مقدمة في التفسير (1) أفضل ما يعتنى به عناية فائقة هو [ كلام الله ]

مقدمة في التفسير (1) أفضل ما يعتنى به عناية فائقة هو [ كلام الله ]

مشاهدات: 519

مقدمة في التفسير (1)

ــــ أفضل ما يُعتنى به عناية فائقة هو كلام الله

ـــ الترابط بين أجزاء السور : أولها ــ وسطها ــ آخرها

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن أجل ما  تنفق  فيه الأعمار وإن أعظم ما تبذل فيه النفوس

وإن أفضل ما يُعتنى به عناية فائقة هو كلام الله

هذا الكلام العظيم الذي صدر من العظيم جل وعلا

هذا الكتاب كان له القدر الكبير عند النبي عليه الصلاة والسلام وعند صحابته الكرام ثم من جاء بعدهم من السلف إلى من وفقه الله في هذا العصر فاعتنى به عناية كبرى

كان النبي عليه الصلاة والسلام لاهتمامه بهذا القرآن يلقن من جبريل كل ليلة في رمضان

 

ولذا جاء في  الصحيحين من حديث ابن عباس : قوله :

{ كان النبي عليه الصلاة والسلام أجود الناس وكان أجود ما  يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن  }

ولذا قال عز وجل  مبينا حال النبي عليه الصلاة والسلام في  حرصه على التلقي وحفظه لكتاب الله :

قال عز وجل :

{ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }

وكان يشق عليه القرآن لأنه يعلم أن الهداية الكبرى والتوفيق العظيم في  هذا القرآن

اقرأ  كلام الله وتجد:

{ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ }

لا شك فيه

وقال بعض المفسرين :

لا ترتابوا فيه

ولتعلم أن كل وصف يكون للقرآن فإنه وصف كامل

وكل صفة تنفى عن القرآن فإنها لا تنفى فحسب بل تثبت الضد كمالا

يثبت كمال الضد لهذه الصفة

{  لَا رَيْبَ فِيهِ }

لم ؟

{ لكماله  }

قال عز وجل :  { هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ }

وقال : { إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ }

وصفه بالكرم

{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ }

وصفه بالبركة

{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }

بعد التدبر :

{ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }

هم أصحاب العقول النيرة

فلما كان بهذه  الصفات الجليلة كان النبي عليه الصلاة والسلام يلقى مشقة كبرى في  تلقيه خيفة من أن ينسى منه شيئا :

ولذا قال عز وجل :

{ طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{2} إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى{3} تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى {4} }

وقال عز وجل :

{ المص{1} كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2} }

ولذا لما ذكر عز وجل من أعرض عن كلام الله في قوله تعالى :

{ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ{1} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ{2} أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ{3} }

إلى ما ذكره عز وجل عن هذا المعرض عن كلام الله ثم ذكر عز وجل الصنف  الآخر المتمثل في ذات النبي عليه الصلاة والسلام

ولذا قال عز وجل :

{ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ {16} }

يريد أن يعجل ، وهذه الآيات في سورة القيامة منهجية كبرى وفائدة عظمى لمن أراد أن يتعلم العلم الشرعي وأن يفهم كلام الله فإن الفهم لا يكون بتلك السهولة ولا يكون الفهم والعلم في  وقت معين بل يحتاج الإنسان إلى نفس  طويل:

{ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ{16} إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ – في صدرك – وَقُرْآَنَهُ {17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ- جبريل عليه السلام – فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ{18} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{19} }

يعني  : التفسير له

ولذا قال عز وجل في سورة ” طه ”

انظروا في أول  السورة ماذا قال :

{ طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{2}  }

فكان يجد مشقة عليه الصلاة والسلام

لكن في آخر السورة ماذا قال ؟

وأنا أقول أن هذا الشهر فرصة لنا جميعا أن نتأمل  كلام الله وأن نتمعن فيه لأن هذا الموسم هو موسم التأمل والتدبر

فليس الغرض أن تختم القرآن أكثر من مرة

الغرض : أن تفهم وأن تتدبر

قد تقول : إني لا أفهم كل معاني القرآن

نقول : هناك آيات كثيرة مفهومة

لكن يحتاج الإنسان فيها إلى  إمعان نظر مع حضور قلب :

ولذلك قال تعالى :

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }

حاضر القلب

فهي فرصة كبيرة

ولذا يقول ابن عباس: ” ضمني رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى صدره وقال :  اللهم علمه الحكمة “

 

وجاء في غير الصحيح : ” اللهم علمه التأويل “

يعني  : التفسير

ولذا يقول ابن مسعود عن ابن عباس : ” نعم ترجمان القرآن ابن عباس “

فماذا كان يقول ابن عباس ؟

يقول : ” لأن أقرا سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله “

 

ابن مسعود من المفسرين لكتاب الله

ولذا يقول : – يحلف بالله – يقول : ” والله إني لأعلم كل آية في  كتاب الله أين ومتى وفيمن نزلت والله لو أعلم أن هناك من هو أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطايا – يعني الإبل – لأتيت إليه “

 

ومع  ذلك ماذا كان يقول ؟

كان يقول : ” لا تهزوا القرآن هزَّ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة “

في أول سورة ” طه ” :

{طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{2}  }

ماذا قال في النهاية ؟

قال :

{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ  }

ثم مع طريقة التعلم أنت بحاجة شديدة ملحة إلى عون من الله

فماذا قال بعدها :

{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا   }

فلابد أن تلجأ إلى الله

إذًا :

سور القرآن لو نظرت إلى أولها وآخرها ووسطها لوجدت أنها مترابطة لكن أين الفهم؟ أين الاتعاظ ؟

 

نأتي  مثلا إلى أول سورة بعد الفاتحة :

سورة البقرة :

ماذا في أولها ؟:

{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ  }

اقرأ ما فيها :

{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }

آخر السورة :

{ آمَنَ الرَّسُولُ }

قال عز وجل في أول سورة البقرة :

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} }

لو تأملت لوجدت آيات كثيرة تدل على الإنفاق :

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ }

{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ }

{وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ  }

{إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ }

فلما كان القرآن بهذه المنزلة حرص النبي عليه الصلاة والسلام أن يتعلمه

 

ولذا جاء عند النسائي :

{ أن النبي عليه الصلاة والسلام قام في ليلة بآية يرددها حتى أصبح  }

آية يكررها حتى أصبح :

وهي قوله تعالى : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

الواحد في هذا العصر ممكن يحفظ القرآن في  نصف سنة

بل إن هناك دورات قد تؤهل الإنسان أن يحفظ القرآن في شهرين أو في ثلاثة أشهر إن كان جادا وذا همة

سبحان الله!

يحفظ القرآن في  هذه المدة ؟!

نعم : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

لكن أتعلمون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظل في  حفظ سورة البقرة ثنتي عشرة سنة

أحافظتنا أعظم من حافظته ؟

أقوة حفظنا أقوى من قوة حفظه ؟

ابنه  “ابن عمر ” ظل في  حفظ البقرة ثماني سنوات

 

الصحابة رضي الله عنهم يقولون : ” كان الواحد منا إذا حفظ سورة البقرة وآل عمران جَدَّ فينا “

يعني : أصبحت له فينا مكانة راقية

لكن ليس بهذه الطريقة التي  نسير عليها نحن

ماذا قال أبو عبد الرحمن السلمي ؟

قال : ” حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن كعثمان بن عفان وابن مسعود أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يحفظوها ويعلموها ويعملوا بما فيها قال : [فجمعوا بين العلم والعمل معا ]

عشر آيات إذا أتقنت من جميع الوجوه انتقلوا إلى عشر آخر

 

قد يقول قائل : ثنتى عشرة سنة في  حفظ سورة البقرة !

نعم

تصور لو انه أتخذ هذه الطريقة في سورة البقرة أقول : سيأتي على معاني القرآن كلها

تصور لو أنه وقف عند سورة البقرة :

عند { الم{1} }

تأمل مثلا فجعل يعد الحروف المقطعة في  كتاب الله في سور متعددة

لو جلس يتأمل  هذه الحروف المقطعة : ما المغزى منها ؟

تصور لو أنه قرأ في سورة الأعراف : { المص{1}  }

أليس يعود به الذهن إلى ما فهمه في أول سورة البقرة ؟

إذا مثلا قرأ : { ذَلِكَ الْكِتَابُ }

في بعض الآيات : { هذا }

في بعض الآيات ذكر القرآن ليس ذكرا للكتاب

ثم ألا يمكن أن يظل ثنتى عشرة سنة ؟

بلى

بلى وأكثر

لكنه إذا أتقن هذه السورة على هذا النمط ما النهاية ؟

يكون قد فهم القرآن كله بإذن الله تعالى

ولذا هذا الكتاب صنفت فيه تصانيف وألفت فيه كتب

لو نظرت إلى حرص  علماء  هذه الأمة لوجدت الحرص كله والبذل الكثير من الوقت لاستقطاب واستلهام الفوائد من هذا القرآن :

ــ فيه تفاسير تعنى بالنحو :

الفاعل والمفعول والحال والتمييز والإعراب

ــ فيه تفاسير تعنى بتفسير كلام الله بالأحاديث النبوية

ــ تفاسير  تعنى بالفوائد البلاغية

ــ تفاسير تعنى بالقراءات

ــ تفاسير تعنى بالجغرافيا :

عن الأرض وعما يكون من زراعة وسهول وجبال

فدل على ان هذا القرآن كما قال عز وجل :

{ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }

لكن  لو قال قائل :

كيف يفسر هذا القرآن ؟

ما الطريقة التي يحذو فيها الإنسان لفهم مراد الله عز وجل ؟

الحديث له صلة إن شاء الله في الليالي  القادمة .