التفسير المختصر الشامل تفسير سورة آل عمران من الآية (137) إلى (145) الدرس (44)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة آل عمران من الآية (137) إلى (145) الدرس (44)

مشاهدات: 467

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة آل عمران من آية (137) إلى آية (145)

للشيخ زيد البحري حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم ..

الحمدلله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين ، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين ، أما بعد :

فكنا قد توقفنا عند قول الله عز وجل :

﴿قَد خَلَت مِن قَبلِكُم سُنَنٌ ﴾

﴿قَد خَلَت﴾: أي مضت ، ﴿مِن قَبلِكُم سُنَنٌ﴾: أي طُرُق فيما جرى للأمم السابقة ﴿قَد خَلَت مِن قَبلِكُم سُنَنٌ فَسيروا فِي الأَرضِ ﴾أُمروا بالسير في الأرض ، وهذا السير في الأرض ؛ يكون بالأبدان ، ويكون بالقلوب والعقول ، والأمر هنا بالسير ، من باب التأمل والتفكر.

وقوله عزوجل: ﴿فَسيروا فِي الأَرضِ﴾   : لأخذ العبرة مما جرى لأولئك ممن أوقع الله عزوجل بهم عذابه لما عصوه عزوجل ﴿قُل سيروا فِي الأَرضِ ﴾ : الأمر بالسير هنا كما سلف بالأبدان ، وليس معنى ذلك أن الإنسان يتقصد تلك الأماكن التي أوقع الله عزوجل عذابه بأولئك !، فإن من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما مرَّ بديار ثمود ، أسرع صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك الشأن في وادي مُحَسِّر في الحج ، أسرع صلى الله عليه وآله وسلم لما قيل من أن عذاب الله أنزله عزوجل على أبرهة .

فالشاهد من ذلك : أن الإنسان فيما لو سار في الأرض ومرَّ بتلك المواطن – مرَّ بها اتفاقًا لا قصدا – يعني لم يقصدها ، فإنه يعتبر ويتعظ ، وأيضًا به السير  بالقلوب وبالعقول وذلك بقراءة ماجرى لأولئك الأمم الذين أنزل الله عزوجل بهم عذابه ، وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن النظر في التاريخ دلَّ عليه هذا الدليل ، النظر والقراءة في التاريخ وفي السير ومن ثَمَّ فإنه إذا قرأ الإنسان السير السابقة، فإنه يضيف إلى علمه علمًا بالواقع فيما مضى فيعتبر ويتعظ ، ولكن فليحذر في قراءة التاريخ إما مايكون من القراءة في قصص الأنبياء ، فإن هناك من أتى بقصص باطلة !! ، وبأخبار لا تصح ولا تليق بالأنبياء ،وهناك من ينقلها من أهل العلم تقليدًا ، وهذا ولا شك أنه خطأ !.

وهذا أيضًا إذا قرأ المسلم في التاريخ فليتأمل من أن تلك الكتب بعضها قد تكون محشوة ومملوءة بالطعن في الصحابة رضي الله عنهم وبسلف هذه الأمة مما جرى بينهم من فتن، ومن ثم فإن القراءة في التاريخ إذا أُمر بها ؛ فليقرأ المسلم الأخبار الصحيحة الموثقة !!

﴿فَانظُروا﴾: نظر اعتبار واتعاظ ﴿ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ﴾  : ما مآلهم ؟ ، ولذلك قال عزوجل في آيات لما أنزل عذابه عزوجل بالأمم السابقة ﴿ فَكَيفَ كانَ نَكيرِ﴾ ﴿فَكَيفَ كانَ عَذابي وَنُذُرِ﴾

 

﴿هذا بَيانٌ لِلنّاسِ ﴾

﴿هذا﴾: المشار إليه القران ، وأعظم مايتعظ به ؛ هو القران ، وماقيل من أن اسم الإشارة يعود إلى ما ذُكر من سنن السابقين في الآية السابقة..

فنقول : القران ذكر ذلك ، فما كان مما جرى في الأمم السابقة فإنه مذكور في القران ، ومن ثم فإن ظاهر الآية في قوله ﴿هذا﴾  يعود إلى القران، فبه علم الأولين وعلم الآخِرِين .

﴿هذا﴾ :أي القران ،  ﴿هذا بَيانٌ لِلنّاسِ﴾ : ففيه البيان ؛ فيه التوضيح لجميع الناس .

﴿ وَهُدًى وَمَوعِظَةٌ لِلمُتَّقينَ﴾ أيضًا هو هدًى : بمعنى أن من أراد الهداية والتوفيق والسداد فيما يتعلق بدينه ودنياه

ففي هذا القران .

ومن أراد الموعظة لقلبه والإتعاظ والإعتبار ؛ أيضًا ففي هذا القران ، لكنه ذكر في الجملة السابقة، هذا بيان للناس !!

البيان : للناس ، ﴿ وَهُدًى وَمَوعِظَةٌ لِلمُتَّقينَ﴾

الهدى والموعظة إنما هي للمتقين ، خصهم لأنهم هم المنتفعون بهذا القران ، ولذا قال عزوجل نظير هذه الآية :﴿شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ ﴾  لكن لما كان المنتفع به هم من اتقوا الله عزوجل ؛ خصصهم بذلك ، ولذا قال عزوجل في أوائل سورة البقرة ﴿فَأَوجَسَ في نَفسِهِ خيفَةً موسى  قُلنا لا تَخَف إِنَّكَ أَنتَ الأَعلى﴾أي: لايصيبكم الوهن وهو الضعف ،﴿ وَلا تَحزَنو﴾ على ما أصابكم أي على ما أصابكم مما جرى في غزوة أحد فإن الغلبة كانت للصحابة رضي الله عنهم كما مر ، لكن لما عصا من عصا من الرماة على الجبل ، جرى ماجرى ، فانقلب الأمر كما سيأتي .

﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا ﴾ وذلك لأن الضعف يجعل أهل الإسلام في ضعف على ضعف وفي خور ؛ ومن ثم يتغلب عليهم العدو .

 

والنهي عن الحزن ؛ لأن الحزن يدل على ماذا ؟ يدل على  ضعف ٍأيضًا ، يدل على ضعفٍ في البدن ، وفي القلوب ومن ثم يتسلط الأعداء، ولذا قال تعالى – مسليًا لهم – : ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ ﴾ فأنتم الأعلون ! ، ولو جرى ماجرى ، ولذا فالله عزوجل ، إنما يجري مايجري مما أجراه عليكم في غزوة أحد ، إنما هو ابتلاء وامتحان ، وأنتم الأعلون ، ومن ثم فإن الله عزوجل وصف صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الوصف وهو العلو وهو حاصل لكل من سار على طريقتهم ، كما وصف عزوجل هذا الوصف لموسى عليه السلام ، وفي هذا ولا شك منقبة وتشريف لصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذا موسى لما ذكر عزوجل حاله مع السحرة : ﴿فَأَوجَسَ في نَفسِهِ خيفَةً موسى  قُلنا لا تَخَف إِنَّكَ أَنتَ الأَعلى﴾ ولماذا يضعف أهل الإسلام ، ولماذا يصيبهم الحزن والله معهم وهم أهل الإيمان ولذا قال هنا : ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ فمن كان مؤمنًا فإن الرفعة والعلو له ، كما قال عزوجل : ﴿وَلَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا المُرسَلينَ . إِنَّهُم لَهُمُ المَنصورونَ .  وَإِنَّ جُندَنا لَهُمُ الغالِبونَ﴾ إلى غير ذلك من هذه الآيات ، فأهل الإيمان هم أصحاب العلو .

وفي قوله : ﴿إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾: التذكير لهم أن أهل الإيمان ، لا يصيبهم وهن ولا حزن ، ولذا قال عزوجل

لما ذكر أنهم أهل الإيمان ، بيَّن في آية أخرى ، من أنه عزوجل معهم ، ومن كان الله معه – المعية الخاصة –  فإنه لا يحزن !! ، قال تعالى : ﴿فَلا تَهِنوا وَتَدعوا إِلَى السَّلمِ وَأَنتُمُ الأَعلَونَ وَاللَّهُ مَعَكُم وَلَن يَتِرَكُم أَعمالَكُم﴾ ، ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾

﴿إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ﴾

 

﴿إِن يَمسَسكُم قَرحٌ﴾ أي : ألم من الجراحة وما جرى لكم في غزوة أحد ﴿إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ ﴾: يعني أصابهم مثل ما أصابكم ، بل إنهم أُصيبوا في غزوة بدر ماهو أعظم من ذلك ولذا قال عزوجل كما سيأتي بيانه في سورة النساء

﴿وَلا تَهِنوا فِي ابتِغاءِ القَومِ إِن تَكونوا تَألَمونَ فَإِنَّهُم يَألَمونَ كَما تَألَمونَ وَتَرجونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرجونَ ﴾ فقال عزوجل هنا :﴿إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ ﴾ وهذا عام ، ليس خاص بما يتعلق بغزوة أحد

﴿ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ ﴾ لاشك أن تلك الأيام ، ماجرى في غزوة بدر – هناك نصر لأهل الإسلام – في غزوة أحد ، في أول الأمر ، فيه نصر لأهل الإسلام ، لكن لما جرى ماجرى من عصيان بعض الرماة ،  هنا حصلت الهزيمة ! ، أيضًا هذا شامل ،

﴿ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ ﴾ الناس إما أن يكون بعضهم في حال فقر ، مرة في حال غنى ، مرة في حال مرض ، ومرة في حال صحة ، مرة في حال بؤس ، ومرة في حال عافية…… وهكذا .

فدل هذا على أن الأمور لا تستقر على حال ! ، ومن ثم فإذا كانت تلك الأيام يداولها الله عزوجل ، فما على المسلم إلا أن يعلق قلبه بالله عزوجل ، فإنه هو المتصرف في الأمور .

﴿وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ ﴾ وليعلم الله الذين آمنوا : أي علم ظهور، يترتب عليه الجزاء ، وإلا فالله عزوجل عالمٌ بالشئ قبل وقوعه ، ولكن هنا ؛ علمٌ يترتب عليه ظهور الشئ للناس وللخلق ، وهو علم يترتب عليه الجزاء والحساب منه عزوجل .

﴿وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا ﴾ تلك الأيام إذا دُوِّلت -الناس- مابين عسر ويس ، مابين فقر وغنى ، مابين نصر وهزيمة ، مابين مرض وشفاء ، مابين وبين وبين …….-قل ما تشاء – : هنا يظهر أهل الإيمان ؛ الذين علقوا قلوبهم بالله عزوجل ، ولذا قال﴿  وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنواوَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ ﴾ في تلك الغزوة – غزوة أحد- ماجرى ماجرى من قتلٍ لبعضكم ، إنما أراد الله عزوجل أن يكرم من شاء منكم بالشهادة﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ﴾ لايحب الظالمين ، وأعظم الظلم : الكفر بالله عزوجل ، ومن ثم فإن قريشًا لما أتت وحاربتكم وهم ظلمه ، ومن ثم فالله عزوجل لايحبهم ، وإذا كان عزوجل  لايحب هؤلاء فإن الهزيمة ستكون عليهم ، والنصر يكون لكم ﴿ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ﴾ ومن ثم فإن نفي المحبة منه عزوجل للظالمين ، يحذر أيضًا من كان ظالمًا دون الظلم الأكبر ، وهو الظلم الذي لايخرجه عن ملة الإسلام

فأهل الظلم خليق بهم أن يحذروا مايترتب على نفي المحبة – على نفي محبة الله للظلمة – مايترتب على ذلك من عقابه عزوجل لهم

 

﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ﴾ التمحيص : وهو الإبتلاء والإختبار وظهور الشئ ؛ بمعنى أن أهل الإيمان يظهر منهم الحق ، ويظهر منهم الرجوع إلى الله عزوجل.

﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا﴾ فالتمحيص لأهل الإيمان، لأنهم عند الشدائد !! يظهر ماذا؟ يظهر منهم الإيمان ، ولا يظهر منهم السخط والجزع .

قال تعالى: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ﴾ فهم أهل مُحْق ، بمعنى : أن الله عزوجل يمحقهم بالقتل ، ويمحقهم بالأسر ، ويمحقهم بالخسارة وما شابه ذلك من أنواع هذا المحق .

﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ﴾ فإذا سمع المؤمن مثل هذه الآية ، فإن قلبه يطمئن ويرتاح،  لم؟ لأن الغلبة والعاقبة الحسنة له . ولذلك قال الله عزوجل : ﴿ وَالعاقِبَةُ لِلتَّقوى﴾ ﴿ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾

 

﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾

﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ﴾ أم هنا : المنقطعة ، وهي تختلف عن أم المتصلة – كما سيأتي إن شاء الله بيانه إذا أتى في أي موطن بيَّنا ذلك -..

أم هنا : المنقطعة بمعنى أنها تكون بمعنى بل، وتضمنت الاستفهام ﴿أَم حَسِبتُم﴾أي بل أحسبتم !!  ، بل أحسبتم ، أي بل أظننتم﴿أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم ﴾ أي علم – ماذا؟ – علم يترتب عليه جزاء وحساب وظهور ، وألا فهو عالم عزوجل بالشئ قبل أن يقع وعالم بالشئ قبل أن يكون كيف يكون ، وعالمٌ في الأزل ، ولا يزال عالمًا عزوجل ، ومن ثم فإن قوله عزوجل : ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم﴾ من هو أهل الجهاد ﴿ وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾ من يصبر ؟

فإن الإنسان قد يُجاهد،  لكن أهو صابرٌ أم لا ؟ فإنه بد يجاهد ويفر من المعركة ، من الزحف !! ومن ثم فإنه لا يحصل منه صبر ، ومن ثم قال : ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾ علم يترتب عليه الجزاء والحساب ، فالجنة سلعة الله !! كما ثبت بذلك الحديث الصحيح : ( ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة ) وهذه الآية نظير آياتٍ كثيرة منها ما مر معنا في سورة البقرة :﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ﴾  ، ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾

 

﴿ وَلَقَد كُنتُم تَمَنَّونَ المَوتَ مِن قَبلِ أَن تَلقَوهُ فَقَد رَأَيتُموهُ وَأَنتُم تَنظُرونَ﴾ هذه الآية ! قال بعض الصحابة : للنبي صلى الله عليه وآله وسلم – لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه ؛ أتت قريش من أجل تلك العزيمة التي وقعت بهم في بدر ، فإرادوا أن ينتقموا لقتلاهم ولأنفسهم –  النبي صلى الله عليه وآله وسلم استشارهم أيبقى في المدينة ؟ ، أم أنه يخرج بهم ؟ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رأيه أن يبقى في المدينة ، وكان هذا الرأي أيضًا هو رأي عبدالله بن أبي بن سلول – رأي المنافقين – فبعض الصحابة رضي الله عنهم ممن لم يحضر غزوة بدر ، قالوا : بل نخرج إليهم يارسول الله ! فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل بيته ولبس لأمته – وهي أداة الحرب – فلما خرج ! قال بعض الصحابة ممن قال لنخرج ، قالوا : لعلنا قلنا بهذا الرأي وكان فيه ما لا يوافق رغبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا يارسول الله ! لو بقينا في المدينة ! فقال صلى الله عليه وآله وسلم ماينبغي لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ! ، ومن ثم خرج صلى الله عليه وآله وسلم .

هنا لما جرى ما جرى في معركة أحد ، ( في غزوة أحد ) ، لما جرى ماجرى ! وفرَّ من فرَّ ! ماذا قال عزوجل ؟

﴿ وَلَقَد كُنتُم تَمَنَّونَ المَوتَ﴾ وهذا رأي من ؟ ، من قال نخرج ! ﴿ وَلَقَد كُنتُم تَمَنَّونَ المَوتَ مِن قَبلِ أَن تَلقَوهُ فَقَد رَأَيتُموهُ﴾ أي : رأيتم أسبابه ﴿ فَقَد رَأَيتُموهُ وَأَنتُم تَنظُرونَ﴾ بأمِّ أعينكم قال: ﴿ فَقَد رَأَيتُموهُ﴾ وختم الآية ﴿ وَأَنتُم تَنظُرونَ﴾ من باب التأكيد !! ، على ماذا ؟ على أن الرؤية ليست رؤية قلبية لا ، رؤية بصرية ، لأن كلمة ﴿ رَأَيتُموهُ﴾ تكون الرؤية بمعنى رؤية بصرية أو قلبية ، وقد تكون أيضًا رؤية منامية ، فهنا لما قال : ﴿ وَأَنتُم تَنظُرونَ﴾ بين أن تلك الرؤية لأسباب الموت من هؤلاء ؛ رؤية بصرية !! ورأوا أعداد قريش ، ورأوا ماجرى لهم !!

﴿ وَلَقَد كُنتُم تَمَنَّونَ المَوتَ مِن قَبلِ أَن تَلقَوهُ فَقَد رَأَيتُموهُ ﴾ ومن ثم فإن على المسلم أن لا يتمنى لقاء العدو ، ولذلك ثبت عنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 لا تتمنوا لقاء العدو وأسألوا الله العافية فإذا لقيتموه فاصبروا ) ولذا ! الله عزوجل لما ذكر ما ذكر عزوجل عن قصة بني إسرائيل ، لما قالوا : ﴿ ابعَث لَنا مَلِكًا نُقاتِل في سَبيلِ اللَّهِ قالَ هَل عَسَيتُم ﴾ يعني أنتم في عافية ، لماذا تطالبون بالقتال ؟! ﴿ قالَ هَل عَسَيتُم إِن كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ أَلّا تُقاتِلوا قالوا وَما لَنا أَلّا نُقاتِلَ في سَبيلِ اللَّهِ وَقَد أُخرِجنا مِن دِيارِنا وَأَبنائِنا فَلَمّا كُتِبَ عَلَيهِمُ القِتالُ تَوَلَّوا إِلّا قَليلًا مِنهُم ﴾ والله عزوجل قال : ﴿أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ قيلَ لَهُم كُفّوا أَيدِيَكُم وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيهِمُ القِتالُ إِذا فَريقٌ مِنهُم يَخشَونَ النّاسَ كَخَشيَةِ اللَّهِ أَو أَشَدَّ خَشيَةً وَقالوا رَبَّنا لِمَ كَتَبتَ عَلَينَا القِتالَ لَولا أَخَّرتَنا إِلى أَجَلٍ قَريبٍ ﴾ وقال تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعَلونَ  كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقولوا ما لا تَفعَلونَ  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلونَ في سَبيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيانٌ مَرصوصٌ﴾ فمن كان في عافية ، فليحمدالله عزوجل ، لكن إذا ابتلي والتقى بالعدو فالواجب عليه أن يصبر !! ( لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموه فاصبروا )  ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ ﴾ ﴿وَما مُحَمَّدٌ ﴾ لأنه شيع من أن محمدًا عليه الصلاة والسلام قد قتل في غزوة أحد ، ومن ثم فإن بعض الصحابة توقف عن القتال ولم يقاتل !! ومن ثم فإن أنس بن النضر- وكان قد تغيب عن غزوة بدر – قال: لئن أراني الله عزوجل موطنًا لأفعلن ولأفعلن ، فلماأتى إليهم – وهذا يدل على ماذا؟ ، من أن قوله ﴿ وَلَقَد كُنتُم تَمَنَّونَ المَوتَ مِن قَبلِ أَن تَلقَوهُ فَقَد رَأَيتُموهُ وَأَنتُم تَنظُرونَ﴾

من أن هذا ليس لكل من قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لنخرج !!، بل إن هناك من قاتل حتى قُتل !! ، أنس بن النضر – وهو عم أنس بن مالك – لما مر عليهم فقال : مابكم ؟ قالوا : قد قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم !! فقال رضي الله عنه : وماذا تصنعون بالحياة بعده ؟؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني الصحابة –

وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعني الكفار-

فدخل في العدو وقاتل حتى قتل رضي الله عنه .

﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت﴾ أي مضت.

﴿مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ﴾ فهو رسول !!

وإنما هو في الحقيقة بشر!! وسيكون مآله إلى الموت.

﴿وَما مُحَمَّدٌ﴾ وصرَّح باسمه هنا – صلى الله عليه وآله وسلم – صرَّح الله عزوجل باسمه!! ، ومحمد عليه الصلاة والسلام ، قد شاع في الجاهلية قبل مقدم الإسلام ، من أن هناك نبيًا اسمه محمد ، فسمى بعضهم ابنه بمحمد، وهم كما قال السخاوي رحمه الله ستة لا سابع لهم ، لعله أن يكون هو النبي!!

لكن هو النبي صلى الله عليه. آله وسلم لما سماه جده عبدالمطلب .

أما اسم أحمد ، فصان الله عزوجل هذا الاسم فلم يتسمَّ به أحد!!

قال عيسى عليه السلام : ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسولٍ يَأتي مِن بَعدِي اسمُهُ أَحمَدُ﴾

ومحمد : من باب ماله  الصفات العظيمة

وأما أحمد: فالصحيح من أنه – ولا شك أنه – أحمد الناس لربه وأعظم الناس حمدًا لربه – كما قال بعض أهل العلم ؛ لكن كلمة أحمد ، أو اسم أحمد : بمعنى أنه أعظم الناس يُحمد !!

فقوله عزوجل : ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم﴾ أي رجعتم﴿عَلى أَعقابِكُم﴾ ومن يرجع إلى الوراء ؛ يوشك أن يسقط !! فما ظنك إذا رجع على عقبيه ؟!

﴿أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم ﴾ هو بشر !!

كما قال تعالى :  ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتونَ﴾

وكما قال تعالى : ﴿ أَفَإِن مِتَّ فَهُمُ الخالِدونَ﴾ فمصيره صلى الله عليه وآله وسلم إلى الموت، فهنا إنكارٌ لهم ﴿ أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم﴾يعني ارتددتم عن الدين !

وقد يقول قائل : ما أُشيع من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قتل ، ولم يُشع من أنه مات ! ، فلماذا ذكر الموت هنا ؟ ؛ ذكر الموت هنا والله أعلم مع قوله ﴿ قُتِلَ ﴾ من باب التنبيه على أنه بشر ، وهو رسول ؛ يتميز!! ﴿قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ ﴾ ، فهو بشر ؛ مع ذلك انتبهوا من أن ترتدوا عن الدين ! ، سواء قتل عليه الصلاة والسلام أو مات ، وكأن فيه إشارةً إلى ماسيحدث في المستقبل بعد غزوة أحد وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن ثم لما مات ، مالذي جرى؟

ارتد من ارتد ! ؛ فكأن فيه إشارة  !! إلى ماذا؟

إشارة إلى أن بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم سيرتد من سيرتد وهذا تحذيرٌ ! لمن ؟ للأمة !

فإن أبا بكرٍرضي الله عنه حاربهم .

حارب من ؟ المرتدين !

وهو رضي الله عنه ؛ مما يدل على قوة ثباته رضي الله عنه ، وهو من أعظم الناس صحبةً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو أحب الناس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لما سُئِل صلى الله عليه وآله وسلم : من أحب الناس إليك ؟ قال 🙁 عائشة) قيل : من الرجال ؟ قال: ( أبوها) وهو يحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع ذلك ، لما مات ، وجرى ماجرى ، انظر سبحان الله !! ، هذه الآية تدل أيضًا ؛ كما أن فيها إخبارٌ عما سيكون من حالهم بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم ، من حال بعضهم ممن ارتد ، أيضًا فيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه ، ومن ثم فإن أبا بكر استدل بهذه الآية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مع أنه كان خارج المدينة ، فأتى والناس مستغربون !! ، كيف يموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟! ، وعمر رضي الله عنه يهدد الناس فيقول : من زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مات فلأقتلنه بسيفي !؛ لا يوت حتى يقاتل أهل النفاق ، وحتى يندحر أهل النفاق !! ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه وكشف عن وجهه وقبله ثم قال رضي الله عنه : لايجمع الله لك بين موتتين يارسول الله !! ومن ثم خرج إلى الناس وإذا بالناس يلتفون حوله ويدعون عمر رضي الله عنه ، ثم خطب خطبته المشهورة ، ثم قرأ هذه الآية : ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم﴾ حتى قال بعض الصحابة : كأنني لم أسمع هذه الآية إلا تلك الساعة ، هذا يدل على فضيلة أبي بكرٍ رضي الله عنه ، ومن ثم فإن قوله تعالى ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيهِ ﴾ من يرتد﴿وَمَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئًا ﴾ لأنه عزوجل لا تضره معصية العاصي ، ولا كفر الكافر ، كما قال عزوجل ﴿ وَلا يَرضى لِعِبادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُروا يَرضَهُ لَكُم ﴾ فالضرر إنما يعود على العبد ذاته ، والطاعة إنما يعود نفعها على العبد ذاته !! ﴿ وَمَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللَّهُ الشّاكِرينَ﴾من ثبت على الإسلام ونصر الدين ونصره ، فهو من الشاكرين الذين شكروا الله عزوجل على نعمة الإسلام ، لأن الإسلام لا يزول بموت نبي ، ولا بموت رسول ، فالإسلام باقي ﴿ وَسَيَجزِي اللَّهُ الشّاكِرينَ﴾

﴿وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تَموتَ﴾ أي نفس مايمكن أن تموت من تلقاء نفسها ؛ لا !! ﴿وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تَموتَ إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ ﴾ أي بإذنه عزوجل ، بإذنه القدري ؛ لأن إذن الله نوعان : إذن شرعي ؛ يعني شرعه عزوجل لعباده من الأحكام ، وإذن قدري يعني كوني لا بد أن يقع !!

أما الإذن الشرعي فإنه ربما لا يقع وسيأتي بإذن الله بيان لذلك عند بعض الأدلة ، هنا قال ﴿وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تَموتَ إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ كِتابًا مُؤَجَّلًا﴾ أي كتب ذلك كتابًا مقدرًا ، لا يتقدم ولايتأخر ! ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾

إذًا ، قال تعالى هنا ﴿وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تَموتَ إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ كِتابًا مُؤَجَّلًا﴾ أي كتب ذلك كتابًا مقدرًا لا يتقدم ولا يتأخر ، كحال يوم القيامة ، كما قال تعالى : ﴿وَما نُؤَخِّرُهُ إِلّا لِأَجَلٍ مَعدودٍ﴾ يعني : في حينه ، وقال عزوجل هنا ﴿ كِتابًا مُؤَجَّلًا ﴾ ومن ثم فيه الرد على من ؟ ، على تلك الطوائف وهم المعتزلة ،  الذين يقولون :  إن من قتل لم يأخذ حقه من الدنيا ، فلولا هذا القتل لبقي حتى يستكمل أجله !!

وأوقع هؤلاء – وفيه التحذير من إدخال العقول في النصوص الشرعية إلا إذا كان العقل سالمًا من الشبهة ومن الشهوة ، فإن القوم يقولون إن هذا القتيل ، لما أُمِرَ في شأنه بالكفارة وبالدية دل هذا على أنه قُتِلَ قبل أجله !!

وهذا ولا شك أنه ضلال مبين فإن المقتولقُتِلَ ومات في أجله لم يتقدم ولم يتأخر ، لكن الله عزوجل جعل هذا القتل سببًا لموته في هذا الزمن الذي قدره الله عزوجل أن يموت فيه ، كما جعل المرض ، أو جعل ذلك الحادث، أو ماشابه ذلك ، جعله سببا لموت فلان ،

﴿كِتابًا مُؤَجَّلًاوَمَن يُرِد ثَوابَ الدُّنيا نُؤتِهِ مِنها﴾إذا شاء كما قال عزوجل ﴿مَن كانَ يُريدُ العاجِلَةَ عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ ﴾

﴿ وَمَن يُرِد ثَوابَ الآخِرَةِ نُؤتِهِ مِنها﴾ وليس معنى ذلك من أنه لايكون له رغبة في الثواب الدنيوي ، فإن أهل الإسلام يجب عليهم أن يجعلوا مايفعلونه ويقولونه ابتغاء الأجر من الله عزوجل ، ولا مانع من أن تكون نفوسهم راغبة في الغنيمة ، ولذلك قال عزوجل

﴿قُل هَل تَرَبَّصونَ بِنا إِلّا إِحدَى الحُسنَيَينِ ﴾ ولذلك قال عزوجل ﴿اللَّهُ لَطيفٌ بِعِبادِهِ يَرزُقُ مَن يَشاءُ وَهُوَ القَوِيُّ العَزيزُ  مَن كانَ يُريدُ حَرثَ الآخِرَةِ نَزِد لَهُ في حَرثِهِ وَمَن كانَ يُريدُ حَرثَ الدُّنيا نُؤتِهِ مِنها وَما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَصيبٍ﴾ ومن ثم قال عزوجل كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى ﴿فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنيا وَحُسنَ ثَوابِ الآخِرَةِ ﴾ وكما قال الله تعالى ﴿مَن كانَ يُريدُ ثَوابَ الدُّنيا فَعِندَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ﴾

﴿ وَمَن يُرِد ثَوابَ الآخِرَةِ نُؤتِهِ مِنه وَسَنَجزِي الشّاكِرينَ﴾دل هذا على ماذا ؟ ؛ على أن العمل من الشكر ؛ بل من أساسيات الشكر ؛ لأن الشكر لا يقوم إلا بثلاثة أركان : اعتقاد بالقلب ؛ من أن النعمة من الله لا بحول الإنسان ولا بقوته ولا بذكائه ، شكر باللسان ، يتحدث بها﴿وَأَمّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾ شكر بالعمل الصالح ؛ بأن يشكر الله بجوارحه ، ولذا قال تعالى  ﴿اعمَلوا آلَ داوودَ شُكرًا ﴾