التفسير المختصر الشامل الدرس (26) تفسير سورة البقرة من الآية ( 256) إلى الآية (260)

التفسير المختصر الشامل الدرس (26) تفسير سورة البقرة من الآية ( 256) إلى الآية (260)

مشاهدات: 550

التفسير المختصر الشامل ( 26 )

تفسير سورة البقرة :

من الآية ( 256) إلى الآية (  260)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) }

{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } :

هذه الآية أتت بعد آية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل

وهذه الآية وهي قوله تعالى { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } بمعنى أن دين الله قد اتضحت عظمته

ولذا :

أتت هذه الآية بعد أعظم آية في كتاب الله عز وجل

{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } أي لا يكره أحد في الدخول في الدين

لم ؟

{ قَدْ تَبَيَّنَ } أي اتضح { الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } والرشد هو حسن التصرف والغي هو الضلال والسفه

ولذا :

مر معنا قول الله عز وجل في أول هذه السورة وفي أوساطها وكما أسلفت يتأمل المسلم السورة التي يقرؤها فإنه قال هنا { قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } وضد الرشد السفه

ولذا قال عز وجل كما سبق { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ }

وقال تعالى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا }

قال تعالى : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

فالرشد هو الإيمان بالله وطاعة الله عز وجل

قد تبين الرشد من الغي

{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ } :

والطاغوت قيل هو : من عُبِد من دون الله وهو راض

وقيل هم خمسة ورأسهم الشيطان

والذي يظهر أن أعظم تعريف للطاغوت هو ما  عرفه ابن القيم وتلك التعاريف تدخل في ذلك وهو قوله :

ما تجاوز العبد به حده من معبود كالشيطان والأصنام

أو متبوع كالسحرة

أو مطاع كأمراء وعلماء السوء

وسيأتي بإذن الله عز وجل بعض الآيات التي تدل على ما ذكره ابن القيم

{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ }

دل هذا على ماذا ؟

على أنه لا يتحقق للعبد توحيد إلا إذا كفر بما يعبد من دون الله  ، ولذا في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام : (( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم دمه وماله ))

ولذا :

لو قال الإنسان أنا مؤمن ولكن إن اليهود والنصارى لا أقول إنهم مشركون أو يقول لا أقول إنهم مسلمون ولا أنهم مشركون فإنه لم يدخل في الدين

{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ } يكفر بجميع الأديان ويؤمن بالإسلام وحده

{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } : أي تمسك بالعروة وهي الحلقة الوثقى أي القوية المتمكنة في القوة ، ومن استمسك بها فإنه لا يسقط

وهذا هو شأن من دخل في دين الله عز وجل

فإنه يكون في ثبات ، ويكون في خير

والعروة الوثقى :

تعريفها :

ما مر في هذه السورة وهو : قوله عز وجل { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } فالرد على اليهود والنصارى { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } إلى أن قال  { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ }

إذاً العروة الوثقى ما هي ؟

الإخلاص لله عز وجل والإحسان في الدين بحيث يتبع النبي عليه الصلاة والسلام

لو قيل :

من أين لكم من أن هذا هو تفسير العروة الوثقى ؟

نقول : الآيات الأخرى وهي قوله عز وجل { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى }

{ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا } أي لا انقطاع لها

ومن كان داخلا في هذا الدين ومتمكنا في هذا الدين فإنه يكون على قوة ويكون على ثبات

{ لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } :

يسمع كل شيء

ويعلم كل شيء

ما صغر وما كبر

ويعلم ما في النفوس وما تتحدث به النفوس وما لم تتحدث به النفوس فيما لو أرادت أن تتحدث به ، فإذاً قال عز وجل في ختام هذه الآية { وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } :

يدل على أن الله عز وجل قد علم بحال من دخل في هذا الدين ممن أعرض عنه

يسمع من يقول لا إله إلا الله

ويعلم ما يكون في نفسه إن كان مؤمنا خالصا وإن كان منافقا خالصا

وهذه الآية اختلف العلماء فيها :

هل هي منسوخة لأن هناك آيات تأمر بالجهاد كآية السيف :  { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ }

فقال بعض أهل العلم : هذه الآية منسوخة

والصحيح كما سلف من أن الأصل عدم النسخ ، ولا يلجأ إلى النسخ إلا إذا لم يمكن الجمع بين الأدلة ؛ للقاعدة الأصولية : [ إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ]

فتكون هذه الآية ليست منسوخة وإنما تكون محكمة

{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } فبراهين الدين وأدلته واضحة فمن لم يرد الدخول في الدين فله ما يشاء لكن بشرط :

أن يبذل الجزية

ولذا :

هذه الآية في حق من ؟

في حق من أراد ألا يدخل في الدين ، ولكنه خضع والتزم بأحكام الدين بحيث يدفع الجزية

ولذا :

ثبت في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام : (( قاتلوا من كفر بالله ))

إلى أن قال : (( فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال

الإسلام فإن أبوا فليدفعوا الجزية ، فإن أبوا فلتقاتلهم ))

فهذه الآية يوضحها هذا الحديث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) }

{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }

الولاية هنا : ولاية خاصة لأن هناك ولاية عامة لجميع الخلق : الله يتولى أمور الخلق من حيث الرزق من حيث التدبير

تصريف الأمور

هذه ولاية عامة كما قال تعالى { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ } لكن هنا ولاية خاصة تخص المؤمنين ينصرهم يؤيدهم يوفقهم يعلمهم

ومن ذلك :

ما ذكر هنا { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }  يخرجهم من الظلمات إلى النور ، يخرجهم من ظلمات ما يكون من جهل

ما يكون من شبه تطرأ

كل ظلمة من الظلمات التي ربما تعترض عليهم في طريق الدين فإن الله عز وجل يتولاهم

{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا } فالمؤمن ، الله عز وجل يتولاه

ولذلك قال { يُخْرِجُهُمْ } بصيغة الفعل المضارع

ما يدل على أن الله عز وجل تولى أمورهم في كل حال في حاضرهم وفي مستقبلهم

{ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } : نور الإيمان

نور العلم

نور الهدى نور السداد

فهي شاملة

وانظر :

قال هنا { الظُّلُمَاتِ } : لأن الظلمات هنا جمعت بينما النور واحد لأن طريق الله واحد أما طرق الضلال والظلمات فهي متنوعة ومختلفة

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ } قال هنا { يُخْرِجُونَهُمْ } فدل هذا على ماذا ؟ على أن الطاغوت بصيغة الجمع كما هنا  { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ }

ويأتي بصيغة الإفراد كما مر في الآية السابقة { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ }

ويأتي بصيغة التأنيث { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا }

قال : { أَنْ يَعْبُدُوهَا }

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ }

لو قيل :

كيف يخرجونهم من النور إلى الظلمات وهم في الأصل كفار ؟

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ }

:

إما باعتبار حال من كان مؤمنا من أهل الأديان السابقة

فلما أتى النبي عليه الصلاة والسلام أعرضوا

أو وهذا أشمل ويدخل فيه أيضا الآخر ولا تعارض بينهما من أنهم يخرجونهم من نور الفطرة

لم ؟

لأن الله قد فطر الخلق على أن يعبدوه وعلى أن يوحدوه

ولذا ثبت قوله عليه الصلاة والسلام : (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ))

ولذا :

ماذا قال عز وجل ؟

{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }

فإذاً يخرجونهم من النور إلى الظلمات

يخرجونهم من نور الإيمان على الوجه الأول أو من نور الفطرة إلى الظلمات وإذا خرج الإنسان من نور الإيمان ومن نور الخير فإنه والحالة هذه يكون في ظلمات

وأيضا يدخل فيه نسأل الله السلامة والعافية من يرتد عن الدين

فمن يرتد عن الدين كان قبل ذلك في إيمان وفي خير وفي نور الإيمان

ثم بعد ذلك تولاه الشيطان وتولاه الطاغوت فأخرجه من النور إلى الظلمات

ولذا قال تعالى { يُخْرِجُونَهُمْ } بصيغة الفعل المضارع مما يدل على أن الشيطان كلما بعد العبد عن دين الله كلما تولاه

ولذا :

قال عز وجل { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }

{ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }

{ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } :

{ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } :

هؤلاء حالهم أنهم في النار

وخالدون وماكثون فيها أبد الآباد

{ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ }

أتت هذه الآية بعد الآية السابقة من باب بيان أن من بين أولياء الله عز وجل إبراهيم

ومن بين أولياء الطاغوت ذلكم الرجل الذي حاج إبراهيم في ربه

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ }  الرؤية هنا لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرها بعينه رؤية قلبية علمية يعني أخبر بها { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ }  أي جادل { إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } أي في توحيد الله

في توحيد ربه

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ } :

أي لأجل ما آتاه الله من الملك

كان من المفترض لما آتاه الله الملك أن يشكر الله

لكن بعضا من الناس نسأل الله السلامة والعافية يطغى

ولذا قال تعالى : { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) }

وقال تعالى { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ }

{ الْمُلْكَ } : أعطاه الله لهذا الرجل قيل هو النمرود وينطق النمروذ

وقيل إن هذا الرجل كان متسلطا حتى إن الله عز وجل عاقبه بأن دخلت بعوضة في أنفه فجلس سنين طويلة ما يقرب من أربعين سنة وهو يتألم ويتعذب

وعلى كل حال قضية هذا الرجل وما ذكر من هذا الأمر لا أعلم دليلا صحيحا من السنة على مثل هذا الأمر

ولذا نبهم ما أبهمه القرآن

والشاهد من هذا :

أن العبد يعتبر ويتعظ وأنه مهما أعطي من القوة فإنه في قبضة الله

{ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ }

هذه دلائل على إفراد الله وعلى وجود وعلى توحيد الله عز وجل

{ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ }

ماذا صنع ؟

أتى برجلين أحدهما حكم عليه بالقتل والآخر لم يحكم عليه بالقتل فعفا على من حكم عليه بالقتل وقتل الآخر فقال أنا أحيي وأميت

ولذا قال بعض العلماء قالوا لما رأى إبراهيم أن هذا غبي وأن مثل هذا الفعل لا يدفع الحجة لأنها حجة أصلا حجة على هذا الرجل لأن ما أتى به حجته داحضة وليست بصحيحة وينكرها كمل عقل

( قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) لتخرج من جهة المغرب { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }

بهت : تحير هذا الرجل فبهت الذي كفر

وانظر :

قال  { الَّذِي كَفَرَ } حكم عليه بأن ما كان منه من مجادلة يدل على كفره

ثم أيضا يبين من أن أهل الكفر في تحير

ولذا قال عز وجل { وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

{ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

وأعظم الظلم : الكفر لأنه قال { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }

{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

وهذا من القوم الظالمين الذين ارتكبوا أعظم الظلم وهو الكفر بالله ودليله ما سبق { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
ويدل هذا على أن من كان ظالما فإن الله لا يهديه إذا تبينت له الحجج الواضحة

وقامت عليه الحجج وعاند فهنا { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

ولعل هذه الآية تذكرنا بأول الآيات في أول السورة { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }

ورجحنا كلام شيخ الإسلام من أن هذا ليس في صنف معين من الكفار

وإنما هو في كل كافر يعاند ويكابرويدفع حجج الشرع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) }

{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ } أي ألم ترإلى الذي مر على قرية عطف على ما سبق ألم تر إلى الذي

بعض  العلماء يقول الكاف زائدة

واعلم بأنه إذا قيل : هذا حرف زائد في القرآن بعض أهل العلم يقول هو صلة من باب ترك كلمة الزيادة

وعلى كل حال :

سواء قيل صلة أو حرف زائد فالمقصود هو زائد من حيث الإعراب

لكن من حيث  المعنى ما من حرف في القرآن إلا وله فائدة والزيادة

والزيادة التي في مثل هذه الحروف تأتي من باب التوكيد

{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ }

{ عَلَى قَرْيَةٍ } اختلف في تعيينها :

وليس هناك دليل صحيح في تعيينها ولو كان في إظهارها فائدة لبينها عز وجل

{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا }  أي ساقطة على عروشها

ساقطة على عروشها

يعني على سقوفها

بمعنى أن هذه الأسقف سقطت وسقط معها جدرانها

{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا }

كيف يحي الله عز وجل بعد موت هذه القرية وبعد ما خلت من أهلها

{ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ }

أي أحياه بعد تلك الموتة

وهذا هو الصنف الرابع الذي أماته الله عز وجل في الدنيا وأحياه

وقصة البقرة : { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا }

وأصحاب موسى لما قالوا : { أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً }

الرابع : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ }

فهؤلاء أربعة

أربعة أصناف

{ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ }

أي كم مكثت ؟

{ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }

لعله هو لما قال هذا القول قاله في أول النهار

وإذا به بعد مائة عام يستيقظ في آخر النهار

فقال الله عز وجل { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }

{ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ ــ أي وانظر إلى شرابك ـــ لَمْ يَتَسَنَّهْ } : لم يتغير

ونوعية هذا الطعام تين أو ما شابه ذلك اختلف فيه ولا دليل صحيح من السنة في تعيينه

المهم أن نأخذ العبرة

{ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ } كيف هو ميت ؟

{ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ } عبرة وعظة تلك العبرة والعظة تدل على قدرة الله على إحياء الموتى فقد أماتك الله في هذه الدنيا مائة عام ثم بعثك

{ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ } : عظام حمارك

{ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا } يعني : نرفعها

{ ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } :

وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن هذا هو ظاهر سياق الآية بخلاف بعض الأقوال التي قيلت في قضية إحياء هذا الحمار وإحياء هذا الرجل

إذاً { وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا } نرفعها

{ ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } اتضح له

{ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } على كل شيء قدير ومن ذلك إحياء الموتى

ومن ذلك إحياء الموتى

ولعل هذه الآية أتت بعد قصة إبراهيم لتبين ما أنكره ذلكم الرجل الطاغية ويعتبر طاغوتا أيضا يعني أيضا من دلالة تلك الآية : الذي حاج إبراهيم يعد من الطواغيت

أيضا لما قال له إبراهيم { رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } :

هنا في هذه الآية دلالة وبرهان ومثال على قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) }

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى }:

أرني في  ظاهره صيغة أمر

وانتبه :
إذا أتى الفعل فعل الأمر في مثل سياق الدعاء فليس فعل أمر وإنما هو دعاء مثل ما نقول ربنا اغفر لنا وارحمنا

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي } رؤية بصرية { كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } :

ليصل إلى عين اليقين لأنه يعلم علم اليقين من أن الله عز وجل يحي الموتى بدلالة الآية السابقة قال { رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } فإبراهيم عنده علم يقيني لكنه أحب أن ماذا ؟

أن يرى بعينه عين اليقين ، وهذا هو القول الصحيح خلافا لمن قال من أن إبراهيم شك في ذلك ، ولاشك أن مثل هذا القول ينسب إلى نبي من أنبياء الله وهو إمام في التوحيد ينسب إليه من أنه أتاه الشك وليس هذا بلائق بإبراهيم عليه السلام وإن كان قول هؤلاء  ممكن أن يحمل على شك طارئ ، وليس شكا مستقرا ومع ذلك فالآية تدفع ما يقولون

لم ؟

لأنه قال { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ } سأل عن الكيفية

وكذلك الآية السابقة (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)

{ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } :

من باب ماذا ؟

من باب أن يصل إلى عين اليقين

{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا }

الآيات على خلاف سنبينه  حول ما يتعلق بالحواريين

الشاهد من هذا :

من أنه أراد أن يصل إلى عين اليقين { قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }

{ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ }

نوعية هذه الطيور اختلف فيها اختلافا لا دليل عليه من حيث السنة

المهم نأخذ العبرة

{ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ }

الطير كلمة تطلق على جمع من الطيور وتطلق على الطائر الواحد يصح إطلاقها على الجمع وعلى المفرد

لكن هنا { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ } مجيء { مِنَ } يدل على أنها طيور متنوعة والعلم عند الله

{ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } أي اجمعهن وأملهن إليك

{ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا }

لما قال { جُزْءًا }  دل على أنه ذبحها وقطعها

{ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا }

وذكر الجبال من باب ماذا ؟

من باب ألا يقع توهم من أحد من أنه ربما أنها طيور غيرها فإذا كانت في العلو دل هذا على أنها نفس تلك الطيور التي قطعت

{ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ} يعني قل لهن يأيتن

{ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا } :

{ يَأْتِينَكَ سَعْيًا } : بعض أهل العلم يقول : تأتيك وهي تطير

وإن كان الطيران يمكن أن يطلق عليه بأنه سعي لكن الذي يظهر{ يَأْتِينَكَ سَعْيًا }  على أقدامهن

من باب ماذا ؟

من باب أن يدفع أ وهم من أنه ربما أن تكون هي طيور أخرى فكونها تأتي سعيا وهي تمشي من باب دفع أي توهم

{ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا }

{ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } :

في الآية السابقة في قصة ذلك الرجل مع حماره : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

وهنا قال { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } :

وإبراهيم عليه السلام ليس كحال السابق

فهو يعلم علم اليقين ويعلم علم اليقين من أن الله عزيز حكيم

{ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } :

عزيز قوي غالب لا ينال بسوء

حكيم يضع الأشياء في مواضعها المناسبة

ومن ذلك بيان قوة الله وقدرة الله وأنه عز وجل غالب على أمره وهو حكيم عز وجل إذ أجاب إبراهيم لما أراد

وهو حكيم لما اختار هذه الطيور

ولما أمر إبراهيم بفعل هذه الأمور

{ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }