التفسير المختصر الشامل الدرس (27 ) تفسير سورة البقرة من الآية ( 261) إلى (269)

التفسير المختصر الشامل الدرس (27 ) تفسير سورة البقرة من الآية ( 261) إلى (269)

مشاهدات: 571

التفسير المختصر الشامل ( 27 )

تفسير سورة البقرة

من الآية ( 261) إلى الآية (  269)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ٢٦١ }

[البقرة:261]

 

{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ } :

لما ذكر عز وجل ما يتعلق بالموت ما يكون من موت طبيعي للإنسان كما في قوله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ }

وذكر ما يتعلق بالموت في الجهاد في سبيل الله : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }

وذكر ما يتعلق بالموت في قضية مجادلة إبراهيم مع هذا الطاغية ثم قصة هذا الرجل لما مر على القرية ثم قصة إبراهيم مع هذه الطيور

في ضمن تلك الآيات

{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً }

هنا عاد الكلام إلى قضية الإنفاق

{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }

في سبيل الله : أي في كل طرق الخير ومن ذلك الجهاد في سبيل الله

{ كَمَثَلِ حَبَّةٍ } حبة زرعت في الأرض { أَنۢبَتَتۡ } ولكن هذا أسلوب  من أساليب  اللغة العربية وليس  مجازا كما ذهب إلى ذلك من يقول بالمجاز في القرآن وليس في القرآن مجاز كما حققنا ذلك في غير هذا الموضع وعليه المحققون كشيخ الإسلام وابن القيم

{ كَمَثَلِ حَبَّةٍ } تلك الحبة { أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ }:

قال بعض أهل العلم : هذا من باب التمثيل وإلا فلا يوجد سنبلة بها مائة حبة

والصحيح :

أنه وجد ، ورد على هؤلاء بل قالوا وجد ما هو أكثر من ذلك

{ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ }

{ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ } :

: قال بعضهم { وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ } : هذا تأكيد لما سبق من أن العدد فقط كم ؟

سبع مائة التضعيف إلى سبع مائة ولو لم يذكروا دليلا

قلت : لو ذكروا الدليل السابق { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً }

فيمكن أن يقبل ما يقولونه مع أنه في الحقيقة هو ليس بصحيح

{ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ }  يعني : يزيد على سبع مائة إلى أضعاف كثيرة

والدليل : ما جاءت به السنة من الأدلة الكثيرة ، منها :

قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح : (( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها غلى سبع مائة ضعف إلى أضعافا كثيرة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به  ))

والأدلة على هذا كثيرة

فدل هذا على أن العبد تضعف له ماذا ؟

الحسنات

إلى سبع مائة ضعف ، وانظر وتأمل وعد إلى ما قاله عز وجل عن هذا التضعيف الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه من أنه قال

(( إن أحدكم إذا تصدق بصدقة طيبة أخذها بيده فيربيها كما يربي أحدكم فصيله ))

مضاعفة

{ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ} :

{ وَٰسِعٌ } : واسع الخير واسع الرزق واسع الرحمة واسع المغفرة

{ عَلِيمٌ } : بكل شيء

فإذن :

من أنفق { وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } : من أنفق فإن الله عز وجل سيوسع عليه وهو عالم بحقيقة من ينفق وبنية من ينفق

ومن أراد بنيته الإنفاق لهذا الوجه أو لهذا الوجه من سبل الخير

{ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٢٦٢ } [البقرة:262]

 

{ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى }

لما بين من أن الإنفاق  تتضاعف فيه الحسنات بيَّن أن هذا الإنفاق ، وهذا أصح من قول من يقول إن النفقة السابقة في نوعية معينة وفي جهة معينة من الإنفاق وهذه في نفقة أخرى

لكن  :

هنا بين ، بين أن تلك النفقة السابقة لا يحصل لعبد بها ثواب إلا إذا خلت من المن والأذى

{ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي في سبل الخير

وفي طرق الخير

{ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى }

ما يمن على من تصدق عليه

والمن : كأن يقول أتذكر أنني قدمت لك كذا وأنفقت عليك كذا وأعطيتك بكذا

{ وَلَآ أَذٗى }  أي لا يؤذيه لا بقول ولا بفعل كأن يذكر مثلا إنفاقه عند من لا يريد أن يسمع أن شخصا قدم له شيئا

لأن بعضا من الناس ربما يأتي في مجس من المجالس ويقول : تذكر يافلان أني قدمت لك كذا وكذا عند أشخاص لا يريد أن يطلعوا على حقيقة حاله

أو أن يقول له : ما أكثر ما تسأل وما أكثر ما تطلب

فكلمة المن والأذى شاملة

{ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى }

قال ثم هنا مع أن المن لا يجوز لا يجوز أن يكون مع الصدقة

والأذى كذلك لا يجوز مع الصدقة

لكن لما قال { ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ } دل هذا على أن المن والأذى في الغالب إنما يكون بعد

فالنص على هذا من أجل هذا الأمر

{ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى } ولو بأقل ما يكون من المن والأذى

شامل

{ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى } نكرتان في سياق النفي تدل على العموم

حتى ولو صغر هذا المن ولو صغر هذا الأذى

{ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ } أي ثوابهم

{ عِندَ رَبِّهِمۡ } مما يدل على عظيم هذا الأجر لأنه من عند الله { وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ } : أي فيما يستقبلونه

{ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ } فيما مضى

مما يدل على أن بعضا من الناس قد ينفق ويخشى من الفقر فهنا فيه طمأنة له وقد يحزن على أنه أنفق ففيه طمأنة لهم بشرط :

أن ينفق هذا المال وقد طابت نفسه بذلك فالله عز وجل قال : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }

ولا يحزن علىما مضى

لم ؟

لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( ما نقصت صدقة من مال )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ٢٦٣ }

[البقرة:263]

{ قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ } :

{ قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ }

ولذلك في الحديث الصحيح قال عيله الصلاة والسلام : (( والكلمة الطيبة صدقة ))

{ قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ } أي تجاوز وستر لإلحاح أو أذية هذا الفقير

{ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ } أفضل من صدقة { يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ } لأن بعضهم لما يرى الصدقة يقول في ظاهرها أفضل من القول وأفضل من المغفرة وهي الستر من قبل الإنسان لهذا الفقير { قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ }

لم ؟

لأن المقصود من الصدقة أن تحسن إلى هذا الفقير فتزيل عنه الهم والغم الذي في قلبه ، فإن كانت هذه الصدقة الصدقة معها أذى أو معها منة هنا صارت وبالا على هذا الفقير فخير له  وخير لك أنت أيها المنفق القول المعروف الحسن بشتى أنواعه والمغفرة يعني التجاوز عن إلحاح أو عن أذية هذا الفقير { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى }

لم يقل هنا المن وإنما اقتصر على الأذى

لم ؟

لأن الأذى من ضمنه المن لكنه ذكرها في الآية السابقة باعتبار أنها من أعظم أقسام الأذى الذي يظهره المنفق إذا آذى الفقير

{ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ }

{ غَنِيٌّ }  :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [فاطر:15]

{ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } فالله غني عنكم

والله عز وجل قادر على أن يغني هذا الفقير فما أنفقتم من شيء فإنما تنفقون لأنفسكم

{ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ }

{ حَلِيمٞ } : لا يعاجل بالعقوبة وإلا فما صنعتم من هذا المنّ ومن هذا الأذى تستحقون به عقوبة لكن أخر عنكم هذا العقاب من أجل أن تتوبوا إليه عز وجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ٢٦٤ } [البقرة:264]

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } نداء لأهل الإيمان

{ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم } لا تبطلوا هذه الصدقات التي أنفقتموها حتى لا تذهب عنكم الأجور والحسنات

{ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي } : لا يكون حالكم كحال الذي من هو { كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ } فالذي ينفق ماله رئاء الناس هذا لا أجر له

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح مسلم :

(( قال الله عز وجل : أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ))

وفي روايات أخرى عند أحمد وغيره فيقول الله يوم القيامة للمرائين :

(( اذهبوا إلى من كنتم تراءون عندهم هل تجدون عندهم جزاء ؟ ))

{كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ} حالكم انتبهوا لا يكن حالكم كحال هؤلاء المراءين

{ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ } من أجل أن يظهر للناس من أنه كريم من أنه صاحب وجاهة من أنه جواد أو يقصد بذلك غرضا دنيويا لتحقيقه

{ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُ }

حال هؤلاء الذين تقدم ذكرهم ممن رآء وكذلك من تبعه ممن من وآذى في صدقته { فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ} أي حجر أملس صلد { فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ} أي مطر شديد

{ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ } :

تركه لا شيء عليه من هذا التراب يعني أن هذا التراب زال فكذلك شأن صدقة المرائين وصدقة من يمن ويؤذي الفقير حالهم حال هذا التراب لأن التراب من حيث الأصل إنما يوضع من أحل أن يزرع فيه ، فهؤلاء أرادوا أن يبذروا وأن يزرعوا على هذه الحجارة الصلبة التي عليها تراب فأتى المطر فأزال ذلك

{ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ } ولو ما قل

{ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ } أي مما عملوه { مِّمَّا كَسَبُواْۗ } هم أرادوا بهذه النفقة أرادوا ما أرادوه من أجل أن ينتفعوا بها { لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ } يعني يأتون يوم القبيامة ولم يجدوا لهم حسنات { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) } [الفرقان:23]

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ }

وكما قال عز وجل :{ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } [إبراهيم:18]

{ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ٢٦٤ }

يشمل من كفر بالله الكفر الأكبر الذي أنفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر

ويشمل من كفر كفرا ليس مخرجا عن الملة باعتبار أنه أبطل صدقته بالمن والأذى لأن حقيقة الشكر إذا أنفقت أن تنفق وقد طابت نفسك بذلك وأنت تعلم وتوقن وتعتقد بعظم نعم الله عليك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَ‍َٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ٢٦٥ } [البقرة:265]

 

{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ }

ومثل :

لما ذكر الصنف الذي ينفق من أجل الرياء والمن والأذى بيّن الصنف الذي ينفق من طيب نفس وبإيمان بأن الله سيخلف عليه { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ }

وانظر : قالوا { يُنفِقُونَ } بصيغة الفعل المضارع مما يدل على الاستمرار

{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ } أي طلب { مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ } : يريدون ما عند الله { وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ } بمعنى أن نفوسهم طيبة لما أنفقت

أيضا يأملون من الله بأن يخلف عليهم ، وأيضا تثبيتا من أنفسهم بمعنى أن الصدقة يثبتون عليها بمعنى أنهم يسيرون على الإنفاق على وجه مستمر

فتلك الصدقة تثبتهم على الصدقة  كما قال عز وجل { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى }

{ كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبۡوَةٍ } : { كَمَثَلِ جَنَّةِۢ } : أي بستان حاله كحال صاحب بستان { كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبۡوَةٍ } أي في مكان مرتفع

بعض المفسرين قال : إنما الربوة المذكورة هنا بتهامة ولكن الصحيح أنه رد عليه وأن المقصود الربوة في المكان المرتفع لأن ربوة تهامة ليست باردة كبرودة الربوات الأخرى

ولذلك تلك المرأة في حديث أم زرع قالت : (( زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر )) يعني لا حر ولا برد

{ كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبۡوَةٍ }: أي في مكان مرتفع

{ كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ } يعني مطر شديد { فَ‍َٔاتَتۡ }: يعني أعطت { أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ } أي ثمرتها أعطت ثمرتها مرتين

إما بمعنى أنها تثمر في السنة مرتين أو أنها تثمر في السنة الواحدة ما تثمرها جنات في سنتين

{ كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَ‍َٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ} بمعنى أنها في السنة هي إما تثمر مرتين أو أن الثمار تتضاعف فيها مضاعفة من أثمرت سنتين

{ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ } مطر شديد{ فَطَلّٞۗ  } الطل هو المطر الخفيف : بمعنى أنه مستمر ، مع أنه قليل لكنه مستمر وعظيم النفع فكذلك هو شأن هؤلاء :

فإن صدقاتهم تستمر حسناتها كما قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه

(( إذا تصدق أحدكم من كسب طيب والله طيب لا يقبل إلا طيبا فيأخذ صدقته بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فصيله )) فتتضاعف

وانظر إلى ما ذكر في الآيات السابقة
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ٢٦١ }

{ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ } : كل ما يعمله العباد فالله عز وجل بصير به وعالم به

ومن ذلك :

تلكم النفقة فهو عالم عز وجل بحالكم من حيث الفقر ومن حيث الغنى عالم وبصير بحالكم من حيث ما أردتم من هذا الإنفاق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمۡ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَابٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ لَهُۥ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَأَصَابَهُ ٱلۡكِبَرُ وَلَهُۥ ذُرِّيَّةٞ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ فِيهِ نَارٞ فَٱحۡتَرَقَتۡۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ٢٦٦ } [البقرة:266]

 

{ أَيَوَدُّ } : الاستفهام هنا للنفي ويتضمن أيضا التحذير لأن الإنسان لا يود أن تكون حاله كحال هذا الرجل { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمۡ } أي أيحب أحدكم { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمۡ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ  } جنة يعني بستان { مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَابٖ } من نخيل وأعناب

الآية السابقة قال عز وجل : { كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبۡوَةٍ }

قال بعض أهل العلم كمثل جنة بربوة لم يذكر النخيل والأعناب قالوا مما يدل على أن تلك الجنة ليس بها نخيل باعتبار ماذا ؟

باعتبار كما قالوا من أنه من حيث لغة العرب لا يطلق  على الجنة إذا كانت مقتصرا فيها على النخيل وإنما يقال حائط لكن هنا لما ذكر { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمۡ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَابٖ } هذه الجنة بها نخيل وأعناب

{ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ } مما يدل على غزارة مائها

{ لَهُۥ فِيهَا } أي في هذه الجنة { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ } مما لذ وطاب

{ وَأَصَابَهُ ٱلۡكِبَرُ } : مما يدل على أن الكبر أنه تمكن منه

{ وَأَصَابَهُ ٱلۡكِبَرُ } مع ذلك { وَلَهُۥ ذُرِّيَّةٞ ضُعَفَآءُ } : صغار لا يستطيعون أن يقوموا بشؤون هذه الجنة

{ وَلَهُۥ ذُرِّيَّةٞ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ } أي هذه الجنة التي فيها هذه الأنهار وهذه الثمار المتنوعة

{ فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ فِيهِ نَارٞ } : الإعصار هو الهواء والريح الذي يكون كالعمود يرتفع نحو السماء { فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ فِيهِ نَارٞ } أي في هذا الإعصار { فِيهِ نَارٞ فَٱحۡتَرَقَتۡۗ } : فأتت على هذه الجنة

فكيف يكون حاله  ؟

مع أنه صاحب جنة وصاحب نعيم سابق وهو ضعيف لا يستطيع  ، وعنده ذرية فهو يحتاج إلى هذه الجنة أحوج ما يحتاج إليها ومع ذلك ذهبت من بين يديه

{ فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ فِيهِ نَارٞ فَٱحۡتَرَقَتۡۗ } :

وهذا هو شأن من ؟

شأن الإنسان الذي أخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما عند البخاري لما جمع الصحابة رضي الله عنهم وكان معهم ابن عباس رضي الله عنهما فقال هذه الآية فيمن نزلت ؟

قالوا : الله أعلم

فغضب عمر رضي الله عنه

فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم

فقال لابن عباس رضي الله عنهما :  لا تحقر نفسك ــ لأنه كان صغيرا ــ قل

فقال ابن عباس رضي الله عنهما :  ضُرِبت لعمل

فقال عمر رضي الله عنه : صدقت

هذا الرجل يعمل الحسنات ثم يأتي إليه الشيطان فيأمره بالسيئات فيبطل أعماله

إذن : فيه تحذير للإنسان صاحب الحسنات من أن يعمل السيئات فإن السيئات تؤثر على حسناته

ويدخل فيها أيضا شأن من ؟

شأن من ينفق مراءة أو من ينفق ومع نفقته كما مر الأذى والمن

{ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ } :

{ كَذَٰلِكَ } :

كما بين ما سبق في حال أصناف هؤلاء المنفقين

{ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ } أي كذلك يبين لكم جميع الآيات من أجل { لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ } فمثل النظر في مثل هذه الأمثال { فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ }

{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }

{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ }

هذه  تدعو الإنسان إلى الفتكر والتأمل في هذه الأمثال

ولذلك ماذا قال عز وجل :

{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }

ولذا قال بعض السلف : إذا مر بي المثل في القرآن ولم أفهمه عزيت نفسي

لم ؟

لأني لست من العالمين لأن الله يقول { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِ‍َٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ٢٦٧ }[البقرة:267]

 

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ } : أمر أهل الإيمان بعد أن ذكر عز وجل ما يتعلق بالإنفاق ذكر هنا النوعية نوعية المنفق منه

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ }

{ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ}

وهذه قال بعض أهل العلم : هي في صدقة التطوع

وقيل في الصدقة الواجبة

والذي يظهر : من أنها في الصدقة الواجبة وذلك لأن الإنسان يجوز له أن يتصدق صدقة التطوع ، وأن ينفق مما قل في نفسه كما قال تعالى { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } ثم قال { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

يعني لو أنفقت شيئا وأنت لا ترغب فيه لكنه مما يستفاد منه فإنك تؤجر

هذا في صدقة التطوع

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ }

ولذلك لو قال شخص النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى عذقا من حشف قد علق بالمسجد غضب عليه الصلاة والسلام وقال : (( إن صاحب هذا الحشف يأكل الحشف يوم القيامة لو شاء رب هذه الصدقة لتصدق بأطيب منها ))

هذه على الصحيح هذه الأحاديث على الصحيح ليست صدقة تطوع ، وإنما واجب غير الصدقة الواجبة في الخارج من الأرض واجب على أصحاب المزارع أن يأتوا بما تيسر في المسجد من أجل أن يطعم منه الفقراء

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ }

يشمل ما خرج من الأرض من الحبوب ، الحبوب كلها تجب فيها الزكاة

يشمل كل ثمر يكال يعني بالصاع ويدخر يعني أنه يدخر مثل التمر لأنه يدخر يعني يكنز بلغتنا

مثل العنب لأنه يزبب

فمثل هذا تجب فيه الزكاة

أما الخضروات والفواكه التي لو بقيت لفسدت هذه لا زكاة فيها

{ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ }

أيضا مما أخرجنا لكم من الأرض لو أن الإنسان وجد معدنا من المعادن حفر الأرض فوجد معدنا من المعادن هنا تجب فيه الزكاة بعد تصفيته إذا بلغ نصاب الذهب أو نصاب الفضة فتجب فيه الزكاة

{ وَلَا تَيَمَّمُواْ } أي تقصدوا { ٱلۡخَبِيثَ } الخبيث بمعنى الرديء لأن الخبيث قد يأتي بمعنى الرديء كما هنا ويأتي بمعنى المكروه كما جاءت الآثار الصحيحة بتسمية  شجر الثوم بأنها شجرة خبيثة

وتأتي بمعنى الحرام { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ }

{ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ } أي لا تقصدوا الخبيث يعني الرديء منه

{ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِ‍َٔاخِذِيهِ } أي هذا الخبيث الرديء { إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ } بمعنى غمض العين من يغمض عينهما يرى الشيء يجد أنه لا  يريده كحال من يرى شيئا ليس طيبا فيغمض عينيه { إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ } بمعنى لو كان لكم حق على غيركم ما قبلتم منه أن يأتي بالرديء

وكذلك لو أن شخصا أهدى إليكم هذا الرديء ما قبلتموه

وكذلك لو وجدتم هذا الرديء يباع في الأسواق ما اشتريتموه { وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِ‍َٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ } من باب التنبيه { أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ } واسع الغنى له الغنى المطلق

ومن ذلك غني عن صدقاتكم فإنكم إن أنفقتم إنما تنفقون لأنفسكم

وهو غني كما أغناكم قادر على أن يسلب هذه النعمة منكم وأن يغني هذا الفقير

{ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} وهو المحمود على أفعاله

ومحمود لما له من الأسماء والصفات فما أمرتم به مما مضى فإنها أحكام يحمد الله عز وجل عليها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ٢٦٨ } [البقرة:268]

 

قدم الشيطان من باب التنفير لما يدعو إليه { ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ } ليست من الوعد الذي هو الثواب الحسن ، لا ، هنا بمعنى التخويف يخوفكم لأن وعد قد تأتي بمعنى الوعد الذي هو الثواب أو الترغيب وتأتي بمعنى الوعيد كما هنا { ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ } يعني يخوفكم

{ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً } هذا ترغيب

{ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ } يعني لو أنفقتكم يخوفكم

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين قال :  لما سئل عن أفضل الصدقة قال : (( أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ))

يعني تخشى الفقر

{ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ } إن أنفقتم

{ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ } نص كثيرمن المفسرين على أن الفحشاء هي  منع الزكاة والصحيح أن الفحشاء شاملة ومن ذلك ما ذكر هنا وهو منع الزكاة

فمنع الزكاة يعد فحشا

ولذلك بعض المفسرين قال كل فحشاء في القرآن بمعنى الزنا إلا هذه الآية فالمقصود منها هو منع الزكاة والصحيح أن الفحشاء شاملة ومن ذلك ما ذكر هنا

{ وَٱللَّهُ  } ذكر اسمه مقدما جل وعلا ليحث عباده

وهذا الحث من باب الخير لهم { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ } فيما لو أمركم الشيطان بالفحشاء المغفرة مقابل ما يأمركم به الشيطان من الفحشاء

{ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ } إن تبتم مما أمركم به الشيطان من الفحشاء

{ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ }

فضلا يعني يرزقكم ويوسع عليكم وهذا مقابل ما يخوفكم به الشيطان من الفقر { ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ } لكن الله يعدكم { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ }

شامل وفضل الله واسع ولذلك قال {وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ }

واسع الرحمة واسع المغفرة واسع الإنعام واسع الإكرام واسع الرزق

{ عَلِيمٞ } : بحال خلقه فيوسع على من يشاء

لأنه يعلم عز وجل أن من حكمته أن هذا الرجل يصلحه الغنى وذاك يصلحه الفقر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ٢٦٩ }[البقرة:269]

{ يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ }

 الحكمة  : إذا أتت مفردة كما سبق  معنا إن كانت في سياق نبي فالمراد النبوة وإن كانت في غير سياق نبي فالمراد فهم أحكام الشرع وأحكام القرآن من الناسخ والمنسوخ وما شابه ذلك لكن إذا اجتمعت الحكمة مع الكتاب فالكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة

{ يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ } فهم الشرع وفهم القرآن هذا هو الحكمة

وأتت هذه الآية بعد الآية السابقة مما يدل على أن من أعظم النعم التي ينعم الله بها على عباده ليس كما يظنه الناس في تصورهم ن أنه المال أو المناصب أو الجاه لا

أعظم النعم نعمة العلم الشرعي

إذا وفق العبد العبد إلى القيام به والعمل به والدعوة إلى الله  { يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ }  فلا أحد يعترض على الله

والله عز وجل يوفق من شاء إلى هذه الحكمة

وإذا كانت الحكمة بهذا القدر وبهذه المنزلة فالواجب على من أعطيها أن يقوم بها حق القيام فأهل العلم يجب عليهم ما لا يجب على غيرهم

{ يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ }  لم ؟

لأن هذه الحكمة لها ثمار عظيمة{وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ} : لم يقل فقط خير وإنما وصف الخيرية هنا بالكثرة

{ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ } وانظر كرر لفظ الحكمة لم يقل ومن يؤتاها من باب التنبيه على مكانة ومنزلة وعظم هذه الحكمة {وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ} وكيف لا يؤتى الخير العظيم والنبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه في أحاديث صحيحة قال : (( معلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر والنمل في جحورها  ))

{ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ }

{ وَمَا يَذَّكَّرُ } : ما يتعظ ولا ينتفع بمثل هذه المواعظ { إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ } أصحاب العقول

فلب الشيء هو خياره وخيار ما في الإنسان عقله

وعقله في قلبه { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا }

فدل هذا على أن من منحه الله في قلبه الحكمة فواجب عليه أن يقوم بها حق  القيام وأيضا فيه حث لمن لم يتعلم أن يتعلم

{ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ }