التفسير الشامل ـ تفسير جزء ( عم ) كاملا.. الشيخ زيد البحري

التفسير الشامل ـ تفسير جزء ( عم ) كاملا.. الشيخ زيد البحري

مشاهدات: 594

 

 التفسير الشامل

 لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

تفسير جزء ” عم “

 تفسير سورة (  النبأ )

الدرس (  265 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة النبأ وهي من السور المكية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) }

{ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ } يعني عن ماذا يتساءل هؤلاء الكفار { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ } الجواب { عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } النبأ العظيم هو القرآن { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)} ويتضمن هذا القرآن النبأ العظيم الذي هو البعث { عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) } يعني أنهم مختلفون فيما يتعلق بيوم القيامة { الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } لأن هناك طائفة منهم كما مر معنا على  قول من أنهم كان عندهم تردد في إثبات البعث وإن قيل من المقصود من الاختلاف هنا؟ يكون بين أهل الجنة وبين أهل النار، فيكون السؤال الصادر في أول السورة من أهل الإيمان ومن الكفار، لكن أهل الإيمان يسألون من باب أن يزدادوا إيمانا، { وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ } الآية. فقال تعالى { الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) } { كَلَّا } ليس الأمر كما يقولون ولكن سيعلمون مغبة كفرهم وتكذيبهم { ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) } يعني من باب التأكيد الذي يراد منه تعظيم الأمر { ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) }.

{ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) }

{ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} يعني هذه دلائل على وجود البعث يعني تأملوا فيها { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} مثل المهاد الذي يوضع للطفل {مِهَادًا } يعني ممهدة

{ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } يعني أنها أوتاد من أجل ألا تميد الأرض بالناس.

{ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } يعني أصنافا وخلقناكم أزواجا فتأملوا ذلك { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } يعني أنكم تنقطعون عن المتاعب والمشاغل بهذا النوم حتى تعود إليكم القوة مرة أخرى.

{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا } يغطيكم لترتاحوا من عناء النهار.

{ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا } من أجل أن تبحثوا فيه عن أرزاقكم.

{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا } يعني من أنها سبع قوية من حيث البنيان.

{ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا } يعني أنها مضيئة وشديدة الإضاءة.

{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ } يعني من السحاب وهي التي امتلأت بالماء.

{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا } يعني متصببا { لِنُخْرِجَ بِهِ } يعني بهذا الماء { حَبًّا } الحبوب التي تقتاتونها من قمح ونحوه { وَنَبَاتًا } يعني النبات، { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } يعني بساتين من أشجار قد التف بعضها ببعض

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)}

{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا } يوم الفصل وهو يوم الفصل الذي يفصل الله فيه بين أهل الإيمان وأهل الكفر.

{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا } يعني له وقت محدد { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ }

{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ } يعني النفخة الثانية { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا } يعني تخرجون من قبوركم { وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ } لأنها تنفطر وتتشقق { وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا } ولذلك الملائكة يوم القيامة كما قال تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا }

وفتحت ..

{ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ } يعني سيرت عن أماكنها وأزيلت عن أماكنها {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا } تصبح هباء منثورا حتى إن الرائي يرى من بعد يراها كأنها مثل الماء الذي هو السراب.

{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)}

{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا } { مِرْصَادًا } يعني أنها راصدة وتنتظر أصحابها أو أنها على اسم المفعول يعني مرصدة قد أعدت وهيئت لأصحابها.

{ لِلطَّاغِينَ } الذين تجاوزوا حدود الله { مَآَبًا } يعني أن مرجعهم إليها

{ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا } يعني أنهم يلبثون سنين طوال وليس في هذا دليل على أن النار تفنى؛ لأنه قال { أَحْقَابًا } ولم يفرد ذلك وإنما جمع فقال {أَحْقَابًا }.

{ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا } { بَرْدًا } من حيث ماذا؟ من حيث  الظاهر { وَلَا شَرَابًا } من حيث الباطن { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) } الحميم شديد الحرارة الماء المتناهي في حرارته { وَغَسَّاقًا } يعني ما يسيل من صديد وفضلات أهل النار، وقيل {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } الغساق هو شدة البرد ليس كبرد وبراد أهل الجنة.

{ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26)} يعني هذا بسبب ماذا؟ بسبب أعمالهم لم يظلمهم الله.

{ إِنَّهُمْ كَانُوا } في الدنيا { لَا يَرْجُونَ حِسَابًا } لا يرجون أن يحاسبوا؛ لأنهم ينكرونها أصلا.

{ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28)} كذبوا بهذا القرآن أشد التكذيب.

{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا } في اللوح المحفوظ كل شيء ضبط وحفظ، في اللوح المحفوظ وما في أيدي الملائكة.

{ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا } وهذا أشد ما يكون على أهل النار، فذوقوا فلن نزيدكم مع هذا العذاب إلا عذابا.

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)}

{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا } وهنا ذكر لمن؟ ذكر لأهل الجنة وهم المتقون، وبعض الناس في مثل هذا الزمن يقول إذا قرأت القرآن في صلاة أو في غيرها لا تقف على { فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا } وإنما قل بعدها { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا }  ثم إذا أردت أن تركع فاركع، مثل هذا لا دليل عليه، وهذا من البدع في دين الله، فالواجب على الإنسان أن يسير حيث سار الشرع فلا دليل على ذلك، فالوقوف هنا وقوف تام { فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا}  استئناف آخر لا ارتباط له بما مضى { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا } يعني لهم فوز، ما هو هذا الفوز؟ { حَدَائِقَ } يعني بساتين { وَأَعْنَابًا } نص على الأعناب؛ لأنها مشهورة عند العرب.

{حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)}  يعني لهن نساء كواعب أتراب يقال تكعب ثدي المرأة يعني الفتاة تكعب ثدي المرأة إذا استدار، ولم يترهل { وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا } يعني أنهن مستويات في السن.

{ وَكَأْسًا دِهَاقًا } يعني خمرا في كأس دهاق يعني ممتلئة.

{ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا } { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا } يعني في الجنة {لَغْوًا } من الكلام الباطل { وَلَا كِذَّابًا } يعني لا يكذب بعضهم بعضا.

{ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ } يعني ما مضى {عَطَاءً } من الله { حِسَابًا } يعني أنه عز وجل أعطاهم حسابا يعني عطاء كافيا كما لو قلت لشخص إذا سقاك شيئا تقول حسبي يعني كفاني اكتفيت

{ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا } يعني عطاء كافيا.

{ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) } يعني ما أعده عز وجل لهؤلاء ولأولئك من هو؟ رب السموات والأرض وما بينهما، ولذلك سبحان الله قلت لكم من أن من يتدبر القرآن تجد أن اسم الرحمن كثيرا ما يذكر فيما يتعلق بيوم القيامة، لم؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ( إن الله قد كتب كتابا عنده إن رحمتي سبقت غضبي) وفي رواية ( غلبت غضبي )

فقال هنا { رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا } لا أحد يستطيع أن يخاطب الله، ولا أن يتكلم بشيء، ولذلك ماذا قال تعالى: { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فقال الله { لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا }

{ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ } { الرُّوحُ } اختلف فيه هل هو جبريل أو أرواح بني آدم أو ما شابه هؤلاء؟ أقوال كثيرة، لكن الأظهر من أنه يكون جبريل، وأيضا أرواح بني آدم.

{ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا } يعني في يوم القيامة يصفون صفا فقال الله { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ } يعني بالكلام { وَقَالَ صَوَابًا } يعني قال قولا حقا إذ إنه في دنياه قال القول الحق من التوحيد والعلم الصالح، ويقول القول الحق إذا أذن له بالشفاعة، والشفاعة لا تتحقق لإنسان إلا بشرطين إذن الله للشافع أن يشفع، ورضاه عن المشفوع له.

فقال الله { ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ } هذا اليوم الحق الكائن الذي لا مرية فيه فهو واقع { ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا } من شاء اتخذ في هذه الدنيا إلى ربه { مَآَبًا } يعني مرجعا حسنا حتى يكون من أهل الجنة.

{ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا }

{ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا } هو قريب لأنه حاصل { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ }

{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } { وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }

{ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } ينظر كل ما قدمت يداه من خير أو شر ، { وَيَقُولُ الْكَافِرُ } إذا رأى العذاب { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا } يعني يا ليتني كنت مثل التراب، ولذلك ماذا قال عز وجل {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) }

وبهذا ينتهي تفسير سورة النبأ…

 

تفسير سورة (  النازعات ) كاملة

الدرس (  266 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمازلنا في تفسير جزء عم، فهناك عدد من السور ليست بالقليلة اختلف المفسرون هل هي من السور المدينة، أم هي من السور المكية؟ ومن ثم فإني لن أتعرض لمثل هذا كما تعرضت إلى ذلك في السور السابقة.

تفسير سورة النازعات

{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ(14)}

{ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } أقسم الله بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار بشدة.

{ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا } وهي الملائكة التي تنزع أرواح المؤمنين بسهولة وبيسر.

{ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا } وهي التي تسبح بأمر الله، وتسبح الله عز وجل وتأخذ بأرواح المؤمنين بسهولة.

{ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا } يعني الملائكة التي تسبق إلى تنفيذ أمر الله.

{ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } وهي التي  تدبر ما أراد الله منها في ما يتعلق بهذا الكون.

وقد أقسم الله بهذه الأشياء من باب بيان أن يوم القيامة حاصل لا محالة، {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } وهي النفخة الأولى، وسميت بهذا الاسم؛ لأنه لما  يحصل فيها من الرجفة قال تعالى { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ }

{ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)} يعني تتبعها النفخة الثانية.

{ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)} يعني خائفة.

{ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } يعني ذليلة.

{ يَقُولُونَ } يعني الكفار على سبيل الاستهزاء { يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ } يعني أئنا لراجعون إلى حالتنا السابقة؟

{ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً } يعني بالية يعني أنهم استبعدوا ذلك.

{ قَالُوا } على سبيل الاستهزاء { قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } يعني أنها رجعة خاسرة إذا رجعنا إلى الحياة مرة أخرى، قالوا هذا على سبيل الاستهزاء.

{ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } وهي النفخة الثانية.

{ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ(14)} يعني على أرض وسميت الأرض بالساهرة؛ لأنه يسهر وينام عليها.

{هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}

{ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } هنا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لبيان ما حصل لموسى عليه السلام { هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) } وهذا الوادي المقدس يعني المطهر اسمه طوى، وقد كان ذلك لما رجع من مدين إلى مصر كما ذكر تعالى ذلك في سورة النمل وفي سورة القصص. 

فقال الله { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى } أمره الله أن يذهب إلى فرعون؛ لأنه طغى يعني تجاوز الحد.

{ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى } يعني إلى أن تتطهر من الشرك.

{ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } يعني أني أبين لك طريق الحق فتخشى الله، وهذا من القول اللين الذي قال الله { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }

{ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) } وهي اليد والعصا.

{ فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) } كذب ما أتى به موسى عليه السلام وعصى أمر الله.

{ ثُمَّ أَدْبَرَ } يعني أنه تولى { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى } يسعى لجمع جنوده من السحرة.

{ فَحَشَرَ فَنَادَى } حشر أناسا مع السحرة ونادى فيهم { وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي }. وهنا أيضا نادى بهذا النداء { فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ (25)} يعني عاقبة { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى } الأولى يعني الدنيا والآخرة يعني يوم القيامة، وقيل إن الأولى هي قوله {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } وأما الثانية فقوله { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } وإن كان الأول هو الأظهر.

{ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } يعني  في قصة موسى وما جرى لفرعون { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } تذكرة وعظة لمن يخشى.

{ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) }

{ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا } هنا خطاب لكفار قريش { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا } يعني أعظم خلقا { أَمِ السَّمَاءُ } حالها { بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا } يعني سمكها وسقفها { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } يعني أحسن خلقها وبنيانها.

{ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } يعني أظلم ليلها { وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } يعني نهارها وضياءها.

{ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } وذلك لأن الأرض خلقت قبل السموات من غير دحو، ثم خلقت السموات، ثم بعد خلق السموات دحا الله الأرض يعني بسطها { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } ومن ذلك الدحو { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا } يعني العيون { وَمَرْعَاهَا } يعني النباتات.

{ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } يعني جعل الجبال رواسي لها لئلا تميد.

{ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } يعني ما مضى من ذكر المرعى والماء متاعا لكم يعني تتمتعون أنتم وأنعامكم يعني بهائمكم.

{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) }

{ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى } وهي الداهية العظمى التي هي أعظم الطوام، فتطم غيرها وهي يوم القيامة.

{ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى }

{ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى } أي ما سعى من عمل يتذكره.

{ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى } أظهرت الجحيم لكل راءٍ.

{ فَأَمَّا مَنْ طَغَى } يعني تجاوز الحد كحال فرعون وأشباهه.

{ وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } يعني قدم الحياة الدنيا على الآخرة.

{ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } فإن الجحيم مستقره ومأواه.

{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } يعني من خاف الوقوف بين يدي الله عز وجل {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}  فمأواه ومستقره الجنة.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } يعني متى وقتها { فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا } ليس عندك علم حتى تذكرها لهم.

{ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي }

{ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا } يعني مخوف { مَنْ يَخْشَاهَا } يعني من يخشى هذه القيامة

{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } يعني كأنهم ما لبثوا في دنياهم أو في قبورهم { إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } يعني أول النهار وآخر النهار وأضيف الضحى إلى العشي باعتبار أن كليهما طرفا النهار.

 

وبهذا ينتهي تفسير سورة النازعات…

 

تفسير سورة ( عبس )

الدرس (  267 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة عبس

 { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) }

{ عَبَسَ وَتَوَلَّى } النبي عليه الصلاة والسلام كان مشغولا ببعض كبراء كفار قريش من أجل أن يسلم، فأتى ابن أم مكتوم، وهو أعمى ليسأله، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يتشاغل عنه، كل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل حرصه عليه الصلاة والسلام حتى يسلم هؤلاء؛ لأن بإسلامهم سيسلم غيرهم، ومن ثم فقد عاتب الله نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس في هذا انحطاط لقدره عليه الصلاة والسلام، بل عاتبه الله كما عاتبه كما في سورة التوبة { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ } 

ولذلك لم يقل عبست، وإنما قال { عَبَسَ وَتَوَلَّى } { عَبَسَ } يعني تغير وجهه عليه الصلاة والسلام، { وَتَوَلَّى } يعني أعرض عن هذا الأعمى.

{ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى } ووصفه بأنه أعمى من باب أنه هذا الأعمى معذور باعتبار أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم مشغولا بهؤلاء.

{ وَمَا يُدْرِيكَ } يا محمد { لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } يعني هذا الرجل { لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } يعني  يتطهر.

{ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى } لأن الذكرى تنفع المؤمنين، { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }

{ فَتَنْفَعَهُ } فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية؛ لأنه مسبوق بالترجي {فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى }

{ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى } يعني استغنى بماله وبجاهه عن الدين.

{ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)} بمعنى أنك تقبل عليه.

{ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى } ليس عليك أن يزكى أو أن يتطهر من الشرك.

{ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) } وهو هذا الأعمى { فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى } يعني أنك تتشاغل بأولئك عنه، وكل ذلك كما سلف إنما هو لاجتهاد منه عليه الصلاة والسلام.

{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}  

{ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } يعني هذه الآيات، وما في هذه السورة { تَذْكِرَةٌ } يعني عظة { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) } فمن شاء  اتعظ بما في هذه السورة وبآيات القرآن.

{ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ } يعني أن هذه الآيات في صحف مكرمة، مكرمة عند الله؛ لأنها كلام الله  { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ }  من حيث  القدر والشأن، وأيضا مرفوعة فهي في اللوح المحفوظ { مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ } مطهرة من ألا يأتيها الباطل وألا تغير وألا تبدل.

{ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } يعني بأيدي الملائكة وهم السفراء الذين يأمرهم الله أن يأتوا إلى الأنبياء أو بمعنى السفرة الذين ينسخون هذه الآيات من اللوح المحفوظ.

{ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } كرام أكرمهم الله وايضا لما لهم من الأعمال الصالحة، فهم لا يفترون عن عبادة الله { كِرَامٍ بَرَرَةٍ } يعني أنهم مطيعون لله، وهكذا ينبغي لحامل القرآن أن تكون أقواله، وأن تكون أفعاله على السداد والرشاد.

{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) }

{ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ } يعني لعن وعذب الإنسان { مَا أَكْفَرَهُ } وهنا للتعجيب من حاله أو من باب الاستفهام، لماذا كفر؟

{ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } وهنا للتقرير { مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } فقدره عز وجل، فقدره في بطن أمه { ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ } بعد أن خرج من بطن أمه بيَّن له السبيل { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } وهذا أظهر من قول من يقول { ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ } يعني الطريق إلى خروجه من بطن أمه إلى هذه الدنيا.

{ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } وهذا من إكرام ابن آدم إذا مات أنه يدفن.

{ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ } يعني بعثه يوم القيامة.

{ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ } ذلكم الإنسان الكافر لم يقض ولم ينفذ ما أمر الله به.

{ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ } نظر اعتبار وتدبر، {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) } هو عز وجل صب الماء صبا، وذلك عن طريق  مياه الأمطار.

{ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا } يعني أنه أخرج منها النبات، ولذلك قال { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا } وهي الحبوب كالقمح ونحوه { وَعِنَبًا وَقَضْبًا } { وَقَضْبًا } وهو القت الرطب الذي هو العلف الرطب { وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) } يعني بساتين أشجار، وعظيمة الأشجار.

{ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا } والأب هو طعام البهائم، وأما قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من أنهما قالا فيما ورد عنهما، من ذلك قول أبي بكر رضي الله عنه: ” أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في  كتاب الله ما لا أعلم” لما سئل عن الأب، فهو لا يفهم لا يعرف أن الأب هو طعام البهائم؟ هو يعرف ذلك، لكن قال هذا القول باعتبار أنه لا يحدد نوعا باسمه من باب تفسيرالأب، وإلا فهو يعرف أن الأب هو طعام للبهائم، لكن التحديد هو الذي يبنى عليه كلام أبي بكر رضي الله عنه.

{ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } يعني تتمتعون وتستمتعون بهذه الأشياء أنتم وبهائمكم.

{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}

 

{ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ } وهي التي تصخ بصوتها العظيم حتى تكاد تصم الآذان.

{ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ } يعني زوجته { وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) }

كل مشغول بنفسه.

 { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ } وذلك كما قال تعالى { وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)} { ضَاحِكَةٌ } وذلك لما لها من النعيم { مُسْتَبْشِرَةٌ } يعني فرحة من حيث قلوبها.

{ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } يعني غبار { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } يعني تغشاها كآبة وسواد.

{ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } الذين جمعوا بين الكفر وبين الفجور.

 

وبهذا ينتهي تفسير سورة عبس….

 

تفسير سورة ( التكوير )

الدرس (  268 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة التكوير…

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) }

 { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } يعني لفت وجمعت كما تلف الكرة ثم قذف بها في النار.

{ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ } يعني تساقطت { وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } يعني عن أماكنها.

{ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } وهي الإبل جمع عشراء، وهي الإبل التي هي  من أنفس أموالهم، وهي الناقة الحاملة، قال بعض المفسرون: هذا تمثيل  لانشغالهم بهذه الساعة؛ لأنه لا يوجد إبل في مثل ذلك اليوم، وقال بعض المفسرين: لا مانع من أن تكون هناك إبل في ذلك الموقف،  فقال تعالى {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } يعني أن لهول هذا اليوم ينصرفون عن هذه الإبل التي هي من أنفس أموالهم.

{ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } الوحوش المفترسة والتي تنافر تجمع يوم القيامة حتى يقتص من الوحش الظالم للوحش المظلوم، وقد مر معنا توضيح لذلك أكثر في قوله تعالى: { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } يعني فجرت وامتلأت ماء، وأيضا تأججت نارا.

{ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } يعني النفوس قرنت بأزواجها بمعنى أن الأرواح تكون مع الأجساد، وأيضا كل نفس تكون مع من يشاكلها من حيث  العمل.

{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} وهي الموؤدة التي تقتل ظلما كما هو حال أهل الجاهلية تسأل مع أنها لم تصنع شيئا، وإنما تسأل من باب التبكيت والتحقير لمن قتلها كما قال تعالى لعيسى عليه السلام { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } هذا تحقير، وتبكيت لمن عبده.

{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } وهي صحف الأعمال بني آدم تنشر، قال تعالى { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا }

{ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } يعني نزعت من أماكنها كما ينزع جلد الشاة من على ظهرها.

{ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } يعني أوقد عليها، { وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } يعني قربت لأهلها، { وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } كل ذلك إذا حصل { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } يعني ما أحضرته من أعمال كما قال تعالى { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا }

{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) }

{ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } يعني أقسم الله بالنجوم، وهذا أصح ممن قال إنها هي الظباء وإن كان لا مانع من دخول ذلك، لكن الأظهر من حيث السياق هذا الأول، وقد يدخل القول الآخر في ذلك.

{ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } وهي النجوم التي تختفي في النهار.

{ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ } يعني التي تجري بأمر الله

{ الْكُنَّسِ } يعني تجري إلى أن تغيب في أماكنها.

{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } { عَسْعَسَ } يعني أقبل أو أدبر.

{ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } يعني أنه خرج وامتد ضوء هذا الصبح، ولذا لما قال الله { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } قال بعض المفسرين: حتى تكون المقابلة أفضل يكون معنى { عَسْعَسَ } يكون بمعنى أدبر { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} لأنه قال عن الصبح { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } يعني أقبل لكن في الليل يكون ماذا ؟ يكون أدبر

{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)} هنا قسم بهذه النجوم، وبهذه الأشياء على ماذا؟ على أن ما أتى به محمد إنه لحق.

{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } والرسول هنا من؟ هو جبريل عليه السلام {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } يعني صاحب قوة { عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } له مكانة عند الله.

{ مُطَاعٍ } يعني تطيعه الملائكة { ثَمَّ أَمِينٍ } يعني هو أمين عليه السلام فهو أمين على الوحي.

{ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } أي ذلكم القسم أيضا هو قسم على أن صاحبكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون{ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ } يعني النبي عليه الصلاة والسلام رأى جبريل على صورته قال { وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } يعني من جهة المشرق، ومن ثم فإن الله قال { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } المقصود من ذلك كما مر معنا هو جبريل، وأما من قال من أن قوله تعالى { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } من أنه هو الله ، واستدلوا على ذلك بحديث ذلكم الحديث حديث شاذ لا يصح عنه عليه الصلاة والسلام

{ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } يعني أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بضنين يعني ليس ببخيل على أن يبلغ الرسالة، وهناك قراءة { بظنين } يعني ليس بمتهم.

{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } كما زعمتم.

{ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } أين تذهب عقولكم لتنصرف عن هذا الحق وتقبل على آرائكم الباطلة، وعلى هذه الأقوال الشاذة فقال تعالى { فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ } يعني القرآن { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } يعني أنه تذكرة للعالمين { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } على شرع الله { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } فلن يستطيع أحد أن يستقيم إلا بمشيئة الله عز وجل…

 

تفسير سورة ( الانفطار )

 الدرس (  269 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الانفطار

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}  

{ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } يعني تشققت.

{ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ } يعني تساقطت.

{ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ } أي فجر بعضها ببعض، العذب مع المالح فاجتمعت، { وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ } وهذا يدل على أنها تفجر، ثم بعد ذلك تأجج نارا كما في قوله تعالى { وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ }

{ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } يعني قلبت قلبت القبور فيخرج الناس من قبورهم

ذلكم القسم من أجل ماذا؟ { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } علمت نفس كل ما قدمته في أول حياتها، وفي آخر حياتها، أو علمت نفس ما قدمته من أعمال، وما تركته من أعمال.

{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}

{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } يعني ما الذي حملك على أن تغتر { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } وهنا تهديد، وليس معنى الإتيان بقوله {الْكَرِيمِ } من أنه تلقين له من أجل أن يجاوب، لا، بل هذا تهديد، ولذلك لماذا ذكر اسمه {الْكَرِيمِ } ؟  من باب ماذا؟ أن الكريم لا يقابل بمثل هذه الأقوال والأفعال السيئة.

 { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ } خلقك من عدم { فَسَوَّاكَ } يعني أنه جعلك تام الخلقة { فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ } جعل أعضاءك متناسبة، لم تكن يد أطول من أخرى، وهكذا..

{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } { مَا } هنا زائدة للتأكيد { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } يعني في أي صورة ما شاء ركبك على أي شيء أراده عز وجل، ولذلك تجد أن الناس يختلفون من حيث صورهم.

{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}

{ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ } يعني بيوم القيامة.

{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} وقد مر معنا توضيح لذلك أكثر فيما تكتبه الملائكة في سورة ( ق)

{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } كما قال تعالى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ }.

{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} يعني أن لهم الكرامة عند الله، والمنزلة العظيمة، وأيضا هم كرام إذ عبدوا الله حق العبادة.

{ كِرَامًا كَاتِبِينَ } يكتبون ما تفعلون { كِرَامًا كَاتِبِينَ } ولذلك قال بعدها {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } كل ما تفعلونه فإنهم يعلمونه.

{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}

{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } وهذا ليس محصورا بيوم القيامة فقط، ولذا قال ابن القيم رحمه الله { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } يتنعمون في حياتهم الدنيا وفي القبور، وفي الآخرة وهذا كما قال رحمه الله فيكون النعيم الأعظم متى؟ يوم القيامة.

{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) } لفي النار وهذا أعظم ما يتعذبون به { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ } يقاسون عذابها يوم الجزاء { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)} يعني أنهم لا يخرجون منها فهم خالدون فيها أبد الآباد، { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } يعني يوم الجزاء والحساب ثم استفهم عنه مرة أخرى للتهويل وللتعظيم { ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } ثم فسره { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا } فلا تملك نفس لنفس أخرى أي شيء { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } كذلك في ذلك اليوم الأمر كله لله فلا أمر لأحد كما مر معنا تفصيل ذلك فيما يتعلق بالملك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }..

 

تفسير سورة ( المطففين )

 الدرس (  270 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسيرسورة المطففين….

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}

{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } { وَيْلٌ } وعيد وتهديد للمطففين ثم فسرهم ووضحهم {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } يعني أنهم إذا أخذوا حقهم عن طريق الكيل فإنهم يأخذونه تاما، وهذا ليس بمحصور في الكيل والميزان، بل في كل شيء.

{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } يعني أنهم ينقصونهم حقوقهم، ولا يحصر هذا بالكيل وبالميزان، بل في كل شيء من العقود التي تجري بين الناس، فقال الله { أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ } ثم قال { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } وهو يوم القيامة ووصفه بأنه عظيم لشدة ما يقع فيه.

{ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } { يَوْمَ } هنا نصبت يوم لأنها بدل في محل { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } ، وذلك من حيث  المحل منصوب بقول { مَبْعُوثُونَ } {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } يعني من قبورهم.

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}

{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } { لَفِي سِجِّينٍ } قيل في الأرض السلفى، وقيل في الحبس، وعلى كل حال كتاب أعمالهم في سجين يعني في الحبس، وهذا لا تعارض بينه وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم  في حديث البراء (اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى) وذلك لأنه كلما سجن الإنسان وضيق عليه في السجن كلما تسافل إلى الأرض، فيكون مرد هؤلاء إلى أسفل سافلين وهي النار، ومن ثم استدل بعض العلماء بهذه الآية وبحديث ( اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى) من أن جهنم في الأرض السفلى، { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) } {كِتَابٌ مَرْقُومٌ } الصحيح وإن كان بعض العلماء قال بغير هذا {كِتَابٌ مَرْقُومٌ }  هذا تفسير لماذا؟ تفسير للكتاب، وليس تفسيرا لسجين {كِتَابٌ مَرْقُومٌ }  كتبت فيه أعمالهم قال { مَرْقُومٌ } والذي هو مرقوم مثل الرقم الذي يكون نقشا في الثوب، فإنه لا يزول {كِتَابٌ مَرْقُومٌ } يعني أن أعمالهم السيئة مكتوبة وسيجدونها كاملة يوم القيامة.

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } وعيد وتهديد للمكذبين، ثم وصفهم { الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } يعني بيوم الجزاء والحساب { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ } يعني بيوم الدين { إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ } يعني أنه متجاوز للحد { أَثِيمٍ } يعني كثير الإثم. { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا } من باب تذكيره ووعظه { قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } حكم على هذا القرآن بأنه أكاذيب وأساطير الأولين.

{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } يعني أن الران على قلوبهم والران الذنوب قال النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عند الترمذي (إن العبد إذا أذنب ذنبا ثم استغفر صقل منها فإن عاد عادت حتى يغلف بها قلبه فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه)

{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ } ما هو؟ { مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } من الآثام والذنوب.  ولذا قراءة حفص الوقوف { كَلَّا بَلْ رَانَ } كما قراءته في سورة القيامة { مَنْ رَاقٍ } قال بعض المفسرين: إنه أراد بذلك ألا يظن أنها كلمة واحدة، ففصل بينهما، وقال بعض المفسرين إنما من أن هناك قراءة أخرى سبعية بالوصل { مَنْ رَاقٍ } { بَلْ رَانَ } ولذلك قال بعض المفسرين إن قوله { مَنْ رَاقٍ } خيفة من أن يشتبه من بياع المرق، و { بَلْ رَانَ } خيفة من أن يظن أنها تثنية كلمة بر، لكن قال القرطبي رحمه الله قال هذا يرتفع بماذا؟ من أن كسر القاف يدل على أنه ليس كما قصدوه من أنه بياع المرق وأن كلمة { بَلْ رَانَ } من أن النون مفتوحة، فلو كانت مثنى لقال برانِ، وقيل هذا من باب التخفيف، وعلى كل حال هذه قراءة.

{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } يعني أنهم لا يرون الله، وهذا هو القول الصحيح خلافا لمن قال من أنهم محجوبون عن النعيم، بل إنهم محجوبون عن أعظم النعيم لأن أعظم النعيم ما هو؟ رؤية الله، ومن ثم فإنه إذا كان هؤلاء إذا كانوا قد حجبوا عن رؤية الله، فإن هناك من يرى الله وهم المؤمنون.

ومن ثم فإن قوله تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } يدل على رؤية المؤمنين لله.

{ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ } ليقاسوا حرها وعذابها.

{ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } يعني في الدنيا.

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) }

{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } يعني في علو، في السماء السابعة ولذلك قال الله كما في حديث البراء: ( اكتبوا كتاب عبدي في عليين)

{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) } تفسير كتاب الأبرار هو كتاب مرقوم يعني أن أعمالهم قد كتبت فيه، وتلك الأعمال باقية لهم { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } يعني لشرف هذا الكتاب لما كتب فيه من الأعمال الصالحة يشهده من الملائكة المقربون.

{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } يعني في نعمة وفي تلذذ { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } يعني على السورة { يَنْظُرُونَ } إلى ماذا ينظرون؟ إلى الله، وينظرون إلى ذلكم النعيم، وينظرون إلى مآل الكفار. 

{ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } من النعمة التي هم فيها فإنها تظهر على وجوههم.

{ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ } { يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ } يعني من خمر {مَخْتُومٍ } { خِتَامُهُ مِسْكٌ } ومن ثم قال بعض المفسرين { خِتَامُهُ مِسْكٌ } ليس كخمر الدنيا ختامه طين بمعنى أنه إذا فتح خمر الدنيا، وذلك لما كان قد اعتاد عليه العرب من أنه يكون إذا أراد الإنسان أن يفتحه يكون مختوما بطين، يقول هنا هذا مختوم بمسك، وقيل إن آخر هذا الكأس الذي يشربون منه تنبع منه رائحة المسك، ولا تعارض بين القولين { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ } يعني في ذلك النعيم، ومن ذلك هذا الرحيق { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} { وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ } يعني يخلط بماذا؟ { مِنْ تَسْنِيمٍ } يعني ما فسره بعد ذلك { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } { عَيْنًا } وهذا هو الأقرب من قول إن كلمة { عَيْنًا } نصبت على سبيل المدح، والذي يظهر من أنها نصبت لأنها بدل ، فقال الله { وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)} { تَسْنِيمٍ } سميت بهذا الاسم؛ لأنها في علو كما يقال سنام الإبل سنام البعير فهذه العين في علو فإذا بهم يشربون منها ، { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } حتى قال بعض المفسرون يشرب منها المقربون صرفا لا تمزج لهم بشيء.

{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) }

{ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ } وهم الكفار كانوا في الدنيا { مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ } على سبيل السخرية { وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } يعني يغمز أحدهم بحواجبه من باب ماذا؟ من باب السخرية،  { وَإِذَا انْقَلَبُوا } يعني رجعوا { إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ } يعني يرجعون وقد تلذذوا بهذه السخرية، { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ } يقول الكفار { هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ } يعني أنهم بعيدون عن الرأي السديد، فكيف يتركون عبادة آبائهم؟! { وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } يعني هؤلاء الكفار لم يرسوا على المؤمنين حافظين لأعمالهم ومراقبين على أعمالهم

{ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } يعني في يوم القيامة يضحك أهل الإيمان، وذلك من باب الاقتصاص منهم { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } يعني على الأسرة ينظرون وقد مر معنا في الآيات السابقة.

{ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }

الجواب نعم ثوب الكفار جوزي  الكفار ما كانوا يعملون، ووصف هذا العقاب بأنه ثواب من باب التهكم بهم كما قال { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ }….

 

تفسير سورة ( الانشقاق )

الدرس (  271 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الانشقاق….

 {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}

{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } يعني أنها تصدعت وتفطرت.

{ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } يعني أنها استمعت لربها { وَحُقَّتْ } يعني حق لها أن تستمع فتنفطر وتتشقق.

{ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } يعني مدت مد الأديم والجلد. { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } { مُدَّتْ } بمعنى أنها تمد في يوم القيامة كما قال تعالى { لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا }

{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } من الموتى والكنوز { وَتَخَلَّتْ } تخلت عما في بطنها {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } يعني استمعت لربها ولأمره { وَحُقَّتْ } يعني حق لها أن تستمع.

{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } يعني أنك مكابد ومجتهد في هذه الدنيا { كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } يعني أنك ستلاقي الله، وقيل ستلاقي عملك، ولا تعارض بينهما، وهذا يدل على أن ابن آدم في هذه الدنيا لابد أن يعمل إما عملا صالحا، وإما عملا سيئا، فإنه لا يخلو من الحركة فقال { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } . ولذا ماذا قال بعدها مبينا أنواع الكدح { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) } قال النبي عليه الصلاة والسلام: ” من نوقش الحساب عذب، فقالت عائشة يا رسول الله ألم يقل الله { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } قال ذلك العرض تعرض على المؤمن ذنوبه ثم يغفرها الله له “

لكن الكفار يحاسبون ويناقشون فقال الله { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ } يعني في الجنة { مَسْرُورًا }.

{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } بمعنى أنه تؤخذ يده ويعطى كتابه بشماله من وراء ظهره.

{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)} يعني هلاكا

{ وَيَصْلَى سَعِيرًا } يعني يصلى ويقاسي السعير والعذاب فيها.

{ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا } لأنه معرض عن الدين.

{ إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ } يعني أيقن أنه لن يرجع إلى الله { بَلَى } سيرجع {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا } فلا يخفى عليه شيء من أعماله.

{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}

{ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ } والشفق الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس، وهذا هو الأقرب. 

{ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } يعني والليل وما غطى بظلامه على الأشياء.

{ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ } يعني اكتمل نوره في ليالي البدر.

{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أنتم ايها الخلائق { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } يعني أنكم تكابدون في هذه الدنيا، وتمرون بمراحل ثم بالقبر ثم بيوم القيامة, أيضا يدخل في ذلك ما قاله بعض المفسرين يدخل في ذلك {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } مرة يكون لكم الفرح، ومرة يكون البكاء، والضحك والسعادة والهم والفرح، وهكذا ما بين غنى، ما بين فقر، ما بين كرب، وشدة، ما بين سعة وعافية وهكذا…

{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أقسم بهذه الأشياء { لَتَرْكَبُنَّ } من أجل ماذا؟ {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ }

{ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } بعد تلك الدلائل { فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} هذه هي الآيات الشرعية تتلى عليهم تلك فيما مضى الآيات الكونية فلم يؤمنوا

{ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ } يعني لا يخضعون لله، ولا ينفذون أمر الله، ولا يصلون لله.

{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ } حالهم ماذا حالهم حال التكذيب { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)} يعني بما تخفيه صدورهم { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } يعني ما تكنه صدورهم.

{ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } من باب التبكيت لهم قال { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم استثنى الذين لا عذاب عليهم { إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } يعني أنه غير منقطع، وغير منقوص.

 

 

 

تفسير سورة ( البروج )

الدرس (272 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة البروج….

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}

{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } أقسم الله بالنجوم.

{ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ } يعني يوم القيامة. { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } يعني أقسم الله بكل شاهد يشهد في يوم القيامة من الملائكة والأنبياء ومن المؤمنين، ويدخل في ذلك ما جاء به الحديث ” من أن الشاهد يوم الجمعة ومشهود يعني يوم القيامة” { ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } ويدخل فيه أيضا ما جاء به الحديث “من أنه يوم عرفة

{ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } لماذا أقسم بهذه الأشياء؟ { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } يعني قتل ولعن وعذب أصحاب الأخدود وهي الأخاديد في الأرض تحفر  الحفر فقال تعالى { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } فسر الأخدود { النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ } يعني في هذه الحفر نار متقدة { النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ } { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } أنهم واقفون ومشرفون على تعذيب المؤمنين.

{ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } يعني يشهدون عذابهم وتعذيبهم دون رحمة، وهؤلاء هم رؤوساؤهم { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ } يعني ما عابوا عليهم { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } { الْعَزِيزِ } القوي و { الْحَمِيدِ } الذي يحمد على أفعاله، وقد اختلف المفسرون في هؤلاء قيل إنهم هم المجوس، فإن رؤوساء المجوس طلبوا ماذا؟ طلبوا أن تزوج المحارم من المحارم، ومن ثم فإن علماءهم أبوا ذلك، فجرى ما جرى من تعذيبهم، وقيل ولعله هو الأظهر باعتبار ذكر الإيمان من أن هناك طائفتين مؤمنة وكافرة فيما مضى، تلك الطائفة المؤمنة انتصرت على الكفار، وإذا بالكفار أتوا عليهم مرة أخرى فقاتلوهم ففعلوا بهم هذا العذاب فقال تعالى { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

{ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

وهؤلاء ملكهم الله لكنهم لم يراعوا هذا الملك والله قادر على أن يزيله منهم

{ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } فهو مطلع وشهيد ورقيب على كل شيء، ومن ذلك ما فعله هؤلاء { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }.

{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } يعني عذبوا المؤمنين والمؤمنات {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا } سبحان الله ما أعظم رحمة الله! عذبوا عباده، ومع ذلك طلب منهم التوبة، فلو تابوا لتاب الله عليهم، فقال الله { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} كرر ذلك وقال { عَذَابُ الْحَرِيقِ } يعني المحرق لشدة ما فعله هؤلاء.  ولذا وهذا الأظهر من أنه يكون لهم في يوم القيامة، وأما ما قيل من أن النار التي أوقدوها في هذه الدنيا رجعت عليهم فأحرقتهم، فمثل هذا يحتاج فيه إلى دليل صحيح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } هذا فوز كبير لما  صبروا فإن الله سيجازيهم هذا الجزاء أما من تجبر فكما قال تعالى { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }.

{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}

{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } أتت هذه الآية من باب ماذا؟ من باب تخويف  كفار قريش { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ } يعني إن عقابه { لَشَدِيدٌ }.

{ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } يبدئ الخلق ثم يعيده، ومن ثم لم يذكر المفعول أطلق، قال { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ } يعني هو لا غيره يعني ليس غيره { هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } لم يأت بالمعمول من باب أن يعم ماذا؟ الخلق والتعذيب وما شابه ذلك مما أراده عز وجل.

{ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ } سبحان الله! ذكر { الْوَدُودُ } بعد { الْغَفُورُ } يدل على ماذا؟ على أن من تاب غفر الله له فأحبه الله وهو الغفور.

{ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } يعني من له العظمة، وهذا على هذه القراءة يكون هذا ماذا؟ يكون راجعا إلى الله، وفي قراءة { ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ } يكون هذا وصفا للعرش.

{ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ }ما يريده الله فإنه يفعله.

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ } هل أتاك يا محمد حديث الجنود ثم فسر هؤلاء  الجنود { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } وإنما نص على فرعون، وعلى ثمود؛ لأن عقاب هاتين الطائفتين قد اشتهر في العرب قلت نعم هو كذلك، وأيضا والعلم عند الله من باب الإضافة من أن فرعون آخر أمة استئصلت بالعذاب، ولأن ثمود هي قريبة من ماذا؟ من العرب، وذلك لأنها في جزيرة العرب في طريقهم إلى الشام.

{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ } يعني أن هؤلاء في ماذا؟ { فِي تَكْذِيبٍ } قد انغرقوا في تكذيب، فكفار قريش ومن سبقهم في تكذيب يعني في عناد.

{ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ } قد أحاط بهم عز وجل كما قال تعالى { وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } فالله سيحصي عليهم أعمالهم، وسيجازيهم على ذلك.

{ بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ } عظيم، ولذا مر معنا في قوله تعالى { ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ } سبحان الله قال هنا { بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ } لما سمى الله نفسه بأنه مجيد ذكر هنا من أن القرآن وهو كلامه مجيد.

{ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } يعني هذا القرآن في اللوح المحفوظ محفوظ من  التغيير والتبديل والزيادة { فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} ، وفي قراءة سبعية {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٌ} يعود إلى ماذا؟ يعود إلى القرآن، وهذا يدل عليه قوله تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.

 

 

تفسير سورة ( الطارق )

الدرس (273 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الطارق..

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)}

{ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ } أقسم الله بالسماء وبالطارق الذي يطرق في الليل ثم بينه لما سأل تعظيما له، { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ } ما هو الطارق؟ { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } الذي يثقب الظلام، فيخرج نوره ويضيء بنوره.

أقسم على ماذا؟

{ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } { إِنْ } بمعنى ما { لَمَّا } بمعنى إلا يعني ما كل نفس إلا عليها حافظ يعني عليها ملائكة يحفظونها، { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ }

{ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ } يعني هنا أمر بالتدبر حتى يعي الإنسان { فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) } يعني متدفق من أنه سريع حال القذف { مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ } وهو المني { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } من بين صلب الرجل، ومن بين ترائب الأنثى، ما يكون في الصدر، وقيل  من ماذا؟ من صلب الرجل ومن ترائب الرجل، ومن ترائب المرأة، وهذا يدل عليه قوله تعالى { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ } قال { أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ } فقال { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ }

{ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } يعني الله على رجع الإنسان يوم القيامة لقادر، وقيل { إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ } يعني على إرجاع الماء إلى الصلب والترائب {لَقَادِرٌ } وإن كان الأول هو الأظهر باعتبار السياق.

{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } يعني يوم تظهر السرائر كما قال تعالى { وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ }

{ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ } { مِنْ قُوَّةٍ } تدفع عنه هذا العذاب { وَلَا نَاصِرٍ } ولا أحد ينصره.

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}

{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ } أقسم بالسماء مرة أخرى { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ } يعني ذات المطر لأنه يرجع ويتكرر { وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ } يعني التي تتصدع بالنبات.

{ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ } أقسم على ماذا؟ { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } يعني القرآن { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } يفصل بين الحق والباطل، { وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ } كما قال تعالى { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا }

{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)}  كفار قريش يكيدون للنبي عليه الصلاة والسلام، والله يكيد لهم، وكما سلف معنا صفة الكيد تثبت لله على سبيل التقييد كما مر معنا صفة الكيد تثبت لله على سبيل التقييد فهو يكيد عز وجل بمن يكيد بأوليائه، وبمن يكيد بشرعه فقال تعالى { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) } يعني انتظر هؤلاء الكفار رويدا رويدا فانتظر ماذا سيحل بهم من عذاب.

 

تفسير سورة ( الأعلى )

الدرس (274 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الأعلى….

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (13)}

{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }  قال ابن القيم رحمه الله إذا جاء التسبيح لاسم الله من أجل ماذا؟ أن التسبيح ذكر، والذكر ضد النسيان، ويكون في القلب، إذن هنا قال { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ } يعني سبح الله ناطقا ومتكلما باسمه عز وجل فإن الذكر لا يكون ذكرا تاما في أعلى درجاته إلا إذا توافق اللسان مع القلب، ولذا مما يدل على ما قاله رحمه الله { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه إذا قرأ هذه الآية ماذا يقول؟ ” سبحان ربي الأعلى” لم يقل سبحان اسم ربي الأعلى.

{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }  وفي هذا إثبات صفة العلو لله.

{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) } خلق الخلق فسواهم، وأتم خلقهم.

{ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } قدر لكل مخلوق ما قدر له، ثم هداه إلى مصالحه، وقد مر معنا في قوله تعالى مفصلا أكثر قال { قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) }

{ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } وهو النبات { فَجَعَلَهُ } يعني بعد أن كان خضرا { فَجَعَلَهُ غُثَاءً } يعني يابسا { أَحْوَى } يعني أسود، ومن ثم أتى بحرف  العطف هنا { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)}  لماذا لم يقل مباشرة الذي قدر فهدى الذي أخرج المرعى؟ وذلك من باب الثناء على الله لأن كل جملة في سياق الجملة الفعلية.

{ سَنُقْرِئُكَ } يا محمد  { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } والله لم يشأ لك أن تنساه وقيل { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } يعني مما نسخه الله، وقد بينت لمن أراد التوسع في مثل هذا بينت هذا في قوله تعالى { مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }

{ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)} يعني يعلم عز وجل القول والعمل الذي هو ظاهر، والذي هو خفي.

{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى } يعني للطريقة السهلة الميسرة { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) } يعني ذكر يا محمد إن نفعت الذكرى قال بعض المفسرين { فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } أو لم تنفع، فعليك أن تذكر، وقال بعض العلماء بل إنه يذكر إن نفعت الذكرى، لكن إن كانت الذكرى ستزيد الذي ذكر شرا أو يترتب على ذلك مفاسد، فإنه لا يذكره {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } وذلك لأن الأمور مبينة على تقليل المفاسد وتكثير المصالح.

{ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } يعني من يخشى الله { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا } يعني هذه الموعظة، وهذه الذكرى، وهذه الطريقة { الْأَشْقَى } ثم وصفه { الْأَشْقَى } لأنه أشقى نفسه بأن عرضها للعذاب { الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } الذي يقاسي النار الكبرى، ووصفها بأنها كبرى لأنها أكبر من نار الدنيا بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم “من أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ” { ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا } ثم لا يموت فيستريح من هذا العذاب، ولا يحيى يعني حياة طيبة كما قال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا }.

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}

{ قَدْ أَفْلَحَ } يعني فاز { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } { مَنْ تَزَكَّى } يعني من تطهر من الشرك ومن الذنوب { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} يعني أنه ذكر اسم الله ، وحافظ على الصلوات، وقد قال بعض المفسرين { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } يعني زكاة الفطر { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} يعني صلاة عيد الفطر، وهذا يكون داخلا، لكن لا تحصر الآية بتفسيره.

{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } يعني بل إنكم تقدمون الحياة الدينا على الآخرة { وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } { خَيْرٌ } من حيث الثواب، { وَأَبْقَى } من أن ثواب الآخرة لا يفنى.

{ إِنَّ هَذَا } يعني ما ذكر قيل ما ذكر في السورة كلها، وقيل من قوله { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } ولعل هذا هو الأقرب، فقال الله { إِنَّ هَذَا } يعني ما ذكر سابقا هو مكتوب في الصحف الأولى { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} ودل هذا على أن لإبراهيم وأن لموسى عليهما السلام أن لهما صحفا وقال { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} لماذا قال { لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى } من باب ماذا؟ من أن محمدا عليه الصلاة والسلام ليس بدعا من الرسل فقد سبقه أنبياء أنزل عليهم كتبا.

 

تفسير سورة ( الغاشية )

الدرس (275 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الغاشية….

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) }

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } { هَلْ } قال هنا كثير من المفسرين هي بمعنى قد يعني قد أتاك حديث الغاشية، وهي يوم القيامة لأنها تغشى وتغطي بأهوالها أهل الموقف.

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } يعني من أنها ذليلة.

{ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } يعني أنها مع هذا العذاب عاملة تعمل في النار بالمشاق {نَاصِبَةٌ } يعني تتعب من هذه الأعمال الشاقة، وقيل { عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } يعني { عَامِلَةٌ } في الدنيا على غير هدى فهي { نَاصِبَةٌ } يعني أنها تتعذب في  الدنيا، ثم تتعذب في الآخرة، وهذا لا مانع من دخوله { تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً } { تَصْلَى } يعني تدخل وتقاسي { نَارًا حَامِيَةً } يعني شديدة الحرارة {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ } { تُسْقَى } رغم أنفها { مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ } يعني من عين شديدة الحرارة.

{ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ } يعني لما ذكر الماء ذكر هنا الطعام { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ } وهو ذو الشوك المنتن الكريه.

{ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) } لأن الطعام إما أن يغني من جوع أو يسمن، لكن هذا لا يسمن ولا يغني  من جوع، ثم لما ذكر وجوه أولئك الأشرار ذكر وجوه الأخيار { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ } كما قال تعالى { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } من الفرح والسرور.

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) } { لِسَعْيِهَا } الذي سعته في الدنيا من الأعمال الطيبة { رَاضِيَةٌ } قد رضيت بهذا الثواب { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } { لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ }.

{ لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً } يعني لا تسمع فيها كلاما لغوا باطلا أو كلمة لاغية  { لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً } { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا }.

{ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } تجري ليس لها أخاديد { فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ } وهي المرتفعة التي يتكأ عليها { وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ } وهي الأكواب التي لا عرى لها { وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ } يعني أنها موضوعة ومصفوفة كثيرة لا يحتاجون إلى البحث عنها { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } وهي الوسائد المصفوفة التي يتكئون عليها { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } وهي البسط الناعمة الجميلة {مَبْثُوثَةٌ} ومنثورة كما قال تعالى { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ }

{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}

{ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ } أين عقولهم حتى يتأملوا إلى عظمة الله وإلى ما خلقه الله

{ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } كيف خلقها الله بهذه الضخامة وكيف ذللها وسخرها حتى يقودها أصغر الأطفال، { وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } كيف رفعها الله.

{ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } وهي واضحة وعلامة موجودة ظاهرة لعيونهم وهم يسيرون في الصحاري، { وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } يعني كيف بسطت وكيف مهدت، ولا تنافى هذا مع ماذا؟ من أن الأرض كروية، وقد مر معنا تفصيل لهذه المسألة هل الأرض كروية؟ وهل الأرض تدور أم لا في قوله تعالى { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } بينَّا هناك بيانا واضحا ومفصلا فقال هنا { وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ومن ثم فإن الله خاطبهم لأنهم بدو يعيشون على هذه الأشياء، ويسافرون، فيقول أنتم إذا سافرتم وإذا ذهبتم عن طريق هذه الجمال لأن من كان ممن يعيش في البادية ماذا يكون؟ إما في سفره على بعيره فنيظر إلى السماء فوقه، وينظر إلى الأرض تحته، وينظر إلى ما أمامه فيرى الجبال، فأتى بهذه الأشياء من باب تذكيرهم، ولذا قال تعالى { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ } يعني ماعليك إلا البلاغ.

{ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } كما قال تعالى { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } يعني لست بمصيطر عليهم حتى تجبرهم على الدخول في الإسلام.

{ إِلَّا } هنا بمعنى لكن، وهذا هو الأرجح من أنه استثناء منقطع، وليس استثناء متصلا { إِلَّا }  يعني لكن { مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } يعني من تولى وأعرض وكفر { إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)} لأنهم عذبوا في الدنيا.

{ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } يعني أن المرجع إليه { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } يعني من الذي يتولى حسابهم هو الله.

تفسير سورة ( الفجر )

الدرس (276 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الفجر….

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)}

{ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) } أقسم الله بالفجر، والفجر فيه أقوال، ولكن من أشهر هذه الأقوال والتي تناسب السياق، { وَالْفَجْرِ } يعني أنه وقت الفجر، ويدخل في ذلك ماذا؟ صلاة الفجر، { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } أقوال وأشهر هذين القولين من أنه أقسم عز وجل بالعشر الأولى من عشر ذي الحجة، وبالعشر الأواخر من شهر رمضان.

{ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } هناك أقوال، لكن الشفع هنا هو جميع المخلوقات؛ لأن المخلوقات أصناف { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } { وَالْوَتْرِ } يعني الله؛ لأنه واحد، ولذلك ثبت في الحديث ” إن الله وتر يحب الوتر” { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ }  ويدخل في ذلك ما قاله بعض المفسرين في بعض ما دلت عليه الأحاديث، { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } يعني أنه يذهب وحذفت الياء هنا من باب التخفيف { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } يعني أنه يمضي ويذهب، وأيضا يسر فيه من يسري فيه المسافر إذا ارتاح في شيء منه من ساعاته فإنه ينطلق.

{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ } يعني هل في ذلك مما ذكر قسم ينتفع به أصحاب العقول سمي العقل بالحجر؛ لأنه يحجر ويمنع صاحبه عن الأقوال السيئة والأفعال الخبيثة.

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) }

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } هنا تذكير لكفار قريش { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } { إِرَمَ } هذا بيان لعاد وهو ماذا؟ القبيلة يعني أنه جدهم {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ } لأنهم ينصبون خيامهم، فهم كثيرا ما ينصبون الخيام {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) } التي لم يخلق دل هذا على ماذا؟ على أن المقصود من ذلك أن عادا لم يخلق الله عز وجل مثلهم في الشدة { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ } وليس معنى ذلك أن ما كانوا يبنونه وأن قراهم من أنها هي المقصودة هنا، لا، على الصيحح لا، لم؟ لأنه قال { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ } ولم يقل التي لم يبن { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ }.

 { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ } يعني إلى ما فعل الله بثمود

{ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا } يعني قطعوا. { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ}  يعني بواد القرى، وهو مكانهم الذي كانوا يعيشون فيه يأخذون هذه الصخور، ويبنون البنيان العظيم { وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ }

{ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ } ماذا صنع الله بفرعون؟ { ذِي الْأَوْتَادِ } قيل ذي الأوتاد باعتبار أن له الجند بمثابة أنهم يثبتون ملكه مثل الأوتاد، وقيل لأنه كان يعذب الإنسان إذا أراد أن يعذبه جعل له أتادا، وجعله معلقا به حتى يموت، وقيل قال بعض المعاصرين كابن عاشور في تفسيره التحرير قال { وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ } ذي الأوتاد يعني الأهرامات، و‘ن كان كما قال هنا دل هذا على ماذا؟ على أن الأهرامات موجودة قبل فرعون، { وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ }  ومثل هذا يحتاج إلى دليل من حيث التاريخ الموثق، وعلى كل حال فرعون عنده ما عنده من الشدة فكيف أهلكه الله؟

{ الَّذِينَ } هؤلاء  كلهم {طَغَوْا فِي الْبِلَادِ} ، تجاوزوا الحد، وأفسدوا في البلاد طغوا وتجبروا في البلاد { فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ } وأعظم الفساد الشرك بالله.

{ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ }  { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ } أنزل عليهم {رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } يعني نوعا ولونا من العذاب. 

{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } كل سيكون مآله إلى الله؛ لأن الله قد رصد عليهم أقوالهم وأعمالهم، فلا يخفى عليه شيء.

{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) }

 { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ } يعني اختبره { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ } أكرمه بالخير { وَنَعَّمَهُ } يعني أعطاه النعم { فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ } يعني يقول هذا إكرام من الله.

{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ } ودل هذا على أن النعمة ابتلاء؛ لأنه قال عنها { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ }

{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ } يعني اختبره { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } يعني ضيق عليه رزقه { فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } يعني بهذا الفعل أهانن ربي

فيقول الله { كَلَّا } ليست الإهانة وليس الإكرام مبنيا على أنني أوسع الرزق  لهذا، أو أنني أضيق الرزق على هذا، وإنما الذي ينال الإكرام إنما يناله بطاعة الله، والذي ينال الإهانة إنما يكون ذلك بتركه لدين الله.

فالإكرام والإهانة لا تفسران ولا يحكم عليهما بحب الله لهذا ولبغض الله لهذا، لا، وإنما الله يكرم عبده المطيع، ولو كان فقيرا، ويهين عبده الكفار ولو كان غنيا.

{كَلَّا بَل} حالكم { بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } الذي مات أبوه قبل أن يبلغ.

{ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } لا يحث بعضكم بعضا على طعام المسكين.

{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا } يعني أنكم تأكلون الميراث؛ لأنهم كانوا يحرمون النساء والأولاد من الميراث.

{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا } يعني قويا وشديدا.

{ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا } يعني أنكم تجمعون جمعا حثيثا من حيث كان حلالا أو كان حراما وتحبون المال

{ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا } دكت الأرض ودقت الأرض.

{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } يعي وجاء الله وفي هذا إثبات صفة المجيء لله بما يليق بجلاله وبعظمته يجيء يوم القيامة، ومن ثم فإن بعض النحويين يقول إن المضاف إليه يقوم مقام المضاف، وأتى بهذا المثال {وَجَاءَ رَبُّكَ } لأنه يقول وجاء أمر ربك وهذا تحريف، وإنما الذي يأتي هو الله.

{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ }  يعني الملائكة { صَفًّا صَفًّا } إما صفوفا، وإما في صف واحد.

{ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } كما قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه:” يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها

{ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ } في ذلك اليوم { يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } يقول تذكرت يعني عرفت الحق { وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } لأن الذكرى ما تنفع إلا في الدنيا.

{ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } هنا اللام للتعليل يعني يقول يا ليتني قدمت من الأعمال الصالحة لأجل حياتي الأخروية، أو تكون اللام بمعنى الظرفية { يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }  يعني في الدنيا من أجل هذا اليوم، كما قال تعالى عن هؤلاء { قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ } ولا تعارض بين القولين.

{ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ } في يوم القيامة { لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } لا يمكن أن يعذب أحد أحدا مثل تعذيب الله للكافر لأن تعذيبه عز وجل عظيم { وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } يعني لا يستطيع أحد أن يقيد هذا الكفار كما يقيده الله.

{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ } المطمئنة التي عملت بطاعة الله { ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } راضية بالثواب مرضية قد رضي الله عنك {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي } يعني في عبادي الصالحين { وَادْخُلِي جَنَّتِي } .

 

تفسير سورة ( البلد )

الدرس (277 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسري سورة البلد…

{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}

{ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ } أقسم الله بالبلد، وهو مكة، { لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) } وأنت هنا اعتراض بين القسم وبين القسم الثاني، { وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } يعني أنت حلال بهذا البلد، فالله وعدك أن تفتح هذه البلاد، وأنه أحل لك ساعة من نهار فيها، وقد وقع ما أخبر به عز وجل، { وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } وقيل { وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } يعني يا محمد في أول أمرك، ومع ذلك ذلكم البلد الآمن لم يجعلوك آمنا، ولا تعارض بين القولين، { وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) } يعني كل والد وكل ما ولد، وقيل آدم وذريته، ولا تعارض بينهما { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } { وَوَالِدٍ وَمَا } يعني والذي { وَلَدَ } ولكن ليعلم هنا من أن هناك قولا من أن ما في { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } يعني من ولد، ومن كان عقيما، ومن كان عقيما، وعلى كل حال القسم هنا بماذا؟ القسم هنا من أجل أن يقسم الله بالآدميين كلهم { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } هذا القسم من أجل ماذا؟ تأكيدا على ماذا؟ { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } يعني في مكابدة في دنياه، وحتى فيما يلقاه فيما يستقبله، فيما يكون في قبره، وفيما يكون في محشره، ثم سبحان الله { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } لا تجد أحدا في هذه الدنيا إلا وهو يكابد حتى لو كان ملكا حتى لو كان غنيا حتى لو كان فقيرا، الكل يكابد كل على حسب مكابدته.

{ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } وذلك من عارض النبي صلى الله عليه وسلم من كفار قريش يظن أن الله لن يقدر عليه، بل هو في ماذا؟ في تصرف الله، وفي إحاطته عز وجل، فقال الله { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) } يعني مالا كثيرا قد تلبد بعضه على بعض في ماذا في معارضة محمد صلى الله عليه وسلم.

{ أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ } بل الله يراه، وأحصى عليه أعماله، وسيجازيه عليها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم  كما ثبت عند الترمذي ” لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع منها عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه”

{ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)} ذكر اللسان مع الشفتين لأن الكلام السوي لا يكون كلاما سويا إلا بلسان مع شفتين.

{ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } يعني هديناه طريق الخير وطريق الشر، وقال {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } { النَّجْدَيْنِ } النجد المرتفع يعني أنه بين له ماذا؟ طريق الخير وطريق الشر بيانا واضحا، وهذا أظهر من قول من يقول {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } يعني هديناه الثديين يعني ثديي أمه.

{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } يعني هلا اقتحم العقبة كان من أولى به بدل من أن ينفق ماله في معارضة الدين أن يقتحم العقبة الشديدة التي سيواجهها يوم القيامة.

{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ } استفهم عنها من باب تعظيمها، ما هي؟

{ فَكُّ رَقَبَةٍ } يعني أنه يعتق الإماء والعبيد، وقيل { فَكُّ رَقَبَةٍ } يعني أنه يفك رقبته من عذاب الله بفعل الطاعات.

{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } يعني في مجاعة شديدة يطعم من؟ { يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ } يعني اليتيم القريب له { أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } يعني يطعم مسكينا قد افتقر افتقارا حتى ألصق بالتراب.

{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا } { ثُمَّ } هنا ليست للترتيب الزمني، وإنما هي للترتيب الذكري يعني أن تلك الأعمال لا يمكن أن تكون أعمالا مقبولة من الإطعام وما شابه ذلك إلا بالإيمان، ولذلك قال { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } يعني فيما بينهم توصوا بالصبر على الحق { وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } تواصوا على فعل الخير { وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ }على رحمة المخلوقين جمعوا بين حق الخالق وبين حق المخلوق { أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } الذين يعطون كتبهم بأيمانهم

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا } يعني بالقرآن { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ } وهم أهل الشمال { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ } يعني مغلقة.

 

تفسير سورة ( الشمس )

الدرس (278 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسر سورة الشمس..

{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}

{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } أقسم الله بالشمس وضحاها يعني وضيائها نورها {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)} يعني إذا تبع الشمس

{وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } يعني جلى وأظهر الشمس؛ لأنها هي المذكورة، وقيل  {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } يعني جلى الظلمة يعني بناء على شي ء غير مذكور لكن السياق عن الشمس.

{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } يعني يغطي ماذا؟ الشمس إذا جاء يغطي الشمس.

{ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } يعني والذي بناها، وهو الله إذا كانت هنا موصولية أو تكون مصدرية والسماء وبنيانها، { وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } يعني بسطها { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } { وَنَفْسٍ } يعني كل نفس {وَمَا سَوَّاهَا } وحسن خلقتها وأتم تسوية خلقها، وما هنا المذكورة في هذين الموضعين مثل ما ذكرنا في الموضع السابق.

{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} قال هنا {فَأَلْهَمَهَا}  قال بعض المفسرين يعني بين لها فجورها وتقواها يعني طريق  الفجور، وطريق التقوى، وقيل { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } يعني وفق هذا للتقوى، ووفق هذا للفجور، ولا تعارض بينهما؛ لأن الإنسان إذا اهتدى فإنما ذلك بتوفيق الله، وإذا ضل فإنما ذلك بأمر الله وبحكمة الله.

{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } بعض المفسرين يقول { مَنْ زَكَّاهَا } يعني من زكى الله هذه النفس، من زكاها الله، { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } يعني من أضلها الله، وقيل إنه راجع إلى المخلوق ذاته قد أفلح المخلوق الذي يزكي نفسه، { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } يعني أخفاها دل هذا على أن الضلال يجعل الإنسان في نزول في خفاء، وفي ستر، ولا تعارض بين القولين لأن ما يفعله العبد كما قال الله { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}

 

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} سبحان الله هنا تذكير لكفار قريش، وذكر ثمود باعتبار ما ذكرناه في أواخر سورة البروج لماذا نصَّ على ثمود {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}  قيل بسبب طغيانها، وقيل بالطاغية التي حصلت لهم كما قال تعالى { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ }

{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ } دل هذا على أنه أسرع هذا الرجل الشقي، { إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا } يعني أشقى القوم كما قال تعالى {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ }

{ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ } وهو صالح عليه السلام { نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } يعني احذروا أن تسموا ناقة الله، واحذروا أيضا أن تتعدوا على اليوم الذي تشرب فيه { قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ }

{ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } فكذبوه يعني لم يؤمنوا به { فَعَقَرُوهَا } يعني فذبحوها { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ } أطبق عليهم ربهم {بِذَنْبِهِمْ } بسبب ذنبهم { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا } يعني فسواها على الكل، فلم ينج أحد من هؤلاء الكفار، { وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا } هو عز وجل القوي الملك ولا يخاف من أحد ماذا؟ أن يأخذ بثأرهم { وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا } وقيل ولا يخاف هذا العاقر لما أقدم عليها ما يخاف عاقبة هذا العقر، وإن كان هذا لا مانع من دخوله لكن الأول هو أظهر.

 

تفسير سورة ( الليل )

الدرس (279 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الليل…

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)}

{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } أقسم الله بالليل إذا يغشى يعني غطَّى بظلامه، {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } يعني إذا ظهر { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } يعني والذي خلق الذكر والأنثى من هو؟ الله وهذا على أنا موصولية، أو تكون مصدرية وخلق الذكر والأنثى، { إِنَّ سَعْيَكُمْ } أقسم بهذه الأشياء من باب ماذا؟ التأكيد على ماذا؟ { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } يعني أن سعي  كل إنسان منكم مختلف..

{ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى } لما قال شتى بيَّن هنا { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى } يعني أعطى حقوق الله { وَاتَّقَى } يعني واتقى الله.

{ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } صدق بالتوحيد بكلمة لا إله إلا الله، وصدق بما يكون له من ثواب في الجنة { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }.

{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } سنسهله للعمل اليسير الذي يصل إلى ماذا؟ إلى رضا الله.

{ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ } فلم يؤد حق لله { وَاسْتَغْنَى } يعني واستغنى عن الله {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى } يعني بالتوحيد وبما يكون لأصحابه من الثواب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} للأمور المعسرة تتعسر عليه أموره في دنياه، وفي أخراه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه قال: ” ما منكم من أحد إلا وقد كتب له مقعده من الجنة ومن النار، فقالوا يا رسول الله أفنتكل فندع العمل؟ قال لا، اعملوا، فكل ميسر لما خلق له”

{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } يعني ما يفيد عنه ماله ما هنا نافية، {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} يعني إذا مات وتردى في نار جهنم.

{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)}

{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} يعني إن علينا بيان الهدى بيان الهدى هذا عليه كثير من المفسرين شيخ الإسلام يقول {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} يعني إن طريق الهدى موصل إلينا كما مر معنا موضحا وفصلنا ذلك تفصيلا شاملا { قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } فسرناه هناك.

{ وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى } يعني الدنيا يعني من طلبها من غير الله فقد ضل { وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ } يعني خوفتكم { نَارًا تَلَظَّى } يعني تتقد وتلتهب. {لَا يَصْلَاهَا} يعني لا يقاسي حرها وعذابها { إِلَّا الْأَشْقَى } لأنه عرض نفسه للشقاء المستمر { الَّذِي كَذَّبَ } بأخبار الله {وَتَوَلَّى } يعني عن طاعة الله. الذي كذب وتولى { وَسَيُجَنَّبُهَا } يعني النار من؟ { الْأَتْقَى } صفته { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } يؤتي ماله من أجل أن يتطهر، { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } يعني ما دفع ذلك المال من أجل أن هناك شخصا قد عمل له معروفا يريد أن يكافئه عليه، لا، {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} يعني ما قدم المال ولا عمل تلك الأعمال إلا من أجل رضا الله وابتغاء وجه الله.

{ وَلَسَوْفَ يَرْضَى } ولسوف يرضى من ثواب الله، وهذه كثير من المفسرين يقولون نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، وعلى كل حال لاشك أن أبا بكر من أعظم  الناس دخولا في الآية، ولكنها شاملة، ويدخل في ذلك دخولا أوليا من؟ أبو بكر رضي الله عنه.

 

تفسير سورة ( الضحى )

الدرس (280 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الضحى…

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}

{ وَالضُّحَى } وهو وقت الضحى { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } بعض العلماء يقول {وَالضُّحَى}  يعني النهار لأنه ذكر بعد ذلك الليل، وعلى كل حال سواء كان هذا أو هذا لأن الضحى من نفس النهار { وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) } يعني سكن وغطى بظلامه كما تقول سجيت الشيء يعني غطيته {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } أقسم بهذه الأشياء {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } لأنه لما فتر الوحي قالوا إن محمدا  قد تركه ربه وقلاه يعني أبغضه { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} يعني ما تركك ربك { وَمَا قَلَى } هنا حذف للإيجاز يعني وما قلاك، يعني وما أبغضك كما قال لوط { إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ } يعني من المبغضين.

{ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى } خير لك من الدنيا؛ لأن نعيمها دائم ومستمر هذاعليه أكثر المفسرين، بعض المفسرين يقول { وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى } يعني آخر أمرك ونهاية أمرك خير من أول حياتك؛ لأن في أول حياتك ما بها؟ بها الاضطهاد بها الأذى، ثم بعد ذلك فتح الله عليك الفتوح ونصرك الله وأغناك وأعزك، ولا مانع من دخول هذا.

{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } وهذا ماذا من باب بيان منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أن الله خصه بأنواع من الشفاعات.

{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى } هذا استفهام للتقرير يعني أوجدك { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى } يعني من أنك يتيم فتكفلبك جدك ثم عمك. { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى } يعني أواك ويسر الله لك جدك وعمك حتى توليا أمرك.

{ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } وهذه الآية فيها كلام كثير الله أعلم { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } حتى إن بعضهم قال وجدك ضالا في شعاب مكة فهداك إلى أهلك. ولكن هذه الآية {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} يعني قبل النبوة كيف ذلك؟

يعني تفسيرها مر معنا {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}

{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } فالضلال هنا تفسيره {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} .

{ وَوَجَدَكَ عَائِلًا } يعني فقيرا { فَأَغْنَى }

{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} تذكر حالك والنبي صلى الله عليه وسلم  من أعظم الناس حثا للناس  على اليتيم، {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} يعني فلا تقهر هذا اليتيم بأخذ ماله أو بأذيته.

{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} من يسأل مالا، من يسأل أي شيء، من يسأل هداية للطريق لطريق ما، من يسأل العلم، {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} يعني فلا تزجره، ولا تغلظ عليه.

{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } يعني كل نعمة أنعم الله بها عليك فحدث بها من باب ماذا؟ الثناء على الله ، لا من باب التطاول على الآخرين.

جاء حديث من أن النبي عليه الصلاة والسلام من أنه لما فتر الوحي، وعاد الوحي من أنه كبَّر بعد سورة الضحى، ومن ثم فإن هذا الحديث كما قال ابن كثير رحمه الله فيه من هو منكر الحديث، وتكلم عنه الأئمة، ومن ثم فإن ابن كثير قال إن الشافعي لما سمع رجلا يكبر في الصلاة استحسن هذا، قال ابن كثير وهذا يقتضي صحة الحديث، لكن قلت إن مثل قول  الشافعي إنما هو رأي له رحمه الله، وله مكانته، لكن إثبات الحديث يحتاج إلى دليل صحيح، ومن ثم فإني لا أعلم إلا هذا الحديث، ومن ثم فإن الإنسان يترك التكبير بين هذه السور إلا إذا وجد دليل صحيح يدل على ذلك.

تفسير سورة ( الشرح )

الدرس (281 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسيرسورة الشرح…

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}

{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } هنا استفهام تقريري يعني شرحنا صدرك يعني وسعنا صدرك فإذا بصدرك يتحمل الآلام والمتاعب وما يقوله قومك من الأذى، وما يفعلونه معك من الأذى.

{وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} يعني الإثم الذي أنقض ظهرك يعني أثقل لظهرك وهنا كلام كثير للمفسرين كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم عنده ذنوب، وقد مر معنا هل تقع الذنوب من الأنبياء أم لا؟ في قوله تعالى في سورة النساء {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } فهناك يوضح ما هاهنا، وأيضا قال بعض العلماء قولا حسنا يعني يدخل من ضمن هذا، والعلم عند الله من أنه قال {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ}  الوزر هنا ليس الإثم، إنما المقصود من ذلك الأثقال والمتاعب، لم؟ لأنه كان قبل أن يبعث إليه كان يرى قومه من أنهم على غير هدى، فكان يجد في نفسه ماذا؟ المتاعب، ولذلك كان يتعبد الليالي ذوات العدد في غار حراء، أيضا لما بعث كذبه قومه، فتحمل من الآلام والمتاعب التي أثقلته، فقال الله { الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } وهذا لا بأس به لكن القول الأول هو الذي عليه الأدلة الواضحة.

{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } يعني يذكر الله ويذكر النبي عليه الصلاة والسلام لكن في الأشياء التي نصَّ عليها الشرع حتى لا يقع الإنسان في البدع مثل ذكره في الأذان وما شابه ذلك.

{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) } سبحان الله { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } أتى ب”ال” العسر كل العسر سيزول، ولذلك أتى باليسر منكرا، ولذلك جاء في حديث وهو ضعيف ” لن يغلب عسر يسرين”؛ لأنه نكره، وهذا المعنى صحيح، ولذلك قال { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } ثم أكد { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } ولكن لو قال قائل كيف يكون اليسر مع العسر؟ قال الله {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } لكن لماذا قال { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } يعني أن فرج الله واليسر من الله قريب، كأنه مع العسر فإذا جاء العسر فاعلم بأن اليسر قريب لكن لا يستعجل الإنسان.

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } يعني إذا فرغت من أعمالك الدنيوية { فَانْصَبْ } يعني فاتعب في عبادة الله وليس المراد من ذلك الإجهاد الذي يخالف الشرع، وأيضا إذا فرغت من عبادة فماذا؟ فاعمل عبادة أخرى لا يكون عندك فراغ لا تستفيد منه، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام ماذا يقول كما ثبت عنه” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } ولكن تلك العبادة التي أتعبت نفسك تكون إلى الله {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } يعني توجه إلى الله.

تفسير سورة ( التين )

الدرس (282 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة التين…

{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}

{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } أقسم الله بالتين، وهو هذا التين المعروف، وكذلك الزيتون وهذا هو الصحيح لظاهر الحديث، وأما من قال من أن التين والزيتون من أنهما جبلان، فإنه خلاف ظاهر الآيات إلا أن يقال من أن المقصود من ذلك القسم بالمكان الذي نبتا فيه، وعلى كل حال فالقسم هنا ظاهر قسم بماذا؟ بهذا التين وبهذا الزيتون المعروف.

{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) } وهو الجبل الذي كلم الله عنده موسى، وسمي بالسنين، وذلك لكثرة أشجاره، ولذلك مر معنا توضيح لذلك أكثر في قوله تعالى { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ}.

{ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } وهو مكة وسمي بالأمين؛ لأن من دخله كان آمنا {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ } يعني لما أقسم بهذه الأشياء بيَّن أن جواب القسم { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } يعني في أحسن هيئة {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } قال بعض المفسرين { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } يعني أنه يكون بعد الشباب، وبعد هذا الحسن يرد إلى أرذل العمر كما قال تعالى الله { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً }

وقال بعض المفسرين من أن قوله تعالى {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } يعني أن المقصود من ذلك أن هذا الإنسان مع حسن صورته إذا لم يؤمن بالله فإنه يرد إلى أسفل سافلين، وهي النار، ثم قال الله بعد ذلك {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } يعني غير منقطع وغير منقوص، ومن ثم فإنه على القول الأول يكون أهل الإيمان ممن أصابه الخرف تكون أعماله باقية، وعلى القول الآخر من أن المقصود أسفل سافلين يعني أنه لا ينجو من النار إلا الذين آمنوا وعلموا الصالحات فلهم أجر غير ممنون.

{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} أنت يا أيها الإنسان بعد تلك الدلائل {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}  يعني بيوم القيامة

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } يعني من أنه أحكم الحاكمين الذي يفصل بين عباده بحكمه الجزائي، وأيضا له الحكم القدري، وله الحكم الشرعي، وليعلم أنه ورد حديث من أن الإنسان إذا قرأ هذه الآية {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } فيقول:” بلى وأنا على ذلكم من الشاهدين” لكن الحديث ضعيف…

 

تفسير سورة ( العلق)

الدرس (283 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة العلق…

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)}

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} هذه سورة العلق صدرها أول ما نزل من القرآن، وأما ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه أن أول ما نزل من القرآن سورة المدثر، فالجواب عن هذا: من أن سورة المدثر هي أول سورة نزلت كاملة، أما أول الآيات نزولا فهي ما ذكر في صدر هذه السورة، وبهذا يحصل الجمع، وقيل غير ذلك من الأقوال..

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وذلك أن جبريل أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يتعبد في الغار، فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، وقصته مشهورة، فقال تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}  وأتى بكلمة { اقْرَأْ } في أول الآية مما يدل على عظم التعلم.

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } يعني مستعينا بالله الذي خلقك وخلق غيرك {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)}  لم يقل خلق الإنسان من نطفة، وذلك من باب ماذا؟ من باب انتقال النطفة إلى شيء آخر لأن ما بعد النطفة العلقة، وهي قطعة من الدم.

{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ } وكرر كلمة {خَلَقَ } باعتبار ماذا؟ من أنه لما ذكر العموم في كلمة {خَلَقَ } {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}  نص هنا على ماذا؟ على خلقه عز وجل للبشر، {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ } كرر كلمة { اقْرَأْ } لأهمية العلم { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } وهذا يدل على أن التعلم ولاسيما العلم الشرعي نعمة من الله وكرم من الله {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) } يعني علم الكتابة بالقلم، وهذا يدل على ماذا؟ يدل على القراءة والكتابة {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} يعني كان جاهلا فعلمه الله { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}

{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} مر معنا في سورة المدثر خلاف العلماء في كلمة {كَلَّا } هل هي للردع والزجر أم أنها بمعنى حق؟ ومن أراد التفصيل فليرجع إلى هناك في قوله تعالى {كَلَّا وَالْقَمَرِ }

قال هنا {كَلَّا }  ليس هناك ما تقدم حتى ينكر، ومن ثم فإن الأظهر من أن كلمة {كَلَّا } هنا  بمعنى حقا { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى } جنس الإنسان إلا من هداه الله { لَيَطْغَى } يعني ليتجاوز الحد بسببب ماذا؟ {أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى } إذا أغناه الله كما قال تعالى { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ } إلى غير ذلك من هذه الآيات.

{ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى } يعني أن الجميع سيرجع إلى الله كما قال تعالى {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى }

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)}

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } وذلك أن أبا جهل نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عند البيت فقال الله {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } يعني لتتعجب يا محمد من حال هذا الكافر {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } ينهى من؟ { عَبْدًا إِذَا صَلَّى } وهو النبي  عليه الصلاة والسلام.

{ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى } يعني إذا كان هذا العبد الذي يصلي كان على الهدى { أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى } يعني أمر غيره بالتقوى.

{أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } يعني هذا الجاهل وهو أبو جهل { أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ } كذب بالحق { وَتَوَلَّى } عن العمل.

{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } ومن ثم فهنا محل العجب كيف لهذا الرجل الذي كذب كذب وتولى ينهى ذلك الرجل الذي هو عبد يصلي، وهو على الهدى وقد أمر بالتقوى فقال الله هنا {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الله قد أحاط به علما، ومن ثم فإنه سيعاقبه { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } { كَلَّا } حرف ردع وزجر لما  صنعه هذا الرجل الكافر الفاجر { كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } يعني عن نهيه للنبي عليه الصلاة والسلام { لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ } يعني لنأخذن بقوة بناصية رأسه لأن الناصية هي أشرف ما في مقدمة الإنسان فإذا أخذت تكون إهانة له

ثم قال { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } وها كلمة { نَاصِيَةٍ } بدل فكيف يبدل المنكر من المعرف؟ وهنا لما كانت هذه النكرة موصوفة هنا جاز البدل { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ } يعني في أقوالها { خَاطِئَةٍ } يعني في أعمالها { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } يعني فليدع من يجتمع معهم وذلك لأن أبا جهل قال إني من أكثر الناس عشيرة، ومن أكثر الناس أصحابا فقال الله { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) } وهم الملائكة لتعذيبه { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } يعني لا تطع هذا الكافر، واسجد لله عز وجل، واقترب له عز وجل.

 

تفسير سورة ( القدر)

الدرس (284 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة القدر..

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} يعني أن هذا القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وقد بينا ذلك في قوله تعالى { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } وبعد أن نزل إلى السماء الدنيا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا حسب الأحداث {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وسميت بهذا الاسم من باب ماذا؟ من باب أن لها قدرا وشرفا إذ إن العبادة فيها لها شرف، ولذلك ثبت قوله عليه الصلاة والسلام: ” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقيل لأن الله يقدر في ليلة القدر ما سيكون على العباد في سنتهم إلى السنة الأخرى، وقد بينا ذلك في قوله تعالى { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }.

فقال تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } هنا استفهم عنها من باب التعظيم لها { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } يعني هي خير من ألف شهر إذا قام الإنسان في هذه الليلة.

{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } والروح هو جبريل { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } يعني يتنزلون بإذنه عز وجل { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } يعني بكل أمر قد قضاه الله في تلك الليلة { سَلَامٌ هِيَ } لم يقل هي سلام قدم سلام من باب ماذا؟ من باب التأكيد على أن بها السلامة، وأن من وفق إلى القيام فيها فإنه سيسلم من عذاب الله وسيسلم من الآفات

{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } دل هذا على أن ليلة القدر تبدأ من غروب  الشمس إلى طلوع الفجر…

 

تفسير سورة ( البينة)

الدرس (285 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة البينة…..

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)}

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} هنا أقوال متعددة لكن أظهرها هو من أن هذه الآية {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} يعني أنهم لن يتركوا الشرك حتى يأتي محمد عليه الصلاة والسلام وهو البينة فإذا أتى عليه الصلاة والسلام آمن بعضهم، وكفر بعضهم، وقيل {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ } يعني ليسوا بمتروكين كما قال تعالى {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } فقد جاءت البينة، وقامت عليهم الحجة، وإن كان الأول أظهر من هذا الثاني، فقال تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وقدم أهل الكتاب من باب أنهم أصحاب علم ليسوا كالمشركين

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ } يعني منفصلين وتاركين { مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } يعني حتى أتتهم البينة

تلكم البينة ما هي؟

{ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ } فالرسول هو البنية { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} تلك الصحف مطهرة، وذلك لما فيها من كلام الله، وهي مطهرة فلا تغير ولا تبدل، وهي  محفوظة من الباطل، وما شابه ذلك، فقال الله {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } يعني في هذه الصحف، وذلك لأن القرآن كان يكتب قديما يكتب في الجلود، وفي الأوراق، وما شابه ذلك، فلم يجمع إلا في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم جمع في آخر الأمر في عهد عثمان رضي الله عنه.

فقال الله {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } يعني فيها أشياء مكتوبة من الأحكام، وتلك الأحكام قيمة يعني مستقيمة يعني ذات عدل، وليس بها جور.

ثم قال {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} هذا بيان لحال أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا مجتمعين قبل أن يأتي على أنه سيبعث نبي في آخر الزمان، لكن لما بعث  ورأوا أنه من العرب هنا كفروا فقال تعالى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ } يعني ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعبادة الله وبالتوحيد كحال الأنبياء السابقين {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} يعني أنهم مائلون عن تلك الأديان الشركية إلى دين الإسلام {حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } يعني ما مضى من ذكر هو دين القيمة يعني الدين المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } قدم أهل الكتاب لأنهم أصحاب علم والحجة قائمة عليهم، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} يعني شر الخلق، دلَّ هذا على أن الكفار هم شر الخلق كلهم، وقد قال الله {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}

{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } يعني خير الخلق

{ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } جنات إقامة {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}  رضي الله عنهم بما قاموا به من الأعمال الطيبة، وفي هذا إثبات صفة الرضى لله بما يليق بجلاله وعظمته، { وَرَضُوا عَنْهُ } وذلك لما أعطاهم وأعد لهم من الثواب.

{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}  ذلك الثواب لمن خشي الله، ولا خشية إلا بالعلم، ولذا قال تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } فقال تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}  وهذا يدل على أهمية الخشية.

 

تفسير سورة ( الزلزلة )

الدرس (286 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الزلزلة….

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} يعني حركت الأرض تحريكها المناسب لها؛ لأن الأرض قد تتزلزل في هذه الدنيا، لكن إذا زلزلت الأرض زلزالها يعني أنها تتزلزل على حسب ما يناسبها في هذا اليوم العظيم.

{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} يعني من الموتى ومن الكنوز.

{وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} الإنسان من هو؟ الإنسان هنا يكون بمعنى المؤمن وبمعنى الكافر، هذا إذا كانت الزلزلة قبل قيام الساعة يعني عند قرب قيام الساعة، وأما إذا كانت الزلزلة في يوم القيامة فإن الإنسان المقصود به هنا هو الكافر، ولذلك مر معنا تفسير قوله تعالى { إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} في أول سورة الحج.

فقال تعالى {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) }  يومئذ في يوم القيامة تحدث أخبارها يعني تخبر بما عمل عليها من خير أو شر، وقد جاء حديث يبين ذلك، وإن كان فيه ضعف، لكن المعنى يدل عليه ما ذكر في هذه الآية.

{ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } بسبب ماذا؟ {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أمرها الله بذلك {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} .

{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ } يعني يوم يرجع الناس بعد الحساب على حسب ما كان منهم من مؤمن وكافر { لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ } يعني ليروا جزاء أعمالهم، ويمكن أن يكون كما قيل من أنهم يخرجون من قبورهم أشتاتا يعني منهم المؤمن ومنهم الكافر؛ ليرى كل شخص ما كان يعلمه في هذه الدنيا.

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ } يعني وزن ذرة يعني نملة صغيرة أو الهباءة التي تنبعث من الشمس إذا فتحت النافذة.

{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } فيرى عمله الصالح وعمله السيء، وإذا كان سيرى العمل الصغير إذن ما كان على وزن الجبال فإنه سيراه.

 

تفسير سورة ( العاديات )

الدرس (287 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة العاديات…

{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}

{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} أقسم الله بالخيل {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} وهو صوتها إذا جرت.

{ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا } يعني أنها إذا جرت فإن أقدامها إذا اصطكت مع الحجارة يكون هناك شعاع من النار.

{ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا } يعني أنهن يغرن على العدو في الصباح.

{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} يعني فأثرن في المكان نقعا يعني غبارا.

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} يعني من أنهن توسطن الجموع حال الجيش {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} وهذا هو المشهور من أن القسم بالخيل، وهذا يدل على فضيلة الخيل  ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه: ” الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة” وقال بعض المفسرين من أن العاديات هي الإبل، ولذلك علي رضي الله عنه لما سمع ابن عباس رضي الله عنهما يفسرها بأنها هي الخيل، قال كيف ونحن في بدر لا نملك إلا فرسين” هنا  قال علي رضي الله عنه من أنها الإبل يعني {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} وهو ما يكون من الإبل حينما تنطلق من عرفة إلى مزدلفة، { فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا } يعني أنهم يشعلون النارفي مزدلفة { فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا } يعني أنهم في حال الصباح ينفرون من مزدلفة إلى منى.

{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} يعني فأثرن بذلك المكان في منى الغبار {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} وعلى كل حال فالذي يظهر، وهو الشهور من أن القسم هنا بماذا؟ بالخيل.

فقال الله { إِنَّ الْإِنْسَانَ } القسم هنا من أجل ماذا؟ الجواب { إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } يعني كافر { وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } يعني الله شهيد على كفر هذا الإنسان فالله عليم ومحيط به، وأيضا الإنسان شهيد على أنه كافر؛ لأن حاله حال الكفر، وإذا سئل على أي ملة أنت؟ فيقول أنا كافر.

{ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ } يعني الإنسان { لِحُبِّ الْخَيْرِ } يعني المال { لَشَدِيدٌ } وسمي المال بالخير؛ لأن  الإنسان إذا وفق لصرف هذا المال في مصارفه الحقيقية فإنه ينال الخير.

{ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ } بعثر ما في القول، وخرج الناس من قبورهم، { وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ } يعني أظهر ما في الصدور مما كان في الدنيا،  { وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ } كما قال تعالى { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ }

{ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ } فهو عز وجل خبير بهم في هذا اليوم، وخبير بهم عز وجل قبل هذا اليوم في هذه الدنيا.

تفسير سورة ( القارعة )

الدرس (288 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة القارعة….

{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}

{ الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) } والقارعة هي يوم القيامة، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها تقرع الناس بأهوالها وبشدائدها { الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) } ثم فسر ذلك { يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } كالفراش المبثوث يعني المنتشر، كما قال تعالى { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ }

{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ } يعني الصوف { الْمَنْفُوشِ } الذي نفش فطيرانه من أسهل ما يكون، فكذلك تتطاير الجبال، { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ }

{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} { فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ } وذلك لأنه رضي بها، وقد مر معنا لماذا سميت براضية في سورة الحاقة.

{ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ } يعني فمسكنه { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } وإنما قيل هي أم؛ لأن الطفل يأوي إلى أمه، فقال هنا { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } وهي التي  تهوي به الهاوية أسفل سافلين، ولذلك فسرها { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}}  { نَارٌ حَامِيَةٌ } يعني شديدة الحرارة وقال بعض المفسرين { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } من أنه يؤخذ فيلقى على أم رأسه في هذه النار.

 

تفسير سورة ( التكاثر )

الدرس (289 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة التكاثر…

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}

{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } كما قال تعالى { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ } كل منكم يكاثر الآخر فقال الله {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } وقال { أَلْهَاكُمُ } لأن اللهو يتعلق بالقلوب، فانشغلت القلوب بهذا التكاثر.

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } وهذا هو التفسير المشهور {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } وهذا يدل على أن الناس إذا ماتوا، ودفنوا في قبورهم هذا بمثابة الزيارة، إذن دل هذا على أن القبور ليست مستقرا، وإنما سيبعثون وقوله {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} والزيارة معلوم أن وقتها قليل.

 {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)} تهديد ثم أعقبه بتهديد. قيل { كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ } المقصود من ذلك الكفار { ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني من؟ المؤمنون وعلى كل حال فالتأكيد يكون أولى باعتبار ماذا؟ أن من له الوعيد والتهديد هم الكفار.

{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} علم اليقين، وذلك لأن هناك فرقا بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ومن ثم قال هنا { عِلْمَ الْيَقِينِ } لو كان عندكم علم يقيني بهذا اليوم لما تكاثرتم، ومن ثم فإن قوله عز وجل هنا {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} وذلك كمثال مثلا لو أن إنسانا أخبره شخص صادق ثقة بأن هناك مثلا بأن هناك مدينة من المدن صفتها كذا وكذا وهو صادق فإن عنده علما يقينا باعتبار هذا المخبر، فإنه بعدها لو رأى تلك المدينة فهذا هو عين اليقين، فإذا دخلها فهو حق اليقين، فيقول تعالى لو عندكم علم اليقين ما ألهاكم التكاثر، لكن كيف يكون الإنسان يكون عنده علم يقيني وهو منصرف عن هذا القرآن؟!

{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} ليست كلمة {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} مرتبطة بالسابق، لا، هي منفصلة، ولذلك من الأفضل أن الإنسان لا يربط هذه الآية بالآية إذا قرأ ، يعني إذا قرأ لا يصل {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} يقف {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} لأنه جواب قسم يعني والله لترون الجحيم.

{ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } قال هنا { عَيْنَ الْيَقِينِ } يختلف عن ماذا؟ عن علم اليقين، ولذلك ماذا قال تعالى في أواخر سورة الواقعة { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ }

{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } يعني سوف يسأل الكافر عن النعيم سؤال توبيخ وتحقير  وتعذيب، وأما المؤمن فإنه سيسأل عن هذا النعيم عن شكر هذه النعمة، وما شابه ذلك مما أنعم الله به عليه، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما أكل ذلك اللحم مع الرطب قال لبعض أصحابه قال: ” لتسألن عن هذا النعيم” يعني عن شكره، وقيل يسأل أهل الإيمان عن هذا النعيم سؤال ماذا؟ تشريف؛ لأنهم قاموا بشكر هذه النعم.

 

تفسير سورة ( العصر)

الدرس (290 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة العصر…

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}

{وَالْعَصْرِ } {وَالْعَصْرِ } هنا أقسم الله بالعصر، وهنا العصر هو وقت العصر، وقيل الزمن الدهر، ولا مانع من دخول هذا في هذا، وذلك لأن وقت العصر داخل في الزمن، وقيل فيه قسم بصلاة العصر، ولا مانع من ذلك، فإن لها فضلا { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } فهي الصلاة الوسطى.

لما أقسم بالعصر هنا جواب القسم { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } كل إنسان هو في خسر، لكن استثني من؟ { إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا } هذا يدل على العلم {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } يدل على العمل، {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } بعني يعني أوصى بعضهم بعضا بالثبات على الحق وبالعمل بالحق { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } بالصبر على تحمل الأذى في تبليغ هذا الحق، فدل هذا على أن هذه الآية اشتملت على أربع مسائل:

ـ أن يعلم الإنسان العلم الشرعي

ـ وأن يعمل به

ـ وأن يدعو الناس إليه

ـ وان يتحمل الأذى في سبيل الدعوة إليه.

قال ابن القيم:” فإذا أتى بهذه المسائل الموجودة في هذه الآية أصبح عالما ربانيا”

تفسيرُ سورة ( الهُمَزَة )

 الدرس 291

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسيرُ سُورَةِ ( الهُمَزَة ) :

{ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) }

{ وَيْلٌ } كَلِمَةُ وَعِيدٍ وتَهدِيدٍ لِكُلِّ { هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }

ولِذا اختَلَفَ العُلَماءُ اختلافًا في هذا :

( الهُمَزة ) هل هو العَيّاب أو أنّه هو الَّذي يَغتاب الناس

و ( اللُّمَزة ) هو العَيّاب { وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ .. } [ التَّوبة : 58 ]

قِيلَ بِهذا وبِهذا وَقِيل بِأَقوالٍ أُخرَى .

وَعَلَى كُـلِّ حال

{ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } يَشمَلُ ماذا ؟

 – يَشْمل كُلَّ طَعّان وعَيّاب ومُغتاب ونَمّام ومَن يَسخَرُ بِحَرَكاتِه أو بِأَقوالِه.

{ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) }

{ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) }

(  جَمَعَ المالَ وعَدَّدَه ) يَعْنِي :

 – أنّه جَعَلَه عُدَّةً له ، مِن بابِ ماذا ؟ أنّه يَكُونُ له عُدّة في أيّامه وفِي حياته

 – وأيضًا يَعْنِي : أنّه عَدَّه وجَعَلَ يَحسِبُهُ حِسابًا

{ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) }

{ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) } يَظُنُّ أنّ هذا المالَ سيُخَلِّدُه في هذه الدُّنيا

{ كَلَّا .. } لَيْسَ عَلَى ما أَرادَ ، كَلّا لَن يَحْصُل ذلك ولن يُخَلَّد

{ كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) } يَعْنِي لَيُطرَح في الحُطَمَة

وسُمِّيَت النار بِـ ( الحُطَمَة ) لِأنّها تُحَطِّمُ مَن فيها ، وأَيضًا لِأَنّ هؤلاء لَمّا كانوا هَمّازِينَ لَمّازِينَ يُحَطِّمُون شُعُورَ النّاس حَطَّمَهم اللَّـهُ عزّ وجلّ

فقال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) } فَسَّرَها : { نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) } يَعْنِي الَّتي تَتَّقِد

{ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) }

{ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)} يَعْنِي أنّها تُحرِقُ الأجسام حَتَّى تَصِلَ إلى الفُؤَاد

ثُمَّ يَعُود مَرَّةً أُخرَى

{ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) } يَعْنِي مُغلَقَة

{ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9) } يَعْنِي أَعمِدَةٍ مُمَدَّدَة، يَعْنِي مِن وراء الأبواب

أُوصِدَت تِلْك الأبواب وأُحكِمَ إِيصادُها بِـ ( عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ طَويلةٍ ) لا يَستطيعون أن يَخرُجوا مِنْهَا ، ولا أنّه يَخرُجُ مِن عذابها شَيْءٌ ، وأَيضًا لا يَدخُلُ إليهم أيُّ خَيرٍ .

 

تفسيرُ سورة ( الفِيل )

 الدرس 292

=====================

تفسيرُ سُورَةِ ( الفِيل ) :

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)} النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وُلِدَ عامَ الفِيل

وذلك أنّ أَبرَهَةَ بَنَى مَكانًا سَمّاهُ بِالكَعبَة في اليَمَن وأرادَ مِنَ الناس أن يَحُجُّوا إِلَيْها ، فَأَتَى شَخصٌ مِنَ الْعَرَب وإذا بِه يَتَغَوَّطُ فِيها ، فَغَضِبَ أبرهةُ فَأَتَى بِجُنوده ومعهم الفِيَلَة مِن أَجْلِ أن يَهدِمَ الكَعبَةَ

لَكِنّ اللهَ عزّ وجلّ سَحَقَهم ، وَقَدْ وافَقَ ذلك وِلادَة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)}

{ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)} أَرَادُوا بِكَيدِهِم هذا أن يَهدِمُوا الكَعبَةَ ، فجَعَلَهُ { فِي تَضْلِيلٍ } يَعْنِي في ذَهابٍ وفِي خُسران

{ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) }

{ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) } { أَبَابِيلَ } يَعْنِي مَجموعات { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4)} يَعْنِي مِن طِينٍ مُتَحَجِّر

{ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4)}

 { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)} فَجَعَلَهُم كَـ ( نَباتٍ ) أَكَلَتهُ البَهائم ، فأصبَحَ ماذا ؟ هَباءً مَنثُورًا أو أَصبَحَ تِبْنًا

▪ومِن ثَمَّ فإنّ بَعضَ المُفَسِّرِين ذَكَرَ مِن أنّ أَوَّلَ ما عُرِفَ ( الجُدَرِيّ ) و ( الحَصبَة ) إنّما عُرِفَ في الْعَرَب لَمّا نَزَلَ هذا العَذابُ على هَؤلاء فَقالَ اللهُ عزّ وجلّ { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ  }

 

تفسير سورة ( قريش )

الدرس (293 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة قريش….

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } يعني أن قريشا ماذا ألفوا؟ رحلتين لهم رحلة إلى الشام، ورحلة إلى اليمن، فقال الله {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } هل هذه الآية لها صلة بالآية السابقة؟ يعني أهلك الله أصحاب الفيل من أجل أن يبقى ما ألفته قريش من هذه التجارة، قيل بهذا، وقيل {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } اللام هنا للتعجب يعني اعجبوا من فعل قريش قد أمنها الله، وتسير بقوافلها لا يتعرض لهم أحد باعتبار أنهم سكان الحرم، ومع ذلك لم يعبدوا الله، وقيل من أن إيلافهم يعني تلك النعم كان يلزم عليهم ماذا؟ أن يعبدوا رب هذا البيت، فقال الله {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ } ماذا؟ { إِيلَافِهِمْ } يعني ألفوا ماذا؟ { رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ } رحلة الشتاء إلى اليمن لأنه أدفأ لهم، والصيف يعني إلى الشام.

{ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } قال { رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } لأنهم يسكنون فيه فمن نعمه عز وجل أن جعلهم من سكان البيت فلماذا لا يعبدون رب هذا البيت؟ { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} نكر الجوع ونكر الخوف باعتبار أن نعم الله عليهم عظيمة، قال تعالى { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا } { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ }

 

تفسير سورة ( الماعون )

الدرس (294 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الماعون…

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } يكذب بالجزاء والحساب، إن لم تعرفه {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } يعني يدفع اليتيم ويمنع اليتيم حقه.

{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } لا يحض غيره على إطعام المساكين إذن من باب أولى أنه لا يطعمهم.

{فَوَيْلٌ}  كلمة وعيد وتهديد { لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) } لم يقل في صلاتهم؛ لأن الإنسان قد يفقد الخشوع وهو يصلي، لكن المقصود هنا ماذا؟ { عَنْ صَلَاتِهِمْ } يعني أنهم يصلون، لكنهم ماذا؟ لكنهم يخرجونها عن وقتها، كما قال تعالى { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }

{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) } يعني إن عملوا عملا صالحا فإن ذلك من باب المراءاة.

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} والماعون هو الذي يكون في نفع الغير به، لا يكون مضرة على صاحبه مثل ماذا؟ مثل الإبرة مثل الفأس وما شابه ذلك، فإن من منع الماعون لهذه الأشياء التي لا تضره وإن نفعها يكون لغيره فإنه مذموم، وقد قال بعض المفسرين {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} يعني الزكاة، ومن ثم فإنه لا تعارض، لم؟ لأن منع الماعون يكون قليلا، ويكون كثيرا فأعلاه أن يمنع الزكاة الواحبة، وأقل ما يكون يسيرا كالإبرة والفأس وما شابه ذلك، ولذلك من كان واجدا لهذه الأشياء ومستغنيا عنها، فلم يعطها من احتاج إليها فإنه يكون مذموما.

 

تفسير سورة ( الكوثر )

الدرس (295 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الكوثر….

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} هنا فيه ماذا؟ فيه منة من الله عز وجل على رسوله عليه الصلاة والسلام، والكوثر هو نهر أعطاه الله نبيه عليه الصلاة والسلام في الجنة، وقال بعض المفسرين الكوثر هو الخير الكثير، ومن ثم فإنه لا تعارض، فالله أعطى نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام الخير الكثير، ومن ذلك نهر الكوثر {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}  يلزمك إذن من باب شكر النعمة ماذا؟ أن تعبد الله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} يعني وانحر لربك، فصل الصلوات المعروفة المفروضة { وَانْحَرْ } يعني وانحر لربك ما تريد أن تذبحه، ومن ثم قال بعض المفسرين { فَصَلِّ لِرَبِّكَ } قدم الصلاة على النحرباعتبار صلاة عيد الأضحى والنحر يكون بعد ذلك، ومن ثم فإن مثل هذا التفسير لا يحصر به، يدخل نعم يدخل، لكن لا تحصر الآية في تفسير هذا الأمر

{إِنَّ شَانِئَكَ} يعني أن مبغضك {هُوَ الْأَبْتَرُ} {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} يعني الأقطع؛ لأنهم لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد مات أولاده قالوا إن محمدا أبتر سميوت ولن يخلفه أحد فقال تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ} يعني من أن مبغضك {هُوَ الْأَبْتَرُ}  المقطوع، سبحان الله! وبالفعل حتى إن هؤلاء الذين قالوا في النبي عليه الصلاة والسلام هذا القول إذا ببعض أبنائهم من يتبع النبي صلى الله عليه وسلم  ويترك دين أبيه ودين آبائه، بل يكون عدوا لأبيه فقال الله {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}.

تفسيرُ سورة ( الْكَافِرُونَ )

الدرس 296

=====================

تفسيرُ سُورَةِ ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) :

{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) } الكُفّارُ ، كُفّارُ قُرَيشٍ قالوا لِلنّبيّ  ﷺ  لِتَعْبُدْ آلِهَتَنا سَنَة ونَعبُدْ إلـٰهَكَ سَنَة ، فقال الله عزّ وجلّ : { قُلْ } يا محمّد لِهؤلاء ، وَهُمُ الكُفّار 

{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) }  لا أَعبُدُ هذه الأَصنامَ والأَوثان

{ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) }

{ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) } لِأَنّ مِلَّتَكُم لَيْسَت مِلَّةً سليمة

{ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) }

{ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) } لماذا كَرَّرَها ؟

  • قال بَعضُ المُفَسِّرين مِن بابِ ماذا ؟

 – مِن بابِ التَّأكيد

  • وقال بَعضُ المُفَسِّرينَ :

 – الآياتُ الأُوَل : يَعْنِي ( لا أَعبُدُ آلِهَتَكم في الماضي )

 – والثَّانِيَة 🙁 لا أَعبُدُ ذَلِكَ في المُستَقبَل )

  • وَقِيل :

 – الأُولَى : ( لا أَعبُدُ آلِهَتَكُم في الحال ) 

 – والثَّانِيَة :  يَعْنِي ( لا أَعبُدُها في المُستَقبَل )

  • وقَولٌ رابِعٌ ( قالَهُ شَيخُ الإسلام رحمه الله ) ، قال :

 – إنّ الآياتِ الأُوَل أَتَت بِصِيغَةِ الفِعل .

 فَهِي ماذا ؟ فَهِي ( جُملة فِعلِيّة ) .

 – وَأَمَّا الثّانية فَهِي ( جُملة اسمِيَّة ) ، والجُملة الِاسمِيَّة أَقوَى

فيقولُ – رحمه الله – مِن أنّه في الأُولَى نَفَى أَن يَفعَلَ ذلك ، ثُمَّ في الثّانِية نَفَى الوُقُوع والإمكان الشَّرعِيّ ( يَعْنِي يَستَحيل ذَلِكَ ) .

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) }

{لَكُمْ دِينُكُمْ } يَعْنِي ( دِين الشِّرك ) فأنا لا أَقبَلُ ذَلِكَ

{ وَلِيَ دِينِ} ولَم يَقُل ( وَلِيَ دِينِي ) لِأَنّ الآياتِ أَتَت بِـ ( النُّون ) فحُذِفَت الياءُ مِن بابِ ماذا ؟ مِن بابِ آخِر الآيات ، كما قال عزّ وجلّ عن إبراهيم في سُورَةِ الشُّعَراءِ { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) }  لَم يَقُل ( فَهُوَ يَشْفِينِي ) وهذا لَهُ نَظائر .

{  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) } 

قال {  لَكُمْ دِينُكُمْ } ، قال {  لَكُمْ دِينُكُمْ }

وَمِن ثَمَّ أَخَذَ بَعضُ العُلَماءِ مِن أنّ أَهْلَ الكُفر – وَلَوِ اختَلَفَت مِلَلُهُم –  يَتَوارَثُونَ ( اليَهودِيّ يَرِثُ النّصرانِيّ ) والعَكس ، وما شابَهَ هؤلاء

ومَرَّ مَعَنا تَوضِيحٌ لِذلك كما في سُورَةِ البقرة { .. بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) } .

 

تفسيرُ سورةِ النَّصر

الدرس 297

=====================

تفسيرُ سورةِ النَّصْر :

{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)}

{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ } لَك يا مُحمّد { وَالْفَتْحُ } المقصود فَتح مَكَّةَ

{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) }

{ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} يَعْنِي ( جَماعات جَماعات) ، ولِذا في العام التاسع سُمِّيَ بِـ ( عامِ الوُفُود ) لِأنّ النَّاسَ قَدِمُوا عَلَيه  ﷺ  .

 

 لِأنّهم كَانُوا في أَوَّل الأَمْر يَدخُلونَ في الدِّين عن خَفَاء . 

( هُنَا ) عن ظُهُورٍ وأَفواج .

{ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)}

إذًا ماذا تَصنَع ؟  { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) }

ولِهذا هذه السُّورة جَاءَ في الأَحاديثِ : نُعِيَت نَفْسُ النَّبِيِّ  ﷺ  إِلَيْه .

يَعْنِي لَمّا نَزَلَت هذه السُّورة دَلَّ هذا عَلَى قُربِ مَوْتِه  ﷺ .

ولِذَلِك كان يُكثِرُ مِنَ الِاستِغفار ، وكان يَتَأَوَّلُ هذه الآية في الرُّكوع والسُّجود ، فيقول (( سُبحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وَبِحَمدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِر لِي ))

 

تفسير سورة ( المسد )

الدرس (298 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة المسد…. أو تفسير سورة تبت يدا…

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}

{تَبَّتْ يَدَا } { تَبَّتْ } يعني هلكت { يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } المقصود من اليد هنا  هو باعتبار ماذا باعتبار أن أعظم ما يكسبه الإنسان عن طريق يديه { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } {وَتَبَّ} الفرق هنا {تَبَّتْ يَدَا } يعني دعاء عليه {وَتَبَّ}  يعني تحقق الدعاء {تَبَّتْ يَدَا } يعني خسرتا { يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } يعني الخسران تحقق له وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان  يمنع الناس من الدخول في دينه.

{ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } ما فائدة ماله الذي جمعه { وَمَا كَسَبَ } يعني والذي كسبه من أموال في المستقبل، وأيضا ما كسبه من أولاد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:” إن أفضل ما  أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم”

{سَيَصْلَى } يعني سيدخل وسيقاسي عذاب { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ } {ذَاتَ لَهَبٍ} وذلك لأنه كان ذا وجه به حمرة ملتهب، فأتى به هنا من باب العقاب له، فهو له إنارة وبياض في وجهه سيصلى هذه النار التي هي ذات لهب.

{ وَامْرَأَتُهُ } معطوفة على {سَيَصْلَى }  يعني وستصلى امرأته { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } نصبت على الذم؛ وذلك لأنها كان تتأتي بالأشواك فتضع هذه الأشواك في طريق النبي صلى الله عليه وسلم

{ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا } يعني في عنقها ذلك لأنها ماذا؟ لأنها كان لها عقد في جيدها، فكانت تقول:” لأنفق هذا العقد في عداوة النبي عليه الصلاة والسلام” فقال الله { فِي جِيدِهَا } يعني في عنقها { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يعني من ليف متين من ليف يكون لها قد أعد في النار جزاء لفعلها في الدنيا.

 

تفسيرُ سورةِ الإخلاصِ

الدرس 299

=====================

تَفْسِيرُ سُورَةِ الإِخْلَاصِ  أَوْ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) :

{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) }

لَمَّا أَتَتْ قُرَيْشٌ وَقَالَتْ : يَا مُحَمَّدُ – كَمَا ثَبَتَ – انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ .

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ السُّورَةَ

{ قُلْ } يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يَعْنِي هُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الَّذِي لَا شَبِيهَ وَلَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ

{ اللَّهُ الصَّمَدُ (2) }

 ▪ ( الصَّمَدُ ) هُوَ :

 – الكَامِلُ فِي جَمِيعِ أَوْصَافِهِ ،

 – لَهُ الْكَمَالُ فِي جَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَأَوْصَافِهِ ،

 – وَلَا يَفْنَىٰ عَزَّ وَجَلَّ ،

 – وَتَقْصُدُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ فِي حَوائِجِهَا { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) } [ سُورَةُ الرَّحْمَٰنِ ]

 ▪وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ، قَالَ : هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ .

قَوْلُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ( لَا جَوْفَ لَهُ ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَا يُشَابِهُ الْمَخْلُوقَ ، قَالَ تَعَالَى { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ }

  – لَكِنْ يُغْنِي عَنْ هَذَا التَّفْسِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُذْكَرَ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَاذَا ؟ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ العُمُومِ .

{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)}

{ لَمْ يَلِدْ } لَيْسَ أَصْلًا حَتَّىٰ يَلِدَ  { وَلَمْ يُولَدْ (3) } لَيْسَ فَرْعًا يُولَدُ مِنْ غَيْرِهِ . فَنَفَىٰ عَنْهُ الْأَصْلَ وَنَفَىٰ عَنْهُ الْفَرْعَ

وَنَفَىٰ عَنْهُ النُّظَرَاءَ وَالْأَشْبَاهَ { وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } يَعْنِي لَا شَبِيهَ لَهُ

{ .. هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } .

 

تفسيرُ سورةِ الفَلَق

الدرس 300

=================

تفسيرُ سورةِ الفَلَق :

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} قُلْ يَا مُحَمَّدُ

{ أَعُوذُ } يَعْنِي أَلْتَجِئُ { بِرَبِّ الْفَلَقِ }

وَ ( الْفَلَقُ ) مَا هُوَ ؟ هُوَ ( الصُّبْحُ ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .

هُوَ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ :

إِنَّ ( الفَلَقُ ) هُوَ سِجْنٌ فِي جَهَنَّمَ ، لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا .

وَإِنَّمَا ( الْفَلَقُ ) هُنَا : الصُّبْحُ { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ }

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) }

{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) } وَهَذَا عَامٌّ ، يَعْنِي اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ مَخْلُوقٍ بِهِ شَرٌّ

{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } لِأَنَّ هُنَاكَ مَخْلُوقَاتٍ لَيْسَ بِهَا شَرٌّ ، مِثْلَ المَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ .

وَهُنَاكَ شَرٌّ مَحْضٌ ، وَهُمُ الشَّيَاطِينُ .

{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } يَعْنِي ( الْجَمِيعَ ) . لَكِنَّهُ أَفْرَدَ هُنَا ، قَالَ { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) }

{ غَاسِقٍ } هُوَ ( اللَّيْلُ )

 قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ.. (78) } [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ ]

 ( الْغَاسِقُ ) هُوَ اللَّيْلُ .

{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ } يَعْنِي : وَمِنْ شَرِّ اللَّيْلِ { إِذَا وَقَبَ } يَعْنِي : إِذَا أَقْبَلَ بِظُلْمَتِهِ .

لِمَ ؟

سُبْحَانَ اللهِ ! 

لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ أَكْثَرُ مَا تَنْتَشِرُ فِي مَاذَا ؟ فِي اللَّيْلِ  . لَكِنْ إِذَا أَصْبَحُوا .. ، بَلْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِثَوَانِي إِذَا بِالْأُمُورِ مِنَ الشُّرُورِ تَنْتَهِي أَوْ تَخِفُّ .

فَاسْتَعَاذَ بِاللهِ الَّذِي هُوَ رَبُّ الْفَلَقِ ( ربُّ النُّورِ الَّذِي .. ) ماذا ؟  الَّذِي يَكْفِيهِ شَرَّ مَا يَكُونُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ .

وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ النَّبِيِّ  ﷺ  كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ لَمَّا قَالَ عَنِ القَمَرِ ، قَالَ (( يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ فَإنَّ هَذَا هُوَ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ ))

لَا تَعَارُضَ .

 – ( الْقَمَرُ إِذَا وَقَبَ ) : يَعْنِي إِذَا اخْتَفَى .

 – وَقِيلَ : إِذَا حَصَلَ خُسُوفٌ لَهُ . لِأَنَّ مَحَلَّ القَمَرِ ماذا ؟ اللَّيْلُ

{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) }

{  وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ ..} يَعْنِي مَاذَا ؟ ( النُّفُوسِ الشِّرِّيرَةِ )

{ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) } يَعْنِي يَعْقِدْنَ السِّحْرَ

 { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) } 

وَقَالَ { إِذَا حَسَدَ } لِأَنَّ مَنْ كَانَ حَاسِدًا يَكُونُ بَلَاؤُهُ أَعْظَمَ إِذَا عَمِلَ بِمُقْتَضَى حَسَدِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ مِنْ فِعْلٍ

سُبْحَانَ اللهِ ! 

قَالَ { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } لَكِنْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ : ( الْغَاسِقَ ) وَ ( النَّفَّاثَاتِ ) وَ ( الْحَاسِدَ ) لِعِظَمِ شَرِّهَا .

 

تفسيرُ سورةِ الناس الدرس 301

________________

تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّاسِ :

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ  } يَعْنِي أَلْتَجِئُ بِرَبِّ النَّاسِ

{ مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَٰهِ النَّاسِ (3) } لِمَاذَا أَتَى بِـ ( الرَّبِّ ) ؟ أَتَى بـِ( الرَّبِّ ) لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ، ويُقِرُّونَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْمَالِكُ .

إذًا مَا الَّذِي يَلْزَمُكُمْ ؟ أَنْ تَعْبُدُوا إِلَـٰهَ النَّاسِ أَنْ تَعْبُدُوا الْمَعْبُودَ ، لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا هُوَ . الَّذِي يَعْبُدُهُ النَّاسُ { إِلَٰهِ النَّاسِ (3) }

مِنْ شَرِّ مَاذَا ؟ { مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) } يُوَسْوِسُ إِذَا غَفَلَ الْإِنْسَانُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ، إِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ ( يَعْنِي ابْتَعَدَ )

{ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) }

{ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) }  مُبَاشَرَةً إِلَى الصَّدْرِ ، إِلَى الصَّدْرِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ شَرِّهِ .

قَالَ { فِي صُدُورِ النَّاسِ } وَلَمْ يَقُلْ ( فِي قُلُوبِ النَّاسِ ) لِأَنَّ الصَّدْرَ إِذَا حَصَلَتْ فِيهِ الْوَسْوَسَةُ انْتَقَلَ الضِّيقُ إِلَى الْقَلْبِ ،  لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَلْبِ فِي الصَّدْرِ

فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ { الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) } يَعْنِي مِنَ الجِنِّ وَالنَّاسِ

سُبْحَانَ اللهِ ! 

قَالَ هُنَا { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } هَلْ هِيَ تَفْسِيرٌ لِـ( النَّاسِ )؟ أَمْ تَفْسِيرٌ لِـ( يُوَسْوِسُ ) ؟

 – إِنْ كَانَ قَوْلُهُ { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }  تُوْضِيحٌ لِكَلِمَةِ ( يُوَسْوِسُ ) : يَعْنِي هُنَاكَ شَيَاطِينُ إِنْسٍ تُوَسْوِسُ ، وَشَيَاطِينُ جِنٍّ تُوَسْوِسُ .

قَالَ تَعَالَى { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) } [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ ]

 

 – وَأَمَّا إِذَا كَانَ قَوْلُهُ { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } تَوْضِيحٌ لِكَلِمَةِ ( النَّاسِ ) السَّابِقَةِ :  دَلَّ هُنَا عَلَى مَاذَا ؟

عَلَى أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَمَا هِيَ تُوَسْوِسُ لِلْإِنْسِ ، تُوَسْوِسُ أَيْضًا فِي نُظَرَائِهَا مِنَ الجِنِّ . فِي نُظَرَائِهَا مِنَ الجِنِّ .

وَبِهَذَا يَنْتَهِي بِحَمْدٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِتَوْفِيقٍ وَبِتَسْدِيدٍ وَبِإِعَانَةٍ يَنْتَهِي هَذَا التَّفْسِيرُ .