الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (91)
حديث (الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عليها ، وينوطون بها أسلحتهم ، يقال لها ” ذات أنواط ” :
فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله : (( اجعل لنا ذات أنواط كمال هم ذات أنواط ))
فقال عليه الصلاة والسلام : (( الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ((اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ))
لتركبن سنن من كان قبلكم ))
رواه الترمذي وصححه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــ
أبو واقد رضي الله عنه اسمه : ” الحارث بن عوف ” رضي الله عنه يذكر ما جرى له ولأجناسه بعد ما فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكة ، وكان قد جاء معه ” عشرة آلاف ”
فلما فتح مكة أسلم ” ألفان ” فأصبح عدد الكل اثنى عشر ألفا فخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين
وهو وادٍ إذ أُخبر أن ثقيفا ، وأن ” هوازن ” قد تجمعوا له فخرج عليه الصلاة والسلام بمن جاء معه من المدينة ، وبمن أسلم معه في غزوة الفتح ،
فيقول رضي الله عنه : (( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ))
” حنين “ ــــــــــ هي الغزوة المشهورة ، وهي في السنة الثامنة من الهجرة ، وقد كادت ” هوازن ” للنبي صلى الله عليه وسلم مكيدة فاختبئوا في مكان ثم انقضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتباعه فانهزم معظم الجيش فترجل عليه الصلاة والسلام بقوله :
” أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ”
وأمر عليه الصلاة والسلام أن ينادى في الأنصار والمهاجرين ، فكانت الدائرة على أعداء الله عز وجل فنصر جل وعلا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة .
وهزيمتهم : له جل وعلا حكمة في ذلك لأنهم افتخروا بعددهم فقالوا : ” لن نغلب اليوم عن قلة “
قال تعالى :
((لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ{25} ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ{26} ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{27} ))
ولو قال قائل :
إن هناك حديثا في سنن الترمذي يصححه الألباني رحمه الله قال : قال عليه الصلاة والسلام : (( خير الأصحاب أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش أربعة آلاف يغلب اثنا عشر ألفا من قلة ))
فكيف يوجه هذا الحديث مع هذه الآية
يقال :
ـــــــــــــــ
إن كان الحديث صحيحا على ما يراه الشيخ رحمه الله فإن المراد من هذا الحديث : ” إن الأصل في قدرات الآدميين أن هذا العدد كافٍ في الانتصار لكن هذا العدد لا يستقل بالنصر دون إعانة لله عز وجل
قال تعالى :
((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ))
قال تعالى :
((وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ))
ولو قلّ عددهم فيكون هذا هو التوجيه لهذا الحديث ،
وقد تراجع الألباني عن تصحيحه ، وحكم عليه بالضعف
قال رضي الله عنه : (( ونحن حدثاء عهد بكفر )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يصح السياق لو قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين وللمشركين سدرة يعكفون عليها “
يصح هذا
يستقيم الكلام فتكون جملة : ” ونحن حدثاء عهد بكفر ” جملة زائدة
ولتعلم : أنه عند البلاغيين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الكلام البليغ الفصيح هو الكلام الذي يتناسب مع المعنى دون ان يزاد فيه حرف واحد
فمتى ما زيد في الكلام على المعنى المقصود فهو عبث وحشو إلا في حالة واحدة :
إذا أريد بهذا الكلام تقوية المعنى والإتيان بفائدة جديدة ،وهذا يدعى عندهم بـ ” الإطناب “
ومن صور الإطناب ” الجملة الاعتراضية “ فهنا في سياق ذكره لما جرى أتى بهذه الجملة
قد يقول قائل : ما علاقتها بهذا ؟
قال : ” ونحن حدثاء عهد بكفر “
ومعنى : (( ونحن حدثاء عهد بكفر )) بمعنى : أننا قريبون من عهد الجاهلية
فتكون هذه الجملة الاعتراضية من باب الإطناب لكف اللسنة عنهم ولتبرير موقفهم ومطلبهم
فهي جملة اعتراضية يراد منها التعليل والتبرير لما جرى منهم إذ إنهم طلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام أن يجعل لهم سدرة ينوطون بها
فأراد أن يبرر موقفه
وهذا مبدأ شرعي أن يكف الإنسان عن نفسه ما يثار حوله
ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – : (( فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ))
والنبي عليه الصلاة والسلام لما زارته صفية – كما جاء في الصحيحين – وهو معتكف فخرج ليقلبها إلى منزلها رآه رجلان من الأنصار فأسرع فقال عليه الصلاة والسلام : (( على رسلكما إنها صفية ))
قالوا : سبحان الله يا رسول الله – يعين ما كنا نظن بك هذا الظن
قال : (( إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئا ))
وفي رواية (( شرا ))
قال : (( وللمشركين سدرة يعكفون عليها )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سدرة :
هي شجر النبق ، وهو ما يسمى بالعبري
والسدر معروف
وتختلف تسمية ثمره باختلاف أعراف الناس
ولا يعني أن الحكم محصور بهذه السدرة ، بل بكل شجرة سواء كانت من سدرة أو من غيرها فغن الحكم باق وهو التحريم .
قال : (( وللمشركين سدرة يعكفون عليها ))
الاعتكاف :
ـــــــــــــــــ
هو لزوم الشيء
ولذا سمي الاعتكاف الشرعي اعتكافا لأنه لزوم مسجد طاعة لله عز وجل وتقربا إليه
قال تعالى : ((وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ ))
يعني : يلازمون البقاء عندها
قوله : (( عندها )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العندية في لغة العرب تفيد القرب
ولذا قال تعالى : ((وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ))
فإذا كانت الملائكة قريبة من الله عز وجل
ومنهم حملة العرش يعبدون الله عز وجل ويخافونه ويخشونه
فكيف بمن هو بعيد عنه ؟
فالعنيدة تفيد القرب
ولذلك إذا قال بعض الصحابة : جلسنا عند رسول اله صلى الله عليه وسلم ” تفيد القرب
فهؤلاء اقتربوا من هذه السدرة مع ملازمتهم لها
وهذا يدل على أن قلوبهم قد تعلقت بها تعلقا كثيرا
وقوله : (( وينوطون بها أسلحتهم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي يعلقون بها أسلحتهم تبركا بها حتى ينتصروا على أعدائهم
يقال لها : ذات أنواط )) :
يقال :
ـــــــــــ
هذه صيغة المبني للمجهول
ما يدرى من الذي سماها ؟
لا يدرى الشخص الذي سماها
يقال : إنه حصل كذا
يقال : إنه قد جرى كذا
يقال لها : ذات أنواط :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه تسمية من عندهم
وسواء سميت بهذا الاسم أو بغيره فحكم التبرك محرم
قال : فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظروا إلى طبيعة ابن آدم ، وأن من طبيعته أن يقلد غيره ، وأن يجاريه فمقصدهم رضي الله عنهم حسن لكنه مناف للشرع .
ولذا لما مروا بسدرة قد يكونون مروا بأشجار ، ولم يقولوا هذا القول
ولذا قال : ” فمررنا بسدرة ”
ولذا التقليد كما قلنا أصل في بني آدم لكن تقليد أهل الحق من الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ومن جاء بعدهم من الرسل فهو تقليد محمود
أما إن كان سوى ذلك فهو تقليد مذموم
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند أبي داود : (( ومن تشبه بقوم فهو منهم ))
وإلا لماذا أتت النصوص الناهية عن تشبه النساء بالرجال ، والعكس وما ذاك إلا لأن التشبه والتقليد قد أحبه الإنسان ، وما ترون من منافسة الناس على هذه الدنيا في المباني ،
في السيارات ،
في الأثاث . ،
في الملابس ،
في المأكولات ،
في المشروبات ،
إنما هو التقليد فقد يأتي الإنسان بشيء إلى بيته ، وهو لا يريده إنما مجرد أن يقال : ” إن فلانا عنده مثل عند فلان ، ولذا قال تعالى : (( اعلموا ))
صيغة أمر تنبيه : ((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ))
ولذا أعظم ما يسعد به الإنسان ، وترتقي به روحه ان يقلد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
ولذا قال جل وعلا : ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ ))
وقال تعالى : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ))
وقال تعالى : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ))
وقال النبي عليه الصلاة والسلام كما في المسند : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليهما بالنواجز ))
وقال عليه الصلاة والسلام : (( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ))
(( فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والآيتان ” بالفاء ” يدل على الترتيب والتعقيب
(( فقلنا : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هم يظنون أن هذا يقربهم إلى الله عز وجل ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو شرعه لهم لاطمأنت قلوبهم لهذا المعتقد الذي اعتقدوه فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الطلب .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم – إنكار المنكر لا تواني فيه ولا تراخي أتى بفاء الترتيب والتعقيب
وهذه هي طبيعته عليه الصلاة والسلام وعادته انه لا يؤخر فإذا رأى منكرا غيره
ولذا قال عليه الصلاة والسلام عند مسلم : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ))
أتى بفاء الترتيب والتعقيب لما رأى النبي عليه الصلاة والسلام حلقة من صفر ، قال ما هذه ؟
قال : ” من الواهنة ”
ماذا قال ؟
قال : (( انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا ))
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الله أكبر )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا ذكر
والتكبير له شأن في الدين
لكن لماذا هذه الجملة ؟
هي جملة اعتراضية
فهو أفصح الخلق ، وأبلغ الخلق عليه الصلاة والسلام يمكن أن يقول :(( إنها السنة ))
لماذا أتى بهذه الجملة مع أنها في ظاهر الأمر أنها زيادة على الكلام ؟
أتى بها للتعجب
فهي جملة تعجب يتعجب منها من قول هؤلاء ، كيف أقدموا على طلب هذا الأمر ؟
كما كان عليه الصلاة والسلام يقول :” سبحان الله ” عند التعجب
وقد تذكر هذه الكلمة : ” الله أكبر “ لذكر الله عز وتعظيمه وتعظيمه
وقد يحمل عليها قوله عليه الصلاة والسلام كما جاء عند البخاري لما أتى إلى أهل خيبر قال : (( الله أكبر ، خربت يهود ))
قد يراد منها تعظيم الله عز وجل ، وأن خراب يهود إنما هو بأمره وقوته لا حول لنا ولا قوة
وقد يراد منها التعجب لمآل هؤلاء وخراب ديارهم
ثم قال : (( إنها السنة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و ” إن ” للتوكيد
” والهاء ” ضمير يعود إلى مقولتهم
قال : (( إنها السنة )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني أنها الطرق : يعني أن هذه المقولة من جملة طرق من كان قبلكم
قوله : (( والذي نفسي بيده )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الواو قسم ، هل استحلف عليه الصلاة والسلام ؟
الجواب : لا
مر معنا أنه يجوز ان يحلف المسلم ولو لم يستحلف ــــــــــ لم ؟
لتأكيد الأمر وتعظيمه
(( والذي نفسي بيده )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيد من ؟
بيد الله عز وجل
ليس معنى ذلك أنها – أي نفسه أنها بيد الله عز وجل بمعنى الموت فحسب ؟
لا بل إن موته وتصرفه وتقلبه وحركته بيد الله عز وجل :
قال تعالى : ((قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163} ))
وقوله : (( بيده )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه إثبات صفة اليد لله عز وجل وأنها من الصفات الذاتية الخبرية ، وأنهما يدان قال تعالى : ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ))
وذلك لأن اليد هنا أضيفت إلى الضمير فتعم بمعنى أنها تكون أكثر من واحدة ، ودلت النصوص أن له عز وجل يدين اثنتين
أما قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ }
فالجمع هنا للمشاكلة
فإذا أضيف المفرد إلى جمع فالأفضل في حق المفرد ان يجمع وذلك من باب التعظيم لأن قوله : ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ))
تثنية ، والمثنى في اللغة نص في عدده
قال : (( قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بنو إسرائيل هم أبناء يعقوب عليه الصلاة والسلام
فإسرائيل : هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام
و ” بنو “ هنا فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم
بنون ــــــــــــ لكن أين النون ؟
النون حذفت للإضافة
(( كما قالت بنو إسرائيل لموسى )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موسى : هو موسى بن عمران النبي المعروف الذي أنزل الله عز وجل عليه التوراة
وهو ثالث أفضل الأنبياء
فأفضل الأنبياء رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
يليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام
يليه موسى لأنه أول رسول لبني إسرائيل
واختلف العملاء في أيهما أفضل : عيسى عليه الصلاة والسلام أو نوح ؟
وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل كما ذكرهم الله عز وجل في آية الأحزاب ، وفي آية الأحقاف على الصحيح من أقوال العلماء
فقوله عليه الصلاة والسلام : (( قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بنو إسرائيل لما جاوزوا البحر مع موسى عليه الصلاة والسلام فمروا على قوم يعكفون على أصنام لهم طلبوا من موسى عليه الصلاة والسلام أن يجعل لهم أصناما :
قال تعالى : {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }
وهذا يدل على أن هذا الطلب فيه جهل لعظمة الله عز وجل :
ولذا قال عز وجل : ((وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ))
أي جهلها
وفي هذا علم من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام إذ أخبر أن هذا الطلب كطلب بني إسرائيل ، وقد جرى ما جرى ،
ولذا قال : (( لتتبعن سَنن من كان قبلكم ))
وسيأتي حديث مفصل في اتباع سنة الأمم السابقة في الأبواب القادمة
قال عليه الصلاة والسلام : (( لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟
قال : ” فمن ؟!
وفي رواية : قالوا : فارس والروم ؟
قال : ” فمن ؟ ! ” ))
وسيأتي وجه الجمع بين ذكر اليهود والنصارى في هذا الحديث ، وذكر فارس والروم في الحديث الآخر
فقوله عليه الصلاة والسلام : (( لتتبعن )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللام : ــــــــــ هنا موطئة للقسم : (( والله لتتتبعن َسنن من كان قبلكم ))
فقوله : (( َسنن )) / تنطق : ” َسنن ” :
فإذا قلنا : سُنن فهو جمع سنة
وإذا قنان : سَنن فالمراد المفرد الذي هو الطريق
فسُنن جمع
وَسَنن مفرد