التفسير المختصر الشامل تفسير سورة آل عمران من الآية (14) إلى (20) الدرس (32)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة آل عمران من الآية (14) إلى (20) الدرس (32)

مشاهدات: 485

التفسير المختصر الشامل ( 32 )

تفسير سورة آل عمران

من الآية ( 14) إلى الآية (  20)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

ﭧ ﭨ ﭽ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ﯛ   آل عمران: ١٤

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ }

هذه الآية شبيهة من حيث السياق بالآية التي في سورة البقرة ، إنه عز وجل لما ذكر حال اليهود مع النبي عليه الصلاة والسلام وكفروا نعمة الله إذ أنكروا نبوته ذكر هذه الآية لكنها على وجه التفصيل ولعموم الناس

بينما التي في سورة البقرة قال تعالى { سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ٢١١ }

ثم قال بعدها :

{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

وهنا لما ذكر حالهم بعد انتصار النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر قال هنا { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ }

والمزين هنا لم يذكر ، والقول فيه كالقول في قوله تعالى { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } فالمزين هو الله عز وجل بقدر منه وحكمة قال تعالى { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ٧ }

لكن الناس مع تسويف وتزيين الشيطان عظمت هذه الزينة في قلوبهم فصرفتهم هذه الدنيا عن طاعة الله عز وجل

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ } أي لعموم الناس { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ } حب الشهوات ومن هذه الشهوات التي تهواها النفوس وانظر قال { حُبُّ الشَّهَوَاتِ } قدم الحب لأن التزيين يقع على الشهوات ، ومن ثم يحبها الإنسان فقدم هنا الحب مما يدل على أن محبة الدنيا قد تمكنت في قلوبهم    { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ } وقدم النساء باعتبار أن الفتنة بهن أعظم

ولذلك : ثبت عنه قوله عليه الصلاة والسلام (( اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ))

وقال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه : (( ما تركت بعدي فتنة أشد ضررا على الرجال من النساء ))

إلإ إذا كان الإنسان يريد من هؤلاء النساء أن يستعف فإن النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه عند النسائي قال : (( حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ))

ومن ثم :

فإن المذكور في هذه الآية من هذه الشهوات إذا كانت من أجل إعفاف النفس أو من أجل أن يستغني الإنسان عن غيره أو من أجل أن يستعين بها على طاعة الله فإنها تكون محمودة

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ } فإن البنين لهم شأن في قلوب الآباء ، ولذا قال عز وجل : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }

مع أنه قال عز وجل في آية أخرى من باب التنبيه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ }

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ }

القناطير : جمع قنطار ، والقنطار اختلف في تحديده حتى جاءت بعض الأحاديث من أنه أي القنطار يكون ألفي دينار ومائتي دينار

وجاء حديث : من أنه ألف واثنتا عشرة أوقية

وجاء غير ذلك من هذه  الأحاديث التي تحدث لكن تلك الأحاديث وما جاء أيضا من آثار أخرى تلك الأحاديث ليست ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام

ومن ثم : فإن القنطار هو المال الكثير العظيم ولا يحدد بعدد

ولذا : قال عز وجل في شأن النساء { وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا } أي مالا كثيرا { فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡ‍ًٔاۚ }

إلا في حالة الخلع كما مر معنا تفصيل ذلك في قوله تعالى { وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ }

{ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ } المقنطرة أي المجموعة بعضها على بعض فالناس يحبون هذه الأموال ، ولذا وضحها عز وجل : { وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ }

{ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ } ولذلك فإن المال محبوب ، والله عز وجل قال

{ وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ٨ } [العاديات:8]

باعتبار أن هذا المال لأن الخير هنا معناه المال باعتبار هو يكون خيرا باعتبار ما يصرفه الإنسان في طاعة الله

وقد ثبت قوله عليه الصلاة والسلام عند أحمد (( نعم المال الصالح للمرء الصالح ))

{ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ }

الخيل المسومة  : قيل فيها أقوال وتلك الأقوال كلها داخلة

الخيل المسومة يعني الراعية التي تأكل في الصحراء العشب وهذه تسمى بالسائمة ، أو المعلمة التي يعلمها أصحابها من أجل أن تتميز عن خيول غيرهم ، أو أنها الحسنة ، نعم والحسنة تكون بمعنى الحسان يعني الجميلات

ولذلك : يقال في لغة العرب رجل وسيم باعتبار أنه حسن جميل

{ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ }

ومعلوم أن الخيل وردت بها أحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه : ((  الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة  ))

فإذا أخذت بهذا الاعتبار فإنها تكون أجرا لصاحبها ، وإن أخذت من باب أنها يستعان بها على معصية الله أو ما شابه ذلك فإنها تكون وزرا على صاحبها

{ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ } وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها الذكر والأنثى

{ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ } يعني الزرع ، فالزرع محبوب ، محبوب للناس

ولذا : تأمل قال عز وجل في أول الآية { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ } هذا لعامة الناس

{ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ }هي محبو بة لكل الناس لكن قال { وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ  } باعتبار أن المحبة تزداد لهذا النوع عند التجار

{ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ } باعتبار أن المحبة لهذه الخيول تزداد عند الأمراء

{ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ }  عند أهل البادية

{ وَٱلۡحَرۡثِۗ} عند أهل المدن والقرى

ثم قال { ذَٰلِكَ } أي المذكور مما سبق من هذه الشهوات

{ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ }  فالحياة الدنيا يستمتع بها الإنسان

والنبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال  : (( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ))

وقال تعالى : { وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ }

مما يدل على أن هذه الدنيا مهما طابت للإنسان بلذائذها وبزخرفها فإنها ذاهبة وزائلة

{ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَ‍َٔابِ}

{ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب }  قدم اسمه عز وجل من باب التعظيم له عز وجل ، ومن باب تعظيم ماذا ؟

هذا المآل { وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب }  حسن المرجع وهي الجنة

ولذا :

ثبت عنه قوله عليه الصلاة والسلام (( ألا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله هي الجنة ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ١٥ } [آل عمران:15]

{ قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم } قل يامحمد { أَؤُنَبِّئُكُم } أي أخبركم

{ قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ } أي مما سلف مما ذكر من تلك الأموال والشهوات

{ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ } اتقوا الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه

{ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ } أي بساتين { تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ  } هم ماكثون فيها ومع هذا الخلود الأبدي لهم فيها أزواج مطهرة مطهرة من الأقذار الحسية كالمخاط وما شابه ذلك ، والحيض ، ومطهرة من الأقذار المعنوية من رذائل الأخلاق  ومر معنا توضيح ذلك في قوله عز وجل توضيحا أكثر من هذا  في سورة البقرة

{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَهُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ٢٥ } [البقرة:25]

{ وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ } في هذه الجنة رضوان من الله ، ولذا في الآية الأخرى في سورة التوبة { وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ } يعني أن رضوان الله أكبر من هذا النعيم الذي هم فيه

ولذا ثبت في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام  :

(( ينادي مناد يوم القيامة فيقول الله عز وجل : أتريدون شيئا ؟ فيقولون : وماذا نريد وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ، فيقول الله : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا ))

فرضوان من الله عز وجل أكبر من هذا النعيم الذي هم فيه

{ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ } فالله عز وجل مطلع على أحوال العباد مطلع على قلوبهم مطلع على أحوالهم ، مطلع على أقوالهم فهو بصير بكل حال من أحوالهم وبكل قول من أقوالهم

مما يدل على ماذا ؟

مما يدل على أن الإنسان يكون على رجاء من الله إذا أطاع الله ويكون على خوف ووجل من الله إذا عصى الله عز وجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ١٦ } [آل عمران:16]

{ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ } هذه صفاتهم  صفات هؤلاء العباد { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا } هنا نوع من أنواع التوسل

وأنواع التوسل ثلاثة الجائزة ما عداها فهي محرمة :

التوسل بالذوات التوسل بجاه النبي عليه الصلاة والسلام وما سوى ذلك فإنه لا يجوز التوسل إلا بواحد من هذه الأمور الثلاثة :

ــ التوسل بأسماء الله وصفاته

{ وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ }

ومر معنا توسل الراسخون في العلم  :

{ رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ٨ } [آل عمران:8]

 

التوسل الثاني :

أن يتوسل العبد بعمل صالح قام به هو لم يقم به غيره كما ههنا فإنهم توسلوا بإيمانهم أن يغفر الله عز وجل لهم

التوسل الثالث :

التوسل بدعاء الصالحين لا بذواتهم ، ولذا عمر رضي الله عنه وهذا الحديث حجة لأولئك الذين أضلهم الله عز وجل فقالوا بالتوسل بالذات إذ إن عمر رضي الله عنه كما زعموا توسل بذات العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وهذا ضلال مبين وخطأ واضح من حيث الحديث لأن الحديث  ماذا قال فيه عمر رضي الله عنه ؟ قال (( اللهم إنا كنا نستسقي بنبينا فتسقينا فنستسقي بعم نبينا العباس قم يا عباس فاستسق لنا ))

قال : (( قم ياعباس فاستسق لنا ))

يعني : ادع لنا

ولو كان التوسل :

انتبه لأن هذه مهمة جدا لأنه يروج لها ولو كان التوسل بذات العباس لكانت ذات النبي عليه الصلاة والسلام بحجرة عائشة رضي الله عنها وجسده لا تأكله الأرض لكان التوسل بذاته عليه الصلاة والسلام ، فدل هذا على أن التوسل في كلام عمر رضي الله عنه التوسل بدعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

ولذا لم يتوسل الصحابة بذات أبي بكر رضي الله عنه

فالشاهد من هذا أن التوسل ثلاثة :

هذا النوع هو النوع الثاني  : وهو التوسل بعمل صالح قام به العبد

{ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا } تسولوا إلى الله بإيمانهم أن يغفر لهم الذنوب

{ فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ }

{ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } ومن نجي من عذاب النار فإن مصير ه إلى الجنة قال عز وجل في نفس السورة { فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ١٧ }

[آل عمران:17]

هذه أيضا من صفات أولئك ، من صفاتهم

وتأمل :هنا صفات لكنه لم يقل الصابرين الصادقين لأن الصفات تأتي تباعا

هذا قسم ، قسم آخر ربما أن الصفات ربما يعطف بعضها على بعض مع أنها صفات لشخص واحد أو لأشخاص معينين من باب ماذا ؟

من باب أن كل صفة عظمت في هؤلاء فلشرف هؤلاء أتي بهذه الصفات على سبيل العطف

كما مر معنا في أول سورة البقرة { ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ٣ } قال بعدها : { وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ٤ }[البقرة:4]

وسيأتي  معنا إن شاء الله في سورة غافر قوله تعالى { غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ٣ }

بعض الصفات وبعض الأسماء عطف بعضها على بعض والآخر لم يعطف

في آخر سورة الحشر { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ }  لم يأت عطف

قوله تعالى في سورة الحديد { هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ٣ } هو أتى بحرف العطف

ومن ثم :

فإن ما يتعلق بأسماء الله وبصفاته من حيث عطف الصفات ومن حيث عدم ذلك له اختلاف آخر سيأتي بيانه إن شاء الله في سورة غافر وسورة الحديد وسورة الحشر

{ ٱلصَّٰبِرِينَ } هذه صفة هؤلاء يصبرون على طاعة الله ، يصبرون عن معاصي الله ، يصبرون على أقدار الله المؤلمة

{ ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ } الصادقين في أقوالهم الصادقين في أفعالهم الصادقين في عقائدهم ليسوا كأولئك المنافقين وليسوا كالكذبة والفجرة

فإنهم مع صبرهم فإنهم صادقون

{ ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ }

{ وَٱلۡقَٰنِتِينَ } :

يعني مع تلك الصفات السابقة هم يديمون الطاعة لله فليس صبرا مؤقتا

وليس صدقا مؤقتا وإنما دوام الطاعة من هؤلاء مما يدل على أن هؤلاء حريصون على الطاعة

{ ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ }

{ وَٱلۡمُنفِقِينَ } يعني مع ذلك كله فيما يتعلق بإيصال النفع إلى ذواتهم بتلك الطاعات أيضا هم يوصلون النفع إلى عباد الله

لأن النفقة على الغير وهنا ماذا قال { وَٱلۡمُنفِقِينَ } لم يحدد المعمول

دل هذا على ماذا ؟ على أن الإنفاق طبيعة لهم في وجوه الخير المتنوعة

وأيضا على الفقراء وعلى غيرهم

{ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ } مع تلك الطاعات ومع تلك العبادات فإنهم يخشون من ذنوبهم ، ولذلك يستغفرون الله عز وجل بعد تلك العبادات

وقد مر معنا من أنه في ما يتعلق بالحج :

{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ }

بعد السلام من الصلاة نقول :  أستغفر الله ” ثلاثا “

لأن الإنسان لا يدري هل أتى بهذه العبادة على ما يكون على الوجه المطلوب ؟

وذلك الاستغفار يكون بعد العبادة التي نص الشرع على الإتيان بالاستغفار بعدها وإلا وقع الإنسان في البدع لو استغفر بعد عبادة لم يشرع الله فيها الاستتغفار

{ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ } السحر هو آخر الليل  وأفضله ما ثبت بذلك الأحاديث الكثيرة : منها : قال عليه الصلاة والسلام (( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول هل من داع فأستجيب له  ، هل من سائل فأعطيه  ، هل من مستغفر فأغفر له حتى يطلع الفجر ))

وانظر :

{ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ } مما يدل على أنهم قاموا الليل فإنهم لما صلوا مدوا هذا الأمر وهي العبادة وهي عبادة الصلاة إلى أن وصلوا إلى السحر فاستغفروا الله

وقد قال بعض العلماء إن المقصود بالاستغفار بالأسحار صلاة الفجر جماعة

نعم يدخل في ذلك ولا تعارض لأن من حرص مع أن الآية واضحة وهو الاستغفار قبل طلوع الفجر يعني في السحر لكن لا مانع من ذلك لأن هؤلاء إذا حرصوا على قيام الليل وعلى الاستغفار بالأسحار وعلى تلك الصفات السابقة هؤلاء سيقيمون بأداء صلاة الفجر جماعة

{ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ }  ولذا هؤلاء مصيرهم حسن المآب الجنة يتمتعون بها ، ولذا قال تعالى في سورة الذاريات :

{ إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ١٥ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ }  ـ  في الدنيا ــ { إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ١٦ كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ١٧ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ١٨ وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ١٩  }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٨ } [آل عمران:18]

أتت هذه الآية لبيان ماذا ؟ لبيان ما ذكر في أول السورة من باب الرد على النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن مريم إنما هو إله

ولذا قال عز وجل  { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ } أي لا معبود بحق إلا هو

بعد ذلك أتى بقوله { شَهِدَ ٱللَّهُ }

{ شَهِدَ ٱللَّهُ } : الشهادة تتضمن علمه المحيط عز وجل ، من كان شاهدا فالشهادة تتعلق بأن الإنسان يكون عنده علم بالشهادة ، وأيضا يخبر بهذه الشهادة ، وأيضا يلزم غيره بهذه الشهادة

فالله عالم بأنه لا إله إلا هو قال عز وجل { قُلۡ أَتُنَبِّ‍ُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ } فدل هذا على أنه عالم  ، لو كان معه إله لعلمه عز وجل

فهو عالم بهذه الشهادة ، وأخبر عباده بهذه الشهادة

وذكر عز وجل هذه الشهادة وألزم عباده أنه يأخذوا بهذه الشهادة

{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ } أي لا معبود بحق إلا هو { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ } يعني أيضا شهدت الملائكة ، أشهد الملائكة على أعظم ما يستشهد عليه وهو التوحيد

{ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ } أيضا أشهد أهل العلم مما يدل على فضل العالم الذي يقوم بهذا العلم إذ إن الله أشهده على أعظم أمر وهو التوحيد

أيضا قرن شهادة أولي العلم مع شهادته عز وجل وشهاة الملائكة في ذلك تعديل وتزكية لأهل العلم إذا قاموا بهذا العلم ، ولذا إن فرط أهل العلم فإنهم ليسوا من أهل العلم ، وفي هذا التنبيه لأهل الكتاب الذين نزلت وهم النصارى الذين نزلت فيهم هذه الآيات من أول السورة إلى بضع وثمانين آية ، وأيضا إشارة إلى ما ذكره عز وجل عن اليهود الذين قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام ما قالوا بعد غزوة بدر

{ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ } يعني أصحاب العلم وأصحاب العلم ، العلم ما هو العلم بالكتاب وبالسنة على وفق ما فهمه سلف هذه الأمة وإلا فليس بعلم

{ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ } هو عز وجل قائم بالقسط أي بالعدل

ولذا قال عز وجل { ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ٢ } في أول السورة

القيوم الذي قام بنفسه  ولا يقوم أحد إلا به

{ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ } أي قائما بالعدل ، فهو الذي أقام العدل وأمر بالعدل وأعظم العدل هو التوحيد ، كما أن أعظم الظلم هو الشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم

ولذا قال عز وجل :

{ أَفَمَنۡ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡۗ }

الجواب ممن ليس كذلك من هذه الأوثان وهذه الأنداء وهؤلاء الأولياء الذين تعبدونهم من دون الله

{ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ } وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن التوحيد به تقوم أحوال الناس ويسعد الناس إذا قاموا بالتوحيد

{ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ } أعاده مرة أخرى من باب ماذا ؟

من باب التأكيد على هذا الأمر من أنه لا معبود بحق إلا الله

قال تعالى : { ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ }

{ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ } هو العزيز القوي الغالب الذي لا ينال بسوء

الذي لا ينال بسوء هو الذي يعبد

أما من كان ضعيفا يحتاج إلى الطعام يحتاج إلى الشراب يحتاج إلى النوم لا يدفع عن نفسه الضر ، ولا يأتي لنفسه بالنفع حتى لو كان نبيا

قال عز وجل عن عيسى وفي هذا رد على النصارى قال عز وجل { مَّا ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ} فهو رسول يأكل     { وَأُمُّهُۥ صِدِّيقَةٞۖ كَانَا يَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ }

وانظر تأمل هذه الآية : لما قال { لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ } في صدر السورة : {هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ } لأن عيسى صور في الرحم {هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ٦}

انظر { لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ } كما ذكر هنا

{شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٨ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ١٩ } [آل عمران:19]

الدين عند الله هو الإسلام

ولذلك ماذا قال في أول السورة  : { وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ٣ مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ }

{ هُدٗى لِّلنَّاسِ }  يعني في زمانهما

لكن بعد مجيء زمن محمد عليه الصلاة والسلام فالدين الإسلام هو الدين الذي أتى به عليه الصلاة والسلام

{ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ }

ولذا : في هذه السورة كما سيأتي { وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٨٥ }

فهذا هو الإسلام الخاص الذي نسخ الإسلام العام الذي كانت عليه الأمم السابقة ، ولذا قال عز وجل في نفس هذه السورة { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ٥٢ } وذلك إسلام عام

فالإسلام الخاص هو ما أتى به محمد عليه الصلاة والسلام

ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :

(( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ))

{ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ}

يعني أنهم كانوا قبل مجيء النبي عليه الصلاة والسلام كانوا متفقين على أنه سيكون هناك نبي باعتبار ما ذكر في كتبهم

ولذا قال عيسى عليه السلام { وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ }

وذكر ابن القيم رحمه الله أن اسم محمد عليه الصلاة والسلام كان موجودا في التوارة

فهؤلاء كانوا متفقين لكن لما أتى النبي عليه الصلاة والسلام اختلفوا وسبب الاختلاف البغي والتطاول والحسد للنبي عليه الصلاة والسلام لما رأوا أنه عربي

ولذا قال عز وجل { وَلَمَّا جَآءَهُمۡ }عن اليهود { وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ }

كما مر معنا تفسيرها في سورة البقرة

{ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ } دل هذا على أن العلم المذكور في أول الآية السابقة

{ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ }  العلم هو ما كان في الكتاب في القرآن

ولذلك قال { وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ } العلم هو الموجود في هذا الكتاب وتأمل قال هنا { وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ }  لم يقل فيه

في الآية التي في سورة البقرة { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ }  

أي فيما اختلفوا في هذا الكتاب الذي أنزل على كل نبي

هنا لم يأتي من باب العموم من أنه كما قال في أول الآية { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ } وهو الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام كذلك العلم كل العلم الذي اختلف فيه هؤلاء هو العلم الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام

{ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ }  أي من باب البغي والتطاول

ولذا : اختلاف أهل الإسلام فيما بينهم إن كان اختلافا فيما يتعلق بالفروع فإنه اختلاف تنوع أو اختلاف الاختلاف  فيه لا يخرج الإنسان عن ملة الإسلام ولا يستطال عليه لا بكلام ولا بعقوبة ولا بشيء من ذلك لأ الصحابة كانوا يختلفون فيما بينهم فيما يتعلق بالفروع ومع ذلك كانت قلوبهم طيبة ولا بغى أحدهم على أحد كما اختلفوا في شأن التيمم في شأن ما يتعلق بالصلاة وما شابه ذلك

لأنهم كانوا حريصين على اتباع الدليل لكن الاختلاف الذي به الاختلاف بين أهل الإسلام الذي به التعارض ونقض  ما جاءت به النصوص الصريحة أو الاختلاف فيما يتعلق بالتوحيد فإن هذا مذموم

ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في السنن قال : (( ستفترق أمتي على ثلاث وسبيعن فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ما هي قال على ما أنا عليه وأصحابي ))

وفي رواية : ((  الجماعة ))

ولو أتيت بهذا الحديث مع هذه الآية لوجدت التوافق والتطابق ولله الحمد

ثم قال{ وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ } مما جاء في هذا الكتاب { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ } [آل عمران:19]

انظر { وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ }

ارجع معي إلى أول السورة قال في أول السورة { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ }

هناك عام هنا قال { وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ }أيضا عام لكن فيه التنبيه لهؤلاء أهل الكتاب التنبيه لأهل الكتاب من أن الله عز وجل سيعاقبهم قال   { وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ }

الجواب :

{ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ }  

فالله سريع الحساب مهما طالت هذه الدنيا فإن المرد إلى الله وسيحاسبكم الله وإذا حاسب الله العباد فهو لا يحتاج إلى ترو وإلى إمعان نظر وإلى فكر لأن الله قد أحاط بكل شيء علما ومر معنا تفسير سريع الحساب في سورة البقرة

{ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ٢٠٢ } [البقرة:202]

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 { فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ٢٠ } [آل عمران:20]

 

{ فَإِنۡ حَآجُّوكَ } أي جادلوك جادلك أهل الكتاب { فَإِنۡ حَآجُّوكَ } وكذلك لو جادلك المشركون

{ فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ }  { أَسۡلَمۡتُ } أخلصت وجهي قدم الوجه لأنه أشرف الأعضاء { فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ }  كذلك من اتبعني من هو على طريقتي سيسلم وجهه لله وأيضا من قال إنني متبع للنبي عليه الصلاة والسلام فليس ادعاء بالقول وإنما على نفس الطريقة التي كان يسير عليها عليه الصلاة والسلام

ولذا هذه الآية نظير قوله تعالى : { قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ}  كله دين { أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ }  

ولذا قال هنا :

{ فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ }  ذكر الإسلام هنا للإنكار والتنديد بحال أهل الكتاب لأن أهل الكتاب يقولون نحن على ملة إبراهيم ، وإبراهيم على ملتنا ، فالله عز وجل قال في هذه السورة كما سيأتي  : { مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا }

فقال هنا : { فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ }

للآية التي  في سورة النساء :

{ وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا١٢٥ }

{ فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ }  اليهود والنصارى

{ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ } يعني العرب { ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ }

الاستفهام هنا بمعنى الأمر يعني أسلموا كقوله تعالى  : { فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ } يعني انتهوا

{ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ }

الهداية ليست بالادعاءات ولا بالأقوال وإنما إن أسلموا كما أسلمت يا محمد وأسلم من اتبعك ، فهذه هي الهداية ، وهو ما كان عليه إبراهيم عليه السلام

ولذا قال عز وجل عن هؤلاء  في سورة البقرة :

{ وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ حَنِيفٗاۖ }

ملة إبراهيم هي الملة الحنيفية وهي الهداية

إذن ماعدا ذلك فهو الضلال

{ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ }  أعرضوا { فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ } عليك التلبيغ فقط

ولذلك عز وجل أدخل التسلية على قلب النبي عليه الصلاة والسلام قال عز وجل { فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ }

يعني ما عليك إلا البلاغ { لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ }  أي مهلك نفسك { أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ }

فإذاً قال :

{وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ٢٠ }

إنما عليك التلبيغ تبليغ الشرع ما يفعله العباد الله بصير به ومطلع عليه فهو بصير بحال كل عبد من أسلم ومن اتبعك ممن خالفك ممن عارضك ممن اهتدى من ضل ، فالله عز وجل بصير بهؤلاء

ومن ثم :

فإنه سيكون هناك يوم ، للآية السابقة { وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ } فيجازي كلا بعمله .