التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (62) إلى (71) الدرس (84)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (62) إلى (71) الدرس (84)

مشاهدات: 503

 تفسير سورة المائدة

من آية ٦٢ إلى آية ٧١

الدرس٨٤

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري – حفظه الله –

 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين و أصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد

فكنا قد توقفنا عند قول الله عزوجل {وَتَرى كَثيرًا مِنهُم يُسارِعونَ فِي الإِثمِ وَالعُدوانِ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ }

هذه الآية تتحدث عن بني آسرائيل والآيات السابقة أيضًا تحدثت عنهم، وقد مر معنا ما ذكره الله عزوجل عن هؤلاء، سماعون للكذب آكالون للسحتَ

{سَمّاعونَ لِلكَذِبِ أَكّالونَ لِلسُّحتِ}

، فقال عزوجل هنا وترى و الرؤية هنا بصرية بمعنى أن حالهم قد تحقق من حيث الرؤية،{وَتَرى كَثيرًا مِنهُم يُسارِعونَ فِي الإِثمِ}{يُسارِعونَ فِي الإِثمِ}

بمعنى أنهم يتسابقون إلى الأثم بشتى طرقه كأنه نوع من أنواع الخير، وهذا يدل على خبث وفساد قلوبهم، وترى كثيرًا منهم يسارعون في الأثم والعدوان،

 وجمع مع الأثم والعدوان لأن الأثم هو الذنب الذي يتعلق بالإنسان نفسه، والعدوان هو الذنب الذي يفعله الإنسان متعديًا على غيره،{يُسارِعونَ فِي الإِثمِ وَالعُدوانِ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ}

 والسحتَ هو المال الباطل وسمي بهذا الأسم بأعتبار أنه يسحتُ  ويهلك صاحبه في الدنيا وفي الآخرة،قال النبيﷺكما ثبت عنه:” كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به “، وقد مر معنا ذلك مفصلًا عند قول الله عزوجل{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} 

{يُسارِعونَ فِي الإِثمِ وَالعُدوانِ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ لَبِئسَ ما كانوا يَعمَلونَ}

هنا وصف ما كانوا يعملونه مما سبق بأعتبار أنه ذميم ولذا أكد ذلك باللام التي تدل على القسم، بمعنى أنه اقسم من أن ما فعلوه وما يعملونه أنما هو ذميم وبغيض عند الله عزوجل.

{لَولا يَنهاهُمُ الرَّبّانِيّونَ}

لولا بمعنى إلا وهي تفيد ما الحث على فعل الشيء في المستقبل،والأنكار على تركه في الماضي، فهؤلاء تركوا هذا الأمر وهو النهي عن المنكر بأعتبار ما مضى وحثهم على أن ينهوا هؤلاء عن هذا المنكر في المستقبل ،لولا أي هلا  ينهاهم الربانيون والأحبار، والربانيون والأحبار  مر توضيحهم عند قول الله عزوجل:{يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} الآية

{لَولا يَنهاهُمُ الرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ عَن قَولِهِمُ الإِثمَ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ} ولم يذكر هنا العدوان كما ذكره سابقًا، أما بأعتبار أن  العدوان داخل بالأثم ولا شك أنه داخل بالأثم بأعتبار العموم وكذلك لأن العدوان إذا اعتدى هؤلاء فأنهم وإلا لم يزجرهم هؤلاء الأحبار والرهبان فأن من جني عليه واعتدي عليه سيزجرهم بحيث لا يمكنهم من الأعتداء عليه.

قال{لَولا يَنهاهُمُ الرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ عَن قَولِهِمُ الإِثمَ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ لَبِئسَ ما كانوا يَصنَعونَ} والصنعة هي الدقة في الشيء، بحيث تصبح سجية لدى الإنسان،ولذا خالف بينهم لما ذكر ما يفعله اليهود مما فعلوه من تلك الصفات الذميمة قال :{لَبِئسَ ما كانوا يَعمَلونَ}

 لكن لما ذكر ما يتعلق بأهل العلم من أنهم لمن ينهوا هؤلاء عن هذه الآثام  ماذا قال: {لَبِئسَ ما كانوا يَصنَعونَ}

، فدل هذا على أن صاحب العلم قد ذم أكثرمن أولئك، أي ممن عمل تلك الأعمال القبيحة، بأعتبارأن لديه علم وكان من الواجب عليه أنه ينهى عن هذه المنكرات، لكن هؤلاء انطبعت قلوبهم هم وعلمائهم على هذه الأفعال الذميمة، ومع هذا العلم الذي معهم لم ينهوا أولئك ولذا قال:{لَبِئسَ ما كانوا يَصنَعونَ}

 ، فأن هؤلاء قد تحققت، أي الربانيون والأحبار قد تحققت تلك الصفات الذميمة فيهم كصاحب الصنعة، لأن الإنسان قد يعمل الشي ولا يكون صانع له من أول مرة، لكن هؤلاء ترسبت هذه الصفات الذميمة والأفعال القبيحة لدى هؤلاء.

 {وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ} ذكر هنا ما قالته اليهود من الأقوال الشنيعة على رب العالمين وقد مرّ معنا وصف هؤلاء من أنَّهم وصفوا الله عزَّ وجلَّ بأنه فقير

 {لَقَد سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللَّهَ فَقيرٌ وَنَحنُ أَغنِياءُ} هنا وصفوا الله عزّ وجلَّ أيضًا بوصفٍ شنيعٍ لا يليق بالله عزَّ وجلَّ وذلك إن دلّ يدلُّ على أنَّ هذا القولَ ما صدَرَ إلاّ من قلوبٍ قد امتلأت بالفساد والمكرِ والخديعة

{وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ} وصفوا الله عزَّ وجلَّ من أنَّه أمسَكَ الخير عنهم ولم يُعطهم شيئًا فقالوا هذا القول وليس معنى ذلك من أنَّ اليد المغلولة كما يتصوَّرهُ البعض من أنَّ اليد تُغلُّ إلى العُنق وإنما المقصود هنا  {وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ} بمعنى أنَّه أمسَكَ عن الإنفاق فلم يُعطِنا الخير {وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ} وإنَّما قالوا مغلولة باعتبار أنَّ الإنسان إذا غُلّت يدُه إلى عُنقه لم يستطع أن يحركها ولم يستطع أن يصنع شيئًا {وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ} غُلَّت أيديهم غُلَّت أيديهم وقال هنا ﴿وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ}  وقال بعدها { بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ} وقد مرّ معنا تفصيل هذه المسألة فيما يتعلّق بصفة إثبات اليد لله عزَّ وجلَّ عندَ قول الله عزَّ وجلَّ في سورة آل عمران {قُل إِنَّ الفَضلَ بِيَدِ اللَّهِ} {وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ} { غُلَّت أَيديهِم} دعاء عليهم بماذا دعاء عليهم بالشُّح { غُلَّت أَيديهِم} ولذا لاترى يهوديًا إلاّ وهو شحيح ولذا مع أنَّهم أغنياء إلاّ أنَّهم أصحاب شُح وبُخل ولذا ماذا قال الله عزَّ وجلَّ ﴿وَضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ﴾ أي: الفقر مع أنَّهم أغنياء لكنهم فقراء القلوب {غُلَّت أَيديهِم} دعاء عليهم { وَلُعِنوا بِما قالوا}   أي: طُرِدوا من رحمة الله بسبب ما قالوا فـيداه عز وجل مبسوطتان واليدان هنا يدان تليق بجلاله وبعظمته خلافًا لمن قال بأنهما النعمة أو من قال القُدرة وقد مرّ الرد عليهم عند قوله تعالى: {بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ}مبسوطتان بالخير وبالعطاء ولذا قال النبي ﷺ كما في الصحيح 🙁 يد الله ملأى) وفي رواية( يمين الله ملأى لايغيضها نفقة) لايُنقصها نفقة أرأيتم ما أنفق منذُ أن خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض مافي يمينه أي لم ينقص ما في يمينه ولذا قال: {يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ} هذا من باب التأكيد من أنَّه عزَّ وجلَّ يُنفقُ كيفَ يشاء حسْبَ ما يُريد وحسْبَ ما تقتضيه حكمةُ الله عزَّ وجلَّ يوسّع على هذا ابتلاء ويُضيّقُ على هذا ابتلاء فهو عزَّ وجلَّ الحكيم العليم قال: {يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم} قال: {وَلَيَزيدَنَّ} اللام هنا تدل على القسم مع نون التوكيد الثقيلة

{ وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم} قال كثيرًا منهم {ما أُنزِلَ إِلَيكَ} أي من القرآن   {مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا} انظر كيف جمعوا بين الكفر وبين الطغيان لأنه لايقول تلك الأقوال ولا يفعل تلك الأفعال إلا من هو طاغية ولذا قال:

 {وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا} وهذا يدل على ماذا يدلُّ على أنَّ من انغلق قلبه فإنه لاينتفع بالمواعظ فإنه لما ذكر اليهود ذكر عز وجل من أنَّ الآيات تُتلى عليهم ومع ذلك يصدُّون عنها ولا يزيدهم ذلك إلا كفرًا وطغيانًا وهذا كشأن المنافقين أيضًا {في قُلوبِهِم مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} {وَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ فَزادَتهُم رِجسًا إِلى رِجسِهِم  وَماتوا وَهُم كافِرونَ}

فقال هنا: { وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا} سبحان الله كان من المفترض ومن الواجب أن ينتفعوا بهذا القرآن الذي أُنزل هدايةً للناس لكنّ هؤلاء صمّوا وعمُوا فأخزاهم الله عز وجل وسدَّ عن أبواب التوبة و أبواب التوفيق

{ وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا}{ وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ}

 سبحان الله لما فعلوا ما فعلوا وانحرفوا عن الطريق المستقيم حُرِموا أو نقول من أنَّ المضار التي تتعلق بإخرآهم حصلت لهم إذ قال:

 { وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا} وحصلت مع ذلك لهم مضار فيما يتعلق بدنياهم  لما{وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ} {وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ}أي بين اليهود وأنفسهم وقد قيل بين اليهود والنصارى لكنَّ الأظهرَ  من السياق سياق من اليهود ولذا مرّ معنا أيضًا الخلاف في قوله تعالى :{فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ} هل هم النصارى أم أنَّهم اليهود مع النصارى ورجَّحنا أنَّ الأظهَرَ من أنَّها هناك عن النصارى وهنا عن اليهود ولا يمنع من باب دخول هذا الشيء لا مانع أن يكون هناك بغضاء وشحناء بين هاتين الطائفتين كما قال تعالى:{وَقالَتِ اليَهودُ لَيسَتِ النَّصارى عَلى شَيءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيسَتِ اليَهودُ عَلى شَيءٍ} وأيضًا قال عزَّ وجلَّ:{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذُوا اليَهودَ وَالنَّصارى أَولِياءَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ} باعتبار أنهم أولياء لبعض باعتبار أنَّ العدو الذي لهم هو أهل الإسلام لكن فيما بينهم بينهم العداوة قال هنا: {وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ} ولذا قال عزَّ وجلَّ عن هؤلاء اليهود:

{لا يُقاتِلونَكُم جَميعًا إِلّا في قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَو مِن وَراءِ جُدُرٍ بَأسُهُم بَينَهُم شَديدٌ تَحسَبُهُم جَميعًا وَقُلوبُهُم شَتّى} {وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاء} ومرَّ معنا عند قوله تعالى في سورة آل عمران

 {قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أَفواهِهِم} الفرق بين العداوة والبغضاء فقيل هما بمعنى واحد والصحيح أنَّ البغضاء هي العداوة التي تكون في القلب والعداوة هي العداوة التي تكون ظاهرة ولذا ماذا قال هناك مما يرجِّحُ هذا القول:{قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أَفواهِهِم} دلَّ على أنَّ البغضاء من حيثُ الأصل أي هي الباطل فخرج شيءٌ من البغضاء على أفواههم

{وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ إِلى يَومِ القِيامَةِ} بمعنى أنَّ هؤلاء لن يكونوا متفقين حتى ولو رأيتهم في مارأيتهم من حيثُ الظاهر من أنهم مجتمعون في أي زمن حتى في هذا الزمن فااعلم أنَّ البغضاء وأنَّ لعداوة بينهم

{وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ إِلى يَومِ القِيامَةِ كُلَّما أَوقَدوا نارًا لِلحَربِ أَطفَأَهَا اللَّهُ} وذلك لأنَّ العرب كانوا  إذا غزَوا فإنهم عند الإغارةَ يوقِدُون نارًا أو أنَّ الحربَ بمثابة ماذا  النار التي تأكل الأخضر واليابس ولأنَّ الحربَ تأكل الأخضر واليابس كشأن ماذا كشأن  النار

{كُلَّما أَوقَدوا } وكُلَّ هنا للعموم وما هنا ظرفية مصدرية بمعنى أنَّهم على هذه الحال دائمًا دائمًا في كل زمن {كُلَّما أَوقَدوا نارًا لِلحَربِ أَطفَأَهَا اللَّهُ} بمعنى أنهم يسعَون بأن تقوم الحربُ بين أهل الإسلام فيما بينهم فكلّما أوقدوا هذه النار وهي نار الحرب ونار الفتن بين أهل الإسلام إلا أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُطفئُ هذه النار وهذه الحروب التي أرادها هؤلاء لكن لماذا اشتعلت الحروب بين أهل الإسلام في هذا الزمن العيب إنما هو في أهل الإسلام لما تفرقوا وحصل ما حصل بينهم وتركوا شيئًا من دين الله عزَّ وجلَّ وأعرضوا عن الخير جرى ما جرى حسْبَ سُنَّة الله عزَّ وجلَّ  {كُلَّما أَوقَدوا نارًا لِلحَربِ أَطفَأَهَا اللَّهُ}{ وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسادًا} ولا شك أنَّ بثَّ ونشر وإشعال الحروب من الفساد لكن هنا عمَّم قال: { وَيَسعَونَ} من حيث ماذا من حيث  السرعة ومن حيث الحرص على أن ينشروا الفساد هنا على سبيل العموم بمعنى أنَّ من بين الإفساد أنهم يُشعلون الحرب وهذا ليس خاصًّا بإشعال الحرب قال: {وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسادًا} بشتّى أنواع الإفساد ولذا ما ترى مما تراه ُ مما يُبثُّ من أجل أن يضعفَ شباب وبنات المسلمين ما يحصل مما يرونه من أفلام خليعة أو ماشابه ذلك أو تحبيب للشر أو مما يتعلق بالشهوة أو ما يُبث من شُبَه وبدع وخُرافات مما يتعلق بالشهوة إنما هو مصدره ماذا من اليهود {وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ} ولو كان هؤلاء عُقلاء لتركوا الفساد  لما لأنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يُحب المفسد قال

 { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ} دلّ هذا على أنه عزَّ وجلَّ يُحب الصالحين المصلحين .

{ وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتابِ آمَنوا وَاتَّقَوا}

سبحان الله لما ذكر ما يتعلق بتلك الجرائم العظام التي قالوها  الله عز وجل وما صنعوها بأهل الإسلام وبالنبي 

ﷺ بيّن أنَّ باب التوبة مفتوح

{وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتابِ آمَنوا وَاتَّقَوا}

ذكر الإيمان والتقوى من باب ماذا من باب أنَّ التقوى لا تكون مقبولة إلا بعقيدة خالصةٍ صحيحة بالإيمان

{وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتابِ آمَنوا وَاتَّقَوا}

ماهي الثمار؟ الثمار تحصل لهم في الدنيا وفي الآخرة كما أنهم لما أعرضوا في الآية السابقة حصل لهم ما يضرهم في دنياهم وفي أُخراهم هنا بيّن أنَّ من تاب تحصل له هذه الثمار في دنياه وفي أُخراه قال هنا فيما يتعلق بثمار الآخرة قال:

{وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتابِ آمَنوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرنا عَنهُم سَيِّئَاتِهِم }

وتكفير السيئات يدل على أنهم أُزيح عنهم العذاب .

{وَلَأَدخَلناهُم جَنّاتِ النَّعيمِ}

إذًا زال عنهم المكروه بتكفير السيئات وحصل لهم المطلوب بدخول الجنة كما قال تعالى :{فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فازَ} فقال هنا: {لَكَفَّرنا عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَأَدخَلناهُم جَنّاتِ النَّعيمِ} التي فيها مالا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطَر على قلب بشر.

 { وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ}

سبحان الله ذكر هنا الثمار المتعلقة بالدنيا قال:

 {وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ} وإقامة هذه الكتب إنما الإقامة بتطبيقها وبتحكيمها وعدم تحريفها والإقامة تدلُّ على الثبات يقال فلان أقام بالمكان يعني ثبُتَ في هذا المكان فدلَّ على أنهم مأمورون بتحكيم هذه الكتب وبعدم تحريفها وأنهم يثبتون عليها

{ وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم} ماهو القرآن وقد قيل الكتب التي نزلت على أنبيائهم لكنَّ الأظهر من أنَّ المراد هنا هو القرآن باعتبار أنَّ أنبياء بني إسرائيل إنما أتوا وحكّمُوا ماذا  التوراة قالَ عزَّ وجلَّ: {إِنّا أَنزَلنَا التَّوراةَ فيها هُدًى وَنورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا} فقال هنا :{ وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم} وهو القرآن وإذا آمنوا بالقرآن هنا يكونون مؤمنين ويكونون قد أقاموا ماذا  التوراة والإنجيل لأنَّ التوراة والإنجيل تأمر بالتوحيد وتأمر بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل الله عليه من هذا الكتاب

 {وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم}

 هذه الثمار في الدنيا وهذا لا يدل على أنَّ الخير إنما يأتي فقط من هاتين الناحيتين بل هي للعموم يعني أتاهم الخير من كل جانب و من كل جهة كما قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ} وقال تعالى:

 {وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ} فقال هنا: { لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ} أي منهم  أمة مقتصدة يعني أمة عادلة بمعنى أنها سارت على الطريق الصحيح لا إفراط ولا تفريط لا غلو ولا تقصير

{مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ}

 يعني آمنت بالنبيﷺوبما أنزل الله عليه{مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ} وقد يُمكن أن يكون المعنى ما قاله ابن كثير -رحمه الله-: [أمة مقتصدة بمعنى أنها أمة مستقيمة لكنها دونَ السابقين إلى الخيرات ]

فدلَّ هذا كما قاله ابن كثير على أنَّ أعلى الدرجات نالتها من أُمة محمدﷺ﴿ثُمَّ أَورَثنَا الكِتابَ الَّذينَ اصطَفَينا مِن عِبادِنا فَمِنهُم ظالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ بِإِذنِ اللَّهِ﴾

قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذا غَشِيَهُم مَوجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُم إِلَى البَرِّ فَمِنهُم مُقتَصِدٌ﴾ يعني منهم من هو في الاعتدال يعني كان من المتعيّن عليه لما نجّاه الله عزَّ وجلَّ من هذه الكُربة أن يكون من السبّاقين إلى الخيرات وليس باقيًا فقط على هذا الاقتصاد وقوله رحمه الله لهُ وجهة لكن منا يُعكّر عليه أنَّ من هذه الأمة المقتصدة عبدالله ابن سلام وقد جاءت الأحاديث في بيان فضله رضي الله عنه فدلّ هذا على أنَّ الأقرب والعلمُ عند الله ما قاله العلماء الآخرون من قول أُمة مقتصدة يعني أُمة مستقيمة عادلة لا إفراط ولا تفريط لا غلو ولا تقصير

{مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثيرٌ مِنهُم ساءَ ما يَعمَلونَ} فدلَّ على أنَّ الكثرة منهم أعمالهم سيئة وذمَّها الله عزَّ وجلَّ.

 

{يا أَيُّهَا الرَّسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ}

‏لمّا بيّن الله عز وجل فظائع هؤلا اليهود أمر الله عزّ وجل نبيهﷺأن يبلّغ الرّسالة، وأن لا يلتفت إلى ما قاله هؤلاء وما فعله أولئك، وإنما عليه البلاغ ولذا قال:‏

{يا أَيُّهَا الرَّسولُ}  ‏ناداه بوصف الرّسول باعتبار ماذا؟ باعتبار أنّك رسول والواجب عليك كرسول أن تبلّغ كل ما أنزل الله عليك دون أن تترك شيئًا، ثمّ أيضًا يستفاد منها من أنك إذا بلّغت كل شيء فليس عليك هداهم وإنما عليك البلاغ

{ يا أَيُّهَا الرَّسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ  }

 كما قال تعالى في الآيات السّابقات:

‏{ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم} { بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ} وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته يعني: لو تركت شيئًا كأنك لم تبلّغ الرّسالة كلها ، وهذا كشأن من آمن ببعض الكتاب ولم يؤمن بالبعض الآخر، ولذا قال تعالى: {أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ}

 فهذا كحال هذا فقال:

‏( وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته) والنبي ﷺبلّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة ولم يكتم شيئًا، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها: من زعم أن محمدًاﷺأخفى شيئا فقد كذب، لمَ؟ لأن الله تعالى قال: { يا أَيُّهَا الرَّسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ  }

 لو كان يخفي شيئا لأخفى هذه الآية، الله عز وجل قال:

{وَتُخفي في نَفسِكَ مَا اللَّهُ مُبديهِ وَتَخشَى النّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخشاهُ}  لو كان مخفيًا لأخفى هذه الآية، ولذا استشهدهمﷺفي حجة الوداع في ذلك الجمع الغفير قال: ماذا تقولون عني؟ قالوا: قد أديت وبلغت ونصحت يا رسول الله؛ فالصحابة رضي الله عنهم شهدوا لهُ  أنه  بلغ الرسالة  وأدّى  الأمانة ونصح للأمة ولم يترك شيئا صلوات ربي وسلامه عليه وهذا ما يدل على ما ذكره الله تعالى في أول سورة  في حجة الوداع في يوم عرفة:{اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دينًا}

وكما قلت لكم السورة يُتأمّل في آياتها في أولها وفي ثناياها وفي آخرها؛ تجد أن هنالك ترابطًا عجيبًا، فقال هنا:  {وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ}

يعني من أنك إذا بلغت فلا تخشَ من أحد فالله يعصمك من الناس فهو يتولى أمرك، لكن  لو قال قائل

{وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ} ولذا النبي ﷺ   كان  يُحرس من قبل الصحابه  الناس كما قال أصحابه فلما نزلت هذه الآية أمرهم بالانصراف  {وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ}  لو قال قائل: النبيﷺجرى له ما جرى في غزوة أحد شُجّ عليه الصلاة والسلام وكسرت رباعيته إلى غير ذلك مما فعله الكفار! فقال بعض العلماء هذه الآية نزلت بعد غزوة أحد والصحيح أن المقصود من قوله  تعالى:{وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ}المراد من ذلك القتل من إنك معصوم  من أن تتسلط عليك أحد بالقتل أما الأذية فقد تحصل ولذا لما أرادوا أن يقتلوا الرسول ﷺ  بوضع السم بالشاة نجاه الله عز وجل، ولما أرادوا أن يقذفوا عليه الحجارة من علو من السّطح نجاه الله عز وجل..

‏ إذًا قال: {وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ} والناس هنا ليس للعموم إنما المقصود  الكفار سوءًا كانوا من اليهود أو من النصارى أو من كفار قريش لأن الناس لا يدخل فيها أهل الإيمان لأنهم آمنوا بهﷺبل كانوا يناصرونه ويعاضدونه ويحمونه ويحرسونه عليه الصلاة والسلام

{وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الكافِرينَ﴾.. بين هنا

‏أنك إذا بلغت الرسالة ما عليك إلا البلاغ أمّا هؤلاء الكفار ممن أعرضوا وانصرفوا فإن الله عز وجل لا يوفقهم ولا يهديهم إلى الإسلام،  لمَ؟ لأن قلوبهم انطبعت على الفساد كما مر معنا في قوله تعالى:

{إِنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ}

{خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلوبِهِم وَعَلى سَمعِهِم وَعَلى أَبصارِهِم غِشاوَةٌ} {إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الكافِرينَ}

 {قُل يا أَهلَ الكِتابِ } أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقول لأهل الكتاب من اليهود والنّصارى: {قُل يا أَهلَ الكِتابِ لَستُم عَلى شَيءٍ}

 أي: لستم على شيء من الدين ولستم  على شي من الخير ولستم على شيء من المروءة ولا من صفات الخير {قُل يا أَهلَ الكِتابِ }  لستم على شيء إلا بشيء واحد:  {حَتّى تُقيمُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم}

 

{وَما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم}  هو القرآن.

‏سبحان الله كل ما كان بهذه الصورة من الفساد فأنهم يزدادون فسادًا وطُغيانًا{وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا}

 

‏لعله كررها عز وجل هنا باعتبار ما بعدها..

‏{ فَلا تَأسَ}  أي: فلا تحزن على القوم الكافرين، أي لا تترك للأحزان طريقًا إلى قلبك فلا تجدد الأحزان.

‏قال هنا:  {فَلا تَأسَ عَلَى القَومِ الكافِرينَ}

 

‏{إِنَّ الَّذينَ آمَنوا} ‏سبحان الله لما ذكر حال هؤلاء من الطغيان ومن الكفر بيّن من هو قد آمن وكان من هؤلاء وآمن بهذا الدّين فإن له الأجر من الله، سبحان الله لما ذكر الله عز وجل في سورة البقرة عن هؤلاء

{وَضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ وَباءوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُم كانوا يَكفُرونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقتُلونَ النَّبِيّينَ بِغَيرِ الحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوا وَكانوا يَعتَدونَ}

قال هناك:{إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا}

‏لما ذكر طغيان هؤلاء، ذكر أيضًا هذه الآية فقال:

{إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا وَالصّابِئونَ وَالنَّصارى مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صالِحًا فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ}

مر تفصيل هذه الآية في سورة البقرة، لكن هنا  بعض الوقفات:

قال هنا:  {إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا وَالصّابِئونَ وَالنَّصارى}

رفعت هنا كلمة الصابؤن رفعت هنا  وهناك قراءة سرية  الحديث هنا لماذا  رفعت؟

قال بعض العلماء

{إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا وَالصّابِئونَ }

 أي والصابؤن مبتدأ، كذلك أي كحال هؤلاء لهم هذا الحكم، لكن لماذا خص الرفع هنا بالصابين..قالوا لأن الصائبة هو الذي خرج من الأديان كلها، فلربما يتوهم متوهم أن هؤلاء ليسوا على خير، ليسوا على خير،

فقال هنا مبينًا أن حتى هؤلاء الصابؤن من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا حزن يكون لهُ ، فقال بعض العلماء هذا القول..

والقول الآخر يقولون أن الذين آمنوا أن الذين آمنوا

حق الإيمان فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون بدلالة آخر الآية، ثم بعد ذلك استئنفا أو عطفا من باب عطف الجمل ،يعني والذين هادوا مرفوعة، والصابؤن مرفوعة،والنصارى مرفوعة فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون، فقال هنا:فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون في سورة البقرة قال: {فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ}  لا شك أنه من لا خوف عليه ولا حزن، نفى الله عنه الخوف والحزن أن له الأجر العظيم، فما أبهم هنا وأجمل هنا فصلا في ماذا في سورة البقرة،فدلالة نفي الخوف والحزن يدل على ثبوت ماذا  الأجر من عند الله عز وجل.

{لَقَد أَخَذنا}

قد للتأكيد مع اللام الموطئة للقسم، والله قذ اخذنا على بني إسرائيل المواثيق، وتلك المواثيق كثيرة، مر معنا في سورة البقرة..

{وَإِذ أَخَذنا ميثاقَ بَني إِسرائيلَ لا تَعبُدونَ إِلَّا اللَّهَ} الآية

 

وفي هذه السورة: {وَلَقَد أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ بَني إِسرائيلَ وَبَعَثنا مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ نَقيبًا}

وارسلنا إليهم رسلًا، لما الزمهم بتلك المواثيق نقضوا تلك المواثيق وارسل إليهم الرسل ليبينوا لهم  ما يلزم وما يجب فيما يتعلق بتلك  المواثيق لكنهم نقضوها ولذا قال عزوجل:

{رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}

 

{ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} ومرت معنا هذه الآية موضحة في سورة البقرة وأيضًا في سورة آل عمران، وقال هنا :

(بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا) في سورة البقرة بين عزوجل السبب، والسبب “استكبرتم” فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً تقْتُلُونَ ، فدل أنهم اصحاب كبر، ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله:” الصفة الواضحة العظمى عند اليهود هي صفة الكبر”

 فقال عزوجل هنا: {كُلَّما جاءَهُم رَسولٌ}

كلا “للعموم” ما “مصدرية ظرفية، يعني أن حال هؤلاء في جميع الأحوال وفي جميع الأزمان إذا آتاهم الرسول هم بين حالتين فقط، أما حالة تكذيب في بعض الرسل أو حالة قتل لبعض الرسل وهذا يدل على ماذا يدل على خبث هؤلاء.

 

{وَحَسِبوا أَلّا تَكونَ فِتنَةٌ } سبحان الله، القلب إذا طمس عليه  دل ذلك على أنه اصبح في غاية الطغيان والكفر، يعني مع تلك الأفعال الشنيعة، وحسبوا إي وظنوا..

{وَحَسِبوا أَلّا تَكونَ فِتنَةٌ} أي ألا تكون فتنة من الله عزوجل بأن ينزل عليهم الشدائد والمصائب، وحسبوا إي ظنوا أن مع ذلك التكذيب و مع تلك الأفعال الشنيعة أنهم سيكونون في مأمن..

{وَحَسِبوا أَلّا تَكونَ فِتنَةٌ} ماذا صنعوا  بسبب ذلك الظن ماذا صنعوا؟

 فعموا وصموا، عموا عن الحق وصموا عن الحق فلم يسمعوه ولم ينصروا الحق..

{فَعَموا وَصَمّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيهِم ثُمَّ عَموا وَصَمّوا} يعني لما نزلت عليهم تلك المصائب ومانزل بهم من تلك الفتنة هم  تابوا إلى الله عزوجل وهذا يدل على ماذا؟ لما آتى بكلمة ثم يدل على أنهم استمروا في الطغيان وفي الأفساد طويلًا، ومع ذلك لما تابوا تاب الله عليهم، {ثُمَّ عَموا وَصَمّوا كَثيرٌ مِنهُم} يعني بعد ما تاب الله عليهم رجعوا إلى  العماء والصمم، لكن قال كثيرًا منهم بدلًا من الواو الموجودة في عموا وصموا، بمعنى أن العماء والصمم لم يحصل من الجميع وأنما حصل من الكثرة، كما قال عزوجل كما مر معنا:

 {مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثيرٌ مِنهُم ساءَ ما يَعمَلونَ}

 {فَعَموا وَصَمّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيهِم ثُمَّ عَموا وَصَمّوا كَثيرٌ مِنهُم وَاللَّهُ بَصيرٌ بِما يَعمَلونَ}

مطلع وبصير بجميع أعمالهم،سيجازيهم عزوجل، فإن استمروا فيما استمروا عليه فلهم العقوبة من الله عزوجل في الدنيا والآخرة، واختلف العلماء في هذا العمم والصمم الذي حصل ثم تابوا ثم حصل ماحصل، قيل لما قتلوا يحي وزكريا ولم يؤمنوا بعيسى، والعمم والصمم الثاني لما بعث النبيﷺلم يؤمنوا به، وقيل أنما الأول بأعتبار انهم عبدوا العجل، والثاني لما طلبوا أن يروا الله جهرة، وقيل الآية المذكورة هنا تفسرها الآية التي في سورة الأسراء:

{لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً}

والذي يظهر من  أن هذه ليست محددة لأنه لم يرد نص صريح في مثل هذا الأمر،لكن هؤلاء هم بين طغيان وطغيان آخر.