مقدمة في التفسير ( 4 ) الاختلاف في التفسير اختلاف تنوع ــ التفسير على أربعة أوجه

مقدمة في التفسير ( 4 ) الاختلاف في التفسير اختلاف تنوع ــ التفسير على أربعة أوجه

مشاهدات: 485

مقدمة في التفسير  ( 4 )

تفسير التابعين

تفسير القرآن بالوصف

التفسير على أربعة أوجه

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــ

قلنا فيما سبق :

يفسر كلام الله بالطرق الآتية والمرتبة على حسب الأولوية  أولا :

يفسر كلام الله بكلامه

ثانيا :

يفسر كلام الله بكلام رسوله عليه الصلاة والسلام

ثالثا :

يفسر كلام الله بأقوال الصحابة

رابعا :

كثير من أئمة السلف يأخذون بتفسير التابعين وذلك أن التابعين قد أخذوا هذا العلم من الصحابة رضي الله عنهم الذين أخذوه من النبي عليها لصلاة والسلام

ولذا :

في  كتب التفاسير وكتب السير

قد عانى هؤلاء  التابعون في البحث عن معنى آية :

مسروق :

وهو أحد التابعين :

هذا الرجل يقول :  رحلت إلى  البصرة من أجل أن اعلم آية فلما وصلت البصرة بلغني أن هذا العالم قد رحل من البصرة إلى الشام فامتطى مسروق رحمه الله راحلته ثم رحل  إلى الشام من أجل أن يسمع وأن يتعلم من هذا العالم معنى آية واحدة

 

عكرمة مولى ابن عباس يقول :

ظللت أربع عشرة سنة أبحث عن اسم ذلك الرجل الذي نزل فيه  قول الله :

{ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } النساء100

يقول :

أحببت أن أعرف من هو هذا الصحابي الذي نزلت فيه هذه الآية حينما  سمع بمنادي الجهاد فخرج وهو محمول على فراشه فمات في الطريق

فيقول :ظللت أربع عشرة سنة أبحث عن اسم هذا الرجل

ألا يستحق هؤلاء أن يؤخذ بكلامهم ؟

بلى والله

ولذا  كثير من الأئمة أخذ بأقوالهم

قد يقول  قائل :

نحن إذا قرأنا التفسير وجدنا اختلافا كبيرا شاسعا :

عكرمة في  هذه الآية يقول : كذا

مجاهد يقول : كذا

ابن عباس  يقول : كذا

فيكون القارئ في  حيرة من أمره ماذا يصنع ؟

هو يريد أن يفهم كلام الله

لكن ما السبيل إلى ذلك مع هذا الاختلاف الكثير ؟

عندما تقرأ مثلا في  تفسير الطبري أو تفسير ابن كثير تجد من هذه الاختلافات ومن هذه الأقوال

فماذا يصنع ؟

اعلم أن الغالبية من هذه الاختلافات في التفسير هي اختلاف تنوع لا تعارض بينها كما نص على ذلك  شيخ الإسلام ابن تيمية

لأن هؤلاء الأئمة إما أن يفسر بعضهم الآية بتفسير المثال فقط ولا  يزيد مع أن الآية تحوي أكثر من معنى

ويأتي آخر فيفسر هذه الآية بمثال من عنده

وكل  هذه الأمثلة تجتمع في محيط واحد وفي قالب  واحد :

أعطيكم مثالا :

قول الله عز وجل :

{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فاطر32

بعض المفسرين ماذا قال ؟

مع أن الآية عامة :

الله صنف من اصطفى الكتاب صنفهم ثلاثة أقسام :

ظالم : وهذا شامل

مقتصد :وهذا شامل

سابق بالخيرات : وهذا شامل

 

بعض المفسرين قال :

إن الظالم لنفسه :

هو الذي يضيع الصلاة فيصليها خارج الوقت

وقال إن المقتصد :

هو الذي يصلي الصلوات المفروضة فقط

والسابق بالخيرات :

هو الذي يصلي الصلوات المفروضة مع النوافل

 

مفسر آخر ماذا يقول ؟

الظالم لنفسه :

هو الذي لا يزكي

المقتصد :

هو الذي يخرج الزكاة الواجبة

السابق بالخيرات :

هو الذي يتصدق الصدقة الواجبة مع النافلة

هل بين هذين القولين تعارض ؟

لا تعارض

وأحيانا يفسرون :

التفسير بحسب اللفظ الوارد في القرآن لأن بعض الألفاظ تكون مشتركة في اللغة

لأنه ممكن أن يكون هناك لفظ في اللغة وله معنيان :

مثال ذلك :

قول الله عز وجل في بيان صدود الكفار عن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام  :

{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ }المدثر50

حمر : الحمير

حمر مفردها : حمار

{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ{50} فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ{51} }

القسورة هنا :

بعض  المفسرين قال : هو  الأسد

وبعض  المفسرين قال :

هو الصياد

شبه الله نفور هؤلاء عن دعوة النبي بالحمير التي تنفر إذا رأت الأسد على قول وقل أو رأت الصياد على قول

قسورة في اللغة تصلح للصائد وتصلح للأسد

هل هناك اختلاف ؟

لا

من فسر بهذا فحسن

ومن فسر بهذا فحسن

 

ولذا :

يقول شيخ الإسلام رحمه الله :

” كلما كان الإنسان مدركا لجميع أقوال السلف في  هذه الآية كلما كان معنى الآية عنده أكمل “

لكن لو فسرت هذه الآية بهذا القول فلا جناح عليك والتفسير صحيح

لو فسرت بهذا القول : فلا جناح عليك  والتفسير صحيح

 

وأحيانا :

يفسر القرآن بالوصف :

بالوصف المتعدد لهذا الموصوف

عندنا مثل :

السيف :

ألا يسمى بالصارم ؟

بلى

ألا يسمى بالمهند ؟

بلى

لو أن شخصا أطلق على السيف بأنه مهند أخطأ ؟

لا

أطلق عليه بأنه صارم أخطأ ؟

لا

مثال على ذلك :

بعض المفسرين يفسر بالوصف الواحد :

قول الله :

{ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} }

بعض المفسرين :

قال : هو الإسلام

بعض العلماء :

قال : هو القرآن

فيه تناقض ؟

لا هو هو

بعض العلماء قال :

هو طريق النبي عليه الصلاة والسلام

فيه تناقض ؟

لا

طريق النبي عليه الصلاة والسلام هو الإسلام والقرآن

بعض العلماء قال :

هو طريق النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبيه أبي بكر  وعمر

فيه تناقض ؟

لا

فكلها أوصاف يحتويها هذا الموصوف

 

وبعض الآيات تفسر على حسب مرجع الضمير :

الضمير :

يحتمل أن يكون  راجعا إلى كلمة سابقة أو إلى الكلمة التي قبلها

مثال :

قول الله تعالى :

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } السجدة23

{ وَجَعَلْنَاهُ } :

ـــــــــــــــــــ

الضمير يرجع إلى من ؟

إلى الكتاب أو إلى موسى

قيل بهذا وبهذا

هل يختلف ؟

لا والله

فإن موسى هدى لأنه يبين لهم طريق الحق

والكتاب هدى

فلا تعارض إذًا

قليل أو نادر كما قال شيخ الإسلام أن ترى مثل هذه  الاختلافات فيها تناقض أو فيها تعارض

بعبارة موجزة مختصرة :

إذا قرأت في تفسير الطبري أو في تفسير ابن كثير أو في أحد التفاسير التي تنقل هذه الأقوال

إذا رأيت أن الآية تحتمل كل  هذه المعاني فاعلم بأن هذه المعاني كلها مقبولة

إذًا  ما خلاصة هذا القول ؟

أن كل  تفسير فسر به كلام الله فاحتمل كل  هذه  المعاني المذكورة فإنه مقبول

وأما إذا كانت الآية لا تحتمل أحد هذه المعاني فإنه يرفض ولا يقبل

بقينا في أمر :

وهو تفسير القرآن بالرأي

بالعقل

هذا تفسير محرم

ولذا :

لما جنحت إليه  بعض  الطوائف  كالروافض  والصوفية وجدت عندهم شطحات بل كفريات نسأل الله السلامة والعافية

الروافض عندهم تفاسير

لكنها مليئة بالشركيات والكفريات :

{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } :

قالوا : إن البقرة هنا عائشة لأنهم يبغضون عائشة

انظروا إلى تفاهة العقل والرأي

هذه القصة في سياق  أحد من الصحابة  ؟

لا في سياق بني إسرائيل

ومع ذلك قد أضلهم الله عز وجل

ولذا إذا بعد الإنسان عن شرع الله يمكن أن يتلفظ بأي لفظ

ويكون هذا اللفظ كما قال  شيخ الإسلام في كتابه

” درء تعارض  العقل والنقل ” : من اتى بشبهة فتمعن الناظر فيها إلا كانت هذه الشبهة عليه لا له “

أي إنسان  يعرض شبهة من الشبه لو تؤمل فيها  لوجد أن هذه الشبهة ليست له بل عليه

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام كما في  مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه :

دخل  على  بعض أصحابه وهم يتمارءون القرآن يعني: يتدافعونه ويختلفون فيه فقال عليه الصلاة والسلام – وقد غضب واحمر وجهه عليه الصلاة والسلام – قال :

(( بهذا هلك من كان قبلكم ضربوا كتاب الله بعضه بعض ))

ثم قال عليه الصلاة والسلام :

(( فما علمتم منه فقولوا به ، وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه ))

 

والتفسير كما قال ابن عباس يقول :

التفسير على أربعة أوجه :

وجه تعرفه العرب من لغتها

ووجه لا يعذر أحد بجهله

ووجه يعرفه العلماء الراسخون

ووجه استأثر الله بعلمه

نريد أمثلة :

قال :

وجه تعرفه العرب من لغتها :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثل :

قوله تعالى : { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

الفاطر في اللغة معناه : المبدع والمنشئ

وهذا تعرفه العرب بلغتها

الوجه الثاني :

وجه لا يعذر أحد بجهله :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يمكن لأي و احد من المسلمين على هذه الأرض لا يمكن أن يسلم من الذنب إذا جهله بل لابد أن يعرفه :

قال تعالى :

{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ }

هذه جزء من آية

هل  يعذر أحد من المسلمين بجهله لمعنى هذه الآية ؟

لا يمكن أن يعذر

كيف تقيم الصلاة ؟

هذه هي الصلوات المعروفة

{ وَآَتُوا الزَّكَاةَ }

هل يعذر أحد عنده مال ، ومضت عليه السنة هل يعذر بجهله ؟

لا يمكن

الوجه الثالث :

قال :

وجه يعرفه العلماء الراسخون في العلم :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهو ما أشكل على الناس فهذا يعلمه العلماء الراسخون في العلم

 

الوجه الرابع :

وجه استأثر الله بعلمه :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثل :

كيفية صفات الله

صفات الله لها معنى ولها كيفية

المعنى عندنا معلوم من حيث  اللغة :

{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } طه5

استوى في اللغة :

معناه : ارتفع وصعد وعلا واستقر

هذا هو المعنى

الكيف : موجود لها كيفية لكن نحن نجهلها

ولذا قال الإمام مالك :

” الاستواء  معلوم ” من حيث اللغة ” والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة “

مما استأثر الله بعلمه :

حقائق الجنة والنار وما يكون فيها

نحن نعلم بأن في الجنة  فاكهة ونؤمن  بذلك :

لكن كيفية هذه مجهولة لنا :

ولذا قال تعالى :

{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } السجدة17

ولتعلم :

أنه ليست هناك آية غير ما سبق مما استأثر الله بعلمه ليست هناك آية مجهولة على هذه الأمة

صحيح أن بعض الآيات قد يجهلها البعض

لكن لتعلم :

أن هناك من يعلمها

أما أن  لا تعلم الأمة آية من كلام الله فلا يمكن

قد يعلم بها أشخاص  ويجهلها آخرون

لكن أن يطبق  الجهل على الأمة كلها ؟

لا

وإذا قلنا بهذا فأين معنى قول  الله عز وجل :

{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} ص29

{ لِّيَدَّبَّرُوا } : آية

ولا آيتين

ولا ثلاثة

ولا أربعة

ماذا قال؟ : { آيَاتِهِ }

فدل على أن التدبر يكون  لجميع الآيات كلها

إذًا  :

ليس  هناك  شيء في  كتاب الله مجهول على جميع الأمة يجهله البعض : نعم

أما أن يجهله الجميع

فلا

ولذا ابن عباس في إحدى الآيات يقول

بل يقول في مقولة عامة :

يقول في بيان قدره رضي الله عنه في  تفسير كلام يقول :  (( أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون المتشابه ))

ليس  هذا افتخارا منه وليس قول ابن مسعود الذي أوردناه في الدرسين السابقين ليس افتخارا  ( لا  )

لكن من باب بيان أن العلم بهذا الفن قد أخذ منه مأخذا كبيرا من النبي عليه الصلاة والسلام

ولذا ابن مسعود يقول رضي الله عنه :

(( لقد أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ))

وذلك لأن بعض الصحابة كان يأخذ  القرآن ليس من النبي وإنما يأخذه عن  صاحبه

وإنما ابن مسعود قال من باب بيان أنه امتاز عن غيره بميزة قال :

((  لقد أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ))

والقرآن ليس فيه تشابه نسبي

الله وصف هذا القرآن بأوصاف :

قال هو محكم في آية :  { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ }

في آية أخرى ذكر أنه متشابه كله :

{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ))

 

سبحان الله!

في سورة آل عمران ذكر فقال :

{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }

فيا ترى ما وجه الجمع ؟

القرآن في آية متشابه كله

في آية أخرى محكم كله

في آية آل عمران الكثير منه محكم

القليل منه متشابه

إذا عرفنا وجه الجمع فكما قلت لكم آنفا لا يمكن أن تجهل الأمة كلها آية من كتاب الله

ولعل هذا يذكر في الدرس القادم إن شاء الله تعالى