( فقه المعاملات )
(45)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب الرضاع )
هو مثل النسب في النكاح والخلوة و المحرمية ، (وجواز النظر) .
الشرح :
النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) والمراد من ذلك ما جاء في نص الحديث :
أولا : ( المحرمية في النكاح ) يحرم عليه أن يتزوج بأخته من الرضاع أو أمه من الرضاع .
ثانياً :الخلوة : يعني يجوز له أن يخلوَ بها وفي المحرمية يجوز أن يكون محرماً لها في سفرٍ وغيره . ثالثاً:جواز النظر : يجوز النظر إليها . أما ما عدا ذلك ، فإنه لا علاقة للرضاع فيه . فلا يلزم الولد من الرضاع أن ينفق على أمه من الرضاع ولا أن يكون وليًا عليها في النكاح .
مسألة :
لا يثبت إلا بخمس رضعاتٍ فأكثر في الحولين . واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنَّ الحكم معلَّقٌ بالفطام ولو بعد الحولين .
الشرح :
تقول عائشة – رضي الله عنها – كما في صحيح مسلمٍ قالت : ( كان فيما أنزِلَ من القرآن عشر رضعاتٍ يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات )، فمن أرضع خمس رضعاتٍ من امرأةٍ ، فإنَّ الرضاع يثبت وما دون ذلك فالصحيحٌ أنَّه لا يثبت . لا ثلاثٌ ولا دون الثلاث . فلا بد من خمس رضعاتٍ ، ويكون في الحولين لقوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }
وأما شيخ الإسلام – رحمه الله – يقول :
يجوز الرضاع ولو بعد الحولين إذا كان الطفل لم يُفْطَمُ لقوله r : ( إنما الرضاع ما كان قبل الفطام ) .
مسألة :
ضابط الرضعة أن يمتص الثديَ ، ثم يقطعه باختياره ، فإن عاد ولو قريبًا فرضعتان ، وقيل : يشترط أن تكون مشْبِعَةً .
الشرح :
ما هو ضابط الرضعة التي يثبت بها الرضاع ؟
قال بعض العلماء : أن يأخذَ الطفلُ الثديَ ويمتصه ولو تركه عن قربٍ حتى لو لم يشبع فإنْ تَرَكَهُ باختياره ، لضيق التنفس أو نحوه ، فهذه رضعةٌ فلو عاد مرةً أخرى فتكون رضعةٌ ثانيةً . وبعض العلماء يشترط أن تكون الرضعة مشبعةً والذي يظهر أنَّ القولَ الأول هو الأقرب . لِمَ ؟
لأنَّ الإشباع ضابطه متعذرٌ ، ثم ؟إنَّ الشرعَ أطلق الرضعةَ ، فترجع إلى العرف . والعرفُ يقول : بأنه إذا أخذ الثديَ ثم تركه هذه رضعة
مسألة :
يثبت بشربه عن طريق الفم أو الأنف .
الشرح :
فلو أنَّ المرأة لم تُلْقِمْ ثديها الطفلَ وإنما أسكبت الحليب بإناء فشرب الطفل أو وُضِعَ الحليبُ مع أنفه ، فنزل إلى جوفه فإنَّ الرضاع يثبت .
مسألة :
الصحيح أن كل ما أنبت اللحم وأنشز العظم فهو محرَّمٌ .
الشرح :
الصحيح أن كلَّ ما أنبت اللحم وأنشز العظم فهو محرَّمٌ . يعني : تثبت به المحرمية ، ولذا لو أن اللين أو الحليب شِيبَ بشيءٍ من الماء الذي لم يُخْرِج الحليب عن مسمَّاه و أن الحليب باقٍ نفعه ، فالصحيح أنه محرم وكذلك لو أنّ البكر درت حليباً . فالصحيح أنه يثبت به الرضاع فكل ما أنبت اللحم وأنشز العظم فهو محرَّم .
مسألة :
المرتضع يكون ولدًا لصاحب اللبن ، فجميع أقربائه أقرباءٌ له ، وأما حالهما مع المرتضع فالحكم خاصٌ به وفروعه .
الشرح :
المرتضع الذي شرب اللبن يكون ولدًا لصاحب اللبن وهو الزوج ،
ولذا قال عائشةُ رضي الله عنها : يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل لمَّا استئذنها أخو أبى القعيص وكان عمها من الرضاع فاحتجبت عنه .
قال : ( ائذني له فإنه عمُّكِ )
فدلَّ على أن الزوج له علاقةٌ بهذا الطفل المرتضع ، لأنَّ اللبن لبن الزوج
ومن ثمَّ فإنَّ هذا المرتضع يكون كالولد من النسب ، فأولاد الزوج أخوةٌ له سواءٌ كانوا من نفس المرأة أو من غيرها وسواءٌ كان هذا المرتضع رَضَعَ مع أطفالٍ أو لم يرضع ،
سواءٌ كان هناك للزوج أولادٌ سابقون أو أولادٌ لاحقون فجميع أقرباء الزوج وأقرباء الزوجة أقرباءٌ لهذا المرتضع ،
وأما بالنسبة إلى ما يخصُّ الزوج والزوجة التي هي المرضعة فإنَّ أمرها لا يتعدَ المرتضع وفروعه ،
ولذا أمه من الرضاع تكون أمًّا له وجدَّةً لأولاده من ذكورٍ وإناثٍ ، لكن يجوز لأمه من الرضاع أن تتزوج أباه من النسب ،
ويجوز لأمه من الرضاع أن تتزوج أخاه من النسب . لِمَ ؟
لأنَّ المرتضع يتعلق الحكم به وفروعه . أما حواشي المرتضع فلا تَعَلُّقَ للرضاع به . أما أصول وحواشي وفروع المرضعة وحواشي وأصول وفروع زوجها فللمرتضع تَعَلُّقٌ بهم .
مسألة :
من رضع لبن امرأة وطئت بشبهةٍ أو بعقدٍ فاسدٍ ، فهو ولدٌ للواطئ .
الشرح :
قلنا إن وطأ الشبهة يكون كالنكاح الصحيح ، وكذلك العقد الفاسد يثبت به الأولاد فلو أنَّ شخصًا تزوَّج بامرأةٍ زواجًا فاسدًا ليس زواجًا باطلاً ، ثم لمَّا طلَّقها أرضعت طفلاً بلبنه ، فإنه يكون هذا المرتضع ولدًا له من الرضاع أو أنه وطِأ امرأةً بشبهةٍ فحصل من هذا الوطء لبنٌ فأرضعت هذه الموطوءة بشبهة طفلاً فإن هذا الطفل يكون ولدًا له ، لكن لو أنه زنا بامرأةٍ فحصل من هذا الزنا رضاعٌ أو حليبٌ فأرضعت هذه الزانية طفلاً فإنه لا يكون ولدًا للزاني .
مسألة
لبن البهيمة ، ولبن الرجل لا يثبت به تحريمٌ .
الشرح :
لو أن اثنين ارتضعا من بهيمةٍ فلا يصيران أخَوَانِ ، وكذلك لو أن رجلاً لو تُصُوِّرَ أن ثدييه درَّا لبنًا فأرضع طفلاً فإنه لا يحصل تحريمٌ ، لأن الله عز وجل قال :
{ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُم }
فجعل الأمر معلَّقًا بالنساء .
مسألة :
لبن البكر إذا أنشز العظم وأنبت اللحم يثبت به التحريم على الصحيح .
الشرح :
سبق معنا .
مسألة :
يثبت الرضاع بشهادة امرأةٍ ثقةٍ .
الشرح :
وذلك أن امرأةً أتت إلى رجلٍ قد تزوج بامرأة وقالت : إني قد أرضعتك مع المرأة ، فذهب إلى النبي r فذكر له ذلك فقال : فارقها . قال : إنما هي امرأة . قال : كيف وقد قيل . فأثبت النبي r شهادة المرأة الواحدة فى ثبوت الرضاع.
مسألة :
لا عبرة برضاعٍ إن شُكَّ في وجوده . وإن شُكَّ في عدده بُنِيَ على اليقين .
الشرح :
لا عبرة برضاعٍ إنْ شُكَّ فيه : لو أنّه شَكَّ هل هذه أخته من الرضاع أم لا ؟
أو امرأة شكت هل أرضعت فلاناً أم لا ؟ فلا عبرة في هذا الشك ، ولذا لو جاءت امرأة وقالت : يا فلان أشُكُّ أني أرضعتك مع هذه المرأة . فلا عبرة بهذا الشك ،
فالنكاح باقٍ .كذلك لو قالت : يا فلان أنا على يقينٍ أني أرضعتكما ، لكن لا أدري هل أرضعتكما خمسًا أم أربعًا . فنبني على الأقل الذي هو اليقين فتكون الرضعات أربعاً ويكون النكاح ثابتًا باقيًا .
مسألة :
من أفسدت نكاح نفسها برضاعٍ قبل الدخول فلا مهر لها ، وكذلك بعده على رأي شيخ الإسلام وإن أفسد نكاحها غيرها فلها المهر ويرجع على المفسد .
الشرح :
من أفسدت نكاح نفسها برضاعٍ قبل الدخول فإنه لا مهر لها . لِمَ ؟ لأنها هي التي أفسدت نكاح نفسها . مثال ذلك :
لو أنَّ لديه زوجة ، تزوَّج ببنتٍ عمرها سنة ونصف فدبت هذه البنت – الطفلة – إلى أم الزوج فرضعت منها سوف تكون أختًا له فلا بد أن يحصل فراقٌ ولا مهر لها إن كان قبل الدخول ،وإن كان بعد الدخول . على رأي شيخ الإسلام – رحمه الله – وذلك لو أنَّ المرأة عُقِدَ عليها ثم إن عنده زوجةٌ صغيرة في السنِّ ، فقامت هذه المرأة الكبيرة فأرضعت هذه الطفلة سوف تكون هذه الطفلة بنتًا لها
ومن ثَمَّ:
هل يصحُّ أن يبقَ مع هذه المرأة ؟
لا ، لأنها تكون أمًّا لزوجته فلو كان بعد الدخول على القول الراجح : ليس لها مهر ، لأنها هي التي أفسدت نكاح نفسها .
وإن أفسد نكاحها غيرهُا :
فلها المهر ويرجع على المفسد فلو أنَّ أمَّهُ مثلاً : بعد دخوله بهذه الزوجة الصغيرة . لو أنَّ أمَّ الزوج أرضعت هذه الزوجة الصغيرة فإن نكاح هذه الصغيرة ينفسخ ولها المهر ، ومن ثَمَّ يلزمه أن يعطيَها المهر ويرجع على المفسد . مَنْ المفسد ؟ أمُّهُ
مسألة :
لو قال لزوجته : أنتِ أختي من الرضاع . بطل النكاح حُكْمًا ، فإنْ صدَّقَتْهُ قبل الدخول فلا مهر لها وإن كذَّبَتْهُ فلها المهر قبله أو بعده . أو إن قالته هي فهي زوجته حُكْمًا إنْ كذَّبَهَا .
الشرح :
إن قال لزوجته : أنتِ أختي من الرضاع . بطل النكاح ، لأنه لا يجوز له أن يبقى مع أخته من الرضاع ، فإن صدَّقتْهُ فلا مهر لها إذا كان قبل الدخول .
وإن كذَّبَتْهُ قالت : هو كاذبٌ ليس هو بأخي . فلها المهر سواء كان قبل الدخول أو بعد الدخول ،
لكن لو كان العكس :
لو قالت : هو أخي من الرضاع . فإن النكاح لا يبطل ، لأنها تُبْطِلُ حقًا له ، فهي زوجته حكْمًا إن كذَّبَهَا ، لكن إن صدَّقَها فيبطل النكاح . وقلنا : حُكْمًا . لأنَّ الأمر سيئول بهما إلى الحاكم . والحاكمُ يثبت على مقتضى ما ذُكِر هنا .
مسألة :
يكره استرضاع كافرةٍ وفاجرةٍ ومن بها مرضٌ معدٍ .
الشرح :
ورد في ذلك أثرٌ ، لكنه مرسلٌ، حتى لا يتأثر الطفل بلبن هؤلاء النسوة ، فيكره للأب أن يعطيَ ولده الرضيع امرأة ً كافرةً أو فاجرةً أو من بها مرضٌ كالبرص والجذام ونحوه
مسألة :
إن طلَّقَهَا وبها لبنٌ ، فتزوجت بآخر فيكون للأول في حالتين : أولاً : إن كان اللبن لم يزد ولم ينقص ، ولم تلد من الثاني .
الشرح :
لو أنَّ رجلاً طلق امرأة ً وعند طلاقه لها كان بها لبنٌ ، فتزوجت وهذا اللبن موجودٌ لكنه لم يزِد ولم ينقص بهذا الزوج ،
فهي للأول فيما لو أرضعت طفلاً فإنَّ هذا الطفل يكون ولدًا للأول من الرضاع لا للثاني إلا إذا ولدت من الثاني لو أنَّ اللبن ما زال مستمراً ثم حملت هذه المرأة من الثاني وَ ولدت ثم أرضعت طفلاً فيكون للثاني ، لأنَّ الولادة دالةٌ على أنَّ هذا اللبن للثاني وليس للأول .
مسألة :
ثانياً : إنْ لم تحمل من الثاني سواء زاد اللبن أو نقص أو انقطع ، ثم عاد وهو للثاني .
الشرح :
كذلك هو للأول ما لم تحمل من الثاني فإنْ حَمَلَت من الثاني سواءٌ زاد اللبن أو نقص ، فإنَّه للثاني . إذاً : عندنا الحمل والولادة فإذا حملت أو ولدت فهو للثاني وإن لم تحمل أو لم تلد فهو للأول .
مسألة :
ثالثاً : هو للثاني إن ولدت منه زاد أو نقص ويشتركان فيه إن زاد اللبن بالحمل ومن الثاني إن ولدت منه زاد أو نقص .
الشرح :
هو للثاني – كما قلنا – إن ولدت منه سواءٌ زاد اللبن أو نقص ، وهذه هي الحالة الثالثة . إذاً : عندنا حالتان : الأولى : أن يكون للأول في حالتين ، ويكون للثاني في حالةٍ واحدةٍ ، ويكون الولد مشتركاً بين الاثنين .
مسألة :
ويشتركان فيه إنْ زاد اللبن بالحمل من الثاني ، وكذا إنْ انقطع من الأول ، ثم رجع بالحمل الثاني .
الشرح :
ويشتركان فيه إن زاد اللبن بالحمل من الثاني ، فإنهما يشتركان فيه . كذلك لو أن اللبن انقطع بعد زواجها بالثاني ، ثم رجع بالحمل من الثاني فإنهما يشتركان.
وعلى كل حالٍ فالمسألة فيها خلافٌ بين العلماء ، لكن هذا مجمل كلام ابن قدامه في المغني