التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأعراف من الآية (35) إلى (54) الدرس (105)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأعراف من الآية (35) إلى (54) الدرس (105)

مشاهدات: 539

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الأعراف

الآيات ( 35 ـ 54 )

الدرس ( 105 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

﴿يا بَني آدَمَ إِمّا يَأتِيَنَّكُم رُسُلٌ مِنكُم يَقُصّونَ عَلَيكُم آياتي فَمَنِ اتَّقى وَأَصلَحَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ﴾  (الأعراف: ٣٥)

 

قوله تعالى؛ ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

يا بني آدم هنا نداء أيضًا لبني آدم، في سورة الأنعام﴿يا مَعشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ﴾  (الأنعام: ١٣٠)  لأن الخطاب هناك كان للإنس وللجن، هنا السياق لبني آدم وتأملوا النداءات السابقة فقال هنا  ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا﴾  إن شرطية وما زائدة، هذه هي القاعدة هنا.

﴿إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ أي يُفَصِّلُون ويخبرون بآياتي ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾

﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ﴾ فمن اتقى الله عز وجل وأصلح في قوله وفي عمله وفي اعتقاده  ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

 

 فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا يصيبهم خوف على ما يستقبلونه ولا يحزنون على ما مضى، ومر تفسير لهذا في سورة البقرة فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

 

 

___________________________

 

﴿وَالَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَاستَكبَروا عَنها أُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ﴾  (الأعراف: ٣٦)

 

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا﴾

كذبوا بآيات الله عز وجل، لما أتت الرسل وقصّت على هؤلاء هذه الآيات، ومع هذا التكذيب جمعوا معه الاستكبار وهو الكبر

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا﴾ يعني: لم يعملوا بها ﴿ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

 ومر معنا تفسير لقوله تعالى: ﴿أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ﴾  (البقرة: ٣٩) كما في سورة البقرة .

 

___________________________

 

﴿فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُم نَصيبُهُم مِنَ الكِتابِ حَتّى إِذا جاءَتهُم رُسُلُنا يَتَوَفَّونَهُم قالوا أَينَ ما كُنتُم تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ قالوا ضَلّوا عَنّا وَشَهِدوا عَلى أَنفُسِهِم أَنَّهُم كانوا كافِرينَ﴾  (الأعراف: ٣٧)

 

﴿ فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾  أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا وذلك بأن يحرم ما أحل الله أو أن يحل ما حرم الله، فقال هنا : ﴿ فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾  وهذا يقرر ما ذكره  عزوجل سابقًا ﴿وَأَن تَقولوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾  (الأعراف: ٣٣)  لما ذكر أنه محرم ذكر هنا أنه من أعظم الظلم ﴿ فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِآياتِهِ ﴾ أو كذب بآياته بمعنى أن هؤلاء كذبوا بآيات الله عز وجل التي أتت الرسل بها ﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ﴾  (الأعراف: ٣٥)

  فقال هنا : ﴿ فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُم نَصيبُهُم مِنَ الكِتابِ ﴾ أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب: أي من اللوح المحفوظ، مما قدره الله عز وجل عليهم، فإن كل شخص سيكون له ما قدره الله عز وجل عليه من خير أو شر مما كتبه عز وجل في اللوح المحفوظ.

وبعض العلماء يقول: الكتاب هنا هو القرآن، لأن القرآن أتى بذكر الثواب للمتقين، وأتى بذكر العذاب للكافرين، ولا تناقض بينهما لأن القرآن في اللوح المحفوظ، كما قال عز وجل:  ﴿بَل هُوَ قُرآنٌ مَجيدٌ – في لَوحٍ مَحفوظٍ﴾  (البروج: ٢١-٢٢)

 ﴿ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ﴾

إذا أتت الملائكة لقبض أرواحهم قال عز وجل: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ ﴾ سواء دعاء مسألة أو دعاء عبادة ﴿ قالوا أَينَ ما كُنتُم تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ قالوا ضَلّوا عَنّا ﴾ أي: غابوا عنا ﴿ وَشَهِدوا عَلى أَنفُسِهِم أَنَّهُم كانوا كافِرينَ ﴾ أي شهدوا على أنفسهم بالكفر، وتأمل هنا في سورة الأعراف شهدوا على أنفسهم بالكفر حال الموت، وكذلك سيشهدون على أنفسهم بالكفر في يوم القيامة.

﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ﴾ في سورة الأنعام مر معنا ﴿يا مَعشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَلَم يَأتِكُم رُسُلٌ مِنكُم يَقُصّونَ عَلَيكُم آياتي وَيُنذِرونَكُم لِقاءَ يَومِكُم هذا قالوا شَهِدنا عَلى أَنفُسِنا وَغَرَّتهُمُ الحَياةُ الدُّنيا وَشَهِدوا عَلى أَنفُسِهِم أَنَّهُم كانوا كافِرينَ﴾  (الأنعام: ١٣٠)

ومن ثم فإن على المسلم عليه أن يتدبر القرآن، فهنا بعض الناس قد يظن أن الشهادة بالكفر تكون فقط في يوم القيامة، قال هنا :  ﴿ وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴾  عند معاينة الموت.

 

___________________________

 

﴿قالَ ادخُلوا في أُمَمٍ قَد خَلَت مِن قَبلِكُم مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ فِي النّارِ كُلَّما دَخَلَت أُمَّةٌ لَعَنَت أُختَها حَتّى إِذَا ادّارَكوا فيها جَميعًا قالَت أُخراهُم لِأولاهُم رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلّونا فَآتِهِم عَذابًا ضِعفًا مِنَ النّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعفٌ وَلكِن لا تَعلَمونَ﴾  (الأعراف: ٣٨)

﴿ قالَ ادخُلوا في أُمَمٍ ﴾ ادخلوا في أمم أي: في جملة أمم ﴿ قَد خَلَت ﴾ أي مضت ﴿ مِن قَبلِكُم مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ ﴾ من الجن والإنس فهناك من الجن والإنس ممن مضى هم كفروا بالله عز وجل فكان هذا المصير مصيرًا لهم، ولعل تقديم الجن على الإنس هنا والعلم عند الله باعتبار أن هؤلاء الجن مع أن لديهم من القوة ما لديهم ومع ذلك فإنهم يُقَدَّمون في هذا العذاب، ثم والعلم عند الله أيضًا باعتبار ما ذكره الله عز وجل في نفس السورة ﴿ إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ ﴾  باعتبار أن الشياطين أضلت الإنس.

﴿ قالَ ادخُلوا في أُمَمٍ قَد خَلَت مِن قَبلِكُم مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ فِي النّارِ كُلَّما دَخَلَت أُمَّةٌ ﴾ أي: جماعة ﴿ لَعَنَت أُختَها﴾ التي هي أختها في الدنيا، أختها في موافقتها على الضلال وعلى الكفر ولذا قال تعالى: ﴿ كُلَّما أُلقِيَ فيها فَوجٌ سَأَلَهُم خَزَنَتُها أَلَم يَأتِكُم نَذيرٌ –  قالوا بَلى قَد جاءَنا نَذيرٌ فَكَذَّبنا وَقُلنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيءٍ إِن أَنتُم إِلّا في ضَلالٍ كَبيرٍ﴾  (الملك: ٨-٩) الآية، قال هنا: ﴿ كُلَّما دَخَلَت أُمَّةٌ لَعَنَت أُختَها حَتّى إِذَا ادّارَكوا فيها جَميعًا ﴾

 أي: تلاحقوا واجتمعوا فيها جميعًا ﴿ حَتّى إِذَا ادّارَكوا فيها جَميعًا قالَت أُخراهُم لِأولاهُم ﴾ هي لم تقل الأخرى للأولى وإنما المقصود ﴿ قالَت أُخراهُم لِأولاهُم ﴾ أي: في حق أولاهم؛ اللام هنا للتعليل من باب أن يقولوا لله عز وجل: هؤلاء الذين سبقونا وأضلونا، صدر منهم ما صدر ﴿ قالَت أُخراهُم لِأولاهُم ﴾ أي: في حق وفي شأن أولاهم ﴿ قالَت أُخراهُم لِأولاهُم رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلّونا فَآتِهِم عَذابًا ضِعفًا مِنَ النّارِ ﴾ أي: ضعِّف لهم العذاب ﴿ قالَ لِكُلٍّ ضِعفٌ ﴾  لكلٍ منكم ضعف ﴿ وَلكِن لا تَعلَمونَ ﴾ فقال هنا: ﴿ قالَ لِكُلٍّ ضِعفٌ ﴾ أي مضعَّف من العذاب ﴿ وَلكِن لا تَعلَمونَ ﴾ .

 

___________________________

 

﴿وَقالَت أولاهُم لِأُخراهُم فَما كانَ لَكُم عَلَينا مِن فَضلٍ فَذوقُوا العَذابَ بِما كُنتُم تَكسِبونَ﴾  (الأعراف: ٣٩)

 

﴿ وَقالَت أولاهُم لِأُخراهُم فَما كانَ لَكُم عَلَينا مِن فَضلٍ ﴾  ليس لكم فضل فإنما أنتم كفرتم بسبب أنكم طغاة ﴿قالوا إِنَّكُم كُنتُم تَأتونَنا عَنِ اليَمينِ – قالوا بَل لَم تَكونوا مُؤمِنينَ – وَما كانَ لَنا عَلَيكُم مِن سُلطانٍ بَل كُنتُم قَومًا طاغينَ﴾  (الصافات: ٢٨-٣٠)  والآيات في مثل هذا المعنى كثيرة سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى .

﴿ وَقالَت أولاهُم لِأُخراهُم فَما كانَ لَكُم عَلَينا مِن فَضلٍ فَذوقُوا العَذابَ ﴾ كما نذوقه نحن ﴿ بِما كُنتُم تَكسِبونَ ﴾

 

 أي بسبب أعمالكم ﴿ بِما كُنتُم تَكسِبونَ ﴾

 

___________________________

 

﴿إِنَّ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَاستَكبَروا عَنها لا تُفَتَّحُ لَهُم أَبوابُ السَّماءِ وَلا يَدخُلونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ وَكَذلِكَ نَجزِي المُجرِمينَ﴾  (الأعراف: ٤٠)

 

﴿ إِنَّ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَاستَكبَروا عَنها ﴾ هنا لما ذكر عز وجل ما يتعلق بحال هؤلاء في يوم القيامة ذكر هنا ما يتعلق بحال هؤلاء عند الموت ﴿ إِنَّ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَاستَكبَروا عَنها لا تُفَتَّحُ لَهُم أَبوابُ السَّماءِ ﴾أي: لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم كما ثبت ذلك في الحديث الطويل حديث البراء المعروف، وقال بعض العلماء ﴿ لا تُفَتَّحُ لَهُم أَبوابُ السَّماءِ ﴾ أي: أن أعمالهم لا تصعد إلى السماء، وهذا وإن كان داخلًا لكن الحديث فسر هذه الآية ﴿ لا تُفَتَّحُ لَهُم أَبوابُ السَّماءِ ﴾  وهذا يدل على أن السماء لها أبواب، وجاء بذلك الحديث كما في قصة الإسراء والمعراج ﴿ لا تُفَتَّحُ لَهُم أَبوابُ السَّماءِ وَلا يَدخُلونَ الجَنَّةَ ﴾ هذا من باب الاستحالة يستحيل أن يدخل هؤلاء الجنة كاستحالة دخول الجمل في ثقب الإبرة ﴿ وَلا يَدخُلونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ ﴾ أي: يدخل، والولوج هو الدخول بشدة  ﴿ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ ﴾  أي: في ثقب الإبرة ﴿ في سَمِّ الخِياطِ ﴾ ﴿ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ ﴾ وهذا هو أكثر ما عليه المفسرون، وهناك قول لبعض المفسرين يقول: إن الجمل هنا ليس المقصود هو الحيوان، وإنما المقصود منه هو الحبل لقراءة الجُمَّل، لقراءة هناك الجُمَّل،  قالوا إن الحبل لا يدخل في ثقب الإبرة إنما الذي يدخل هو الخيط فهذا هو المستحيل، في استحالة دخول هؤلاء الجنة كما يستحيل أن يدخل الجمل، وذُكِر الجمل لأنه علامة على الكِبر وذُكِر ثقب الإبرة باعتبار أنها أصغر الأشياء وهذا القول وإن كان لا يعارض القول الأول لكن القول الأول هو الأشهر والأكثر، ولذا بعض الناس حصر معنى الآية في القول الذي عليه القلّة وهو أن الجمل هنا هو حبل السفينة وأنه لا يدخل في ثقب الإبرة، قال هنا: ﴿ وَلا يَدخُلونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ ﴾ هذا تيئيس لهم من أنه يستحيل أن يدخلوا الجنة حتى يدخل الجمل في ثقب الإبرة ﴿ وَكَذلِكَ نَجزِي المُجرِمينَ ﴾

أي : هذا جزاء كل مجرم توغل في الإجرام فكان حاله كحال هؤلاء، قال هنا:

___________________________

 

﴿لَهُم مِن جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِن فَوقِهِم غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجزِي الظّالِمينَ﴾  (الأعراف: ٤١)

 ﴿ لَهُم مِن جَهَنَّمَ مِهادٌ ﴾ أي: فراش ﴿ وَمِن فَوقِهِم غَواشٍ ﴾ أي: غطاء.

 إذاً: كما قال تعالى:﴿لَهُم مِن فَوقِهِم ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَمِن تَحتِهِم ظُلَلٌ﴾  (الزمر: ١٦)

لأن الغواش هو الشيء الذي يغطي ، قال هنا : ﴿ لَهُم مِن جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِن فَوقِهِم غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجزِي الظّالِمينَ ﴾ أيضًا هذا جزاء من توغل في الظلم وأعظم الظلم الكفر والشرك بالله عز وجل.

 

___________________________

 

﴿وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها أُولئِكَ أَصحابُ الجَنَّةِ هُم فيها خالِدونَ﴾  (الأعراف: ٤٢)

 

﴿ وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها﴾ لما ذكر حال هؤلاء الذين كذبوا بالآيات واستكبروا عنها ذكر حال من تواضع فأطاع الله عز وجل فقال عز وجل:  ﴿ وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها ﴾ يعني ما أتوا به من الأعمال الصالحة هي أعمال في طاقتهم، وفي قدرتهم، إذًا ليست صعبة، فدل هذا أن أولئك ما أعرضوا عن العمل الصالح إلا لأنهم قوم سوء وقومٌ مجرمون.

﴿ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها ﴾ ومر معنا هل الشرع يطلق عليه تكليف أو لا؟ عند قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها ﴾  (البقرة: ٢٣٣) لا نكلف نفساً إلا وسعها: ما جزاؤهم؟ ﴿ أُولئِكَ أَصحابُ الجَنَّةِ هُم فيها خالِدونَ ﴾ أي: ماكثون.

ومر معنا تفسير هذه في سورة البقرة.

 

___________________________

 

﴿وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ وَقالُوا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّهُ لَقَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ وَنودوا أَن تِلكُمُ الجَنَّةُ أورِثتُموها بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾  (الأعراف: ٤٣)

 

﴿ وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ ﴾

ونزعنا أي: أخذنا وقلعنا من صدور هؤلاء أهل الإيمان في الجنة الغل، ولذا ثبت الحديث عنه ﷺ من أن أهل الجنة إذا جاوزوا الصراط يُحبَسُون على قنطرة فيُقتصُّ من بعضهم لبعضٍ من مظالم كانت بينهم في الحياة الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم بدخول الجنة لأن الجنة ليس بها غل. سبحان الله ! لماذا قال هنا ﴿ مِن غِلٍّ ﴾؟

 من باب التذكير بماذا ؟ من أن أولئك ﴿ قالَت أُخراهُم لِأولاهُم ﴾، ﴿ وَقالَت أولاهُم لِأُخراهُم ﴾ في قلوبهم غل لبعضهم البعض فكل طائفة ممن كان: من الرؤساء، من المتبوعين أو الأتباع كل منهم في قلبه غل على الآخر، لكن أهل الجنة لا غل ولا تباغض بينهم فقال هنا: ﴿ وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ ﴾

وفي آية أخرى : ﴿ وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ إِخوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ ﴾  إذًا نُزِع الغل وهم إخوان وعلى سرر متقابلين ، قال هنا: ﴿ وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ ﴾ دل على ماذا؟ على أنه لما نزع الغل فأصبحوا أخوانًا.

هنا أتى ما يُمتع ظواهرهم لأن البواطن إذا نزع منها الغل ماذا ؟ اطمأنت القلوب وتنعمت البواطن، ﴿ وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ وَقالُوا الحَمدُ لِلَّهِ ﴾ حمدوا الله ﴿ وَقالُوا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّهُ ﴾ حمدوا الله عز وجل على أن هداهم للإيمان في الدنيا فأوصلهم الله عز وجل إلى هذا النعيم، وهذا فيه رد على القدرية الذين يقولون إن الهداية يخلقها العبد بنفسه، قالوا هنا: ﴿ وَقالُوا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّهُ ﴾ استسلام لله عز وجل ﴿ وَقالُوا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّهُ لَقَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ ﴾

﴿ يَا بَنِي آدَمَ ﴾ في الآيات السابقات﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙفَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (الأعراف: ٣٥)

هنا ماذا قال عز وجل عن هؤلاء ﴿ لَقَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ ﴾

﴿ وَنودوا﴾ نودي أهل الجنة ﴿ وَنودوا أَن تِلكُمُ الجَنَّةُ أورِثتُموها بِما كُنتُم تَعمَلونَ ﴾ أي : بسبب عملكم فالله جل وعلا جعل العمل سببًا وإلا فقد قال ﷺ كما في الصحيح ( اعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) فالباء التي في الحديث؛ باء المعاوضة يعني لا يمكن أن يكون العمل الصالح عوضًا عن الجنة

 

” أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ “

  لكن بفضل منه عز وجل جعل العمل سببًا لدخول الجنة، قال : ﴿ أورِثتُموها بِما كُنتُم تَعمَلونَ ﴾ كما قال تعالى : ﴿ أُولئِكَ هُمُ الوارِثونَ – الَّذينَ يَرِثونَ الفِردَوسَ هُم فيها خالِدونَ ﴾ (المؤمنون: ١٠-١١)

 

___________________________

 

﴿وَنادى أَصحابُ الجَنَّةِ أَصحابَ النّارِ أَن قَد وَجَدنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَل وَجَدتُم ما وَعَدَ رَبُّكُم حَقًّا قالوا نَعَم فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَينَهُم أَن لَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الظّالِمينَ﴾  (الأعراف: ٤٤)

 

﴿ وَنادى أَصحابُ الجَنَّةِ أَصحابَ النّارِ ﴾

هنا لما نودي أهل الجنة بذلكم النداء؛

أهل الجنة نادوا أهل النار من باب التبكيت والتحقير لهم ﴿ وَنادى أَصحابُ الجَنَّةِ أَصحابَ النّارِ أَن قَد وَجَدنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا ﴾ أي بما أخبر به في الدنيا كما قال عز وجل عنهم في الآية السابقة ﴿ لَقَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ ﴾  (الأعراف: ٤٣)

 

  ﴿ فَهَل وَجَدتُم ما وَعَدَ رَبُّكُم حَقًّا قالوا نَعَم ﴾ اعترفوا لكن لا ينفع الندم ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ﴾ أي أخبر وأعلم مؤذن ﴿ بَينَهُم أَن لَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الظّالِمينَ ﴾ من هم ؟

 

___________________________

 

﴿الَّذينَ يَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَيَبغونَها عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كافِرونَ﴾  (الأعراف: ٤٥)

 

﴿ الَّذينَ يَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَيَبغونَها عِوَجًا﴾ فهم صَدَّوا عن السبيل وصَدُّوا غيرهم عن السبيل ؛ عن طريق الله ﴿ وَيَبغونَها عِوَجًا﴾ يبغون هذه الطريق طريق الله عز وجل يبغونها عوجًا أي: معوجة وهو الصراط المستقيم ﴿ الَّذينَ يَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَيَبغونَها عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كافِرونَ ﴾ أي: مع هذا الصدود هم كفروا بالله عز وجل.

 

___________________________

 

﴿وَبَينَهُما حِجابٌ وَعَلَى الأَعرافِ رِجالٌ يَعرِفونَ كُلًّا بِسيماهُم وَنادَوا أَصحابَ الجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيكُم لَم يَدخُلوها وَهُم يَطمَعونَ﴾  (الأعراف: ٤٦)

﴿ وَبَينَهُما حِجابٌ ﴾ وبينهما أي: بين أهل الجنة وأهل النار حجاب، قال بعض العلماء هو السور الذي ذكره الله عز وجل ﴿ فَضُرِبَ بَينَهُم بِسورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فيهِ الرَّحمَةُ وَظاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذابُ ﴾  (الحديد: ١٣)

 ﴿ وَبَينَهُما حِجابٌ وَعَلَى الأَعرافِ رِجالٌ ﴾ وعلى هذا السور وعلى أعلاه لأنه مأخوذ من عرف الديك لارتفاعه، هم على هذا السور هؤلاء الأعراف، وهؤلاء الأعراف اختلف العلماء فيهم على أقوال كثيرة، الأثار تدل على أنهم قوم استوت حسانتهم وسيئاتهم فلم يدخلوا الجنة ولم يدخلوا النار فاستوت حسناتهم وسيئاتهم ومصيرهم إلى الجنة كما سيأتي بيان ذلك ﴿ وَعَلَى الأَعرافِ رِجالٌ يَعرِفونَ كُلًّا بِسيماهُم ﴾

 يعرفون كلاً بسيماهم: يعرفون سيما وعلامات أهل النار بالسواد والكآبة أو أنهم يعرفونهم من حيث الصور التي كانوا يعرفونها بالدنيا.

وأهل الجنة يُعرفُون ببياض الوجوه قال: ﴿ يَعرِفونَ كُلًّا بِسيماهُم وَنادَوا ﴾ أي: أصحاب الأعراف ﴿ وَنادَوا أَصحابَ الجَنَّةِ ﴾ أصحاب الأعراف نادوا أصحاب الجنة ﴿ وَنادَوا أَصحابَ الجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيكُم ﴾   سلموا على أهل الجنة ﴿ سَلامٌ عَلَيكُم لَم يَدخُلوها وَهُم يَطمَعونَ ﴾ أي: لم يدخلوها الأظهر ﴿ لَم يَدخُلوها ﴾: السياق يعود إلى أصحاب الأعراف وهو أرجح من قول من يقول يعود إلى أهل الجنة؛ لأن أهل الجنة قد دخلوها للآيات السابقات فقال هنا: ﴿ لَم يَدخُلوها وَهُم يَطمَعونَ ﴾ يعني أصحاب الأعراف يطمعون في دخول الجنة ولذا قال العلماء ما أطمع الله عز وجل هؤلاء إلا لأنه سيدخلهم الجنة وقوله عز وجل ﴿ وَعَلَى الأَعرافِ رِجالٌ ﴾  لم أرَ أحدًا حسب علمي من أنه تحدث عن كلمة رجال هل النساء لم يذكرن هنا والذي على المسلم أن يأخذ بظاهر النص فالمتحدثون هنا هم الرجال، قد يكون من بينهم نساء والله أعلم بذلك فيكون المتحدث من الرجال والنساء يدخلن في ذلك من باب التغليب فالله أعلم بحقيقة الحال، فقال هنا بعدها:

 

___________________________

 

﴿وَإِذا صُرِفَت أَبصارُهُم تِلقاءَ أَصحابِ النّارِ قالوا رَبَّنا لا تَجعَلنا مَعَ القَومِ الظّالِمينَ﴾  (الأعراف: ٤٧)

 

﴿ وَإِذا صُرِفَت أَبصارُهُم ﴾ وإذا صُرفت: دل هذا على أن هناك شيء يصرفهم، يعني أصحاب الأعراف يصرفهم أن ينظروا إلى أصحاب النار ﴿ وَإِذا صُرِفَت أَبصارُهُم تِلقاءَ أَصحابِ النّارِ قالوا رَبَّنا لا تَجعَلنا مَعَ القَومِ الظّالِمينَ ﴾ لأنهم رأوا هذا العذاب ورأوا هؤلاء أهل النار ﴿ قالوا رَبَّنا لا تَجعَلنا مَعَ القَومِ الظّالِمينَ ﴾ ووصفوهم بالظلم لأنه مر في الآيات السابقات ﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَينَهُم أَن لَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الظّالِمينَ ﴾  (الأعراف: ٤٤)

﴿ قالوا رَبَّنا لا تَجعَلنا مَعَ القَومِ الظّالِمينَ ﴾

 

___________________________

 

﴿وَنادى أَصحابُ الأَعرافِ رِجالًا يَعرِفونَهُم بِسيماهُم قالوا ما أَغنى عَنكُم جَمعُكُم وَما كُنتُم تَستَكبِرونَ﴾  (الأعراف: ٤٨)

 

﴿ وَنادى أَصحابُ الأَعرافِ رِجالًا يَعرِفونَهُم بِسيماهُم ﴾ أهل الأعراف: أصحاب الأعراف، نادوا أشخاصًا في النار ﴿ وَنادى أَصحابُ الأَعرافِ رِجالًا يَعرِفونَهُم بِسيماهُم ﴾  أي : بعلاماتٍ لهم  ﴿ قالوا ﴾ أي: أصحاب الأعراف لهؤلاء ﴿ ما أَغنى عَنكُم جَمعُكُم وَما كُنتُم تَستَكبِرونَ ﴾ الجمع الذي كنتم تجمعونه من الدنيا وتجمعونه من الجنود، ومن الأعوان  وأيضًا ذلكم الاستكبار منكم ﴿ ما أَغنى عَنكُم جَمعُكُم وَما كُنتُم تَستَكبِرونَ ﴾ وهذا هو حال من لم يأخذ بهذا الدين فإن مآله إلى الخسران ولذا قال عز وجل فيما يتعلق بأمر الدنيا ﴿ سَيُهزَمُ الجَمعُ وَيُوَلّونَ الدُّبُرَ ﴾  (القمر: ٤٥)  وقال تعالى : ﴿ ما أَغنى عَنهُ مالُهُ وَما كَسَبَ ﴾  (المسد: ٢)  قالوا هنا لهؤلاء ﴿ ما أَغنى عَنكُم جَمعُكُم وَما كُنتُم تَستَكبِرونَ ﴾ 

 

___________________________

 

﴿أَهؤُلاءِ الَّذينَ أَقسَمتُم لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحمَةٍ ادخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوفٌ عَلَيكُم وَلا أَنتُم تَحزَنونَ﴾  (الأعراف: ٤٩)

 

﴿ أَهؤُلاءِ الَّذينَ أَقسَمتُم ﴾ أي : حلفتم

﴿ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحمَةٍ ﴾ أنتم يا هؤلاء الكفار تقولون لهؤلاء الذين دخلوا في الجنة تقولون إنكم لن تدخلوا الجنة فلستم تفضلوننا في الدنيا بمال ولا بجاه فيقول أهل الأعراف وأصحاب الأعراف لأهل النار ﴿ أَهؤُلاءِ الَّذينَ أَقسَمتُم ﴾ أي : حلفتم في الدنيا من أنهم لن يدخلوا الجنة ﴿ أَهؤُلاءِ الَّذينَ أَقسَمتُم لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحمَةٍ ادخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوفٌ عَلَيكُم وَلا أَنتُم تَحزَنونَ ﴾ ومن ثم قال بعض العلماء إن قوله ﴿ ادخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوفٌ عَلَيكُم وَلا أَنتُم تَحزَنونَ ﴾ قالوا: يعود إلى أصحاب الأعراف لأن أهل النار يقولون لأصحاب الأعراف يقولون أنكم لم تدخلوا كهؤلاء الجنة فتقول الملائكة لأصحاب الأعراف ﴿ ادخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوفٌ عَلَيكُم وَلا أَنتُم تَحزَنونَ﴾

 

___________________________

 

﴿وَنادى أَصحابُ النّارِ أَصحابَ الجَنَّةِ أَن أَفيضوا عَلَينا مِنَ الماءِ أَو مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الكافِرينَ﴾  (الأعراف: ٥٠)

 

﴿ وَنادى أَصحابُ النّارِ أَصحابَ الجَنَّةِ أَن أَفيضوا عَلَينا مِنَ الماءِ ﴾ أي: أعطونا. والإفاضة تدل على السيلان فَهُم بحاجة إلى الماء وقدموا الماء لأنهم يشربون الحميم ولأن حاجة الإنسان إلى الماء أكثر من حاجته إلى الطعام ﴿ أَن أَفيضوا عَلَينا مِنَ الماءِ أَو مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ قال المفسرون ﴿ مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ يعني : الطعام، قلت لعل هذا التفسير اتضح من كلمة الماء السابقة ﴿ أَو مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ وهذا يدل على أن ابن آدم لا غنى له عن الطعام والشراب حتى إن أهل النار يريدون الماء ويريدون الطعام ﴿ قالوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الكافِرينَ ﴾ حرم الماء وهذا الرزق على الكافرين وأنتم من الكافرين، والتحريم هنا تحريم شرعي أم تحريم قدري؟ تحريم قدري، فأهل النار لا يذوقون هذا الماء ولا هذا الطعام، إذًا في هذه السورة اجتمع التحريمان، التحريم الشرعي ﴿ قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ﴾  (الأعراف: ٣٣)

والتحريم القدري الكوني هنا وهو المذكور هنا ﴿ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الكافِرينَ ﴾

 

___________________________

﴿الَّذينَ اتَّخَذوا دينَهُم لَهوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتهُمُ الحَياةُ الدُّنيا فَاليَومَ نَنساهُم كَما نَسوا لِقاءَ يَومِهِم هذا وَما كانوا بِآياتِنا يَجحَدونَ﴾  (الأعراف: ٥١)

 

 

﴿ الَّذينَ اتَّخَذوا دينَهُم لَهوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتهُمُ الحَياةُ الدُّنيا ﴾ هذه الآية مرت معنا في سورة الأنعام ﴿ وَذَرِ الَّذينَ اتَّخَذوا دينَهُم لَعِبًا وَلَهوًا ﴾ (الأنعام: ٧٠) وبعض أهل العلم لم يتحدث في سبب تقديم اللعب على اللهو فيما أعلم فيما اطلعت عليه، لم أرَ من تحدث عن هذا فقال بعضهم: هذا من باب تنويع الأسلوب، لكن الذي يظهر لي والعلم عند الله أنه في آية الأنعام ﴿ وَذَرِ الَّذينَ اتَّخَذوا دينَهُم لَعِبًا وَلَهوًا﴾  (الأنعام: ٧٠)  لأن الأصل في نشأة ابن آدم هو اللعب ثم اللهو، ولذلك اللعب يكون عند الأطفال، واللهو يكون أكثر عند الكبار لأن اللهو يتعلق بالقلب، وأما بالنسبة إلى اللعب فيتعلق بالجوارح، لكن هنا والعلم عند الله قدم اللهو على اللعب لأن هؤلاء في عذاب فلا يمكن أن يكون هناك ما يصرف قلوبهم عن هذا العذاب، فما وقعوا فيه بسبب اللهو، هذا اللهو الذي أوقعهم في الدنيا فإنهم لا يتلهون عن هذا العذاب يوم القيامة، فقال هنا: ﴿ الَّذينَ اتَّخَذوا دينَهُم لَهوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتهُمُ الحَياةُ الدُّنيا فَاليَومَ نَنساهُم كَما نَسوا لِقاءَ يَومِهِم هذا ﴾  ﴿ فَاليَومَ نَنساهُم ﴾ ننساهم قال هنا: ننساهم والله عز وجل عالم بكل شيء ولا يغيب عنه شيء، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه وقال غيره من السلف ﴿ فَاليَومَ نَنساهُم ﴾  أي: نتركهم؛الجزاء من جنس العمل، كما تركوا الدين تركهم الله عز وجل في النار، وليس المقصود من النسيان هنا هو المعنى الآخر الذي هو الذهول ولذا قال عز وجل ﴿ في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبّي وَلا يَنسَى﴾ (طه: ٥٢)

 

 ﴿ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾  (مريم: ٦٤)  فالآية هنا كالآية في قوله تعالى ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم ﴾  (التوبة: ٦٧)  فقال هنا : ﴿ فَاليَومَ نَنساهُم كَما نَسوا لِقاءَ يَومِهِم هذا وَما كانوا بِآياتِنا يَجحَدونَ ﴾ هم تركوا الدين وأيضًا مع هذا كانوا بهذه الآيات يجحدونها وينكرونها ﴿ وَما كانوا بِآياتِنا يَجحَدونَ ﴾ .

 

___________________________

﴿وَلَقَد جِئناهُم بِكِتابٍ فَصَّلناهُ عَلى عِلمٍ هُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾  (الأعراف: ٥٢)

 

﴿ وَلَقَد جِئناهُم بِكِتابٍ فَصَّلناهُ عَلى عِلمٍ ﴾ أتيناهم بهذا القرآن وفصلناه على علم مفصل بعلم من الله عز وجل دل على أن الله عز وجل أقام الحجة عليهم وذكر هنا ﴿ وَلَقَد جِئناهُم بِكِتابٍ فَصَّلناهُ عَلى عِلمٍ ﴾ في أول السورة ماذا قال عز وجل ؟ ﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيهِم بِعِلمٍ وَما كُنّا غائِبينَ ﴾ (الأعراف: ٧)  فأتاهم العلم في الدنيا وهو ما أتى عليه هذا القرآن فإذا أهلكوا، الله عز وجل سيريهم حقيقة ما كانوا يُنكرونه.

﴿ وَلَقَد جِئناهُم بِكِتابٍ فَصَّلناهُ عَلى عِلمٍ هُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ ﴾ هو ﴿ هُدًى وَرَحمَةً ﴾ لكن ﴿ لِقَومٍ يُؤمِنونَ ﴾  خصهم لأنهم هم الذين انتفعوا بذلك.

 

___________________________

 

﴿هَل يَنظُرونَ إِلّا تَأويلَهُ يَومَ يَأتي تَأويلُهُ يَقولُ الَّذينَ نَسوهُ مِن قَبلُ قَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ فَهَل لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشفَعوا لَنا أَو نُرَدُّ فَنَعمَلَ غَيرَ الَّذي كُنّا نَعمَلُ قَد خَسِروا أَنفُسَهُم وَضَلَّ عَنهُم ما كانوا يَفتَرونَ﴾  (الأعراف: ٥٣)

 

﴿ هَل يَنظُرونَ إِلّا تَأويلَهُ ﴾ سبحان الله ! لما ذكر ما يتعلق بما يجري لهم في يوم القيامة هنا عاد الأسلوب فذكَّرهم من باب أن يتنبهوا من أنهم مازالوا في الدنيا، فتنبهوا !

﴿ هَل يَنظُرونَ إِلّا تَأويلَهُ ﴾ هم في الحقيقة ما ينتظرون تأويل وعاقبة ما أخبر به هذا القرآن الذي أتاهم ﴿ وَلَقَد جِئناهُم بِكِتابٍ فَصَّلناهُ عَلى عِلمٍ ﴾  (الأعراف: ٥٢)

هم ما ينتظرون ولكن بما أنه واقع لا محالة فجعلهم بمثابة المنتظر وإلا فإنهم يجحدون كما في الآية السابقة ﴿ وَما كانوا بِآياتِنا يَجحَدونَ ﴾  (الأعراف: ٥١)  أي: بجحودهم لآياتنا قال هنا : ﴿ هَل يَنظُرونَ إِلّا تَأويلَهُ ﴾  التأويل هنا بمعنى عاقبة الشيء والتأويل يطلق على التفسير كما مر معنا في قوله تعالى ﴿ وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾  (آل عمران: ٧) قال هنا: ﴿ هَل يَنظُرونَ إِلّا تَأويلَهُ ﴾ أي : عاقبة ما أخبر به هذا القرآن ﴿ يَومَ يَأتي تَأويلُهُ يَقولُ الَّذينَ نَسوهُ ﴾ من قبل في الدنيا ﴿ قَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ ﴾ اعتراف لا ينفع ﴿ فَهَل لَنا ﴾ استفهام تمني ﴿ فَهَل لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشفَعوا لَنا أَو نُرَدُّ فَنَعمَلَ غَيرَ الَّذي كُنّا نَعمَلُ﴾  إذًا لا نجاة لنا إلا أن تتحقق لنا هذا الأمنية إما شفعاء يشفعوا لنا، أو نعود إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل، وقد قال عز وجل كما ذكرنا في سورة الأنعام مفصلة عند قوله تعالى: ﴿ وَلَو رُدّوا لَعادوا لِما نُهوا عَنهُ وَإِنَّهُم لَكاذِبونَ ﴾  (الأنعام: ٢٨)

﴿ فَهَل لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشفَعوا لَنا ﴾ فيشفعوا فعل مضارع منصوب بعد باء السببية وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة لأنه مسبوق بالاستفهام ﴿ فَهَل لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشفَعوا لَنا أَو نُرَدُّ فَنَعمَلَ غَيرَ الَّذي كُنّا نَعمَلُ ﴾ ﴿ قَد خَسِروا﴾ أي : تحقق خسرانهم ﴿ قَد خَسِروا أَنفُسَهُم ﴾  خسروا أنفسهم لأن مصيرها إلى النار ﴿ قَد خَسِروا أَنفُسَهُم وَضَلَّ عَنهُم ما كانوا يَفتَرونَ ﴾ أي: غاب عنهم ما كانوا يفترونه من الكذب والافتراء من أن العاقبة الحسنى لهم في الآخرة إذا بعثوا.

 

___________________________

 

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ يَطلُبُهُ حَثيثًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمرِهِ أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ﴾  (الأعراف: ٥٤)

 

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ ﴾ سبحان الله! هنا لما ذكر ما يتعلق بيوم القيامة والتذكير لهؤلاء بيَّن هنا أن الذي يجب أن تُصرف له العبادة هو الرب الذي تقرون بأنه هو الرب، فهم يعترفون بأن الله هو الرب لكنهم لا يعبدونه، فهنا من باب الإلزام لهم أن من أقررتم بأنه الرب هو الخالق فيلزمكم أن تعبدوه ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ ﴾ ما الذي بعدها؟ ﴿ اللَّهُ ﴾ من باب ماذا؟ أن من اعترف بالرب عليه أن يعبده ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ﴾ خلقها في ستة أيام، هل هذه الأيام هي أيام الدنيا؟ هذا ظاهر السياق، أو أنها كأيام الآخرة واليوم كألف هذا قول آخر لكن لو قيل من أنها أيام الدنيا ليس هناك شمس ولا قمر، لأن أيام الدنيا ما أتت إلا بعد خلق السماوات والأرض فيكون الجواب هنا:  ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ﴾ أي: في مقدار ستة أيام، في مقدار ستة أيام من طلوع الشمس إلى غروب الشمس والله عز وجل قادر على أن يخلقها بكلمة كُن ولكنه كما قال العلماء: جعلها في ستة أيام ليُعلِّم عباده التأني والتثبت ﴿ في سِتَّةِ أَيّامٍ ﴾ ابتداءها من يوم الأحد وانتهاءها يوم الجمعة لأن آدم خُلق يوم الجمعة، واكتمل الخلق في يوم الجمعة وما جاء في حديث في صحيح مسلم ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ) والحديث بطوله …

بعض العلماء يقول هي أيام غير الأيام هذه لأنها في هذا الحديث سبعة أيام، وبعض العلماء قال إن هذا الحديث ليس مرفوعًا إلى النبي ﷺ وإنما أخذه أبو هريرة عن كعب الأحبار.

الشاهد من هذا قال عز وجل هنا: ﴿ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ ﴾ استوى استواء يليق بجلاله وبعظمته، استوى بمعنى علا وارتفع استواء يليق بجلاله وبعظمته وليس بمعنى استولى كما زعمه من زعم ولذا قالوا ﴿ عَلَى العَرشِ ﴾ قالوا هو المُلك، استولى على المُلك ويترتب على كلامهم هذا من أن الله عز وجل لم يكن لديه المُلك قبل خلق السماوات والأرض تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

إذًا: استوى استواء يليق بجلاله وبعظمته على العرش والعرش مَرّ معنى توضيحٌ مفصلًا في آية الكرسي كما في سورة البقرة ﴿ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ ﴾ قوله ثم استوى على العرش دل على أن الاستواء بعد خلق السماوات والأرض فيكون الاستواء من الصفات الفعلية منه عز وجل بخلاف العلو، العلو لله عز وجل من الصفات الذاتية، ومر معنى علو الصفة، وعلو الذات، وعلو القهر،

فالله عز وجل فوق السماوات والأرض هذا هو العلو يختلف عن الاستواء، والاستواء يدل على العلو لكن الاستواء من الصفات الفعلية والعلو من الصفات الذاتية، وسيأتي بيان إن شاء الله أكثر فيما يتعلق بهذه الصفات ومر منها شيئًا في آية الكرسي وفي غيرها.

﴿ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ ﴾ يغطي الليل النهار وأيضًا السياق يدل على أن النهار يأتي فيظهر نوره ﴿ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ يَطلُبُهُ حَثيثًا﴾ أي: سريعًا، يدل هذا على أن الليل يأتي بعد النهار مباشرة دون فاصل والعكس أيضًا، ولذا قال عز وجل ﴿ لَا الشَّمسُ يَنبَغي لَها أَن تُدرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحونَ ﴾  (يس: ٤٠) هذه دلائل على عظمة الله عز وجل، انتظام هذا الكون يدل على أن له ربًا وأن هناك إلهًا يجب أن تُخلص العبادة له عز وجل.

قال هنا ﴿ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ يَطلُبُهُ حَثيثًا ﴾ أي: سريعًا من الحث وهو الحض ﴿ يَطلُبُهُ حَثيثًا ﴾ ﴿ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمرِهِ ﴾ أي: وخلق الشمس والقمر والنجوم ولذا ماذا قال تعالى؟ ﴿ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كلٌ في فلك يسبحون ﴾  (الأنبياء: ٣٣) قال : ﴿ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمرِهِ ﴾ أي : حالة كونهن مذللات منقادات لأمر الله عز وجل، لا يمكن أن يتخلف من هؤلاء شيء عن شيء ولا يمكن أن يسبق شيء شيئًا ﴿ لَا الشَّمسُ يَنبَغي لَها أَن تُدرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحونَ ﴾  (يس: ٤٠)  فقال هنا: ﴿ مُسَخَّراتٍ بِأَمرِهِ أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ ﴾

 عز وجل له الخلق والأمر وعطف الأمر على الخلق من باب بيان أن الأمر ليس هو الخلق، ولذا في هذه الآية الرد على من يقول إن القرآن مخلوق؛ لأن القرآن من أمر الله، قال تعالى ﴿ وَكَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ روحًا مِن أَمرِنا ﴾   (الشورى: ٥٢) فدل على أنه لما عطف الأمر على الخلق دل على أن القرآن ليس بمخلوق لأنه من أمر الله كما دلت الآية التي ذكرتها ﴿ وَكَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ روحًا مِن أَمرِنا ﴾  (الشورى: ٥٢).  ومر معنا الحديث عن هذا في قضية أن القرآن كما هو معتقد أهل السنة والجماعة من أنه منزل غير مخلوق عند قوله تعالى في هذه السورة ﴿ يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا ﴾   (الأعراف: ٢٦).  وبيَّنا هناك ما هو معنى الإنزال فقال هنا : ﴿ أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللَّهُ ﴾ تبارك: كلمة تبارك لا يجوز أن تطلق إلا على الله، لا يجوز أن تقول لفلان تبارك فلان، تباركت علينا يا فلان لا !، كلمة تبارك لا يجوز إطلاقها إلا على الله، لكن لو قال قائل مثلًا لشخص حلَّت علينا البركة، أو البركة حلت علينا بمقدمك أو ما شابه ذلك فهنا لا بأس بذلك، ليس بذاته لأن التبرك بالذوات ممنوع شرعًا وإنما بمجيئك حصلت لنا بركة إذ استفدنا من علمك، إذ استفدنا من توجيهك فقط، وهذا يُحمل عليه ما جاء في حديث أسيد بن حضير لما قال : ( ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر )، فإذًا كلمة تبارك لا يجوز أن تطلق على مخلوق، إنما تطلق على الله، تبارك من الثبوت والاستقرار وأيضًا من الزيادة فدل هذا على ماذا؟ ﴿ تَبارَكَ اللَّهُ ﴾ أي تعاظم الله وكثر خيره وكثر فضله، وفضله ثابت ومستقر، ولذا ماذا قال بعدها ؟ ﴿ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ ﴾ إذًا أنتم يا من أقررتم بأنه رب العالمين يا كفار قريش الواجب عليكم أن تعبدوا الله عز وجل وحده وقال هنا ﴿ رَبُّ العالَمينَ ﴾ لأن كل ما سوى الله فهو عالَم، وهذه الآية من الأدلة التي تدل على ما قاله عامة المفسرين من أن العالمين هو كل ما سوى الله فهو عالَم، ولذا فيها الرد على بعض المعاصرين الذين يقولون إنها لا تطلق هذا الاطلاق، وإنما تطلق على الأشياء المتجانسة المتشابهة كالإنس والجن والملائكة لأن بينهم تشابهًا فيما بينهم، وهذا كلام يخالف ما عليه عامة المفسرين؛ لأنه قال هنا ﴿ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ ﴾ ما الذي فيما مضى؟ العرش، والعرش هل له مثيل أو جنس؟ الجواب لا، أيضًا قوله عز وجل ﴿ رَبُّ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَما بَينَهُما ﴾  (الشعراء: ٢٨) ما الذي بينهما؟ الهواء فهل الهواء له جنس آخر فدل هذا على أن الهواء من جنس العالمين.

العرش المخلوق من جنس العالمين ، وقد بينا شيئًا من ذلك في أول آية في سورة الفاتحة ﴿ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ ﴾ وللحديث إن شاء الله تتمة وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.