تفسير سورة الأعراف من الآية (27)إلى (34)
الدرس (104)
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد :
فكنّا قد توقفنا عند قول الله عز وجل:
﴿يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ﴾ الآية فالله عز وجل لمّا نادى بني آدم في الآية السابقة مذكرًا لهم بنعمة الله عز وجل عليهم هنا حذرهم من أن يقعوا في مثل ما وقع فيه أبواهم فقال عز وجل:﴿يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾ (الأعراف: ٢٧ )
﴿يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ﴾ أي لا يضلّنكم الشيطان﴿يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ﴾ والأبوان هما آدم وحواء وهذا من باب التغليب لأن المقصود بالأبوين هنا آدم وحواء ﴿لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ﴾ أي: بالإغواء والضلال ﴿كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ﴾ وهذا أتى بعد ما ذكر عز وجل حال الشيطان مع آدم ومع حواء ﴿كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما﴾ ينزع أي يخلع عنهما لباسهما كما مر في الآية السابقة موضَحًا ذلك ﴿يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما﴾ ليظهر لهما ﴿سَوْءاتِهِما﴾
﴿ إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم﴾ أي: إن الشيطان يراكم هو وقبيله أي وجنوده ﴿ إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم﴾ وهذا يدل على ماذا على عِظَمِ خطر الشيطان فإن العدو إذا رأيته فإنك تدافعه لكن إذا رآك ولم تره حال المنازعة وحال القتال فإن الأمر عظيم ﴿ إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم﴾ وهنا مقيّد ولذا لما سُئل شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى هل هذه الآية تدل على أن الإنس لا يرون الجن فقال رحمه الله إنما هذه الآية مقيّدة بمعنى أن الإنسيّ لا يرى الجنيّ حينما يراه الجنيّ ، لكن قال الجن قد يُرون من الإنسييّن – سواء كانوا هؤلاء الإنسيين سواء كانوا صالحين أو غير صالحين – لكن عدم الرؤية هنا إذا رأوا الإنس إذا رأوا الإنس ولذا قال: ﴿ إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم﴾ قلت وقد ثبت الحديث أن النبي ﷺ أتاه شيطان بشهاب من نار ليحرق وجهه وهو يصلي فتمكن منه النبي ﷺ وأراد أن يربطه بسارية من سواري المسجد فتذكر دعوة سليمان عليه السلام .
﴿ إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم﴾ وهذا فيه التحذير لبني آدم من أن يتبعوا الشيطان ﴿ إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾
فالذي لا يؤمن فإن الشياطين تستحوذ عليه ولذا قال: ﴿ إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾
وكما قال عز وجل:﴿أَلَم تَرَ أَنّا أَرسَلنَا الشَّياطينَ عَلَى الكافِرينَ تَؤُزُّهُم أَزًّا﴾ (مريم: ٨٣ ) ﴿ إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾
وهذا من جزاء عملهم فإنهم لما أعرضوا عن الله عز وجل تولتهم الشياطين لأن الله عز وجل نهاهم عن ذلك في أول السورة وكما قلت لكم في السور السابقة يتأمل الإنسان السورة في أولها وفي ثناياها وفي آخرها لأنه قال في أول السورة﴿اتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أَولِياءَ﴾ (الأعراف: ٣ ) هنا هؤلاء وهم الإنس لما اتبعوا الشياطين وجعلوهم أولياء تسلّطت عليهم الشياطين ﴿ إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ ﴾ أي يزينون لهم المحرم ويزينون لهم الكفر بالله عز وجل ﴿ إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾
___________________________
﴿وَإِذا فَعَلوا فاحِشَةً قالوا وَجَدنا عَلَيها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُل إِنَّ اللَّهَ لا يَأمُرُ بِالفَحشاءِ أَتَقولونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾ (الأعراف: ٢٨ )
﴿وَإِذا فَعَلوا فاحِشَةً﴾ أي هؤلاء الكفار، والفاحشة هو ما استقبح فحشه من قولٍ أو عمل ومر معنا ذلك موضحًا ﴿وَإِذا فَعَلوا فاحِشَةً قالوا وَجَدنا عَلَيها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها﴾ وهذا يدل – هذا القول من هؤلاء يدل – على أن الشياطين استحوذت عليهم فقالوا هذا القول ﴿وَإِذا فَعَلوا فاحِشَةً قالوا وَجَدنا عَلَيها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها﴾ فأمر الله عز وجل نبيه ﷺ أن يقول لهم ﴿ قُل إِنَّ اللَّهَ لا يَأمُرُ بِالفَحشاءِ﴾
وسكت عن ما ذكروه حينما قالوا : ﴿وَإِذا فَعَلوا فاحِشَةً قالوا وَجَدنا عَلَيها آباءَنا﴾ نعم لأنهم وجدوا آبائهم يفعلون هذا الفعل لكن لما قالوا على الله قولًا كذبًا ﴿وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها﴾ ماذا قال ﴿ قُل إِنَّ اللَّهَ لا يَأمُرُ بِالفَحشاءِ﴾ ولذا في الآيات الآتية ﴿قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ﴾ (الأعراف: ٣٣ ) فقال هنا ﴿ قُل إِنَّ اللَّهَ لا يَأمُرُ بِالفَحشاءِ أَتَقولونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾
هذا استفهام إنكاري ﴿ أَتَقولونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾ فليس عندكم علم ، ولا علم عندهم بهذا حتى إن الفِطَرَ لَتكْرَه ولَتُنكِر الفواحش وهنا فإن هؤلاء إذا كانوا من أهل مكة فإنهم – يعني إذا كانوا من قريش – فإنهم يطوفون بثيابهم لكن إذا أتى من أتى من غير قريش فأراد أن يطوف بالبيت فإنه لا يحق له – كما زعموا – لا يحق له أن يطوف إلا بثوب جديد وإذا طاف به رماه والشأن إذا لم يجد ثوبًا جديدًا فإنه يستعير من قريش فيطوف وهو مستترا فإذا لم يجد ثوبًا جديدًا ولم يجد من يعيره فإنه يطوف عريانًا ولذا النبي ﷺ كما في آخر حياته كما ثبت لما أرسل وفدًا قال ” أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ” فكانوا يطوفون وهم عراة لأنهم يقولون لا نطوف في ثوب عصينا به وهذا من الضلال المبين ولذا كانت المرأة من هؤلاء إنما تطوف في معظم أحيانهن تطوف بالليل فقال عزوجل: ﴿ أَتَقولونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾
___________________________
﴿قُل أَمَرَ رَبّي بِالقِسطِ وَأَقيموا وُجوهَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَادعوهُ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ كَما بَدَأَكُم تَعودونَ – فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾ (الأعراف: ٢٩-٣٠ )
﴿قُل أَمَرَ رَبّي بِالقِسطِ ﴾
قل يا محمد لهؤلاء إنما أمر الله عز وجل بماذا بالقسط وهو العدل أمر عز وجل بالعدل في جميع الأمور وأحكامه عز وجل عدل ، ومن ثم يتضمن الأمر بالعدل هو اتباع طريقة النبي ﷺ في العبادة حتى لا يخالف أحد سنة النبي ﷺ ﴿قُل أَمَرَ رَبّي بِالقِسطِ وَأَقيموا وُجوهَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ ﴾ قال هنا ﴿وَأَقيموا وُجوهَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ ﴾ يتضمن الإخلاص لله عز وجل فإنه لما ذكر ﴿قُل أَمَرَ رَبّي بِالقِسطِ ﴾ ويتضمن متابعة النبي ﷺ ذكر هنا ما يتعلق بالإخلاص لأن العمل لا يكون صالحًا إلا بشرطين الإخلاص لله عز وجل ومتابعة النبي ﷺ ﴿وَأَقيموا وُجوهَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ ﴾ أي اخلصوا العبادة لله عز وجل في جميع العبادات ومن ثم يدخل قول من يقول من العلماء ﴿وَأَقيموا وُجوهَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ ﴾ أي أقيموا : أي اخلصوا في سجودكم لله ويدخل في ذلك قول من يقول إذا حضرت الصلاة فصلِ في المسجد الذي تحضرك فيه الصلاة ولا تقل أصلي عند بيتي قال هنا ﴿وَأَقيموا وُجوهَكُم ﴾ وإقامة الوجه تدل على الإخلاص ﴿ وَأَقيموا وُجوهَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَادعوهُ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ﴾ أمر هنا بأن يدعوا الله عز وجل وقد أخلصوا العبادة له عز وجل ﴿ وَادعوهُ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ كَما بَدَأَكُم تَعودونَ – فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ﴾
﴿ كَما بَدَأَكُم تَعودونَ﴾ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ: بمعنى أنكم تعودون يوم القيامة كما قال تعالى﴿وَلَقَد جِئتُمونا فُرادى كَما خَلَقناكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ (الأنعام: ٩٤ ) وكما قال ﷺ كما ثبت عنه ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ”
﴿ كَما بَدَأَكُم تَعودونَ – فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ﴾
بعض العلماء قال ﴿ كَما بَدَأَكُم تَعودونَ – فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ﴾
المقصود من ذلك أنهم يحشرون يوم القيامة . قول آخر ولا يتعارض مع هذا القول ﴿ كَما بَدَأَكُم تَعودونَ – فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ﴾ أي كما بدأكم وقدَّر عز وجل حسب مشيئته وإرادته من أنه عز وجل عالم ومحيط بكل شيء وعالم بمن سيكفر وعالم بمن سيؤمن ﴿ كَما بَدَأَكُم تَعودونَ﴾ يعني أنكم تعودون إليه منكم الكافر ومنكم المؤمن ، ولذا هذه الآية قد يطرأ هناك إشكال عند البعض ، لأن الله عز وجل أيضًا قال كما هو نظير هذه الآية ﴿هُوَ الَّذي خَلَقَكُم فَمِنكُم كافِرٌ وَمِنكُم مُؤمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ﴾ (التغابن: ٢ ) كيف يكون هذا فالله عز وجل قال ﴿ فِطرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها لا تَبديلَ لِخَلقِ اللَّهِ﴾ (الروم: ٣٠ )
فالله عز وجل فطر الخلق كلهم على التوحيد وقد قال ﷺ كما ثبت عنه قال : ” كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فأَبَواه يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ “. فلتعلم أنه لا تعارض بين هذا وبين ذاك لم ؟ فالله عز وجل فطر الخلق كلهم على معرفته وعلى توحيده وعلى الفطرة السليمة لكن هو عز وجل قدّر وشاء حسب حكمته أن يكون من هؤلاء من هو كافر في آخر حاله ومن سيكون من هو مؤمن باقٍ على هذهِ الفطرة ولذا في الأحاديث منها من أن النبي ﷺ قال فيما يتعلق بالجنين في شأن الملك قال : ” فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ “. إذًا الله عز وجل فطر الناس على الدين وعلى التوحيد لكن هو عز وجل أخبر بأنهم سيعودون إليه، الكافر ممن شاء الله عز وجل أن يبقى على كفره، ومن هو المؤمن ممن شاء الله عز وجل أن يبقيه على الفطرة ويهتدي بعد مجيء الرسل وإنزال الكتب، فلا تعارض بين ذلك ومن ثم فإنه لما قال عزوجل: ﴿هُوَ الَّذي خَلَقَكُم فَمِنكُم كافِرٌ وَمِنكُم مُؤمِنٌ ۚ ﴾ ما الذي بعدها ﴿وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ﴾ فلا يقل أحدٌ من أنه بما أنه كتب عليّ هذا الأمر فإني لا أعمل ولذا النبي ﷺ لما ذكر عليه الصلاة والسلام ما يتعلق بالقدر قال : ” اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ “
وقال ﷺ : ” أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ” فقال عز وجل :﴿وَاللَّيلِ إِذا يَغشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثى إِنَّ سَعيَكُم لَشَتّى فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالحُسنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى وَكَذَّبَ بِالحُسنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرى﴾ (الليل: ١-١٠ ) ولذا قال ﷺ : ” كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو ؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُهَا ” إذًا على الإنسان أن يعمل العمل الصالح ولا يقل إنه ربما قدر علي فيما قدره عز وجل من أنني أموت على الكفر ، ولذا النبي ﷺ كما ثبت عنه قال في الصحيح : ” فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ “
انظر قال فيسبق عليه الكتاب
” فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ “. وفي رواية ” إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ “
فدل هذا على أنه عز وجل فطر الخلق على التوحيد والواجب على هؤلاء الخلق أن يسعوا في مرضاة الله عز وجل وأما ما شاءه وقدره حسب حكمته وحسب عدله فيما قضاه عز وجل فإنه كائن لا محاله بمعنى أنه سيرد عليه من كتب الله عليه الكفر ومن كتب له الإيمان ومن كتب عليه الكفر فإنه يحاسب هذا الإنسان لمَ؟ لأن الله عز وجل جعل له مشيئة لكن مشيئته لا يمكن أن تستقل بنفسها لابد من مشيئة الله فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ومن ثم تعرف أن قول نوح عليه السلام: ﴿وَلا يَلِدوا إِلّا فاجِرًا كَفّارًا﴾ (نوح: ٢٧ ) وفي قصة ذلكم الغلام الذي قتله الخضر قال عليه الصلاة والسلام فإن هذا الغلام طُبع يوم أن طُبع كافرًا هذا تفسيره.
تفسيره قول نوح كما ذكر عز وجل وتفسير هذا الحديث عن الخضر هو الذي يفسره ما ذكرنا هنا.
خلاصة القول: الله عز وجل فطر الخلق كلهم على التوحيد وعلى معرفته فواجب عليهم أن يعملوا ومن ثم فإن ما قدره عز وجل وكتبه عز وجل فيما قدره في الأزل حسب مشيئته وإرادته وحكمته فإنه واقع؛ من كَتَبَ له الإيمان كُتِب له الإيمان ومن كَتَبَ له الكفر كُتِب له الكفر فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وله عز وجل الحكمة البالغة ومن ثم فإن هذا الكلام يُضَمُّ إلى ما ذكرناه في سورة الأنعام في قوله تعالى: ﴿سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا آباؤُنا﴾ (الأنعام: ١٤٨ ). ومن ثم يتضح ما يتعلق بالقدر ولذا قال العلماء: القدر هو سر الله عز وجل بعد هذا الكلام لا يبحث الإنسان عن ما يكون في هذا القدر ولذا النبي ﷺ كما ثبت عنه لما أتى بعض أصحابه وهم يتحدثون في القدر غضب عليه الصلاة والسلام فتبين هنا أن هذا الكلام هو يجمع بإذن الله عز وجل كل ما يدور من إشكالات حول ما يتعلق بالقدر ولله الحمد والمنه كلٌّ من عند ربنا وإذا كان من عند الله فإذًا لا اختلاف فيه ولا تناقض﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القُرآنَ مِن لَدُن حَكيمٍ عَليمٍ﴾ (النمل: ٦ ) ومن ثم فإن على المسلم أن يبذل الأسباب لفعل الطاعات وأيضًا يكثر من دعاء الله عز وجل ولذا كما ثبت عند الترمذي من جميع الشواهد قالت أم سلمه لما سئلت مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ ؟ قَالَتْ : كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ : ” يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ” . وفي صحيح البخاري كَثِيرًا مِمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ : ” لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ ” وكان من الدعاء الوارد كما عند مسلم ” اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ” .
فيدعو الإنسان ويتوكل العبد على الله ويثق بالله عز وجل فهو الحكيم الرحيم الرحمن الرؤوف عز وجل.
﴿فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ
إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾
سبحان الله انظر قال :﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ﴾ هم مَن ؟ الإنس ، اتخذوا الشياطين أولياء فلما اتخذوهم أولياء ماذا صنعت بهم ؟ انظر إلى تبادل ماذا تبادل السيئات وتبادل الخزايا وتبادل الكفر والتعاون على الإثم والعدوان لأنه قال في الآيات السابقات: ﴿ إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾ (الأعراف: ٢٧ )
هؤلاء الإنس الذين لم يؤمنوا جعل الله عز وجل الشياطين أولياء لهم لم ؟ لأن هؤلاء مَن ؟ الإنسيّون اتخذوا الشياطين أولياء ولذا قال هنا: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾
أي: ويظنون أنهم مهتدون ومن ثم فإن هناك قولًا لابن جرير الطبري رحمه الله قال عند قوله تعالى: ﴿ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾
قال من زعم أن من فعل معصيةً أو ارتكب معتقدًا فاسدًا وهو يقول من أنه لا يُحَاسَب ولا يُعَذبه الله عز وجل حتى يكون لديه العلم والمعرفة والحجّة فيقول فإن هذا القول ليس بصحيح لم ؟ لأن الله عز وجل قال ﴿ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾ فهنا قال رحمه الله ففَرَّق عز وجل بين من اهتدى وبين من ضلّ ويحسب أنه مهتدي قال : لو كان هذا الزعم صحيحًا لما كان هناك فرق بين هؤلاء وبين هؤلاء ، وهذا يؤكد ما ذكرته في سورة الأنعام عند قول الله عز وجل: ﴿ وَأوحِيَ إِلَيَّ هذَا القُرآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ (الأنعام: ١٩ ) بمعنى أن الحجة تقوم بمجرد ما يصل هذا الدين إلى الناس وأيضًا قوله ﷺ كما عند مسلم : ” وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي ” علَّق الأمر على السماع ” لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ “. والخوارج عندهم النصوص ومع ذلك لمّا لم يفهموها الفهم الصحيح وفهموها على حسب أهوائهم؛ حكم عليهم النبي ﷺ بأنهم كلاب أهل النار يقرؤون القرآن لا يتجاوز حناجرهم ؛ فدل على أن الحجة قائمة على الناس بمجرد وصول الحق إليهم ولذا قال عز وجل في آيات من بينها: ﴿ وَإِنَّهُم لَيَصُدّونَهُم عَنِ السَّبيلِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾ (الزخرف: ٣٧ )
فذمهم الله عزوجل على ذلك.
___________________________
﴿يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ﴾ (الأعراف: ٣١ )
﴿يا بَني آدَمَ﴾ هنا أيضًا فيه نداء من الله عزوجل لبني آدم ﴿يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ ﴾ سبحان الله لما ذكر الزينة في قوله تعالى: ﴿يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا﴾ وذكر ما يتعلق بحال هؤلاء الكفار إذا طافوا طافوا وهم عراة أمر الله عز وجل أن تُتَّخذ الزينة، من الزينة: ستر العورة وأيضًا يدخل في ذلك التّجمّل ﴿يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ ﴾ يعني أثناء الصلاة فإن الإنسان يكون ساترًا لعورته وأفضل من ذلك كله كما يتضمن هذا الأمر أن يأتي بأحسن ما يكون من الزينة ﴿يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا﴾ ولذا قال هنا وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، لما ذكر ما يتعلق بالزينة؛ لأن الزينة ستر للظاهر وهي من النعم بيَّن عز وجل هنا ما يتعلق بستر الباطن فالأكل والشرب ستر للباطن لأن الإنسان إذا جاع أو ظمىء فإنه يكون خالي المعدة.
كذلك من ليس عليه لباس يكون خالٍ ومنزوع اللباس، فقال هنا: ﴿وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا﴾ كلوا واشربوا مما أباح الله عز وجل ولكن ولا تسرفوا وهنا قوله:
﴿وَلا تُسرِفوا﴾ يدل على عموم تحريم الإسراف في كل شيء ، ومن ذلك النهي عن الإسراف في الأكل وفي الشرب ، ومن ثم فإن الإنسان لو أكل شيئًا أو شرب شيئًا ولو كان حلالًا وكان هذا الأكل عن شِبَعٍ لا يضر به فإنه لا بأس بذلك ، وإن كان الأفضل أن لا يعوّد نفسه لحديث أبي هريرة لما قال له النبي ﷺ اشرب قال اشرب فمازال يقول له اشرب قال أبو هريرة قال والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا.
فدل هذا على أن الشبع جائز لكن بشرط أن لا يضر بالإنسان ولذا لو ضر بالإنسان هنا يكون هذا الأكل وهذا الشرب محرمًا لقوله ﷺ كما ثبت في السنن : ” لا ضرر ولا ضرار ” ولقوله تعالى: ﴿وَلا تَقتُلوا أَنفُسَكُم﴾ (النساء: ٢٩ ) ولقوله تعالى:﴿ وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلَى التَّهلُكَةِ ﴾ (البقرة: ١٩٥ ) فقال هنا: ﴿ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ﴾ لا يحب المسرفين بشتى أنواع هذا الإسراف ومر معنا الحديث مفصلًا عند قوله تعالى في سورة الأنعام
﴿ وَآتوا حَقَّهُ يَومَ حَصادِهِ وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ﴾ (الأنعام: ١٤١ ) {
___________________________
﴿قُل مَن حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ قُل هِيَ لِلَّذينَ آمَنوا فِي الحَياةِ الدُّنيا خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعلَمونَ﴾ (الأعراف: ٣٢ )
﴿قُل مَن حَرَّمَ﴾ قل يا محمد لهؤلاء ﴿قُل مَن حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ﴾ هنا ذكر الزينة التي أخرجها الله عز وجل للعباد وذكر الطيبات التي رزقها الله عز وجل للخلق بيَّن هنا من أن الأصل في اللباس والأصل في الطعام الإباحة إلا إذا جاء الدليل على التحريم ولذا قال هنا:
﴿قُل مَن حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ قُل هِيَ لِلَّذينَ آمَنوا فِي الحَياةِ الدُّنيا﴾ ويشاركهم في ذلك مَن ؟ الكفار ولذا قال: ﴿خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ﴾ يعني هي خاصة يوم القيامة لأهل الإيمان ﴿خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ ﴾
أي كما فصلنا وبينا هذا الحكم نفصل جميع الأحكام ﴿كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعلَمونَ﴾ فأصحاب العلم هم الذين يستفيدون من هذا التفصيل وهذا البيان
﴿كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعلَمونَ﴾
ومن ثم فإن من تعلم العلم وطبّقه يكون من أهل العلم ولذا قال تعالى: ﴿ إِنَّما يَخشَى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ ﴾ (فاطر: ٢٨ )
___________________________
﴿قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكوا بِاللَّهِ ما لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطانًا وَأَن تَقولوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾ (الأعراف: ٣٣ )
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ﴾ قل يا محمد ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ ﴾ لما ذكر أن الأصل في الزينة وفي المطعوم الإباحة بين أن المحرم هو ما ذكر هنا. ولذا تذكرون في سورة الأنعام لما ذكر المحرمات ماذا قال بعدها﴿قُل لا أَجِدُ في ما أوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلّا أَن يَكونَ مَيتَةً أَو دَمًا مَسفوحًا أَو لَحمَ خِنزيرٍ﴾ (الأنعام: ١٤٥ ) الآية فقال هنا: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ ﴾ وحصر هنا بكلمة إنما تدل على الحصر أي أن الحكم محصور في ما بعد إنما ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ﴾ حرم ربي : والتحريم هنا هو تحريم شرعي ، ومر معنا تحريم قدري في سورة المائدة قال﴿قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيهِم أَربَعينَ سَنَةً ﴾ (المائدة: ٢٦ ) فدل هذا على أن التحريم نوعان : تحريم شرعي وتحريم كوني قدري فقال هنا: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ﴾ وذكر الرب هنا لأن الرب هو الذي ربّى عباده بالنعم الظاهرة والباطنة فواجب عليهم أن يعبدوه عز وجل ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ﴾ والفواحش هي ما فحش من القول والفعل ومر معنا في سورة الأنعام ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ (الأنعام: ١٥١ ) ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ أي الظاهر منها والباطن يعني الخفي ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ ﴾ الإثم هو الذنب الذي يقع فيه الإنسان ولعله يشمل كل الذنوب فيكون من باب عطف العام على الخاص لأن الفواحش من جملة الذنوب قال ﴿ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ لأن ما مضى وهو الإثم يتعلق بالجناية على نفس الإنسان
﴿ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ أي التطاول والاعتداء على الآخرين فيكون التحريم إذًا الإثم الذي يتعلق بذات الإنسان سواء كان صغيرًا أو كبيرًا كالفاحشة أو فيما يتعلق بالاعتداء على الآخرين ﴿ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ قال هنا بغير الحق لأنه لا يمكن أن يكون هناك بغيٌ بحق، لأن البغي هو بغي، لأنه يوصف دائماً بأنه بغير الحق ولذا قال بعض العلماء إنما قُيّد هنا والبغي بغير الحق من أن الإنسان إذا انتصر لنفسه يطلق عليه أنه بغي لكن يقال: الله عز وجل قال: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعدَ ظُلمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيهِم مِن سَبيلٍ﴾ (الشورى: ٤١ ) فدل هذا على ما ذكرناه من أن البغي هو بغيٌ بغير حق في جميع أحواله ﴿وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ أي لم ينزل به لكم حجة على هذا الأمر وقال مقيِّدًا بالسلطان لأنه لا يمكن أن يأتي هؤلاء لا بدليل عقلي ولا بدليل شرعي على جواز الشرك بالله عز وجل ﴿وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ ختم الآية هنا بأن المحرم أيضًا أن تقولوا على الله ما لا تعلمون وكل ما اُفتُرِيَ على الله عز وجل من الإفتاء بعدم الدليل أو بالباطل أو من أن الله حرَّم كذا أو أباح كذا فإنه داخل ضمن هذه الآية ﴿ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ ولذا ذكر العلماء من أن الله عز وجل جمع بين الشرك بالله عز وجل وبين الفُتيا بغير علم جمع بينهما كما في هذا السياق مما يدل على خطورة الفُتيا بغير علم ﴿ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
___________________________
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾ (الأعراف: ٣٤ )
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ لكل ﴿أُمَّةٍ﴾ جماعة ﴿أَجَلٌ﴾ بمعنى أن هؤلاء يتركون هذه الدنيا فعلى الإنسان أن يقدم لنفسه العمل الصالح ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون يعني من أنهم لا يستأخرون أي يمهلون عند نزول الموت ونزول الأجل لا يمهلون ولا يتركون ولو ساعة والساعة هنا ليس المقصود الساعة التي عندنا من أنها ستون دقيقة فإنها لا تُعْرَف في عصر النبي ﷺ وإنما هو مطلق الوقت سواء كان الوقت طويلًا أو كان الوقت قصيرًا ويعرف حال هذه الساعة في النصوص الشرعية من الطول من القِصَر حسب السياق فهنا يدل على أن هؤلاء لا يُمهلون أدنى إمهال ولا يُسبق أجلهم أدنى ما يكون من الوقت.