تفسير سورة المائدة من الآية 6 – 14
الدرس 77
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ)
و العلم عند الله ذكر الله عزوجل هذه الآية بعد الآية السابقة فإن في الآية السابقة ما يتعلق بالشيء الطاهر من المطعوم ومن المنكوح ذكر هنا ما يتعلق بالطهارة الحسية للأعضاء و للطهارة أيضا المعنوية فذكر ما يتعلق بالوضوء و ما يتعلق بالتيمم (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا) نداء لأهل الإيمان (إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ) (إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلوا) هنا الأمر هل هو للوجوب أو للاستحباب قيل و هو الصحيح جمعا بين القولين من أن العبد إذا قام إلى الصلاة و هو متطهر على طهارة سابقة و أراد أن يجدد و ضوءه فيكون هنا الأمر بالوضوء على وجه الاستحباب و إن قام بعد ما وجبت عليه الصلاة إذا قام و هو محدث فيكون الوضوء في حقه يكون واجبا و قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ)دل على أن الوضوء لا يجب إلا حينما تحين الصلاة و لا يلزم الوضوء حينما يدخل الوقت و من ثم فإن هذا الوضوء قال النبي ﷺ لما خرج من الخلاء و أوتي إليه بوضوء يعني بماء قال إنما أمرت بالوضوء عندما أصلي إنما أمرت بالوضوء عندما أصلي و ما ورد من أن الوضوء يكون مستحبا قبل الأكل و بعد ه لحديث : بركة الطعام الوضوء قبله و الوضوء بعده فهو حديث لا يصح و لا يصح أيضا أن يقال من أن الوضوء المقصود منه غسل اليدين الشاهد من هذا من أن العبد إذا قام إلى الصلاة فيجب عليه أن يتوضأ إن كان محدثا و لا تصح الصلاة إلا بوضوء و لذا ثبت قوله ﷺ : ( إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) و الأحاديث في هذا كثيرة شهيرة ( إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ)
أي صلاة ما هي الصلاة الصلاة المقصود منها كما قال ابن القيم رحمه الله : كل صلاة فيها تكبير و تسليم فيجب فيها الوضوء و من ثم صلاة الجنازة يجب فيها الوضوء لأن فيها تكبيرا و تسليما كما جاء في السنن قوله ﷺ عن الصلاة قال مفتاحها الطهور و تحريمها التكبير وتحليلها التسليم و دل هذا على أن الصلاة التي تفتتح بتكبير و تختتم بتسليم لا بد فيها من وضوء .
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلوا وُجوهَكُم) أمر بغسل الوجه و الوجه حده من منحنى الجبهة و لا يلتفت إلى الصلع إلى ما انحدر إلى الذقن طولا هذا هو الذقن طولا و تكون اللحية على الصحيح داخلة في وجوب الغسل و من العرض من الأذن إلى الأذن و البياض الذي بين العارض و بين الأذن أي بين اللحيين و بين الأذن يكون من الوجه على الصحيح فهذا هو حد الوجه و يدخل في الوجه المضمضة و الاستنشاق فإنها لم تذكر هنا و لذلك قال بعض أهل العلم لا تجب المضمضة و الاستنشاق باعتبار ظاهر هذه الآية لكن يقال المضمضة بمعنى الفم و الأنف داخلة ضمن ما ذا ضمن الوجه .
و لذلك مما يدل على أنها من ضمن الوجه أن الصائم يعني ليست من الداخل أن الصائم يتمضمض ويستنشق و فعل النبي ﷺ المستمر وكذلك ما ثبت عنه ﷺ قال : إذا توضأت فتمضمض و قال إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء و الأدلة في هذا كثيرة .
(فَاغسِلوا وُجوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرافِقِ)
يعني و اغسلوا أيديكم إلى المرافق و اليد إذا أطلقت فالمراد منها الكف و هذا هو الكف , و لكن هنا قيدت هنا قيدت قال إلى المرافق فهل المرافق ليست داخلة قيل بهذا قيل أن المرفق لو لم يغسل في الوضوء فإن الوضوء يكون صحيحا أنه لا بد من غسله لفعل النبي ﷺ و لأن كلمة إلى هنا تأتي بمعنى مع لم ؟ لأن ما قبل المرفق ليس أجنبيا لما بعده و المعنى
و الدليل أن النبي ﷺ كما عند مسلم لما غسل يده أشرع في العظم مما يدل على دخول المرفق فالمرفق داخل في ماذا داخل في الغسل و لذا غسل القدمين إلى الكعبين الكعبان داخلان قول النبي ﷺ : ( ويل الأعقاب من النار ) فقال هنا (وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرافِقِ) (وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرافِقِ وَامسَحوا بِرُءوسِكُم) (وَامسَحوا بِرُءوسِكُم)
هنا أمر بماذا أمر بماذا بمسح الرأس فدل على أن هذا هو العضو الثالث من أعضاء الوضوء لكنه يمسح و لا يغسل قال(وَامسَحوا بِرُءوسِكُم)
بعض أهل العلم قال أن الباء هنا تبعيضية فلو مسح بعض الرأس كفى بل قال بعضهم لو مسح بعض شعره لكفى لكن هذا ليس بصواب و يستدلون على ذلك من أن النبي ﷺ كما ثبت عنه مسح على العمامة و مسح على ناصيته فقالوا اكتفى بمسح الناصية فنقول هو مسح الناصية لكن لم يكتفي بها بل مسح على عمامته ﷺ و لذلك فعله ﷺ أنه كان يمسح رأسه فقوله (وَامسَحوا بِرُءوسِكُم)
تكون الباء هنا للإلصاق بمعنى تعميم مسح الرأس و لا يلزم كل شعرة بعينها و هذا متعذر و إنما يمسح ما ذا يمسح على جميع الرأس لكن لماذا قال (وَامسَحوا بِرُءوسِكُم)
لأن بعض أهل العلم قال هي زائدة لما ورد في بعض الروايات فمسح رأسه وقال(وَامسَحوا بِرُءوسِكُم)
قال هيا زائدة لماذا أتى بها من باب التأكيد لأنه إذا قيل مسح رأسه قد يكون المسح من غير ماء و قد يكون بماء فلما أتى بالباء دل على أن المسح لا يكون مجزئا إلا بماء(وَامسَحوا بِرُءوسِكُم)و صفة المسح على الرأس كما جاءت به السنة يبدأ بمقدمة رأسه ثم إلى الخلف ثم يعود أو العكس يبدأ من الخلف ثم يعود ثم يعود مرة أخرى و يعمل الإنسان بهذه و بهذه و بأي صفة مسح رأسه أجزأته لكن الصفة التي ذكرتها هي من باب الاستحباب
(وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ)
أي و اغسلوا أرجلكم إلى الكعبين و إلى هنا بمعنى مع بمعنى مع المرفقين كما بين ذلك سنة النبي ﷺ من فعله و قال لما رأى بعض أصحابه و قد لا حت عراقيبهم من عدم وصول الماء إليها قال ( و يل للأعقاب من النار ) و في رواية و يل للعراقيب و بطون الأقدام من النار فإذا تغسل القدم كلها (وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ) والكعبان هما العظمان الناتئان من مؤخرة القدم لكن الرافضة يقولون الكعب هو ما تكعب و على يكون الكعب هو العالي على ظهر القدم و لذلك القدم مثلا إذا رأيتها تجد أن بها علوا يقولون هذا هو هذا هو الكعب و من ثم فإنهم لا يغسلون مع أنهم يرون أن هذا لا يغسلونه بل يمسحون يمسحون فقط على ظواهر أقدامهم و يقولون هذه هي الكعاب و هذا غلط محض و ذلك لأن النبي ﷺ لما أمر أمر بالمراصة في الصفوف ثبت عن النعمان كان أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه هل يكون هذا بما على على القدم أم يكون بالعراقيب التي و الأكعب التي في مؤخرة القدم يكون بالأخير يكون بلأخير .
قال (وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ) هناك قراءة و هي ( و أرجلكم) بالخفض إلى الكعبين فما توجيهها فما توجيهها قال بعض أهل العلم لأن الرافضة يستدلون بها يقولون هي المسح و المسح هنا إنما هو على الكعب الذي يكون أعلى القدم فنقول في مثل هذا هذه الآية قال (وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ) إذا كان معطوفا على الممسوح فالمقصود من ذلك إما أن يكون على أوجه تلك الأوجه من أن العطف هنا من باب المجاورة كما يقال هذا جحر ضب جحر ضب خرب الأصل خرب لكن لماذا جره باعتبار القرب و المجاورة مع أن بعض أهل اللغة له كلام حول هذا المثال لكن نقول إما من باب المجاورة أو من باب ماذا من باب التخفيف في ماذا التخفيف في غسل القدمين بمعنى أنه يقال فلان تمسح فلانا تمسح للصلاة أراد ماذا أراد أنه خفف الماء في الوضوء و ليس المقصود أنه يمسح فقط ولذا ما جاءت من آثار عن بعض الصحابة من أنه مسح على قدميه فالمقصود من ذلك إن صحت تلك الآثارمن أنهم خففوا ما ذا خففوا الماء لأن الإنسان يظن أن القدم قد علاها التراب و علقت بها الأوساخ و لربما ما زاد فذكر ما يتعلق بالمسح حتى لا يبالغ في ذلك و مما يدل على هذا مما يدل على أنه ليس المسح و هو البلل فقط و إنما المراد التخفيف من الماء النبي ﷺ لما رأوا أولئك و قد لاحت عراقيبهم ماذا قال و يل لو كان المقصود المسح لما توعدهم قال : ( ويل للأعقاب و العراقيب و بطون الأقدام من النار ) أو يحمل أيضا أو تحمل هذه الآية المسح على الخفين بمعنى أن القدم إذا كانت مستورة فإن هذه الآية تدل على مشروعية المسح على الخفين خلافا لمن خلافا للرافضة و من ثم فإن هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلوا وُجوهَكُم)
هذه الآية استدل بها بعض العلماء على ما ذا على أن المسح على الخفين قد نسخ لم ؟ لأن الله ما أمر في الآية هنا إلا بالغسل (فَاغسِلوا وُجوهَكُم) لكن هناك حديث و هو حديث جرير و هو من أحب الأحاديث إلى السلف رحمهم الله قالوا : إن جريرا مسح على خفيه و جرير ما أسلم إلا بعد آية المائدة فدل على أنه لم يقع نسخ للمسح على الخفين و بهذا يعتذر لبعض العلماء من أهل السنة ممن قال بعدم المسح على الخفين حتى لا يلحق بالرافضة الرافضة لا يرون المسح على الخفين و إنما يرون المسح في الوضوء إذا كانت القدم مكشوفة و على الأعلى فقط لكنهم لا يرون المسح على الخفين فهؤلاء الرافضة و لربما الخوارج لا يلحق بهم بعض العلماء لأن بعض العلماء اجتهد فظن أن الآية ماذا قد نسخت آية المسح على الخفين .
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلوا وُجوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرافِقِ وَامسَحوا بِرُءوسِكُم
فقوله عزوجل ( وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ وَإِن كُنتُم جُنُبًا فَاطَّهَّروا)
لما ذكر ما يتعلق بالحدث الأصغر و هو غسل أعضاء الوضوء الأربعة ذكر ما يتعلق بماذا بالجنابة فمن كان محدثا حدثا أكبر فإنه يتطهر( وَإِن كُنتُم جُنُبًا فَاطَّهَّروا) ( فاطهروا ) و ذلك بماذا بغسل البدن كله على الطريقة التي فعها النبي ﷺ و لها صفات أذكر صفة منها أنه ﷺ غسل كفيه و غسل فرجه و مذاكيره و يدخل في ذلك الدبرثم بعد ذلك فعل ذلك ضرب يديه الحائط و إن كان للإنسان هذه المساحيق التي هي المطهرات من الصابون و غيره يفعل ذلك ثم يغسل كفيه و يغسل وضوءه للصلاة ثم يغسل شق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم الأوسط ثم يعمم الجزء الذي هو الأيمن من البدن من الأعلى إلى الأسفل ثم ما ذا ثم الأيسر فيكون بذلك ما ذا قد تطهر من الجنابة ثم إن هناك غسل مجزئا و هو أن يأتي الإنسان و يغسل فرجه و دبره و يعمم بدنه بالماء و يتمضمض و يستنشق و يكون غسلا مجزئا .
قال هنا : ( وَإِن كُنتُم جُنُبًا فَاطَّهَّروا) (فَاطَّهَّروا) هذا يدل على ماذا يدل على الغسل المجزء يدل على الغسل المجزء لأنه أطلق و لذلك فإن النبي ﷺ قال لذلك الرجل الذي لم يجد ماء و كان جنبا و تيمم لما وجد الماء خذ هذا الدلو فأفرغه عليك قال فأفرغه عليك هذا دليل على ماذا دليل على الغسل المجزء
قال ( وَإِن كُنتُم جُنُبًا فَاطَّهَّروا) و هذا يشمل و العلم عند الله من أن الحائض تدخل في ذلك لأن الحدث القائم بها حدث أكبر لأن بعض أهل العلم يرى أن الغسل المجزء لا يكون إلا في حق الجنب لكن في حق الحائض يقولون لا والذي يظهر و العلم عند الله من أنها تدخل في ذلك لأن الحدث الذي بها حدث ما ذا هو حدث أكبر و لو احتاطت لكان أفضل و أحسن .
قال 🙁 وَإِن كُنتُم جُنُبًا فَاطَّهَّروا)
هنا كلمة فاطهروا تدل على المبالغة من ثم فإن قوله فاطهروا استدلي بها بعض العلماء على وجوب دلك بعض الأعضاء حين الغسل و حين الوضوء و الصحيح أنه لا يجب لأن النبي ﷺ قال تفيضين على رأسك الماء فذكر الإفاضة فذكر تفيضين على رأسك الماء فذكر ماذا الإفاضة و الإفاضة عبارة عن السيلان من غير ما ذا من غير دلك و لكن إن دلكت لكان أفضل .
(وَإِن كُنتُم جُنُبًا فَاطَّهَّروا وَإِن كُنتُم مَرضى أَو عَلى سَفَرٍ أَو جاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الغائِطِ أَو لامَستُمُ النِّساءَ فَلَم تَجِدوا ماءً فَتَيَمَّموا صَعيدًا طَيِّبًا فَامسَحوا بِوُجوهِكُم وَأَيديكُم مِنهُ) تلك الأحكام مرت معنا في سورة النساء في سورة النساء عند قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكارى …. الآية ) قال هنافَامسَحوا بِوُجوهِكُم وَأَيديكُم مِنهُ ما يُريدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ)
ما يريد أن يجعل عليكم من حرج وضيق فيما شرعه لكم كما قال تعالى :(يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ)
و قال هنا (ما يُريدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ)ذكرنا في سورة البقرة(يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ) الرد على من أستخف بطاعة الله و بالمعاصي فإذا به يترك الطاعة أو يفعل المعصية و يقول الدين يسر رددنا على هؤلاء في سورة البقرة (ما يُريدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ)
وَلكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾
و المقصود من ذلك في دينه و لذلك ما ذا قال عزوجل ( وَجاهِدوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجتَباكُم وَما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ ………الآية ) (ما يُريدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ وَلكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم) يعني ما أحرجكم فإنكم إن كنتم مرضى أو لم تجدوا الماء شرع لكم ماذا التيمم فقال هنا (وَلكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم) فإن التيمم و الوضوء الوضوء طهارة طهارة للحس و للباطن للظاهر و للباطن و كذلك التيمم من يتيمم فإنه طهارة طهارة معنوية طهارة لقلبه لأنه امتثل شرع الله عزوجل .
قال هنا :(وَلكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم) و من التطهير أيضا أن من قام بشرع الله عزوجل طهره الله عزوجل و حسن أخلاقه و جمله بالصفات الحسنة الطيبة .
( وَلكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشكُرونَ)
(وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم) ما ذا قال عزوجل في أوائل الآيات السابقات ما ذا قال ( اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي ) و قال في سورة البقرة (وَلِأُتِمَّ نِعمَتي عَلَيكُم) ( وَلكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشكُرونَ)
فمثل هذا يستوجب منكم أن تشكروا الله عزوجل على ما أنعم به عليكم من هذا الشرع العظيم و ما أنعم به عليكم من النعم الدينية و الدنيوية فقال هنا {لَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾
و لذا ما ذا قال عزوجل {وَاشكُروا لِلَّهِ إِن كُنتُم إِيّاهُ تَعبُدونَ﴾
﴿وَاذكُروا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم وَميثاقَهُ الَّذي واثَقَكُم بِهِ) قال (﴿وَاذكُروا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم) لما بين أنه أراد أن يتم النعمة عليهم و أتمها عزوجل عليهم لما أتمها ما لواجب أن تشكروا الله و أن تذكروا الله عزوجل و تشكروه على هذه النعمة ما ذا قال ﴿وَاذكُروا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم} اذكروا نعمة الله عليكم بألسنتكم و بقلوبكم و بجوارحكم إذ تجعلون هذه الجوارح مسخرة لطاعة الله عزوجل (وَميثاقَهُ الَّذي واثَقَكُم بِهِ)
أي اذكروا ميثاقه الذي واثقكم به قيل هو الميثاق الذي أخذه الله عزوجل عليهم لما خلق آدم و قيل المقصود من ذلك اليهود من أنه أخذ عليهم الميثاق أن يؤمنوا بمحمد ﷺ و قيل هذا المقصود منه ماذا أهل الإيمان و هذا هو الأقرب لأن ما بعد هذه تفسرها ما ذا قال (وَميثاقَهُ الَّذي واثَقَكُم بِهِ إِذ قُلتُم سَمِعنا وَأَطَعنا)( إِذ قُلتُم سَمِعنا وَأَطَعنا) ولذلك كانوا يبايعون النبي ﷺ على السمع و الطاعة .
فقال هنا عزوجل (إِذ قُلتُم سَمِعنا) أي سمعنا قولك (وَأَطَعنا) أمرك {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ﴾أمرهم بتقوى الله عزوجل في جميع الأحوال و من ذلك ما يتعلق بالنعمة و ما يتعلق بهذا الميثاق ثم ختم الآية بقوله ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ﴾ما في الصدور و ما تبطنه و ما تخفيه يعلمه الله عزوجل و من ذلك يعلم المخلص فيما يتعلق بهذه النعمة و ما يتعلق بهذا الميثاق و هو عليم بما تكنه الصدور و ما يكون في هذه الصدور مما يتعلق بما ذكر في هذه الآية أو بغيرها .
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالقِسطِ)
قال هنا مناديا لأهل الإيمان كونوا قوامين لله هذه الآية إذا جمعتها مع قول الله عزوجل في سورة النساء (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ بِالقِسطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَو عَلى أَنفُسِكُم أَوِ الوالِدَينِ وَالأَقرَبينَ إِن يَكُن غَنِيًّا أَو فَقيرًا فَاللَّهُ أَولى بِهِما)
قال هنا ((يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ لِلَّهِ) قدم الله على ما يتعلق بالقسط هناك قال قوامين بالقسط و العلم عند الله إما من باب بيان التذكير بعظم الأمرين فنوع في الأسلوب من باب التذكير لأهمية الأمرين كما قام بالقسط كان قائما لله و العكس أو و العلم عند الله أن ذكر هنا تقديم اسم الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ لِلَّهِ) لما ذكر ما يتعلق بنعمته و بميثاقه هو عزوجل (وَاذكُروا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم وَميثاقَهُ الَّذي واثَقَكُم بِهِ)
هنا ذكر ما يتعلق بماذا ما يتعلق به عزوجل فقال (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ لِلَّهِ)
و من القيام لله عزوجل القيام بما يتعلق بذلكم الميثاق و بتلك النعمة (كونوا قَوّامينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالقِسطِ) أي بالعدل و من أراد التوسع فاليرجع إلى آية النساء في هذه الجمل .
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ بِالقِسطِ شُهَداءَ لِلَّهِ)
قال هنا (وَلا يَجرِمَنَّكُم ) أي لا يحملنكم (شَنَآنُ ) أي بغض قوم على أن لا تعدلوا يعني هذا البغض الذي في قلوبكم لهذا العدو حتى لو كان كافرا لا يحملنكم هذا البغض على أن تظلموه بل الواجب عليكم أن تعدلوا فيه و هذا يدل على ما ذا يدل على سماحة الإسلام و أن الإسلام و ما يرمى به من أنه دين زهق للأرواح أو أنه محب للدماء أو ما شابه ذلك فإنه كلام لا يصح لمن تأمل ما جاء في كتاب الله و في سيرة رسول ﷺ لكن تلك الأفعال التي يفعلها بعض من ينتسب للإسلام لا تكون محكومه بها على هذا الدين العظيم فتلك إنما هي أشياء تتعلق بهؤلاء فلا يحكم بما فعله من شذ و خالف دين الله على دين الله عزوجل في هذا الحكم العام الجائر .
(وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلُوا اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى) هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى)
يعني هل في الطرف الآخر إذا لم يعدل هل فيه شي من العدل و هو الظلم ؟
الجواب لا
و هذا يدل على ما ذا يدل على أن أفعل التفضيل من أنواعه أن الجزء الآخر قد لا يكون فيه هذا التفضيل .
مثال على ذلك الله جل و علا قال ﴿أَصحابُ الجَنَّةِ يَومَئِذٍ خَيرٌ مُستَقَرًّا وَأَحسَنُ مَقيلًا﴾ هل في مستقر أهل النار جزء من خير ؟ الجواب لا فهنا التفضيل ليس على بابه و أيضا و العلم عند الله لما قال (هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى) لأن المسلم إذا رأى من أن الله عزوجل إذا أمر بالجهاد في سبيل الله قد يظن ما ذا قد يظن أنه لا يعدل في هؤلاء الكفار و هذا ليس بصحيح و ليس بصواب و لذلك النبي ﷺ إذا أرسل جيشا أو سريه أوصى أميرها و بمن معه بتقوى الله و قال اغزوا باسم الله لا تغلوا و لا تغدروا و لا تمثلوا ونهى عن قتل النساء و نهى عن قتل الصبيان هذا هو العدل الذي جاء به الإسلام .
(هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى وَاتَّقُوا اللَّهَ) قال هو أقرب للتقوى و أمر بتقوى الله في جميع الأحوال(وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾
خبير و عالم ببواطن ما تعملونه ولو دقة و خفيت ومن هذا ما تعلق بماذا ما يتعلق بهذا الحكم من القيام بالقسط و العدل .
( وعد الله ) سبحان الله وعد الله الذين أمنوا هنا لما ذكر ما يتعلق بميثاقه و ما يكون فيما يتعلق بحقه و أمر بالعدل بين أن الناس صنفان قال هنا ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ عَظيمٌ﴾
يغفر الذنوب و يسترها و له أجر عظيم و من ذلك الجنة لما ذكر المقام بشرع الله فذكر ثوابه ذكر من خالف ما مضى فبين عقابه قال : (﴿وَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِآياتِنا) و في هذا تنبيه لمن كذب بآيات الله عزوجل من كفار قريش أو من اليهود و النصارى ﴿وَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ﴾هي النار و الجحيم من أسماء النار فهم مصاحبون لها و ملازمون لها و هم خالدون فيها أبدا .
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم)سبحان الله لما بين لهم من أنه أتم عليهم النعمة و أراد أن يتم عليهم النعمة ذكرهم هنا بأمر من نعم الله عزوجل إذ كف هؤلاء القوم عنهم إذ قال عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم) ما هي هذه النعمة ؟
(إِذ هَمَّ قَومٌ أَن يَبسُطوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم) أي أن يبسطوها بالسوء لكم
(فَكَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم) و هذا من فضل الله عزوجل عليكم فمنعهم من أن يوصل السوء إليكم و هؤلاء القوم اختلف فيهم على كل حال هم قوم على ما جاء من أن اليهود أرادوا أن يرموا النبي ﷺ بحجارة من علو حتى يموت أو أنها في شأن ذلكم الرجل الذي اخترق السيف و قال يا محمد من يمنعك مني فقال ﷺ الله فسقط السيف من يده .
و على كل حال هم قوم كف الله عزوجل أيديهم عن النبي ﷺ وعن أهل الإسلام .
(فَكَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ) سبحان الله تأمل تجد الله عزوجل أمر بتقوى الله أكثر من مره في ما مضى من الآيات مما يدل على ما ذا مما يدل على أن التقوى مأمور بها في كل حال من الأحوال و أيضا يدل على ما ذا يدل على أن من اتقى الله فقد قام بميثاق الله و قد قام بشكر نعمة الله عزوجل عليه .
( وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ﴾فالتوكل هو من صفات أهل الإيمان و من أصول الإيمان أن يتوكل المؤمن على الله .
قال (وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ﴾ فكف أيدي هؤلاء عنكم كذلك في كل حال من أحوالكم عليكم أن تفوضوا أموركم إلى الله عزوجل و قد قال تعالى(وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ)
و قد مر معنا تفصيل لذلك ﴿إِن يَنصُركُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُم وَإِن يَخذُلكُم فَمَن ذَا الَّذي يَنصُرُكُم مِن بَعدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ﴾
(وَلَقَد أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ بَني إِسرائيلَ وَبَعَثنا مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ نَقيبًا)
قلتوا في سورة النساء و في سورة آل عمران و في سورة البقرة يتأمل ويتدبر المسلم السورة فيجد أن فيها ارتباطا في آخرها و بين ثناياها و في أولها فإنه لما ذكر ما أمروا به فهذا يؤكد من أن قوله ( و ميثاقكم الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا و أطعنا ) من أن المقصود أهل الإسلام لما ذكر الأمر بأن يقوم أهل الإسلام بميثاق الله دل على ذكرهم بما أخذ على من على اليهود بالمواثيق فنقضوها فكانت العاقبة لهم ما كان لهم ما ذكره عزوجل تحذيرا لأهل الإسلام فقال هنا (وَلَقَد أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ بَني إِسرائيلَ وَبَعَثنا مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ نَقيبًا) على عدد الأسباط لأنهم كما مر معنا قال تعالى (وَقَطَّعناهُمُ اثنَتَي عَشرَةَ أَسباطًا أُمَمًا) والنقيب هو الرئيس على القبيلة سمي بهذا الإسم بالنقيب كالنقب في الجبل لأنه يعرف خواص من خواص قومه فهو داخل فيهم و يعرف أحوالهم و أيضا يعرف مناقبهم فجعل موسى عليه السلام لكل سبط جعل عليه نقيبا بحيث يوصلون إليه ما يكون من هذه القبيلة أو من هذا السبط و لذا قال هنا
(وَبَعَثنا مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ نَقيبًا ) و لذلك سبحان الله من بايع النبي ﷺ ليلة العقبة من الأنصار كان من بينهم اثنا عشرة نقيبا ثلاثة من الأوس و تسعة من الخزرج و النبي ﷺ كما ثبت عنه قال لا يزال هذا الدين و هذا الأمر ماضيا ما كان فيهم اثنا عشر خليفة فهؤلاء منهم ؟
قال ابن كثير رحمه الله قال هذا يدل على أن الإسلام يكون قويا إذا ولي فيه هؤلاء الأمراء و الخلفاء العدول قال و لا يلزم أن يكونوا مرتبين و لذا قال أولهم الخلفاء الأربعة ثم ذكر من ذكر عمر بن عبدالعزيز ثم ذكر من ذكر قال رحمه الله قال وليس هؤلاء ليسوا هم الأثني عشر الذين هم عند الرافضة الذين يعظمونهم و لذلك يقول رحمه الله قال: ممن أسلم من اليهود لأنه جاهل فاختلط بهؤلاء الرافضة فتشيع هؤلاء اليهود لجهل منهم لأنهم يلقنونهم من أن هؤلاء المذكورين في هذا الحديث هو يصدق على أئمتهم و إنما كما قال رحمه الله بل جائت رواية من أنهم من قريش فقال ﷺ هذا الحديث قال هنا
(وَبَعَثنا مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ نَقيبًا وَقالَ اللَّهُ إِنّي مَعَكُم) معية ماذا الخاصة التأييد و النصرة و مر معنا الكلام حول المعية العامة وحول المعية الخاصة كما قال تعالى (وَهُوَ مَعَكُم أَينَ ما كُنتُم) فقال الله عزوجل لهؤلاء (وَقالَ اللَّهُ إِنّي مَعَكُم لَئِن أَقَمتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيتُمُ الزَّكاةَ)
و هذا يدل على عظم ما ذا ؟ على عظم هاتين الشعيرتين عندهم بل في الأديان الأخرى قال عزوجل : ﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ إِسماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا﴾﴿وَكانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاةِ}
إلى غير ذلك من الآيات قال هنا (لَئِن أَقَمتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيتُمُ الزَّكاةَ)
أقمتم الصلاة حق الله و أتيتم الزكاة حق لله و يتضمن حق المخلوق(لَئِن أَقَمتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلي)
(وَقالَ اللَّهُ إِنّي مَعَكُم لَئِن أَقَمتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلي وَعَزَّرتُموهُم وَأَقرَضتُمُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم)
حق من ؟ الأنبياء (وَآمَنتُم بِرُسُلي وَعَزَّرتُموهُم) و عزرتموهم يعني : نصرتموهم
(وَعَزَّرتُموهُم وَأَقرَضتُمُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا) و القرض الحسن مر معنا عند قوله تعالى في سورة البقرة (مَن ذَا الَّذي يُقرِضُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا)(وَأَقرَضتُمُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا) ما الذي لكم ؟ (لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَلَأُدخِلَنَّكُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ فَمَن كَفَرَ بَعدَ ذلِكَ مِنكُم فَقَد ضَلَّ سَواءَ السَّبيلِ﴾
بعد هذا الميثاق (فَقَد ضَلَّ سَواءَ السَّبيلِ﴾ أي ضل و أضاع الصراط المستقيم و قد مر معنا الحديث في سورة البقرة عن قوله (فَقَد ضَلَّ سَواءَ السَّبيلِ﴾و هذا العهد المذكور في الآية يفسر العهد المذكور في سورة البقرة قال عزوجل﴿يا بَني إِسرائيلَ اذكُروا نِعمَتِيَ الَّتي أَنعَمتُ عَلَيكُم وَأَوفوا بِعَهدي أوفِ بِعَهدِكُم} هنا ذكر عهد الله و ذكر عهدهم و ذكر مع هذا العهد النعمة مما يدل على ما ذا مما يدل على أن أهل الإسلام عليهم أن يحذروا فيما وقعت فيه اليهود .
(فَبِما نَقضِهِم) تحذير سبحان الله تحذير لهذه الأمة أن يكون لها نقض كما حصل من من اليهود ( فبما نقضهم ) أي فبنقضهم ماء زائدة و قد مر معنا توضيح ذلك في سورة النساء ( فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم ) هنا قال يعني ما أتموا هذا العهد و الميثاق (فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم) ماذا (لَعَنّاهُم) و هو الطرد و الإبعاد من رحمة الله ( وَجَعَلنا قُلوبَهُم قاسِيَةً ) سبحان الله في سورة النساء ﴿فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم وَكُفرِهِم بِآياتِ اللَّهِ وَقَتلِهِمُ الأَنبِياءَ بِغَيرِ حَقٍّ وَقَولِهِم قُلوبُنا غُلفٌ بَل طَبَعَ اللَّهُ عَلَيها بِكُفرِهِم ﴾
هنا زاد ما ذا مع اللعنة من أن القلب قد قسى و إذا قسا القلب لم يقبل موعظة و لذا ما ذا قال عزوجل {أَلَم يَأنِ لِلَّذينَ آمَنوا أَن تَخشَعَ قُلوبُهُم لِذِكرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكونوا كَالَّذينَ أوتُوا الكِتابَ مِن قَبلُ فَطالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَت قُلوبُهُم وَكَثيرٌ مِنهُم فاسِقونَ﴾اعلَموا أَنَّ اللَّهَ يُحيِي الأَرضَ بَعدَ مَوتِها}
كما أن الأرض تحيا بما في السماء كذلك القلوب تحيا بشرع الله عزوجل (وَجَعَلنا قُلوبَهُم قاسِيَةً) سبحان الله خالفوا العهد و نقضوه و قست القلوب إذا ما الذي يترتب على ذلك الإجرام و أعظم إجرام أن يجرم في دين الله و أن يعتدى على دين الله فما صنع هؤلاء (يُحَرِّفونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِهِ) أي عن مواضعه التي أرادها الله عزوجل في كتابه و مر معنا في سورة النساء و في سورة آل عمران قال تعالى في سورة آل عمران (وَإِنَّ مِنهُم لَفَريقًا يَلوونَ أَلسِنَتَهُم بِالكِتابِ) و قال عزوجل (مِنَ الَّذينَ هادوا يُحَرِّفونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِهِ) فقال هنا
( يُحَرِّفونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِهِ وَنَسوا حَظًّا ) النسيان هنا الترك لأن النسيان يكون بمعنى الذهول و يكون بمعنى الترك هؤلاء نسوا هذا الحظ و هذا النصيب و نسوا حظا أي نصيبا مما ذكروا به في كتبهم و مما ذكر به في كتبهم ما فيه صفات النبي محمد ﷺ و (وَنَسوا حَظًّا مِمّا ذُكِّروا بِهِ) يا محمد ( تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ ) إما على فرقة خائنة أو على خائن باعتبارأن التاء تكون للمبالغة كما يقال نسابة و علامة المهم هنا فيهم الخيانة ( وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنهُم)
كما قال تعالى ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذينَ كَفَروا فَهُم لا يُؤمِنونَ﴾
﴿الَّذينَ عاهَدتَ مِنهُم ثُمَّ يَنقُضونَ عَهدَهُم في كُلِّ مَرَّةٍ وَهُم لا يَتَّقونَ﴾
قال هنا (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنهُم إِلّا قَليلًا مِنهُم) ممن أسلم كعبدالله بن سلام
(فَاعفُ عَنهُم وَاصفَح) (فَاعفُ عَنهُم وَاصفَح)
و مر معنا في سورة البقرة لما ذكر ما يتعلق هؤلاء اليهود قال ﴿وَدَّ كَثيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ لَو يَرُدّونَكُم مِن بَعدِ إيمانِكُم كُفّارًا حَسَدًا مِن عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعفوا وَاصفَحوا حَتّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ ﴾
خطاب لمن ؟ للصحابة رضي الله عنهم هنا خطاب للنبي ﷺ (فَاعفُ عَنهُم وَاصفَح)و الصحيح أن الآية ليست منسوخة و إنما يحتاج فيها أهل الإسلام أن يعفوا و أن يصفحوا عن هؤلاء باعتبار أن أهل الإيمان يكونون في قلة من العتاد و من العدد و ما شابه ذلك .
و مر معنا الفرق بين العفو و بين الصفح في سورة البقرة قال تعالى {فَاعفُ عَنهُم وَاصفَح إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحسِنينَ﴾
أي من قام بالإحسان مع الله و مع الخلق فالإحسان مع الله كما جاء بذلك الحديث الصحيح ( أن تعبد الله كأن تراه فإن لم يكن تراه فهو يراك و الإحسان إلى الخلق أن تعطيهم حقوقهم و إن تكف عنهم ما يؤذيهم قال هنا إن الله يحب المحسنين إثبات صفة المحبة لله عزوجل بما يليق بجلاله و بعظمته و هذا أيضا مما تفعل من الحكم يعتبر احسانا منك{وَمِنَ الَّذينَ قالوا إِنّا نَصارى) سبحان الله لما ذكر حال اليهود ذكر حال النصارى (الَّذينَ قالوا إِنّا نَصارى) هم الذين قالوا إنا نصارى و لذلك بعض الناس يقولون هذا مسيحيون أو مسيحي هذا خطأ لأن المسيحي أو المسيحين اتبعوا المسيح و هم لم يتبعوا المسيح عيسى ابن مريم لأنهم لو اتبعوا المسيح لقبلوا بدين محمد ﷺ و لذلك إذا خاطبت أحدا قل نصراني أو نصارى هم الذين ذكروا عن أنفسهم هذا (وَمِنَ الَّذينَ قالوا إِنّا نَصارى أَخَذنا ميثاقَهُم ) أخذ الله الميثاق عليهم و من الميثاق من أنه إذا بعث محمد ﷺ أن يؤمنوا به (وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيّينَ) و يشمل هذا من ا تبعهم كما مر معنا في سورة آل عمران
(وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيّينَ لَما آتَيتُكُم مِن كِتابٍ وَحِكمَةٍ ثُمَّ جاءَكُم رَسولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ)
لكن النصارى ما ذا صنعوا اختلفوا و تركوا هذا الميثاق قال ( فَنَسوا حَظًّا ) أي نصيبا (مِمّا ذُكِّروا بِهِ) في كتابهم فما لذي جرى (فأغرينا) سبحان الله تركوا تركوا ما جاء به الشرع يؤدي إلى قسوة القلوب و الاعتداء على شرع الله كما حصل من اليهود في الآية السابقة ترك شي من الشرع يودي بهؤلاء إلى أن يتباغضوا فيما بينهم و من ثم ما ترى من شحناء و بغضاء بين بعض المسلمين إنما هو بسبب ما ذا بسبب ما فرط في شي من دين الله عزوجل و لذا ثبت عنه قوله ﷺ (ما من مسلمين يتحابان ثم بفترقان إلا بذنب قد أحدثه أحدهما قال هنا ( فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ ) أغرينا أي حرضنا و أشعنا (فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ ) قال هنا العداوة والظاهرة و العلم عند الله و البغضاء التي في قلوب و ظهرت و لذلك ما ذا قال عزوجل في سورة آل عمران (قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أَفواهِهِم) دل على أن البغضاء في الأصل في الباطن فهنا أغري بينهم و سار بينهم البغض و العداء و الحاصل بين هؤلاء ( فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ) و السياق من حيث النصارى لأن هناك من يقول (فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ ) أي بين اليهود و النصارى لا شك على أن السياق للنصارى سياق نصارى أيضا كذلك حصلت البغضاء بين القولين و لا تنافي حصلت بغضاء و شحناء بين اليهود و النصارى قال تعالى ( وَقالَتِ اليَهودُ لَيسَتِ النَّصارى عَلى شَيءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيسَتِ اليَهودُ عَلى شَيءٍ ) كل منهم يكفر الآخر لكن لو قال قائل قال الله عزوجل في هذه السورة(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذُوا اليَهودَ وَالنَّصارى أَولِياءَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ)
نعم ( بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ ) الذين كانوا يعادونهم هم أهل الإسلام لكن فيما بينهم فيما بينهم الشحناء و البغضاء .
( فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَإِلى يَومِ القِيامَةِ ) ولذلك تجد الخلاف و النزاع بين النصارى و لذا ما ذا قال تعالى ﴿فَاختَلَفَ الأَحزابُ مِن بَينِهِم}
و لذا قالوا عن عيسى عليه السلام طوائف متعددة منهم من قالت هو الله(لَقَد كَفَرَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسيحُ ابنُ مَريَمَ)
و منهم من قال هو ثالث ثلاثة(لَقَد كَفَرَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ)
و قال بعضهم هو ابن لله (وَقالَتِ اليَهودُ عُزَيرٌ ابنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارَى المَسيحُ ابنُ اللَّهِ) بل قال ابن كثير رحمه الله لقد صدق فيهم بعض قول المتكلمين قال لو اجتمع عشرة من النصارى لاختلفوا على احدى عشرة قولا قال لاختلفوا على احد عشرة قولا نعم قال هنا ( فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَإِلى يَومِ القِيامَةِ وَسَوفَ يُنَبِّئُهُمُ ) وسوف ينبئهم و يخبرهم الله ( وَسَوفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانوا يَصنَعونَ﴾
أي ما عملوه وصنعوه حتى أدق ما يكون من العمل لأن هناك فرق بين العمل وبين الصنع يعملون و يصنعون فيه فرق سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في نفس هذا السورة و يتضمن ما ذا يتضمن من أن العقاب الذي وقع عليهم في الدنيا المذكور البغضاء و العداوة و في الآخرة ينبئهم الله بما عملوا و يجازيهم على ما عملوه و للحديث أتمه ﷺ