمع لها ، ولو أتت ببيِّنةٍ . وإن كانت في وقتٍ يندُرُ فنَعَم . وإن كانت في وقتٍ ممكنٍ قُبِلَ بلا بيِّنَةٍ .
الشرح :
لو أن امرأة ادعت أنها حاضت ثلاث حِيَضٍ في عشرة أيامٍ فجاءت بعد طلاق زوجها لها بعشرة أيامٍ ، وقالت : لقد انتهت عدتي ، حِضتُ ثلاثَ حِيَضٍ . فلا يقبل قولها ولا يسمع لدعواها ، لأنَّ هذا مستحيل .
لكن لو أنها أتت في وقتٍ يندر .
الغالب : أن النساء يَحِضْنَ في الشهر مرةً واحدةً . يعني : أنها في ثلاثة أشهرٍ . هذا هو الغالب . فلو أنها أتت وقالت : بعد أربعين يومًا أو خمسة وثلاثين يومًا . وقالت : لقد انتهت عدتي . هذا ممكن ، لكن نقول : لا بد أن تأتِ ببينةٍ .
لكن إن كان في وقتٍ يكثر : فلا حاجةَ للبيِّنة ، لأن الله – عز وجل – وكَّلَ أو جعل أمرَ ما في أرحامهِنَّ إليْهِنَّ ، فهُنَّ مُؤتَمَنَاتٍ . قال تعالى :{ ولا يحِلُّ لهُنَّ أنْ يكْتُمْنَ ما خلق الله في أرحامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤمِنَّ بالله واليوم الآخر } .
مسألة :
إن عادت بعد البينونة الكبرى فيملك ثلاث طلقاتٍ ، والبينونة الصغرى : يملك ما بقي . وكذا على الصحيح لو عادت بعد زوجٍ ثانٍ
الشرح :
إن طلَّقَهَا طلاقًا بائنًا فلا بد من نكاحٍ آخرَ من زوجٍ آخرَ . فإن عادت إلى الزوج الأول فإنه يملك ثلاث تطليقاتٍ .
لكن : لو أنه طلَّقها طلاقًا بائنًا طلقةً واحدةً أو طلقتين ، ثم انتهت عدتها ، ثم تزوَّج بها فعادت إليه فهو طلَّق في الماضي طلقتين فلا يبقى له إلا واحدة .
وكذلك : لو طلَّق واحدة ً فإنه لا يبقى له إلا اثنتان . لو قال قائلٌ : هبْ أنه لما طلّق زوجته طلاقًا بائنًا . طلّقها اثنتين طلاقًا رجعيًّا فبانت منه ، فلما بانت منه بينونةً صغرى تزوجت بزوجٍ ثانٍ – الزوج الثاني غير مشترط – إلا في البينونة الكبرى . لكن في البينونة الصغرى : تزوجت بزوجٍ ثانٍ ، ثم طلقها الزوج الثاني فعادت إلى الأول .
فهل يملك ثلاث طلقاتٍ ؟
أو يملك طلقةً واحدةً ، لأنه طلق في السابق طلقتين ؟
خلافٌ بين العلماء ،
والصحيح :
الذي عليه فتيا كثيرٍ من الصحابة أنها تعود على ما سبق بمعنى أنه لا يملك إلا طلقةً واحدةً ، حتى ولو كانت بعد زوجٍ ثانٍ .
إذًا :