التفسير المختصر الشامل الدرس ( 24 ) تفسير سورة البقرة من الآية (240) إلى (248)

التفسير المختصر الشامل الدرس ( 24 ) تفسير سورة البقرة من الآية (240) إلى (248)

مشاهدات: 496

التفسير المختصر الشامل ( 24 )

تفسير سورة البقرة :

من الآية ( 240) إلى الآية (  248)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) }

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ }

{ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا } :

هذه الآية قال بعض أهل العلم : ” إنها منسوخة منسوخة بالآية المتقدمة ” ولا يلزم أن يكون الناسخ متأخرا من حيث  الترتيب لا يلزم أن يكون متأخرا عن المنسوخ في ترتيب آيات القرآن

بمعنى :

أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا }

وهذه الآية نصت على ماذا ؟

نصت على أن المرأة تعتد حولا كاملا فنسخت بتلك الآية السابقة

والصحيح :

أنه لا نسخ وهذا هو القول الراجح

لِمَ ؟

لأن العدة الواجبة على المرأة المتوفى عنها زوجها ولم تكن حاملا العدة عليها أربعة أشهر وعشر كما سبق

لكن هنا من باب الأفضلية ومن باب الإحسان

من باب الإحسان :

أن يوصي الرجل أهله بعد وفاته أن يبقوا زوجته في البيت

قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا }

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ } أي تصيبهم الوفاة

{ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا } أي يتركون أزواجا

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً } أي فليوصوا

{ وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ } يعني لزوجاتهم { مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } يعني أن هذه الوصية هي متعة وتمتيع لهذه المرأة

{ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } بمعنى أن أهل وأولياء الميت لا يخرجون هذه المرأة

  { مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } وهذا ليس بلازم على المرأة

قال تعالى : { فَإِنْ خَرَجْنَ } يعني أنهن لم يبقين إلا أربعة أشهر وعشرا

فإنها ما زاد على ذلك ليست بآثمة

{ فَإِنْ خَرَجْنَ } يعني : هؤلاء الأزواج بعد العدة بعد أربعة أشهر وعشر

{ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } لا إثم عليكم أنتم أيها الأولياء أولياء الميت

{ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

هنا :

 { فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ } : أي ما عرف في الشرع وما عرف من عادة البلد التي لا تخالف الشرع

قال هنا { مِنْ مَعْرُوفٍ } بينما الآية السابقة قال { بِالْمَعْروفِ } وختم الآية بقوله هناك { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } وهنا قال { فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

العزيز القوي الغالب الذي لا ينال بسوء

بمعنى :

أنه كما جعل للمرأة أن تبقى سنة كاملة كذلك أطلق لها أن تفعل في أنفسها ما يكون من معروف ،وختم الآية بقوله { عَزِيزٌ حَكِيمٌ } بمعنى أن من خالف هذا الحكم فإن الله عز وجل قوي وغالب وأيضا هو حكيم إذ شرع هذا الحكم ، وأيضا لتتفطن المرأة من أنها إذا خرجت إنما تخرج وتتجمل وتتزين بما أباحه الشرع فإن خالفت فلتعلم أن الله عزيز ذو انتقام

{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَ‍قًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) }

{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ }  :

بمعنى أن أي امرأة تطلق فإن زوجها يمتعها كما سبق يمتعها بما تعورف عليه يعطيها شيئا قال { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَ‍قًّا } أي حقه حقا على من ؟

 { عَلَى الْمُتَّقِينَ } الذين يتقون الله

ومن هذه الآية أخذ بعض أهل العلم من أن تمتيع المرأة بعد طلاقها والتمتيع يختلف باختلاف العرف كأن يعطيها مثلا قطعة ذهب أو أن يعطيها مبلغا من المال أو ما شابه ذلك على حسب عرف الناس

بعض أهل العلم قال : إن المتعة لهذه الآية واجبة لكل مطلقة بينما آخرون يقولون هي لكل مطلقة مستحبة

لكن :

إنما تجب على الزوج إذا طلق زوجته ولم يدخل بها ولم يخلو بها ولم يفرض لها صداقا  قال تعالى فيما مضى :

{ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ }

إلى أن قال بعدها { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } فرق بين هذه وبين تلك

وعلى كل حال :

الآية محتملة للوجوب ومن ثم :

فإنه من حيث الظاهر من حيث التفريق يدل على أن المتعة واجبة في حق من لم يدخل بها ولم يخلو بها ولم يفرض لها فريضة

ومن ثم :

فإنه على ذلك القول الذي يقول بالوجوب ليحرص المسلم

لم ؟

لأنه حينها يخرج من خلاف أهل العلم لأن هناك من يقول بأنها واجبة

وإن لم تكن واجبة فمن شأن أهل الإحسان وأهل التقى أن يعطوا هذه المرأة المطلقة

بل من الاستحباب قال عز وجل :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا }

بل حتى لو أن المرأة دخل بها الزوج وجامعها ثم أراد أن يطلقها فيستحب له أن يمتعها لقوله عز وجل { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا }

ومن ثم :

فإن مثل هذه المتعة تدل على ماذا ؟

تدل على أن القلوب قد خلت مما يكون من شحناء وبغضاء بسبب هذا الطلاق

وقال هنا : { حَ‍قًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ }

وقال هناك { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ }

ولا يعني أن كلمة المتقين تدل على الوجوب وأن كلمة المحسنين تدل على السنية ، كلا

لأن من شأن أهل التقوى أن يمتعوا المرأة المطلقة والدرجة الأعلى من شأن أهل الإحسان أن يصنعوا ذلك ومن أعظم الإحسان أن يقوم الإنسان بالواجب الذي أنيط به

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) }

 { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } كذلك مثل ما بين لكم الآيات السابقات

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ }  يعني : يبين لكم جميع الآيات

{ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }  وهذا إن دل يدل على أنه عز وجل كما يخاطب أهل العقول { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ }

{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }  كما أنه يخاطب أهل العقل كذلك من علم بآيات الله وعمل بمقتضاها وتأمل فيها تزيد من عقله لأنه قال { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ } هذه الآية أتت بعد الآية السابقة التي تتعلق بالوفاة مما يدل على أن الإنسان لا محيص له عن الموت

ولو فر من الموت فهؤلاء المذكورون في هذه الآية التي ذكرها عز وجل

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا } :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى } هذه رؤية قلبية علمية فهو لم يرهم عليه الصلاة والسلام بعينيه { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ } وتلك الديار لم يأت نص صحيح فيما نعلم في تعيينها ولو كان في تعيين تلك الديار فائدة لبينها عز وجل

{ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ } وهم ألوف بمعنى أنهم ذو عدد كبير خلافا لما قيل من أن كلمة ألوف يعني أن قلوبهم مأتلفة مجتمعة بل إن الكلمة هنا { وَهُمْ أُلُوفٌ } تدل على العدد وذلكم العدد اختلف فيه المفسرون وليس هناك نص صحيح يبين هذا العدد مع أن بعض أهل العلم لأن كلمة ألوف تدل على جمع الكثرة تدل على جمع الكثرة

ولذا قال ( هم أكثر من عشرة ألاف )

لم ؟

قال : لأن ما دون عشرة ألاف لا يقال عشرة الوف

فكونه يقول { وَهُمْ أُلُوفٌ } دل على أنهم أكثر من عشرة ألاف

وعلى كل حال : فعددهم كبير

{خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} خيفة من الموت

هل هو بسبب الطاعون الذي خرجوا منه كما قيل

أو بسبب أن الجهاد فرض عليهم ؟

ليس هناك دليل صحيح فيما نعلم في تعيين ذلك

المهم أنهم خرجوا خوفا من الموت

السبب ؟

الله أعلم

فإن كان السبب هو الطاعون فإنه جاء في شريعتنا من أنه عليه الصلاة والسلام ثبت عنه قوله قال ( إذا وقع الطاعون في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها وإذا وقع في أرض ولستم فيها فلا تدخلوها )

{ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ }  خيفة من الموت

{ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا } لا يغني حذر من قدر

يعني الموت مكتوب

{ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا } :

وهذا يدل على أن الإنسان مهما فر من الموت فإن أجله لن يزيد

ولذلك :

قال عز وجل { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ }  إلى أماكن موتهم التي كتب الله عليهم فيها أن يموتوا فيها

{ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ }

وهذا هو الصنف الثالث الذي مر معنا في هذه السورة ممن أماته الله في الدنيا ثم أحياه

الصنف الثاني مر معنا :

وهو القتيل الذي في قصة موسى { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا }

الصنف الثالث وهو الأول لما طلب قوم موسى من موسى أن يروا الله جهرة { فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) }

{ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ } :

فضل الله عز وجل على جميع واضح وظاهر وإفضاله وإنعامه على الناس عظيم

ومن ذلك :

ما حصل لهؤلاء

فإن هؤلاء خرجوا خوفا من الموت فأماتهم الله فأحياهم تفضلا منه عز وجل حتى يعرفوا ويوقنوا بأن الله عز وجل على كل شيء قدير

{ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }  لا يشكرون نعمة الله وفضل الله عز وجل

وهذا شامل

وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن الإنسان واجب عليه أن يجعل نصب عينيه نعم الله عزوجل التي أنعم الله بها عليه

{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) }

{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أمر هنا بالقتال مما يدل على ماذا ؟

يدل على أن الموت تتعدد أسبابه من لم يمت بالسيف مات بغيره

بمعنى أن جهادكم الجهاد الشرعي إذا جاهدتم فإن هذا الجهاد لا يقرب أجلا

ولذلك :

خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف الله المسلول مع ما خاضه من المعارك الكثيرة إلا أنه مات على فراشه

فالجهاد :

لا يقرب أجلا

{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أي لتكون كلمة الله هي العليا كما ثبت بذلك الحديث في الصحيحين

والجهاد إذا تحدث عنه وفي سبيل الله يجب أن يكون هذا الجهاد بضوابطه الشرعية

{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) }

{ وَاعْلَمُوا } : من باب التنبيه والتحذير من أن الله يسمع كل قول وعليم بكل شيء وإذا كان الإنسان مستحضرا لمعاني هذه الأسماء والتفقه في هذه المعاني معاني أسماء الله عز وجل وصفاته فإنها تزيده إيمانا

ولذلك :

أسماء الله لها معنى من حيث اللغة وكذلك صفات الله أما الكيفية لها كيفية لكن نحن لا ندركها

ولذلك :

الإمام مالك رحمه الله لما سئل كيف استوى الله عز وجل ؟

قال : ( الاستواء معلوم ( من حيث اللغة ) والكيف مجهول ( مجهول لنا وإن كان لها كيفية لكن مجهولة لنا ) والسؤال عنها بدعة )

فلها معاني

ولذلك :

المفوضة هناك طائفة تقول نحن نفوض الأسماء والصفات وهذا قد ينطلي على بعض الناس ، وبعض أهل السنة فلربما أن هؤلاء يظن بهم الخير من أنهم يقولون نحن نثبت الأسماء والصفات لكن لا نتكلم فيها لا من حيث  الكيفية ولا من حيث المعنى

وهذه الطائفة كما قال أئمة السنة من شر الطوائف لأنهم يدلسون على الناس

لم ؟

لأن الله أمر في كتابه بأن تتدبر الآيات

{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ }

ومن أعظم الآيات التي تتدبر الآيات المتعلقة بالأسماء وبالصفات

ولذلك :

على قول هؤلاء ينسبون الجهل للنبي عليه الصلاة والسلام وللصحابة رضي الله عنهم من أنهم يقرأون القرآن ولا يعرفون معاني هذه الأسماء

ولذلك كما سلف التفقه في معاني أسماء الله وصفاته وليس الكيفية تزيد العبد إيمانا وتقربا إلى الله

{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) }

{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } :

لما ذكر ما يتعلق بالقتال ذكر ما يتعلق بالنفقة

الاستفهام هنا { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } استفهام يدل على الحث ، حث العباد على النفقة

ومن ما يكون من النفقة : النفقة في سبيل الله

{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } وصفه بالحسن وهو القرض الذي تطيب به النفس والذي تعتقد النفس من أن الله عز وجل سيخلف على هذا المنفق ما أنفقه كما قال عز وجل { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }

{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ }

ولذلك اليهود لما سمعوا بمثل هذه الآية قال إن الله يستقرضنا فهو فقير فرد الله عز وجل عليهم { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ }

{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } فالله غير محتاج لهؤلاء لأن الله مالك الملك مالك للبشر وما يملكون لكنه من باب الحث من باب أن ينفق العبد لكي يحصل على الأجر { وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ } من باب أن يحسن الأغنياء إلى الفقراء

وشبيه هذا ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه عز وجل قال الله :

(( يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي استطعمك فلم تطعمه أما لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ))

{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } الثواب { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } يضاعف الله عز وجل له أضعافا كثيرة  { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }

{وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} شامل يقبض ويبسط

ومن ذلك :

أنه عز وجل يقبض فيقتر على بعض الخلق من باب الابتلاء والامتحان هل يصبر أم لا  ؟

يبسط الرزق على بعض الناس فيغنيه الله فينظر هل يكون من الشاكرين أم لا ؟

ولذلك :

المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم (( إن أمره كله له خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ))

{ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

المرد إلى الله

إذاً :

إن أبقيت هذا المال فإن هذا المال سيرثه الله عز وجل { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }

فكل الخلائق ستعود إلى الله عز وجل وسيتركون هذه الدنيا { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }

{ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بَالظَّالِمِينَ (246) }

( أَلَمْ تَرَ ) رؤية هنا قلبية علمية ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ ) أي إلى القوم

( مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ) أي من بعد موت موسى مما يدل على أن الأنبياء أتت بعد ماذا ؟

بعد موسى

وهذا يوضحه قوله عز وجل

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } في نفس السورة

وكما أسلفت لكم :

الإنسان إذا قرأ السورة فليتأمل في أولها وفي أوساطها وفي آخرها حتى تكون لديه معلومات تفيده من حيث العلم الشرعي وتفيده من حيث عظمة هذا القرآن والإقبال عليه

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ } هذا النبي اختلف فيه

وليس هناك دليل صحيح في تعيينه

أهم شيء أنه نبي بعد موسى

وهذا الإبهام لهذا النبي لو كان في تصريحه فائدة لذكره عز وجل

{ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } نقاتل مجزومة لأنها جواب الأمر ابعث { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }

وتأمل :

ماذا قالوا ؟ { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا } مما يدل على ماذا ؟

مما يدل على أن الجهاد الشرعي لا يكون إلا بولي ، فأما ما يفعل من أن الإنسان يأخذ سلاحه ثم يخرج فإن هذا ليس بجهاد شرعي

فالجهاد الشرعي لابد أن يكون تحت راية ولي الأمر ولذلك قالوا { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }

{ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } : أي فرض عليكم القتال

{ أَلَّا تُقَاتِلُوا }

{ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ } من باب ماذا ؟

من باب أنه يتوقع من حال هؤلاء أنه ربما إذا فرض عليهم القتال أنهم يتولون

قال { قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا } هم لم يخرجوا هم موجودون فكيف يقولون { أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا }

إما من باب بيان أن بعض من هم معهم من قومهم وكذلك بعض الأبناء أخرجوا من هذه الديار فنسبوا الأمر إلى أنفسهم

أو أنهم يقولون نخشى إن لم نجاهد أن يأتي العدو فيتسلط علينا فإذا به يخرجنا من ديارنا ويأسر أبناءنا

{ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ } فرض  عليهم الجهاد { تَوَلَّوْا } أعرضوا وانصرفوا { إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } كما سيأتي في أواخر الآيات الذين ذهبوا مع طالوت وثبتوا معه { إِلَّا قَلِيلًا }

{ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بَالظَّالِمِينَ }

هؤلاء ظلموا

فهو عز وجل عالم بكل ظالم مهما اختلف نوع ظلمه

{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بَالظَّالِمِينَ } ومن الظلمة هؤلاء الذين فرض عليهم القتال فلم يقوموا به

وفي ذكر هذه الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ } بعد الآية السابقة تذكير لهذه الأمة حتى لا تقع في مثل ما وقعت فيه بنو إسرائيل

ولذلك قال تعالى في سورة النساء { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً  }

فمن كان في عافية فليحمد الله

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال كما ثبت عنه (( لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموه فاصبروا ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) }

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا } هم قالوا

{ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }

لم ؟

لأن الله عز وجل جمع لبني إسرائيل بين النبوة وبين الملك

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ }

فقالوا { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا } من باب الاستبعاد { أَنَّى يَكُونُ } أي كيف يكون { أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ }

انظر :

هؤلاء :

أولا : زكوا أنفسهم

الأمر الآخر : أنهم جعلوا مبنى الأفضلية على وجود المال ، لا ، إنما الأفضلية فيمن هو متقي لله وجمع الصفات الحميدة التي تناسب ما يولى عليه

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الصحيح عليه الصلاة والسلام لما سئل : متى الساعة ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : (( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ))

قيل  : ما إضاعتها ؟

قال : (( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ))

لأنه إذا ولي من ليس بأهل فسدت أحوال الناس

ولذلك قالوا { وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ } يعني من أسرة فقيرة

وذكروا من أن له صفات من حيث المهنة وما شابه ذلك ، ولكن ليس عليه دليل صحيح فيما نعلم من سنة النبي عليه الصلاة والسلام

{ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } أي اختاره عليكم وهذه تكفي فإن الله عز وجل عالم بالذي هو أصلح لكم
{ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ } مع أنه اصطفاه اختاره عز وجل لأن يكون ملكا { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } في العلم الشرعي وأيضا العلم بأحوال القتال ، والجسم لأن مثل هذا الجهاد يحتاج إلى شخص به قوة  ، قوة من حيث الخبرة وهو العلم

ومن حيث البدن القوة البدنية

{ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ }

زاده بسطة يعني : مع أن لديه بسطة خلقه الله عز وجل أيضا زاده بسطة في العلم والجسم

وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أنه  إذا اختير شخص أن يختار الأكفأ

ولذلك ماذا قالت تلك المرأة لأبيها

{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }

قوي وأيضا هو أمين

وذلك العفريت قال لسليمان { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ }

{ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ }

فلا أحد يعترض على أمر الله { وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

واسع الرزق واسع المغفرة

واسع الرحمة

واسع الفضل

واسع الإنعام

واسع العلم

كلمة واسع تشمل أشياء كثيرة

وهو عليم :

ولذلك ماذا قال عز وجل { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا }

وسع علمه كل شيء

ولذلك قال هنا { وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } فهو عالم عز وجل بمن هو أصلح لكم وبمن يستحق الملك وهو عز وجل يوسع على من يشاء

فإنه وإن لم يؤت سعة من المال إلا أن الله عز وجل اختاره واصطفاه ووسع عليه

ولذلك :

مما يدل على هذا هو عز وجل وسع عليه أيضا فيما يتعلق بالصفات المطلوبة الصفات الحميدة { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) }

 { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ } علامة لملكه { أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ }

{ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ }

التابوت معروف

{ فِيهِ سَكِينَةٌ } : أي في هذا التابوت سكينة وهي الراحة والطمأنينة والاستقرار

{ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ } أي ما تبقى { مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ } آل موسى وآل هارون { وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ }

{ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ } : موسى وهارون مما بقي منهما

وقال هنا { آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ } لأن هذه البقية التي في التابوت هي مما بقي من موسى وهارون وتوارثته الأجيال

وتوارثته الأجيال

هل هو بقايا من الألواح أو التوراة أو ما شابه ذلك

الله أعلم به

المهم أنها بقية

قال { فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } بمعنى أن وجود هذا التابوت بأمر من الله جعل فيه إذا وجد لكم من أن السكينة تكون في قلوبكم

ومن ثم :

تقدمون على الجهاد

لأن قلوبكم مستقرة بوجود هذا التابوت الذي جعل الله فيه السكينة ،  والسكينة نعمة من الله عز وجل على العبد ، ولاسيما في حال الخوف  ولذلك :

ماذا قال عز وجل عن نبينا عليه الصلاة والسلام في طريق الهجرة قال عز وجل { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا }

النبي عليه الصلاة والسلام لما كان في صلح الحديبية وما جرى فيه من شروط بعض الصحابة رضي الله عنهم رأوا أن فيها غضاضة عليهم ماذا قال عز وجل في أول سورة الفتح { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ }

ولما حصل ما حصل وانتشر من أن عثمان رضي الله عنه قتل وبايعوا النبي عليه الصلاة والسلام تحت الشجرة قال عز وجل { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }

وقال عز وجل في أواخر السورة { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ }

وكذلك في حنين لما حصل ما حصل وقالوا لن نغلب اليوم عن قلة ماذا قال عز وجل { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا }

قال هنا : { آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ } من أين أتاهم ؟

هناك أقوال لكن ليس هناك دليل صحيح

قيل من أن الأعداء أخذوا هذا التابوت

وقيل نزل من السماء

المهم أنه عز وجل جعل لهم آية وعلامة على صحة ملك من ؟

طالوت

 { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ }

تأتي به الملائكة وقد حملته

وهذا ليفهم من أن هذا التابوت لا يجوز للإنسان أن يتبرك بشيء إلا بما أذن به الشرع فإن مثل هذا التابوت إنما أذن فيه الشرع في شرع من قبلنا

وكذلك الشأن لأن الأصل في التبرك طلب البركة من المخلوقات لا يجوز إلا ما أذن به الشرع

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } آية وعلامة لكم { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }

إن كنتم مؤمنين فاعلموا أن ملك طالون ملك صحيح وأنه يدل على صدق ملكه