التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (4) إلى (5) الدرس (76)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (4) إلى (5) الدرس (76)

مشاهدات: 465

 

تفسير سورة المائدة

آية 4 – 5

فضيلة الشيخ زيد البحري   حفظه الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين     أما بعد          

فقد كنا قد توقفنا عند قول الله عزوجل ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ﴾ هذه الآية أتت بعد الآية السابقة وكان في ختام الآية السابقة من بين ما ذُكر فيها ﴿ اليَومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ وهذه الآية يُرد بها على المبتدعة فإن من ابتدع في دين الله عزوجل فكما قال الإمام مالك – رحمه الله – ” من زعم أن هناك عبادة لم يأت بها النبي ﷺ فقد زعم أن محمداً خان الرسالة ” فالله عزوجل ذكر هذه الآية وذكر الآية السابقة فإنه لما بيَن ما يحرم على الناس من تلك الأطعمة ثم ختم الآية ببيان أنه قد أكمل الدين بيَن هنا أنه عزوجل أحل لهم الطيبات بعد ماسألوا ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ والطيب هو الذي يُتلذذ به من مطعم أو مشرب وليس به مضرة دينية أو دنيوية فإنه عزوجل لما ذكر في الآية السابقة ما به مضرة على الإنسان في بدنه أو في دينه أوفيهما كليهما ذكر ما يُباح لهم ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ ﴾ هنا فيه حذف أي وصيد ما علمتم صاده  الجوارح وليس المقصود أن الجوارح يجوز أكلها، والجوارح – كالكلاب والأسود وغير ذلك – ليس هذا المقصود وإنما ما صادته هذه الجوارح حتى إن من يقول – وهو قول شاذ من يقول بجواز أكل الكلاب – لم يخصص ذلك بالمعَلَمة وإنما أطلق ذلك مع أنه قول شاذ لعل ما يكون في ما يُستقبل يأتينا ما يتعلق بذكر هذه المسألة ﴿ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ ﴾ والجوارح هنا هي التي يُصاد بها فالنبي ﷺ لما سُئل عن صيد الكلب المعَلَم قال ” إذا أرسلت كلبك المعَلَم وذكرت اسم الله عليه فكل ” وهل هذا خاص بالكلب فقط أم لا؟ خلاف والصحيح أنه يدخل فيه كل سبع من فهد وأسد ونحو ذلك إذا عُلم هذا الحيوان التعليم المتعلق بالصيد وذلك بأنه إذا علمه فطريقة تعليمه من أنه إذا أرسله استرسل وإذا زجره انزجر وإذا صاد لم يأكل منه على الصحيح من أقوال العلماء فالنبي ﷺ قال ” كل منه مالم يأكل منه فإنه إن أكل فلعله صاده لنفسه ” وما ورد من أحاديث ” كل وإن أكل ” فهي أحاديث مختلف في صحتها ومن ثم فإنه لو أكل فلا يجوز الأكل من هذا الصيد إذا أكل هذا الكلب أو هذا الجارح من الحيوان فإنه لا يجوزلصاحبه ولا لغيره أن يأكل منه، وقال بعض أهل العلم لو أنه صاده فأكل منه مباشرة فيحرم لكن لو تأخر صاحبه وأكل منه فإنه لا يحرم باعتبار ماذا؟ باعتبار أن صاحبه تأخر عليه لكن الأظهر هو ما قررناه وهذه الجوارح كما سلف لا تختص بالكلب وهل يدخل فيها الطيور؟ خلاف بين أهل العلم وقد ورد عند الترمذي أن النبي ﷺ سُئل عن صيد الباز فقال ” كل إذا أرسلته ” لكنه حديث ضعيف لكن تلك الطيور التي هي مثل الصقور وماشابه ذلك هل يجوز الصيد بها؟ بعض أهل العلم منع من ذلك قال لأن الآية والأحاديث إنما أتت فيما يتعلق بالكلاب والصواب أن ذلك يدخل وأن صيد هذه الطيور يكون جائزا إذا كانت معَلَمة لم؟ لأنها تشترك مع هذه الحيوانات باعتبار أنها تفترس فكلا النوعين يقع منهما إفتراس كما قررنا من أن الفهود تأخذ حكم الكلاب باعتبار أنها تفترس وعلامة تعلم هذه الطيور إذا أرسلتها استرسلت وإذا زجرتها انزجرت لكن لو أكلت منه فإنه على القول الصحيح فإنه لا يحرم على الإنسان لم؟ لأن امتناع الطير من الأكل هذا يعسر في التعليم بخلاف الكلاب ونحوها فإذاً هنا على الصحيح يجوز أن يؤكل صيد هذه الطيور إن كانت معَلَمة قال عزوجل هنا ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ ﴾ الجوارح يعني الكواسب بمعنى أن الجرح هو الكسب كما قال تعالى ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ أي ما كسبتم بالنهار ومن ثم فإن هذا الحيوان إذا كان معَلما وهذا يدل على ماذا؟ يدل كما قال العلماء كالقرطبي وابن القيم وغيرهما فيه بيان فضيلة العلم حتى في الحيوان فإن صيد الحيوان المعَلَم يكون حلالا أما غيره فيكون حراما فما ظنكم بالمتعلم العلم الشرعي من البشر فهنا قال ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ ﴾ يعني مما اكتسبته هذه الحيوانات وهذه الطيور وهنا مسألة هل يلزم أن يجرحه هذا الحيوان أم لا؟ بعض أهل العلم يقول لابد أن يجرحه وبعضهم يقول لايشترط بمعنى أن هذا الحيوان كالكلب قتله بثقله أو بخنقه ولم يجرحه هل يكون حلالا أم لا؟ خلاف بين أهل العلم قيل بأنه حلال والذي يظهر من أنه لا يجوز إذا قتله بصدمه أو بخنفه ولم يحصل منه جرح لم؟ لأن النبي ﷺ لما سئل عن المعراض كما ثبت عنه قال ” إذا صاد بحده فكل فإذا خزق بحده فكل ” وهذا يدل على أن الخزق يدل على التأثير ومن ثم فإن البنادق وما جاء بعدها يجوز الصيد بها لأنها تنفذ مع أن العلماء أول ماخرجت هذه البنادق بعضهم حرمها قالوا لأنها تقتل بثقلها لكن بعد ذلك أجازوها لما تبين لهم أنها تخزق بمعنى أنها تخرق النبي ﷺ كما ثبت عنه لما سئل عن صيد المعراض قال ” فإن قتل بحده فخزق فكل وإن قتل بعرضه فإنه وقيف” فإذا كان هذا الحكم متعلقاً بالسهم أيضاً يكون الحكم متعلقاً بالحيوان لكن لو قيل لماذا لم يذكر النبي ﷺ هذا الأمر في الكلاب أو في الحيوانات مع أنه ذكره في السهام نقول إنما ذكره في السهام لأن الغالب في الكلب أنه يجرح أن الحيوانات تجرح بينما السهم ربما أنه يقتل بعرضه ولا يقتل بحده ثم مع هذا كله الله عزوجل حرم فيما مضى الموقوذة والمتردية والنطيحة إذاً يدخل فيها من ضمن الحكم العام يدخل فيها هذا الأمر ومن ثم فإنه إن صاد بخنقه أوبصدمه بصدم الصيد فهنا يكون حراما ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ  ﴾  قال وما علمتم الخطاب لأهل الإيمان لكن لو قال فائل لو أن الإنسان المسلم أخذ حيوانا معَلَما وهذا الحيوان يكون ملكا ليهودي أو لنصراني بمعنى أنه كتابي أيجوز صيده؟ قيل بعدم الجواز والصحيح بأنه يجوز لأنه بمثابة الآلة التي يأخذها من هؤلاء فلا إشكال في ذلك لكن لو أن هذا الصائد كان يهودياً أو نصرانيأ وذكر اسم الله على هذه الجوارح فهل يجوز أن تؤكل؟ قولان: الإمام مالك يقول لاتؤكل لأن الله عزوجل لما ذكر الصيد إنما ذكر أهل الإيمان ﴿  ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ لكن يقال ما ثبت فيما يتعلق بطعامهم وهي ذبائحهم لاتفترق في التذكية عن هذا الأمر لكن لو كان غير كتابي أي غير يهودي وغير نصراني فأخذ منه هذا الحيوان وهو المعَلم هل يجوز؟ الصحيح أنه يجوز لأن الصائد مسلم لكن لو كان الصائد الذي أرسل لأن الذي أرسله كان مسلما لكن لو أن الذي أرسله كان بوذياً أو مجوسياً فإنه لايحل صيده كما أن تذكيته لا تحل فكذلك الشأن هنا قال هنا ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ  ﴾ يطلق على إسم الفاعل يعني على أصحابها بمعنى أنهم يغرون ويحثون هذه الجوارح على الصيد بمعنى أنه يحثه ويرسله على الصيد قال ﴿ مُكَلِّبِينَ  ﴾ وقيل باسم المفعول بمعنى أن هذه الحيوانات مكلبة بمعنى أنها تسترسل لما يرسلها صاحبها ويحصل منها أنها تكلب بمعنى أنها تصيد هذا الصيد ﴿ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ومر علامات الكلب المعَلَم وعلامات الطير المعَلَم قال ﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فدل هذا على فضيلة كرم الله عزوجل إذ علم البشر ما يحتاجون إليه ومن ذلك مايتعلق بما يكون بصيدهم ﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ سبحان الله لما ذكر عزوجل في أول السورة قال ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ذكر لنا حرمت عليكم الميتتة والدم ولما ذكر ﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾  ذكر هنا مايتعلق بأحكام الصيد وهذا من فضله عزوجل قال هنا ﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ قيل فكلوا ما أمسكن عليكم فتكون من زائدة يعني ما أمسكته ومن ثم فإن بعض أهل اللغة يقول إن من لا تُزاد في الإثبات إنما تُزاد في النفي والإستفهام إذاً يقولون ليست زائدة وإنما القول الآخر يقول هي تبعيضية يعني كلوا من بعض ما أمسكن عليكم ولذا الصحيح التبعيض هنا راجع إلى ماذا؟ فكلوا مما أمسكن عليكم إذا جرحن الصيد أما إذا لم يجرحنه كما مر فإنه لا يؤكل وكذلك ﴿ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ  أي كلوا مما يجوز أن يُؤكل فلربما أنها تُثار على صيد فإذا بها تصيد ما لا يحل أكله كأن يرسلها صاحبها على حيوان يظن أنه مثلاً يظن أنه أرنب فبان أنه حيوان بعد أن صاده لايجوز أكله فهنا أتى التبعيض هنا ﴿  فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ  وهذا هو الأظهروالأصح خلافاً لمن قال كلوا من هذا الصيد من عدا ما يحرم أكله مما لايجوز أكله من الدم وما شابه ذلك وهنا مسألة قال بعض أهل العلم وهم الجمهور لو أن هذا الجارح لو أنه شرب من الدم لكنه لم يأكل إنما شرب من الدم فيقولون يجوز أكل الصيد لأن شرب الدم ليس بأكل مع أن بعض أهل العلم منع من ذلك والإحتياط أحسن وأولى في هذا الباب قال تعالى ﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ يعني مما أمسكن من أجلكم لكن لو أنها صادت وأكلت كما مر فإنما أمسكت لنفسها ولم تمسك لصاحبها ﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ واذكروا اسم الله عليه بمعنى أنك إذا أرسلت هذا الجارح فإنك تذكر اسم الله عليه لقوله ﷺ كما ثبت عنه ” إذا أرسلت كلبك المعَلَم وذكرت اسم الله عليه فكل ” ويدخل فيه أيضاً ولا تعارض القول الآخر الذي يقول التسمية هنا ليس المقصود منها الجارح وإنما المقصود منها من؟ المقصود منها التسمية على الطعام فنقول كلا القولين يدخلان والدليل أن النبي ﷺ كما ثبت عنه قال لذلك الغلام ” سمِ الله وكل مما يليك ” أمره بالتسمية والأحاديث الدالة على وجوب التسمية عند بداية الطعام كثيرة قال عزوجل ﴿ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ أمرهم بتقوى الله عزوجل في جميع الأحوال ومن ذلك ما يتعلق بالصيد مما يجوز أكله ومما لا يجوز أكله ولذا قال ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ سريع الحساب دل هذا على ماذا؟ على أن الإنسان عليه أن يخاف من حساب الله عزوجل وكلمة سريع الحساب مرت معنا في سورة البقرة وسورة آل عمران عند قول الله عزوجل ﴿ أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحساب ﴾

﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ كرر لفظ اليوم كما مر فيما مضى ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾         ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ مع أنها حلال لهم من قبل لكن لماذا خُص هذا اليوم من باب التشريف وبيان تشريف وتعظيم النبي ﷺ وتعظيم شرعه فإنه لما ظهرت في مثل هذا اليوم شرائع هذا الدين العظيم أيضاً تظهر هنا شعائر أنه أظهر ما كان مباحاً لهم من الأطعمة ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ الطعام هنا لأهل الكتاب هي الذبائح كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما فالطعام هنا الذبائح وليس المقصود الطعام الذي لا يستلزم منه نية كالحبوب كالقمح والشعير أو ماشابه ذلك من الأطعمة من الفواكه فهذه يجوز للمسلم أن يأكل من أطعمة هؤلاء أهل الكتاب ومن غيرهم من الكفار لكن المقصود هنا أنه لا يجوز أن تُؤكل ذبيحة كافر إلا إن كان يهودياً أو نصرانياً بمعنى أنه إذا ذكاها لماذا هؤلاء بالذات؟ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله وإن كان هؤلاء قد طغوا وبدلوا دين الله لكن من حيث أصل المعتقد هم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله عزوجل ومن ثم لو أن هذا الكتابي ذبح الذبيحة ولم يسم الله عزوجل عليها أو ذكر اسم غير الله عليها أوذبحها بطريقةٍ كالصعق وما شابه ذلك مما يجعلها موقوذة أيجوز أن تُؤكل أم لا؟ قيل بالجواز والصحيح أنه لا يجوزفكما أن ذبيحة المسلم لايجوز أن تُؤكل إذا وُجدت هذه الإمور فمن باب أولى هؤلاء. قال هنا ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ في الآية التي مر معنا في سورة النساء ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ وفي سوة الأنعام ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍوَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا ﴾ هل يحرم على المسلم ان يأكل مما حُرم عليهم مع أنه مباح لنا من حيث الأصل وهي الشحوم التي حرمها الله عزوجل عليهم فهل  يجوز لنا أن نأكل منها مع أنها محرمة عليهم أم أنه لا يجوز لنا باعتبار أنها ليست طعاماً لهم قيل بهذا والصحيح أنه يجوز أن تُؤكل تلك الشحوم التي حُرمت عليهم بدليل أن النبي ﷺ لما قدمت له تلك اليهودية تلك الشاه فأراد أن يأكل منها لكنها كانت مسمومة هو أراد أن يأكل منها فحين إرادته لم يسأل هل نُزع منها مايعتقدون تحريمه أولا؟ وكذلك ما ثبت من أنه ﷺ سمح لبعض الصحابة أن يأكل في إحدى الغزوات من جراب فيه شحم لليهود فالشاهد من هذا أنه يجوز لنا ذلك ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ سبحان الله قال ﴿ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ  هذا من باب المكافأة بمعنى أنه إذا أطعموكم إذاً أطعموهم ولا حرج عليكم أن تطعموا هؤلاء بل إن هؤلاء إذا كانوا غير محاربين فإطعامهم يكون من الإحسان كما مر معنا في قوله عزوجل ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ وكما قال تعالى ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ فدل هذا على من أنه مندوب لكن لو قال قائل ثبت قول النبي ﷺ ” لا يأكل طعامك إلا تقي ” وهؤلاء ليسوا بأتقياء هؤلاء كفار فالجواب عن هذا أن هذا الحديث يدل على الإستحباب وليس على الوجوب ثم إن مثل هذا الإمر إذا كان يُراد منه التأليف يكون من باب الإحسان ومن باب الخير، فهنا قال ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ من باب المكافأة ولذلك النبي ﷺ ألبس قميصه عبد الله ابن أبيَ ابن سلول مكافأة له لما ألبس قميصه يعني عبد الله ابن أبيَ ابن سلول ألبس قميصه لعم النبي ﷺ ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ المحصنات هنا العفائف ولذا فإنه لايجوز لمسلم عفيف أن يتزوج بمسلمة زانية ولا العكس كما سيأتي معنا إن شاء الله في أول سورة النور والنكاح يكون باطلاً وكذلك -على الصحيح- وكذلك لا يجوز أن يتزوج بكتابية ليست عفيفة ولذا قال ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ خلافاً لمن قال من أن المحصنات هن الحرائر في هذه الآية ولاشك أن المقصود هنا أنها لابد أن تكون عفيفة وسبحان الله تأمل لما ذكر عزوجل الطيب من المطعوم ذكر الطيب من المنكوح فقال هنا ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ يعني مهورهن ﴿ مُحْصِنِينَ ﴾ هنا ذكر مايتعلق بالإعفاف من قبل الزوج فإنه كما اشتُرط العفة في الزوجة كذلك في الزوج ﴿ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ يعني غير طالبين للزنا على وجه العلانية مع كل زانية ﴿ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ﴾ يعني لستم طالبين الزنا بواحدة على وجه السر بمعنى أنه يزني بواحدة على وجه السر لا على وجه العلانية قال ﴿ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ﴾ وقد مر معنا تفصيل مسألة زواج المسلم بالكتابية في سورة البقرة عند قوله تعالى ﴿  وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وبينَا ما هناك من آثار مما كرهه بعض الصحابة رضي الله عنهم فهناك الحديث فصلناه تفصيلاً وافياً وذكرنا القول الراجح فيه. قال هنا ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ فمن يكفر بالإيمان فإن عمله محبَط لكن لماذا ذكر الإيمان هنا من باب التحذير من أن تلك المرأة اليهودية أو الكتابية قد تؤثر على الزوج فينساق معها فلربما أنه يكفر وكذلك تنبيه لتلك المرأة اليهودية أو النصرانية التي تزوجها المسلم من أن زواجها بالمسلم لايغني عنها شيئا إنما يغني الإنسان عمله بعد رحمة الله عزوجل قال هنا ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ فدل هذا على أن من مات كافرا فإنه يكون من الخاسرين ولذا ماذا قال عزوجل ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾