التفسير المختصر الشامل الدرس (21) تفسير سورة البقرة من الآية (222) إلى ( 228)

التفسير المختصر الشامل الدرس (21) تفسير سورة البقرة من الآية (222) إلى ( 228)

مشاهدات: 513

التفسير المختصر الشامل ( 21 )

تفسير سورة البقرة :

من الآية ( 222) إلى الآية (  228)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) }

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ } أتى السؤال الآخر سؤالات متتابعات

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ } المحيض يعني زمن الحيض ومكان الحيض الذي هو الفرج

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى }

الجماع في المحيض الذي هو الفرج أذى وذلك لسيلان الدم النجس الذي يخرج منه ، وإذا كان أذى وهو نجس مؤقت بأيام إذاً دلت هذه الآية على أن اللواط من أشد ما يكون باعتبار ماذا ؟

باعتبار أن الدبر لاصق به الأذى لصوقا مستمرا

{ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ }

اعتزلوهن من حيث الجماع ( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ ) نهى عن قرب الحيض

لو قال قائل :

ألا يجوز أن يستمتع الرجل بزوجته ما عدا الفرج حال الحيض

فالجواب : نعم

فالسنة بينت ووضحت أن الذي ينهى عنه هو الجماع حال الحيض

فالنبي عليه الصلاة والسلام ثبتت أحاديث كثيرة من أنه كان يستمتع بزوجاته حتى في بعض الأحاديث إذا أراد أن يستمتع بها ألقى على الفرج شيئا واستمتع بها

واليهود :

كانوا إذا حاضت المرأة كما ثبت كانوا لا يقربونها ولا يجامعونها في البيوت

يعني لا يجلسون معها في البيوت

يحكمون عليها بأنها نجسة فسئل النبي عليه الصلاة والسلام فقال :

 (( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ))

استمتع بها إلا النكاح الذي هو الجماع

فدل هذا على أنه يجوز للإنسان أن يستمتع بزوجته في حال الحيض ما عدا الفرج

ولذلك :

بعض الصحابة لما قالت اليهود ما قالت قالوا : ” يا رسول الله أفلا نجامعهن في الحيض “

من باب ماذا ؟

من باب مخالفة اليهود

فالنبي عليه الصلاة والسلام رئي الغضب في وجهه

لم ؟

لأن الخطأ لا يعالج بخطأ ، وإنما يعالج الخطأ بالحق

( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) يعني انقطاع الدم (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) فإذا تطهرن : بمعنى اغتسلن

بعض أهل العلم قال: لو انقطع حيض المرأة قبل أن تغتسل فلها أن يجامعها ؛ لأن قوله (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يشمل انقطاع الدم ويشمل الاغتسال وإذا كان كذلك فلماذا يمنع

فالجواب عن هذا :

من أنه يحرم عليه على الصحيح أن يجامع قبل أن تغتسل

لأن قوله ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ) : إذا كان يشمل انقطاع الدم ويشمل الاغتسال فالنهي هنا لا يمكن أن تبرأ ذمتك إلا بأن تطبق أقل ما يكون حتى تبرأ ذمتك وذلك لا يكون إلا باغتسالها

( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) الذي أمرهم الله هو موضع الحرث وهو الفرج

( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) يحب التوابين ، التواب هنا من هو كثير التوبة

يعني يحب من يتوب إليه باستمرار

 ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )

( الْمُتَطَهِّرِينَ ) : من الأنجاس الحسية ومن الأنجاس المعنوية كالذنوب

فالتطهر يشمل أيضا التوبة من الذنوب لكنه ذكر التوبة هنا ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) نص على ذلك فيما لو أن الإنسان أضعفته نفسه فأقدم فإن الله يتوب عليه ويحب المتطهرين

وهذا يدل على إثبات صفة المحبة لله بما تليق بجلاله وبعظمته

خلافا لمن أنكرها أو خلافا لمن حرفها ممن قال إن محبة الله المقصود ثواب الله أو إرادة ثواب الله للعبد

فهي محبة تليق بجلاله وبعظمته

 

{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) }

( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) أي محل الحرث ومحل النسل ومحل الولادة

( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )

 ( أَنَّى شِئْتُمْ )  أي كيفما شئتم من الأمام من الخلف من الجنب على وجه الاستلقاء أهم شيء أن يكون في موضع الفرج (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) وليس معنى ذلك أنه يجامعها في الدبر

وإنما المقصود في موضع الحرث ومعلوم أن موضع الحرث والنسل والولادة الدبر أم الفرج ؟

الفرج

وهذا أيضا يدل على ماذا ؟

لما قال ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) يدل على تحريم الجماع في الدبر

كما دلت عليه أيضا الآية السابقة وهي قوله ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى )

وجاءت الأحاديث  الصحيحة من أن الجماع في دبر المرأة من أنه لا يجوز

منها : (( ملعون من أتى امرأة في دبرها ))

أحاديث كثيرة بمجموعها تدل على الصحة

خلافا لمن قال بتضعيفها فأجاز له أي للرجل أن يجامع زوجته من دبرها

ويستدلون بما قاله ابن عمر رضي الله عنهما في بعض الروايات من أنه أباح ذلك

والصحيح الذي ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما بصريح اللفظ من أنه قال هي اللوطية الصغرى

فحرمها

إذاً أي كلام أتى عن ابن عمر رضي الله عنهما مما هو مشتبه فيحمل على هذا النص الصريح منه رضي الله عنه

( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ  ) فأتوا حرثكم أنى شئتم

وذلك أن اليهود كانوا يجامعون المرأة على حرف من جانب وكانوا لا يجامعونها من الخلف

قالوا : لأنه لو جامعها من الخلف في القبل يعني في الفرج جاء الولد أحول

فكان الأنصار يأخذون من اليهود لأنهم يعلمون أن عندهم علما فلما أتى النبي عليه الصلاة والسلام وهاجر من هاجر معه تزوج بعض المهاجرين امرأة أنصارية وكان الحي من قريش يشرحون النساء شرحا يعني يأتون المرأة في قبلها من الخلف ومن كل مكان

لكن من جهة الفرج

من جهة الفرج

فتزوج هذا المهاجري بهذه المرأة الأنصارية فأراد أن يجامعها كما عهد في حاله السابق فرفضت قالت : لا تأتني إلا من حرف أي من جانب

فاشتكوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام لا بأس بذلك واتق الدبر والحيضة

وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن استمتاع الرجل بزوجته له ذلك مطلقا إلا ما جاء الشرع بتحريمه من جهة الدبر ومن جهة الحيض من القبل

ولذلك :

انظروا في هذا العصر تغير حال اليهود يأتون النساء بشتى أنواع الإتيان من الممارسات الجنسية ، في السابق كان الأمر يختلف

إذاً مجامعة المرأة بالطريقة الشرعية الحلال لا يمنع المسلم منها ما دام الجماع في الفرج ولا يقال والله مثلا إن هذا صنيع اليهود أو صنيع النصارى وما شابه ذلك

فإن حالهم تغير

إذاً الاستمتاع لا يخضع لعادة الناس

والناس معتادون كل على حسب عادته لكن لا يحرم شيء أباحه الله عز وجل إلا ما يفعله هؤلاء في مثل هذا العصر ، هؤلاء الكفار من فعل هذه القاذورات وماشابه ذلك فإن مثل هذا لا يجوز ولا يشك أحد في تحريمه

وإنما المقصود مطلق الاستمتاع

لأن بعض البلدان قد تمنع من أن يجامع الرجل زوجته من الخلف في القبل

ومع هذا لا يقال : إنه محرم باعتبار عادة بلدك التي أنت فيها وإنما هو أمر مطلق

يجوز إذاً للرجل أن يستمتع بزوجته بما شاء ومن أي جهة من غير ما أن يأتيها في الدبر وفي حال الحيض

والمقصود من الدبر المقصود من الدبر حلقة الدبر

ولذا :

لو أن الرجل استمتع كما نص الفقهاء استمتع بالمرأة بين أليتيها ولم يصل إلى الدبر فإنه لا حرج في ذلك لكن مع ذلك نقول من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه

لكن أن يقال بالتحريم لا

حتى إن بعض الفقهاء ونصوا على ذلك من أن للرجل أن يقبل فرج امرأته تقبيلا

لكن كما سلف ليس معنى ذلك ما يصنعه الغرب من التوسع في مثل هذه الأمور التي هي قاذورات

فإن مثل هذا يمنع

فالنص صريح واضح

( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ )

(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) الخير ومن ذلك الولد بأن تقولوا الدعاء الذي  ورد عنه عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح :

(( إذا أراد أحدكم أن يأتي امرأته فليقل بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان ))

(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ)

لما ذكر تلك الأحكام قال (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ)

بمعنى :

( وَاتَّقُوا اللَّهَ )  أي خافوا عذابه وخافوا مخالفة أمره وخافوا أن تقعوا فيما حرمه

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا) أمرهم بأن يعلموا من باب التنبيه

(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ) وقال بعدها (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بمعنى أن هذه اللقيا تتضمن ماذا ؟

تتضمن لقيا تكريم

لقيا تكريم المؤمنين

ولذلك قال (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) والبشارة للمؤمنين بشارة كلها خير

وعد بنفسك وبذاكرتك إلى أول السورة

{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا }  انتبه  نص هنا على الأزواج وهنا الحديث عن الأزواج ( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ )

فإذا اتقيت الخبث الذي يكون حال الحيض والدبر فاعلم بأن لك أزواجا مطهرة يوم القيامة

( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

 

{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) }

( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً ) أي لا تجعلوا الحلف بالله عرضة أي مانعة

{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ }

لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من فعل هذه الخيرات

{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا } وهو اسم جامع لخصال الخير

( أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا ) لو ذكر البر لحصل كل ما بعده من التقوى والصلاح لكن إذا اجتمعت ( أَنْ تَبَرُّوا ) أي أن تفعلوا الطاعة

{ وَتَتَّقُوا } أي تتركوا المعصية

وتصلحوا بين الناس كنفع الآخرين وإيصال الخير إلى الآخرين

كما قال تعالى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } البر فعل المأمور

التقوى : ترك المحرم

لكن لو أفردت كلمة البر وكلمة التقوى دخل هذا في هذا

{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ } مما يدل على عظيم ماذا ؟

الصلح بين الناس

قال تعالى (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)

{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ }

ولذا أبو بكر رضي الله عنه لما فعل ما فعل مسطح لما كان ينفق عليه في حادثة الإفك وتكلم في عائشة رضي الله عنها حلف ألا ينفق عليه فقال الله

{ وَلَا يَأْتَلِ } أي لا يحلف { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ـ كمثل أبي بكر ـ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

فقال أبو بكر رضي الله عنه والله إني لأحب أن يغفر الله لي

فأعاد عليه النفقة

{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ } بل حتى في الأمور المستحبة

في الأمور المستحبة إذا رأى الإنسان أن هناك أمرا حلف عليه ورأى أن الخير من حيث الاستحباب لا من حيث الوجوب رأى الخير من أنه يأتي هذا الشيء ويكفر عن يمينه فليفعل

ولذا قال عليه الصلاة والسلام :

(( إني لأحلف على يمين فأرى غيرها  خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ))

{ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ } ختم الآية { وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

 لم ؟

لم يذكر الثواب لكي ترتبط وتربط وتتمعن وتتفقه في معاني أسماء الله عز وجل إذ إن لها ارتباطا بالأحكام ( أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )

سميع لكل قول

عليم بكل الأحوال ما يكون في السموات وما في الأرض

من بين ذلك سميع لقولكم إذا حلفتم في كونكم تمتنعون عن هذه الخيرات

عليم بحالكم

عليم بحالكم

إذا عدتم إليه وأصلحتم وكفرتم عن يمينكم

{ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) }

لما ذكر ما يتعلق من اليمين التي قد تمنع الإنسان من أن يفعل البر والتقى والإصلاح بين الناس بين أن هناك نوعا من أنواع اليمين لا كفارة فيه وإنما هو لغو

{ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } هو كقول كما قالت عائشة رضي الله عنها كقول الرجل بلى والله لا والله يقولها في في بيته

كما لو أتى إنسان وقال والله مثلا لو قال هل رأيتم فلانا قلنا والله ما رأيناه

هذا لغو يمين لأننا لم نقصد اللغو في اليمين

اللغو في اليمين ليس ما قصده الإنسان

ويدخل ضمن اللغو  :

لو أن الإنسان حلف على شيء يظن في نفسه أنه كذا فبان خلاف ما في ظنه

تصور كمثال والأمثلة كثيرة :

تصور لو أن إنسانا قدم فقال شخص لما رأى مشية فلان ورأى تقاسيمه من بعد قال والله إن هذا فلان

فلما قدم هو حلف بناء على غلبة ظنه فلما قدم إذا به ليس بفلان

فإنه لا كفارة عليه

وهذا هو القول الصحيح

{ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } في الأيمان  فهذا من اللغو لكن اللغو على إطلاقه مذموم

{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) }

{ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا }

{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ }

ولذلك انتبه قيد هنا { فِي أَيْمَانِكُمْ }  من باب أن هذا اللغو لا تحاسب عليه باعتبار أنه في اليمين وقيد هذا اللغو بالصورتين اللتين ذكرتهما قبل قليل

{ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } ما كسبت قلوبكم يؤاخذكم به

تفسيرها في آية المائدة { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ }

ما انعقد في القلب بمعنى أن يحلف الإنسان على أمر مستقبل يريده

يعني هو حلف على أمر مستقبل أراده فهنا لو خالف يمينه فيكفر كما قال عز وجل { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ }

{ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } ويدخل أيضا في هذا ما تكسبه القلوب

فالقلوب يجب أن يتعاهد الإنسان قلبه لأن قلبه ربما يكسب شيئا يحاسب عليه يوم القيامة فلو أن القلب فتح أبوابه للشبه وللشكوك وما شابه ذلك وليست الشبه والشكوك الطارئة التي لا يسلم منها أحد لقوله عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )) لا

المقصود الشبه والشكوك التي تستقر في القلب فليتنبه المسلم من خطورة ذلك

ومن ذلك ما يصغي به المسلم بقلبه وبسمعه إلى أهل الأهواء وأهل الشبه

{ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

{ غَفُورٌ } : يغفر الذنب ويتجاوز

{ حَلِيمٌ } : إذ إنه لم يعاجل بالعقوبة فمن حلمه عز وجل أن الناس يعصونه بالليل وبالنهار ومع ذلك يؤخر عقوبته لهؤلاء ولهؤلاء لعلهم أن يتوبوا

وأتت هذه الجملة تتضمن هذين الاسمين (وَاللَّهُ غَفُورٌ) لما يصدر منكم من اللغو في اليمين أو ما تكسبه قلوبكم على وجه المرور لا على وجه الاستقرار

{ حَلِيمٌ }: لم يعاجلكم بالعقوبة فيما لو أخطأتم

{ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) }

{ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ }  سبحان الله !

القرآن هذا عظيم من تأمل وتأمل ما يكون فيه من آيات في السورة الواحدة في أولها وفي أوساطها وفي آخرها والارتباط الذي يكون بين الآيات تزيده إيمانا وتزيده خيرا

ولذلك قال هنا { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ  }  هذا نوع آخر من أنواع اليمين

لما ذكر اليمين التي بها يمتنع الإنسان من البر والتقى والإصلاح ثم ثنى بذكر ما يتعلق باللغو في اليمين

ثم ما يتعلق باليمين المنعقدة التي يكسبها القلب ذكر نوعا من أنواع اليمين وهو ما يتعلق بالنساء { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } يعني يحلف أنه لا يجامع زوجته أكثر من أربعة أشهر أما ما دون أربعة أشهر فلا يدخل ضمن الإيلاء المذكور هنا

ولذا ثبت في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام آل من نسائه شهرا

لكن المقصود هنا :

أن يحلف على أنه يمتنع من وطء من جماع زوجته أكثر من أربعة أشهر أما من أربعة أشهر فما دون فلا يدخل في ذلك 0

 { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ }  يعني يحلفون { مِنْ نِسَائِهِمْ } أي من زوجاتهم

{ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } يعني ينتظرون أربعة أشهر { تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } التنصيص على أربعة أشهر لما جاء في الآثار من أن المرأة لا تصبر على زوجها أكثر من أربعة أشهر كما جاءت بعض الآثار عن عمر رضي الله عنه

وهذه الآية تؤيد قول عمر رضي الله عنه

في مثل هذا الحكم

لكن :

ليعلم :

أن المرأة لو تضررت بترك الرجل لجماعها ولو في شهر أوفي أقل من شهر فإنه لا يجوزله

لأنه كما يجب عليه أن يعطيها من الطعام والشراب ما تحتاج إليه وتسد بذلك جوعتها فكذلك ما يتعلق بالجماع لأنه أعظم

ولذلك :

المرأة تعطى من الجماع ما تحتاج إليه بشرط ألا يتضرر الرجل في بدنه وفي ماله وفي معيشته أو في دينه

{ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} يعني ينتظربهم أي بهؤلاء الزوجات والأزواج أربعة أشهر { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } يعني رجعوا عن هذا الحلف وجامعوا زوجاتهم

ويشترط مع الفيء أن يكفر عن يمينه على القول الصحيح لأنه حلف

{ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } انظر علل هذا الحكم بهذين الاسمين { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

غفور يغفر لما صدر من هؤلاء من هذا الأمر

ورحيم إذ إنه جعل لهم هذا الحكم

وقوله { تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}

يدل على ماذا ؟

يدل على أنه لو حلف ألا يجامع زوجته بأن يعلق ذلك على أمر مستحيل أو ما شابه ذلك فإنه يدخل ضمن الإيلاء أو أنه مثلا لم يحلف لكنه ترك زوجته إضرارا بها أو لم يكن إضرارا ترك زوجته أكثر من أربعة أشهر فإنه يؤاخذ بهذا الحكم

{ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

وقوله ( تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) يدل على أنه بمضي أربعة أشهر لا تطلق منه وإنما قال { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ولا تطلق منه إلا إذا طلبت المرأة بعد ذلك فأبى ولم يجامع فهنا إذا طلبت المرأة الطلاق فلها ذلك

لو قالت سأبقى معه فلها ذلك

فهذا هو حقها

{ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) } يعني أرادوا الطلاق (فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) انظر قال في الآية التي قبلها { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } هنا قال { وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} أتى بهذين الاسمين

وقلت لكم :

لابد أن تفقه معاني هذه الأسماء والصفات وارتباط هذه بالأحكام لم يذكر حكما ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ ) قال معللا { فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } سميع لكل الأقوال

عليم بكل الأمور ومن ذلك يسمع قول المولي لما حلف

عليم : بالقلوب بقلب هذا المولي وعالم بكل شي { فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فرق بين هذه الآية وبين الآية السابقة هنا ذكر السميع العليم وذكر في الآية التي قبلها { غَفُورٌ رَحِيمٌ }  مما يدل على أن الطلاق من الأفضل ألا يقدم عليه الإنسان

ولذلك قول الفقهاء إن الأصل في الطلاق الكراهية الدليل هنا

أما ما يستدلون به (( أبغض الحلال عند الله الطلاق ))

فهو حديث ضعيف من حيث السند ومن حيث المتن لأنه قال أبغض الحلال والبغيض عند الله ليس بحلال

لو قال قائل أين الدليل لهم ؟

الدليل لهم هنا ؟

{ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} سميع لقول هذا المولي إذا طلق عليم بحاله

{ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) }

ولِمَ كان الطلاق مكروها ؟

لأن به تشتيتا للأسرة وتفريقا بين الزوج وزوجته وبين الأولاد لكن إذا استعصت الأمور قال تعالى (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)

 

{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) }

( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ) سبحان الله ! ذكر الله هذه الآية لأنه ربما يقع طلاق من المولي فإذا وقع الطلاق ما حال هذه المرأة في العدة ؟

( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ) يتربصن خبر يراد منه الأمر لأنه أبلغ مما يدل على أن العدة متعينة كأنها واقعة لا محالة أي ليتربصن

( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثلاثة قروء ) جمع قرء

وهل هذه القروء هل العدة بالحيض أو بالأطهار ؟

قولان مشهوران الأقرب من أن القرء المقصود منه هو الحيض وذلك بأن تعتد المرأة بالحيض

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام للمستحاضة كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام (( امكثي قدر ما تحبسك أقراؤك )) يعني بقدر ما تحبسك الحيضة

((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ )) يعني ينتظرن بأنفسهن

وأكد (بِأَنْفُسِهِنَّ) بمعنى : أن أنفسهن يجب أن تبقى هذه العدة لأن لهذه العدة لأن لها وبها حقوقا للزوج السابق وأيضا حتى لا يقع اختلاط بين ماء هذا الرجل وماء هذا الرجل

{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ }  المطلقات عام فدل هذا من حيث الظاهر أن كل مطلقة تعتد بثلاث حيض لكن :

هذه الآية بينت ووضحت فالمرأة التي طلقها زوجها وعقد عليها ولم يدخل بها ولم يخلو بها فإنه لا عدة عليها

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا }

المطلقة التي لا تحيض ، وإنما امتنع عنها الحيض إما لأنها كبيرة آيسة أو أنها لم تحض أصلا فعدتها ثلاثة أشهر { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ }

المرأة إذا طلقت وهي حامل لا تعتد بالحيض وإنما تعتد بوضع الحمل

 { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } أن تضع جميع الحمل فلو كانت حاملا مثلا بثلاثة فلابد أن تضع الأخير منه

(وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)

إذاً هذه العدة في شأن من ؟

في شأن المطلقة التي طلقت وهي حائل يعني ليست حاملا ويأتيها الحيض

{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وذلك إذا مرت عليها ثلاث حيض فإذا مرت عليها ثلاث حيض فهنا أصبحت محرمة يعني أصبحت بائنة بينونة من زوجها كما سيأتي معنا :

إن كانت طلقها ثلاثا أو طلقها أقل من ثلاث

فإذا طهرت من الحيض فإنه حينها تنتهي عدتها

والأفضل أن تبقى فلا تتزوج حتى تغتسل خروجا من الخلاف الذي وقع بين أهل العلم

 (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ )

أي المطلقات (أَنْ يَكْتُمْنَ) أي يخفين (مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) من ماذا ؟

من الحمل إن كان هناك حمل

من الحيض فلا تأتي المرأة وتقول انتهت عدتي ولا يقبل قولها في مرور ثلاث حيض إلا إذا لم يكذبها الواقع

يعني إذا غلب على الظن من حيث الواقع أنها طهرت فبها

لكن لو أتت امرأة بعد عشرة أيام أو بعد خمس عشرة يوما وقالت حضت ثلاث حيض فإن مثل هذا لا يكون ولا يقبل قولها

والقول قولها لأن الله قال ( وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ) فالقول قولها ويقبل قولها بانتهاء عدتها إذا أمكن أن العدة بمعنى أن الحيض قد مرت عليها

( إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ليس هذا الشرط فقط للمسلمات بل من كانت ذمية وطلقها زوجها فإن هذا الحكم يشملها

لكن أكد هنا أو أتى بجملة ( إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) من باب التأكيد والحث حث أهل الإيمان فأنتم أهل الإيمان بالله وباليوم الآخر

فاحرصوا على هذا الحكم كما في أحاديث ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) هذا شامل للمسلم وغير المسلم

لكن أكد هنا من باب الحث بمعنى أنتم أهل الإيمان فاحرصوا على هذا الحكم

( إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ ) يعني الأزواج أزواج هؤلاء ( أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ )

أحق بردهن ممن ؟

ليس هناك أحد ينازعه في العدة لأنها رجعية
( أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) يعني أحق بهن من أنفسهن

لأنه قال في مطلع الآية ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) بمعنى أنه صاحب العدة ومازالت رجعية

والرجعية يعني بمعنى أنه لو طلقها فمضت حيضة أو حيضتان فمازالت رجعية له أن يراجعها في هذه العدة

( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) أي في هذه العدة ( إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ) قيد

بعض أهل العلم قال : لو أنه أراد أن يراجعها من غير ما يريد الإصلاح فإن له ذلك وإنما هذه الجملة من باب الحث

والصحيح أنه لا تصح الرجعة إذا كان مقصوده ليس مقصودا صالحا فإن كان المقصود الإضرار فإنه لا تصح منه الرجعة ولا يحق له أن يراجعها

ولذلك من عادة أهل الجاهلية كما سيأتي معنا من أنهم كانوا يطلقون المرأة فإذا أوشكت أن تنتهي عدته راجعوها إضرارا بها يطلقون ويراجعون

ولذلك قال تعالى كما سيأتي معنا (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) يعني من له  أن يراجع زوجته  له في المراجعة أن يطلق مرتين ، الثالثة (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)

وقال عز وجل (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ)

وسيأتي في هذا مزيد حديث

{ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ }  أحق بردهن من أنفسهن

هذا الدليل يدل على ما قاله الفقهاء من أنه من لا يشترط رضاه لا يشترط علمه

بمعنى :

أن الرجعية لو شاء زوجها إذا طلقها أن يراجعها من غير علمها ومن غير رضاها فله ذلك بشرط الإصلاح

لم ؟

لأنه صاحب العدة

ولذلك قال ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ )

(وَلَهُنَّ)  سبحان الله !

ما أعظم القرآن (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) أثناء النزاع والطلاق كل يريد حقه فلربما قال الزوج أنا صاحب العدة وحقي لابد أن تقومي به فيظن كما هو حال أهل الجاهلية من أن المرأة لا حق لها حتى كانت تحرم من الميراث حتى إن الرجل إذا مات عن زوجته أتى أقرب قريب له ووضع ثوبه أو ما شابه ذلك عليها ومنعها من الزواج ولذلك قال تعالى كما سيأتي معنا في سورة النساء ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا )

ولذلك قال هنا ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) مثل ما لكم من الحقوق عليهن كذلك لهن حقوق عليكم فالحقوق مشتركة

ولذلك بعض الناس قد يفهم الأحاديث التي أتت ببيان فضل حقوق الزوج ويغفل عن حق الزوجة

ومن ثم :

فإن للزوجة مثل ما للرجل  (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ))

ما عرف في الشرع

ما عرف في الشرع يجب أن تعطي المرأة حقوقها

وكذلك ما عرف من حيث العادة ولم يخالف ما جاء به الشرع

( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ  ) الحقوق مشتركة لكن الرجل له درجة أعلى :

درجة بسبب ماذا ؟

بسبب أنه قائم عليها

بسبب أنه ينفق عليها { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }

أيضا من حيث إنه ينفق عليها من حيث التفضيل من أن الإرث له أكثر

المهم :

هي وهو في الحقوق مشتركة لكن يزيد عليها

{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } حتى إن ابن عباس يقول والله إني لأتعطر لزوجتي كما أحب من زوجتي أن تتعطر لي

{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

عزيز : غالب قوي لا ينال بسوء

حكيم : إذ وضع الأمور في مواضعها اللائقة بها وضع كل الأمور في مواضعها اللائقة بها

ومن ذلك أنه عز وجل قوي غالب

من هضم حق المرأة فليتذكرعزة الله وقوة الله

من خالف هذه الأحكام فليعلم أنه أراد بذلك أن يخالف ما حكم الله به عز وجل وما أراده لعباده

قال (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) وكما سبق  انظر تأمل وأكرر :

ما أتى حديث النبي عليه الصلاة والسلام الثابت عنه في الصحيح ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) إلا ليدل على عظم ماذا ؟

عظم التفقه في أسماء الله وفي صفاته

آية الكرسي لماذا كانت أعظم آية ؟

لأنها تضمنت أسماء الله وصفاته

سورة الفاتحة لماذا هي أعظم سورة ؟

لهذا الشأن

سورة الإخلاص { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثلث القرآن لأنها تتعلق بأسماء الله وصفاته

تأمل

والله من تأمل أسماء الله وتفقه فيها وتفقه في صفات الله زاده ذلك إيمانا

ومن أعظم ما يتدبر كما قال عز وجل { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ  } أعظم ما يتدبر آيات الأسماء والصفات