تفسير سورة آل عمران من الآية (128) إلى (136)
الدرس (43)
فضيلة الشيخ زيد البحري – حفظه الله –
- ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ في غزوة أحد لما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من على الجبل و هم الرماة وجعل عليهم ابن جبير رضي الله عنه جعل عليهم هذا الصحابي أميراً وقال : لا تبرحوا مكانكم حتى لو رأيتمونا انتصرنا فلا تبرحوا مكانكم وإن رأيتمونا قد أتانا العدو فلا تبرحوا مكانكم حتى آذن لكم فابقوا على ما أنتم عليه حتى يحموا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من على الجبل وبالفعل كانت الغزوة -كما سيأتي تفاصيلها- كان النصر للصحابة رضي الله عنهم فلما رأوا هزيمة الكفار وأنهم انصرفوا و فرّوا من الزحف ورأوا الغنائم بعضهم قال لنذهب انتهى القتال ,فذكّرهم أميرهم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن بعضهم انصرف و بقي من بقي وهم قلة مع عبد الله بن جبير رضي الله عنه ومن ثَم أتى خالد وعكرمة وكانا مشركين في ذلك الوقت وجرى ما جرى حتى إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شُجّ رأسه وكسرت رباعيته يعني السن منه صلى الله عليه وآله وسلم وانتشر من أنه قُتل عليه الصلاة والسلام -كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى – ومن ثَم فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا قال كما ثبت في الصحيح قال : ” كيف يفلح قومٌ شجوا نبيهم ” صلى الله عليه وآله وسلم يعني كيف يفلح هؤلاء كيف يفلح هؤلاء ودعا على بعضهم كسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية والحارث بن هشام دعا عليهم عليه الصلاة والسلام باللعن ومع ذلك ماذا قال عز وجل ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ ﴾ أو يتوب أي إلى أن يتوب ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) ﴾
انظر ليس لك من الأمر شيء ومع ذلك سبحان الله النبي صلى الله عليه واله وسلم أعظم الخلق وشُجّ رأسه وجرى ما جرى في وجهه وكُسرت سنه صلى الله عليه وآله وسلم وفُعل به ما فُعل ولما قال هذا القول ماذا قال الله عز وجل له ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ إذاً ما يتعلق به أولئك الصوفية وأشباههم من أنهم يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو يدعونه أو ما شابه ذلك فنقول لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع هذه الأحوال مع أنهم اعتدوا عليه مع ذلك ماذا قال عز وجل ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) ﴾ أو يتوب عليهم وبالفعل تاب على من دعى عليهم تاب على سهيل بن عامر وصفوان بن أمية والحارث بن هشام تابوا إلى الله عز وجل ﴿ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) ﴾ فإن عذّبهم فبعدله عزوجل لأنهم هم الذين ظلموا أنفسهم ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) ﴾ إذاً من لم يتب فهو ظالم ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله :العبد بين أمرين إما التوبة وإما الظلم فإنه إن لم يتب فإنه ظالم ولذلك ماذا قال الله عز وجل ﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فجمع بين التوبة وبين الظلم من باب ماذا ؟ من باب أن من تاب فليس بالظالم ومن بقي على ذنبه ومعصيته فإنه ظالم ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي إلى أن يتوب عليهم أو حتى يتوب يصح الوجهان .
- ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ ﴾ له ملك السماوات وما في الأرض فلا أحد يعترض عليه ومن ذلك ما جرى في ما جرى من قتال وماجرى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده كل شيء فهو مالك كل شيء ومن ثمَّ ماذا قال عز وجل هنا ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ ﴾ ما في السماوات وما في الأرض من تدبيره عز وجل وإذا أيقن العبد بذلك فإن قلبه يطمئن ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ﴾ قدم المغفرة ﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ﴾ لحبه عزوجل لتوبة العبد كما ثبت في ذلك الحديث الصحيح ” لالله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان على فلاة وعليها طعامه فانفلتت منه… الحديث ” ﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ ﴾ فمغفرته عز وجل لمن يشاء رحمة منه وفضل ﴿ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ ﴾ عدل لأنه أولئك ﴿ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ وفي هذا الرد على القدرية الذين يقولون إن العبد يخلق فعل نفسه فالله عز وجل يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء إن غفر فبرحمته وبفضله وإن عذّب فبعدله عز وجل ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (129) ﴾ غفور رحيم هذان اسمان مرا معنا كثيراً وهذا يدل على أنه واسع الرحمة وواسع المغفرة .
﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (129) ﴾ فلا يستبعد أحد أن يتوب الله عز وجل على أحد انظر كيف دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أولئك حتى دعى عليهم بما دعا عليهم باللعنة ومع ذلك ومع ذلك انظر تاب الله عز وجل على هؤلاء ومن ثمَّ اختلف العلماء هل يجوز لعن المعيّن ولو كان كافراً؟ الصواب في ذلك أنه لايجوز أن يلعن الكافر بعينه , يجوز أن يلعن الكفار جميعاً اللهم العن الكفار اللهم العن الكافرين نعم وثبت ذلك قنوت الصحابة رضي الله عنهم في رمضان وماشابه ذلك لكن لو أن إنساناً كافراً بعينه هل يجوز أن يلعن بعينه اللهم العن فلاناً ويكون معيّناً , اختلف العلماء في ذلك من هم من أجاز من هم منع ، لكن ظاهر النصوص تدل على ماذا تدل على المنع تدل على المنع ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله يقول : أن اللعن قسيم ماذا؟ قسيم الإثبات للإنسان بالجنة أو بالناريقول كما أنه لا -وهو معتقد أهل السنه والجماعة- كما أنه لا يقال لأحد أنه من أهل الجنة بعينه أو أنه من أهل النار بعينه إلا بما جاء به الشرع من أن فلاناً في الجنة ومن أن فلاناً في النار فنعم , أما إثبات ذلك لشخص معين فلا فإنه معتقد أهل السنة والجماعة يرجى للمُحسن ويُخاف على المُسيء يقول : الشأن في ذلك هذا خبر إثبات الجنة أو النار لمعين هذا خبر يقول قسيمه الطلب وهو اللعن كما أن هذا أيضاً لا يكون كذلك اللعن لأنك لا تدري ربما يهدي الله عز وجل من لعن المعين وبالفعل لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض الكفار ومع ذلك تابوا إلى الله وأسلموا.
- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ ﴾ لماذا ذُكر الربا هنا مع أن الآيات آيات ماذا آيات قتال وحرب ؟ من باب التذكير لأهل الايمان من أنهم يحاربون أهل الكفر كذلك ليحذروا من الوقوع في محاربة الله ومحاربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالوقوع في الربا فإنه نوع من المحاربة فهؤلاء يحاربون الله ,كفار قريش الأعداء الكفار يحاربون الله انتبهو من محاربة الله بأخذ الأموال الربوية ولذلك ماذا قال في سورة البقرة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ ﴾ قال هنا أضعافا مضاعفة باعتبار ما كانوا يصنعونه في الجاهلية من أن الواحد منهم إذا أقرض شخصا مبلغاً من المال مثلا إلى سنة أقرضه مئة ألف فلما لم يجد سداداً قال أنا أزيدك في الأجل كسنة ونصف ويكون المبلغ مئة وخمسين هذا أكل الربا أضعافا مضاعفة ولا يدل هذا على أن أكل الربا من غير مضاعفه لا يدل على الجواز لأن الله عز وجل نهى عن أكل الربا مطلقاً ولو قلّ ولذلك ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ” الربا وإن كثُر فإن عاقبته إلى قُل ” والأحاديث في تحريم الربا كثيرة ومن ثَمّ قوله هنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ ﴾ المفهوم غير معتبر هنا انتبه قاعده مهمة جداً لك قاعدة مهمة من أن النص الشرعي منه منطوق ومنه ما هو مفهوم , المنطوق واضح وهو ظاهر السياق المفهوم يفهم منه شيء هذا المفهوم معتبر.
ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الأحاديث الصحيحة لما انكسفت الشمس ماذا قالوا ؟ قالوا إنها انكسفت لموت إبراهيم ابنه فقال صلى الله عليه وآله وسلم : “إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ” قال ولا لحياته لم يتكلموا عن الحياة ولكن حتى لا يفهموا من أن لا تنكسف لموت أحد ربما يفهمون انها تنكسف لحياة أحد فأراد صلى الله عليه وآله وسلم أنها لا تنكسف لا لموت أحد ولا لحياته مما يدل على أن المفهوم معتبر إلا في بعض الاحوال كهذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ ﴾ وهناك أسباب ستأتي إن شاء الله تعالى منها ما ذُكر هنا وهو أن النص إذا جاء في بيان الواقع فلا مفهوم له هو ذكر عز وجل ﴿ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ ﴾ من باب بيان واقعهم لا لأن الربا إذا لم يكن مضاعفاً لا لأنه يجوز أكله .
لذا حتى تتضح أكثر قال عز وجل ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ﴾ يعني على الزنا ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾ طيب إذا لم يردن تحصناً هل يجوز الإكراه ؟ الجواب لا لكن لماذا قال إن أردن تحصناً لأن هؤلاء الفتيات كنّ يُكرهنَ وهنّ كارهات يكرهن الزنا فذكر الآيه من باب ماذا ؟ من باب بيان الواقع انتبه من باب بيان الواقع إذاً إذا جاء النص لبيان مفهوم الواقع فلا مفهوم له كهذه الآية وكقوله تعالى ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) ﴾ أمرهم بتقوى الله في جميع الأحوال وفي جميع الأزمان ومن ذلك ترك الربا ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ لأن التقوى موصلة للعبد الى الفلاح ماهو الفلاح ؟ الفوزبالمطلوب والنجاة من المكروه و هذا ما تتمناه كل نفس كل نفس تتمنى أن يحصل لها مرغوبها وأن يُدفع عنها مكروها ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ أمرهم بتقوى الله عزوجل لأنها سبيل للفلاح .
- ثم قال ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ﴾ واتقوا النار كرر الأمربالتقوى لكن في الآية الأولى أمرهم بتقواه ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ﴾ لأن من اتقى النار فقد اتقى الله لمَ ؟ لأن الله أمرالعباد بأن يتقوا النار﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) ﴾ يعني هُيئت للكافرين فماهُيئ فهوموجود وهذا معتقد أهل السنة والجماعة ومر معنا في سورة البقرة ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ ما كان مهيئاً و معدوداً فهو موجود الآن فالنار كالجنة أيضاً النار والجنه موجودتان الآن وهو معتقد أهل السنة والجماعة خلافاً للمعتزلة وأشباههم الذين يقولون ليست موجودة الآن وإنما تُخلق يوم القيامة لمَ ؟ لأنهم أدخلوا عقولهم كيف ؟ قالوا لأنه لا يمكن أن تكون الدار المعدّة في الآخرة أن تكون موجودة في الدنيا فكيف يكون هذا ولاشك أن مثل هذا أخذ بالعقليات والاستحسانات وإنما الواجب على المسلم أن يأخذ ماجاء به الشرع ولذا ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما كُسفت الشمس رأى النارورأى الجنة فهما موجودتان .
- ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) ﴾ أمرهم بعد أن يتقوا الله عزوجل ويتقوا النار بأن يطيعوا الله عزوجل والرسول وطاعة الله عزوجل كما مر معنا بفعل أوامره واجتناب نواهيه وذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هنا لأنه لاتتم طاعةٌ صحيحة لله إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذلك بأن يكون الإنسان حريصاً على السنة تاركاً للبدعة ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) ﴾ فطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سبيل إلى رحمة الله عز وجل كما أن الإدبار عنهما سبيل الى بغض الله عز وجل للعبد كما قال تعالى في أول السورة ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾
- ﴿ ۞ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ وسارعوا أمر بالمسارعة إلى الجنة وإلى مغفرة الله وهذه هي طريقة القرآن لأنه مثاني فإنه لما ذكر مايتعلق بحال أهل النار , ذكر ما يتعلق بحال أهل الجنة فقال ﴿ وَسَارِعُوا ﴾ والمسارعة تدل على حرص العبد ولذا قال عزوجل كما في سورة الحديد ﴿ سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ ذكر المسابقة وذكر هنا المسارعة مما يدل على ماذا ؟ مما يدل على أن العبد يحرص على أن يكون أول الناس حرصاً على فعل الخير ولذا مثل هذه الآية ﴿ سَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ و ﴿ سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ هذه الآية وأشباهها كما قال تعالى ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ دليل لأهل العلم من أن العبد إذا أُمر بأمر في وقت موسّع عليه أن يبادربهذا العمل في أول وقته ولذلك النبي صلى الله وسلم كما ثبت عند الترمذي وأصله في الصحيحين لما سُئل عن أفضل الأعمال قال ( الصلاة لأول وقتها ) ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ أمروا بالمسارعة إلى الجنة و إلى المغفرة قال ﴿ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ نكّرها هنا من باب التعظيم ، تعظيم ماذا؟ تعظيم مغفرة الله عزوجل ولذا ماذا قال عزوجل ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ ما هي هذه المغفرة ؟ العلماء اختلفوا فيها وكلٌ أتى بعمل صالح والصواب من أن العبد يسارع إلى مغفرة الله بكل عمل صالح بمعنى أن العبد يكون حريصاً على أن يفعل كل خير من أجل أن ينال مغفرة الله عز وجل ومن ثم انظر ماذا قال؟ ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ من ربكم فإنه هو الذي يغفرالذنوب ولذا بعدها بآيات قال الله عز وجل ﴿ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ يعني سارعوا إلى الجنة ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ عرضها لم يقل الطول لانه في الغالب لو ذُكر الطول لم يتبين عظم هذا الشيء لكن لما ذكر العرض دل هذا على ماذا ؟ دل على أن العرض إذا كان بهذه الحالة فإذاً الطول يكون أعظم ومن ثَم بعض أهل العلم قال إنه ذكرالعرض فكيف بطولها وبعض أهل العلم قال ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ العرض هنا السعة السعة كما قال عز وجل عن ذلك الانسان المعرض ﴿ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾ طويل واسع ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ و على كل حال عرضها اذا قيل هذا هو العرض فكيف بالطول أو قيل العرض السعة بمعنى لو وُصلت الارض بالسماء لو وُصلت الارض بالسماء لكان ذلك سعة الجنة ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ إن دل هذا على شيء هذا يدل على عظم الجنة يدل على عظم الجنة وهذا ليس كعرض السماوات والأرض وإنما هذا من باب التقريب للآية التي في سورة الحديد ﴿ سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ قال كعرض السماء والأرض مما يدل على عظم هذه الجنة ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ ولذا في بعض الاحاديث اُختلف في ذلك لكن جاء أيضاً ما يؤكد ذلك من عمر رضي الله عنه لما قيل له إذا كانت الجنة عرض السماوات والأرض فأين النار؟ فقال رضي الله عنه :إذا جاء النهار فأين الليل فهذا الحديث ما معناه ؟ من عمر أو الحديث المرفوع إن ثبت ما معناه ؟ معناه من أنه إذا جاء النهار فالليل يكون حيث أراد الله كذلك إذا كانت الجنة كعرض السماء والأرض فالنار تكون حيث أراد الله فلا يعترض على الله ولا يقيس أحد نفسه بالله ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ أو يكون المعنى فأين الليل؟ بمعنى أن الليل يكون في الجانب الآخرمن الدنيا فإذا كان النهار في جانب كان الليل في جانب آخر فكذلك اذا كانت الجنة في العلو في السماوات إذاً النار تكون أين؟ فيما أخبر به النبي صلى عليه وسلم من أنها في الأرض السفلى وعلى كل حال أُمر أهل الإيمان بالمسارعة إلى مغفرة الله وإلى جنة عرضها السماوات والارض ﴿ أُعِدَّتْ ﴾ أي هُيئت للمتقين هذا يدل على ماذا ؟ يدل على أنها موجودة كما مر معنا تفصيله في قوله تعالى عن النار ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾
- ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) ﴾ هذه صفات أهل التقوى ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ ﴾ أي في الحالة التي يفرحون فيها وفي حال السعة ينفقون في السراء و أتى بصيغه الفعل المضارع التي تدل على الاستمرار ﴿ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾ أي في حال الضر والبأس والمرض وماشابه ذلك فهم أصحاب إنفاق على وجه الاستمرار كما قال تعالى في سورة البقرة ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ هنا قال ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾ بذل الخير للآخرين ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ والكاظمين الغيظ بمعنى أنهم مع إنفاقهم فهم أصحاب إنفاق وأصحاب إحجام أصحاب إنفاق بالخير وأصحاب إحجام لما فيه سوء وشر لأن كظم الغيظ لأن الغيظ مذموم ولذلك قال بعض أهل العلم الغيظ هوالغضب والصحيح أن الغيظ هو أصل الغضب لأن من إصابه الغيظ تولد من ذلك الغضب ولذلك اثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على من كظم غيضه وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه ( من كتم غيظا وهو قادر على أن ينفذه بعثه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخيره من الحور العين ماشاء ) ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ بمعنى أنهم يكظمون الغيظ فيما لووقع عليهم أذى أو أنهم استُفزوا ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ وأتى بكلمة الكاظم الكاظم اسم فاعل مما يدل على ماذا؟ يدل على أن هؤلاء من أن أحوالهم هو كظم الغيظ لأن الأصل في اسم الفاعل يدل على الحال وقد يدل على الاستمرار لقرائن وأشباه من ذلك وهذا يدل على أنهم في أحوالهم اتصفوا بكظم الغيظ وأيضاً في مستقبل أمرهم .
﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ ﴾ فيما لو صدر من أحد أذية لهم فإنهم مع ذلك كظموا الغيظ وعفوعنه فإنهم لوقابلوا ماأوذوا به بأذية أخرى فلا جناح عليهم ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ ولذا قال ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ ﴾ ختام الآية طبعا ما سبق صفات إحسان من يتصف بالإنفاق وبذل الخير و كظم الغيظ والعفو صفات المحسن ولذا ماذا قال بعدها ؟ ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) ﴾ وهؤلاء أهل إحسان وهنا إثبات صفة المحبة لله عزوجل بمايليق بجلالته وعظمته خلافاً لمن قال أن المحبة هي الثواب أوإرادة الثواب وبينا ذلك موضحاً في قوله تعالى ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ و الإحسان هو الإتقان وهذا شامل لكن هؤلاء دخلوا في الإحسان ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ المحسنين مع الخلق المحسنين في عبادة الله قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه ” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” فالله عزوجل يحب المحسنين في عبادته ومع خلقه ومن ذلك ما ذُكرعن هؤلاء ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ومن ثم فإن مثل هذه الصفات تحتاج الى مجاهدة ولذلك ماذا قال عز وجل ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ ﴾ ختام الآية ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ اذاً الله عز وجل يحب المحسنين وهو معهم ومن كان الله معه معية خاصة تقتضي النصرة والتأييد والتوفيق والسداد و قل ما تشاء من الخيرات التي تتصبب على أهل الإحسان .
- ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾ مع تلك الصفات فالإنسان ضعيف ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾ يقعون في الذنب لكن إذا وقعوا في الذنب بادروا إلى التوبة ولذلك ماذا قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم ” لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفرلهم ” ليس معنى ذلك أن العبد يُقدم على الذنب لا هذا خطرعظيم لكن الإنسان ضعيف قد يصدر منه مايصدر ومن ثمّ فإن صدور هذا الذنب منه لا يخرجه من دائرة الإحسان إذا تاب إلى الله ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ الفاحشة هنا هو ما استُفحش وقبُح ويدخل في ذلك الكبائر من الزنا وغير ذلك ﴿ أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ بمعنى أنهم اقترفوا ما هو أقل من الفاحشة اقترفوا ما هو أقل من الفاحشة لأن الذنوب أنواع .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ﴾ أي ذكروا وعيد الله وعقاب الله ذكروا الله يذكرون الله عزوجل وذلك يتضمن أنهم يذكرون عقابه ﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ أتى بالفاء مما يدل على أنهم لايستمرون على الذنب ﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ استفهام يراد منه النفي و التحدي أي لا أحد يغفر الذنوب إلا الله ومن ثمّ لو قيل من أن إنساناً يغفر الذنوب أو كما يُتناقل من أن المطر إذا نزل فإنه يغفر ذنوب الموتى أو ما شابه ذلك فهذا كلام خطير فلا يغفر الذنوب إلا الله ولذا قال ﴿ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ استفهام النفي ويُراد منه التحدي كما في قوله تعالى ﴿ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ الجواب لا أحد ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا ﴾ الجواب لا أحد .
﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا ﴾ ولم يصروا وهذا يدل على خطورة الإصرارعلى الذنب ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) ﴾ وهم يعلمون أن هذا ذنب وأن الله عزوجل يعاقب عليه وهم يعلمون خطورة الإصرار على الذنب ولذلك قال من قال من العلماء كالقرطبي وسبقه آخرون قالوا إن من استغفرمن الذنب وهو مريد أن يعود إليه مرة أخرى فهذا استغفاره يحتاج إلى استغفار لأنه مازال مصراً ولذلك قال هنا ﴿ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) ﴾ وقد وهذه للتقليل لكن من باب التنبيه من باب التنبيه من أن التوحيد إذا عظُم في قلب العبد فإن الذنب ولو عظم قد يغفر بمجرد الاستغفار فقط وقد ذكر ذلك شيخ الاسلام رحمه الله قال تلك المرأة البغي التي سقت ذلكم الكلب غفر الله لها لما قام في قلبها من عظم الإيمان والإحسان إلى هذا المخلوق فإنها لم تتب من الزنا ومع ذلك غفر الله لها لكن هذا على وجه القلة بمعنى أن العبد سبحان الله هذا يدل على عظم التوحيد لما يعظم التوحيد في القلب والإيمان فإن الذنب ولو كان كبيراً في تلك الحال إذا عظم هنا يحصل ما يحصل من تكفير هذا الذنب العظيم وفضل الله عز وجل واسع ولكن يحذر المسلم من الوقوع في الذنب عظم أو صغر .
قال هنا ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) ﴾ صفات من ؟ صفات المتقين الذين هم محسنون ,اقرأ ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ الذين أحسنوا بالحسنى صفاتهم: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ ﴾ اللمم فيها قولان كلاهما صحيح ﴿ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ ﴾ يعني من أنه يقع في الصغيرة ويقع في الكبيرة يلم بالكبيرة لكنه إلمام يسير ثم يعود ﴿ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ ﴾ لم ؟ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ ﴾ ومن ثمّ أعيد وأكرر الإنسان عليه أن يحذر من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لكن إذا وقع في الذنب فلا يستبعد رحمة الله ليتُب إلى الله والله غفوررحيم .
- ﴿ أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم ﴾ انظرأصحاب الصفات السابقة ﴿ أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ ﴾ انظر في أول الآيات ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ لما سارعوا الجزاء؟ لما أُمروا بالمسارعة إلى المغفرة وإلى الجنة قال هنا ﴿ أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ جنات بساتين تجري من تحتها الأنهار أنهار لبن أنهارخمر كما قال عزوجل ﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ ﴾ وعد المتقون وعد المتقون سبحان الله ﴿ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ ﴾ تجري كما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من غيرأخاديد يعني من غيرحواف ﴿ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ نِعَم لكن ليس هناك خوف على زوالها ولذا قال بعدها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ أي في تلك الجنات كما قال عز وجل ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ لا يريدون أن يتحولو عنها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) ﴾ نِعم فعل مدح أجر ثواب العاملين أعظِم بهذا العمل من عمل وأعظِم بجزاء الله وبأجر الله من أجر وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أنه لما قال ﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ من أن الجنة لا تتحقق للعبد بالقول وإنما مع القول إيمان وإعتقاد صادق وقول باللسان وعمل بالجوارح ولايتم إحسان العبد ولا تقوى إلا بالعمل الصالح ولذا قال ﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ وللحديث تتمة و صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .