التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (32) إلى (40) الدرس(80)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (32) إلى (40) الدرس(80)

مشاهدات: 460

تفسيرسورة المائدة

من آية 32 إلى آية 40

فضيلة الشيخ زيد البحري   حفظه الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.  أما بعد …  

فكنا قد توقفنا عند قول الله عزوجل ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ الآية. قوله تعالى  ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ  أي من أجل ما مضى من قصة ابني آدم وما جرى بينهما من قتل بسبب الحسد فالله عزوجل فرض على بني إسرائيل هذا الحكم ومن ثم تكون الآية هنا مُستأنفة        ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ . ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أي فرضنا على بني إسرائيل، وهناك قول يقول من أن الوقف يكون ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ قال تعالى ﴿  فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ أي من أجل ماحصل منه من عدم موارات صاحبه وأخيه في التراب فأصبح نادما من أجل ذلك فُرض هذا الحكم، لكن الأظهرمن أن الآية مُستأنفة ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ أي من أجل ما مضى من قصة ابني آدم وما جرى من قتل بسبب الحسد ﴿ كَتَبْنَا أي فرضنا على بني إسرائيل وهم اليهود وإنما خُص بنو إسرائيل مع أن قبلهم أمماً باعتبار أن اليهود قتلة، قتلوا الأنبياء والمصلحين وهم مع ذلك حسدة، حسدوا النبي ﷺ. ﴿ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا هذا هو الحكم وهذا هو المكتوب ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا معنى ذلك أن من قتل نفساً من غير وجه حق قال هنا ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أي على وجه القصاص ﴿ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ أي بسبب ماحصل منه من فساد بسبب كفر أو زناً بعد إحصان أو نحو ذلك إن جرى منه قتل من غير هذين السببين فإنه والحالة هذه يكون هذا الحكم حكمه. قال هنا ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚمعنى هذه الآية أن من أقدم على قتل نفس فكأنما قتل الناس جميعا بمعنى أن من استخف بقتل نفس واحدة فإنه لن يتورع عن قتل أنفس أخرى، كذلك الشأن من كف يده عن قتل نفس فإنه سيكف عن غيرها وقد قال بعض العلماء هنا الحكم متعلق بالإمام العادل فمن قتل إماماً عادلاً فإن هذا الحكم حكمه، قلت ولا شك أن من قتل الولاة ومن قتل العلماء المصلحين فإن الأرض تفسد باعتبار ماذا؟ باعتبار أن قتل الولاة يصبح الناس من غير ولاة فيكونون في فوضى وفي قتل وفي تشريد، وكذلك من قتل العلماء الربانيين المصلحين فإنه والحالة هذه يكون قد أفسد في الأرض لأن الناس بحاجة إلى العلماء المصلحين ليبينوا لهم أمور دينهم، ومن ثم قال بعض العلماء إنما قال ﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚباعتبار أن عذابه كعذاب من قتل الناس جميعا من أجل أن يكف عن القتل، وقد قيل إن المقصود من عدم القتل ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚأن من عفا عن القصاص يكون هذا الحكم حكمه، لكن كما مر الأصل أن من كف عن فتل نفس مؤمنة فسيكف عن قتل نفوس أخرى ومن أقدم على قتل نفس فإنه لا يتورع عن قتل أنفس أخرى. قال هنا ﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚوأتى بهذا الأمر من أجل أن يبين خطورة قتل النفس من غير حق، من غير نفس، ومن غير إفساد في الأرض أي من غير وجه حق، فإن قتل النفس يكون عظيماً. ثم قال عزوجل ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ أي بالعلامات والدلائل الواضحة التي تبين الحق لكن هؤلاء قلوبهم ملأى بالقسوة وبالضلالة فإنهم لم يُتركوا هكذا سدى من غير أن يأتيهم رسول ومن غير أن ينزل الله عليهم كتابا لكن هؤلاء طغاة قال   ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ قال ثم أتى ب ثم التي تفيد التراخي في الزمن، مبيناً أن هؤلاء قد استمروا على الضلالة وعلى الطغيان ﴿ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ.أي تجاوزوا الحد في الإسراف، ومن أعظم الإسراف أن يُسرف في دين الله عزوجل ومن أعظم الإسراف أن يُقتل الناس وأن يُكفر بدين الله عزوجل قال ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا يعني بعد أن جاءت الرسل وتمعنوا فيما جاؤوا به من الدلائل مع ذلك لم يزدهم ذلك إلا طغيانا ولذا قال ﴿ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ.وذكر الكثرة باعتبار أن هناك قلة قد آمنوا وأسلموا و صلحت أحوالهم.             ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُلما ذكر مايتعلق عزوجل بالإفساد في الأرض من قتل الأنفس ذكر هنا نوعاً من أنواع الإفساد في الأرض وهو من أعظم أنواع الإفساد وذلك بأن يكون هناك تخويفٌ وترويعٌ للناس فقال عزوجل ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ هل هذه الآية خاصة بالمشركين أم أنها في غيرهم؟ وذكروا دليلاً من أن العُرنيين أتوا إلى المدينة فلم يناسبهم جوها ومن ثم أمرهم النبي ﷺ بأن يخرجوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فلما استصحوا كفروا بالله عزوجل وارتدوا عن دين الله وقتلوا الراعي ومثَّلوا به وأخذوا الإبل فأنزل الله هذه الآية، والذي يظهر من أن الآية عامة في المشركين وفي غيرهم فمن حارب الله ورسوله وأخاف الناس فإن هذا الحكم حكمه.            ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًاسبحان الله جعلهم الله عزوجل محاربين له ومحاربين لرسوله لأنه مع عدم الأمن ومع عدم الإستقرار لا تقوم مصالح الدين فقال هنا  ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًاأي يسعون في الأرض بشتى أنواع الإفساد ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًاالحكم ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍأي تقطع اليد من جانب والرجل من جانب آخر وليس القطع من جانب واحد وذلك بأن تُقطع يده اليمنى وتُقطع رجله اليسرى. فقال هنا ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ والتصليب هو المعروف بأن يوضع على خشبة وذلك هل يكون بعد قتله أو أنه يُصلب ثم بعد ذلك يُقتل؟ خلاف بيت أهل العلم، وقال هنا ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا قال هنا يُقَّتَّلوا  بصيغة التضعيف ولم يقل يُقتلوا أو يُصَّلَّبوا وذكرها بصيغة التضعيف من باب أن هذا الأمر عظيم وأن الواجب أنه متى ما قُبض على هؤلاء أو أن هؤلاء إذا لم يتوبوا فإن هذا الحكم يكون حكماً لهم ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ النفي من الأرض قيل يُنفى بحيث يُتَمكن منه فإنه يُنفى من بلد إلى بلد حتى لو خرج من بلاد المسلمين، وقيل إنما يُنفى من أرضٍ إلى أرض مع المتابعة له لكن لايخرج من بلاد المسلمين وهذا أصح من القول الأول لأنه إذا خرج من بلاد المسلمبن إلى بلاد الكفر لا يُؤمن عليه أن يكفر بالله عزوجل، وقيل هو الحبس بمعنى أنه يحبسه الإمام، وعلى كل حال الأحوال والأزمان تختلف فمتى ما رأى الإمام في مثل هذا العصر أنه يحبس هؤلاء فإن له ذلك.  ﴿ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ومن ثم هذه الآية جاءت بصيغة أو هل ( أو )  هنا للتخيير أو للتنويع؟ قال بعض العلماء هي للتخيير بمعنى أن ولي الأمر له الحق أن يختار ما يشاء متى ما خرج هؤلاء المحاربون وهذه المحاربة هل تكون خاصة بالصحاري أو أنها تشمل حتى البلد؟ الصحيح أنها كما تكون في الصحراء أيضاً نكون في البلد، خلافاً لمن قال إن من في البلد بإمكانه أن يستغيث بآخرين، لكن الصحيح من أن المحاربة متى ما وقعت – والمحاربة بأن يخرج قوم وأن يسطوا على الناس وأن يُرعبوا الناس وأن يُخوفوا الناس فيحصل منهم إما قتل أو يحصل منهم سرقة أو يحصل منهم إخافة للناس ولو لم يكن هناك سرقة ولو لم يكن هناك قتل فهي شاملة- سواء كان في البر أو في البحر أو في الأمصار يعني في البلدان. هل ( أو ) هنا للتخيير؟ قيل بهذا بمعنى أن الإمام يختار ما يشاء والأقرب والأصح عندي من أن أو للتنويع بمعنى – وهذا تدل عليه آثار كما أن القول الأول جاءت به بعض الآثار عن الصحابة لكن الأظهر هنا ماجاء من آثار أخرى عن الصحابة من أن هذه كلمة أو للتنويع -أي أن الحكم يُنوع باختلاف نوع الجريمة التي فعلها هؤلاء بمعنى من أن قوله ﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا يعني إن قتلوا وسرقوا أن يقَّتَّلوا إن قتلوا فقط  ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍبمعنى إن حصل منهم سرقة دون قتل ﴿ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ بمعنى إن أخافوا السبيل والطريق ولم يحصل منهم لا قتلٌ ولا سرقة، هذا هو الصحيح. ولو قيل لماذا قلتم في كفارة اليمين وفي كفارة الفدية في الحج من أن (أو) تكون للتخيير فلماذا هنا لا تكون للتخيير؟ فالجواب عن هذا من أنه لو قيل بالتخيير لكان الإمام له في حق من قتل وسرق له أن يسجن هؤلاء فقط ومثل هذا في ما أعلم لم يقل به أحدٌ من العلماء، ثم إن الجرائم تختلف فكيف بشخص قتل وسرق وإذا به فقط يُحبس مع أنه أقدم على قتل نفوس؟ فدل هذا على أن هذه ( أو ) تكون للتنويع بحسب ما يكون من جرائم وقع فيها هؤلاء وهذا هو عنوان وعلامة العدل بأن تكون لكل جريمة ما يناسبها، وكيف يقال لمن أخاف الطريق  فقط أنه يُقتل ويُصلب. وعلى كل حال فإن الجواب عمن قال لماذا قلتم إن ( أو) للتخيير في فدية الحج في من أصاب رأسه أذى وكذلك في كفارة اليمين لماذا قلتم هي للتخيير ولم تقولوا بها هنا؟ نقول لأن الشريعة أتت في أحكامها من أن الجرائم تختلف، ثم تأمل شيئاَ آخر وهو مهم بمعنى أن كفارة اليمين والفدية إنما هي لسبب واحد وقع على سبب واحد فكان التخيير، أما هنا فالأسباب متنوعة فيه قتل فيه سرقة فيه إخافة للسبيل فهنا ( أو ) تكون للتنويع. ﴿ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ﴾  لهم الخزي بمعنى المهانة والعار بأن تُكشف أحوالهم وذلك بأنهم إذا قُتلوا وصُلبوا وشُهِّر بهم يكون هذا من الخزي.        ﴿ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ﴾  باعتبار ما أقدموا عليه من هذا الجرم العظيم الذي به قتل وسرقة وفيه إخافة وفيه عدم استقرار وأمن للناس.                                                 ﴿  لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ﴾ ومن ثم فإن قوله  ﴿ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ هناك حديث ورد عن النبي ﷺ في الحدود قال ﷺ ” فمن عوقب بشئ من ذلك في الدنيا فهو كفارة له ” هنا قال ﴿ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ ومن ثم قال أهل العلم هي مستثناة من هذا الحديث وعلى كل حال ففاعل ذلك يكون على خطر عظيم. ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ يعني أنهم تابوا قبل أن يُقبض عليهم فهنا ماذا قال تعالى ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لم يذكر حكماً دل هذا على أن أسماء الله ترتبط بالآيات فدل هذا على أن الإسم أوأن الإسمين أو أن الأسماء لله عزوجل تُغني عن ذكر الحكم فلما قال﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ دل على أن من تاب من الحرابة وسلَّم نفسه قبل أن يُقبض عليه أن ما يكون عليه من حقوق لله تسقط لأن الله غفور رحيم لكن إذا كانت عليه حقوق لآدميين فإنها لا تسقط، لو أخذ مالاً لا تسقط، لو أنه قتل نفساً لاتسقط، لكن ما يتعلق بحقوق الله عزوجل من هذه الحدود فإنها تسقط عنه حتى قال بعض العلماء إنه يسقط عنه القتل والصلب والقطع من خلاف لكن هل تُقطع يده فيما لو سرق وتاب قبل أن يُقدر عليه؟ قيل يُقطع. قال بن كثير رحمه الله وظاهر الآية مع ماجاء من الآثارمن أن ذلك يسقط عنه يعني يسقط عنه حتى قطع اليد. ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لكن لو أنه تاب من بعد أن قُبض عليه هنا الأحكام المتعلقة بحقوق الله تُقام عليه لكن لو أنه تاب توبة نصوحا فإن هذه التوبة تكون مقبولة في ما بينه وبين الله أما تنفيذ الأحكام فإنها تُنفذ عليه لم؟ لأن هؤلاء مفسدون ولا يؤمن من هؤلاء من أنهم يقولون تبنا ومع ذلك لم يقولوا ذلك عن صدق، لكن إن كان عن صدق فهذا بينهم وبين الله عزوجل ومن ثم قال العلماء من أن الساحر إذا قُبض عليه وقال تبت فإنه يُنفذ عليه الحكم بأنه يُقتل، لكن لو تاب فيما بينه وبين الله فإن توبته تكون مقبولة لكن الولاة ينفذون الحكم بمعنى أنهم يقتلونه لم؟ لأنه تاب بعد أن قُبض عليه فمثل هذا لا يؤمن شره.                                                                                 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  سبحان الله لما ذكر مايتعلق من فساد في الأرض من شرك بالله وما شابه ذلك بيَّن أن الطريق الصحيح الذي به يسعد الإنسان في دنياه وفي أخراه عليه بماذا؟ أن يتقي الله عزوجل وأن يفعل هذه الأشياء ولذا نادى أهل الإيمان ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الأمر الأول ﴿  وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَهذا أمر ثاني ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِهذا أمر ثالث، الثواب؟ ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  فالفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المكروه ومن ثم فإن من أتى بهذه الأشياء الثلاثة حصل له الفلاح. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ دل هذا على أن المؤمن بحاجة إلى أن يكثر من تقوى الله عزوجل بفعل أوامره وباجتناب نواهيه وأن التقوى سبب لزيادة أيمانه ﴿ وَابْتَغُوا أي واطلبوا ﴿إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾  سبحان الله قدم إليه على كلمة الوسيلة إليه، لو كان في غير القرآن لكان إليه مؤخرا وابتغوا الوسيلة إليه، لكن لما قدم إليه دل على أن الوسيلة وهي الطريقة التي توصل إلى ما يحبه الله عزوجل إنما تكون لله عزوجل فمن تقرب بطاعةٍ فإن عليه أن يكون هذا التقرب خالصاً لله عزوجل لا إلى غيره، قال ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَوالوسيلة هي القربى فهي الطريقة التي توصل الإنسان إلى ما يقربه إلى الله عزوجل ولذا النبي ﷺ لما كان أعظم الناس قربةً لله وتقرباً إلى الله ظفر بماذا؟ ظفر بالوسيلة قال: “وهي درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو” وما جاء من حديث من أنه قيل يا رسول الله من يسكن معك في هذه الوسيلة قال: علي وفاطمة وحسن والحسين فهو حديث لا يصح عنه ﷺ وما ورد من حديث من أن في الجنة لؤلؤتين لؤلؤة بيضاء يسكنها النبي ﷺ وهي الوسيلة ومعه أهل بيته ولؤلؤة صفراء يسكنها إبراهيم وأهل بيته أيضاً لايصح عنه ﷺ. فانظر لما تقرب ﷺ إلى الله بالقرَب نال الوسيلة، قال هنا ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَومن ثم فإنه لايمكن أن يصل عبدٌ إلى رضوان الله وإلى القرب من الله إلا عن طريق النبي ﷺ ومن ثم فإن التوسل إلى الله بالنبي ﷺ كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى قال: “هو ثلاثة أنواع نوعان صحيحان دلت عليهما النصوص الشرعية ونوع لم يدل عليه دليل، النوع الأول الصحيح من أن التوسل إلى الله بالنبيﷺ يكون بالإيمان بالرسول ﷺ وبطاعته قال وهذا يكون دائما في حياة النبي ﷺ وبعد وفاته فلا طريق لك إلى الله إلاعن طريق النبيﷺ وذلك باتباع شرعه ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗالنوع الثاني التوسل بدعاء النبي ﷺ ولا يكون هذا إلا في حياته أما بعد وفاته لا، ولذلك لما حصل القحط في عهد عمر رضي الله عنه قال: “ياعباس قم فاستسق لنا اللهم إنا كنا نستسق بنبينا فتسقينا فإنا نستسقي بعم نبينا فاسقنا ” دل هذا على الدعاء وليس المقصود ذات النبي ﷺ ولذلك ماذا قال عمر رضي الله عنه للعباس:”قم ياعباس” وقال عمر: “فاسقنا” بمعنى أنهم طلبوا من العباس أن يدعو الله لهم بأن ينزل عليهم المطر ولو كان التوسل بذات العباس لكانت ذات النبي ﷺ عندهم قريبة، ومن ثم فهذان نوعان صحيحان كما قال رحمه الله أحدهما دائماً وهو التوسل بالإيمان بالنبي ﷺ وبطاعته ومر معنا تفصيل ذلك. النوع الثاتي التوسل بدعاء النبيﷺ في حياته قال شيخ الإسلام رحمه الله: ” فلما لم يتوسلوا بعد وفاة النبي ﷺ دل هذا على أنه متعذر بعد وفاته”. أما النوع الثالث الذي لم يرد به دليل ولم يؤثر عن الصحابة رضي الله عنهم لا في حياة النبي ﷺ ولا بعد وفاته قال: “هو التوسل إليه بذاته والإقسام على الله بذاته، بمعنى أن يسأل الله فيقول أسألك بذات النبي ﷺ أو أقسم عليك يالله بذات النبي ﷺ فهذا إقسام وهذه وسيلة مذمومة ذمها الشرع وهي تخالف العقيدة وهنا يفترق الحال فدل هذا على أن قوله تعالى ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَأي إلى الله وحده ومن ثم من يجعل الموتى ومن يجعل الأولياء وسطاء له عند الله عزوجل فهذا من الشرك بالله عزوجل كمن يأتي ويقول – حتى لو كان النبيﷺ- يأتي إلى هؤلاء الموتى ويقول أسألك أن تدعو الله لي أن يرزقني أو أن يشفيني فهذا من الشرك بالله عزوجل.﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ جاهدوا في سبيل الله يُجاهَد من؟ الأعداء، يُجاهَد الأعداء في المعارك، يُجاهَد الأعداء وهو أعظم الجهادين مجاهدة أهل البدع و أهل الأهواء بالعلم الشرعي كما قال تعالى عن القرآن آمراً النبي ﷺ ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًاوصفه بأنه الجهاد الأكبر.         ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوالما ذكر ما يتعلق بحال أهل الإيمان حذرهم من الكفر بالله عزوجل لأن حال الكافر لا سعادة له لا في الدنيا ولا في الآخرة فقال هنا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا جميعا تأكيد ل ما الموصولة يعني لو أن لهم كل مافي الأرض من أموال ومن أثاث ومن زخارف وما شابه ذلك فإن مثل هذا لا يغني عنهم عند الله عزوجل أي شئ قال تعالى ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾. فقال هنا قال عزوجل ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُيعني ويكون مثله معه وقال ومثله معه باعتبارأنه كالشئ الواحد المتلازم لأنه مثيله ﴿ وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِبه يرجع إلى ماذا؟ ليفتدوا به أي إلى مافي الأرض وإلى الذي مايكون مثيلاً له، ولذلك هنا يدل على ماذا؟ يدل على أن الضمير يكون كإسم الإشارة إسم الإشارة المفرد يعود إلى المجموع في بعض النصوص، ولذلك ماذا قال عزوجل كما مر معنا قي سورة البقرة في شأن الطلاق والعضل؟ قال ﴿ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،قال هنا ﴿ لِيَفْتَدُوا بِهِأي لينقذوا أنفسهم وليكون هذا فداءً لهم ما تُقُبِل منهم ﴿ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ۖما تقُبل منهم كلمة تدل على التضعيف يعني تدل على التأكيد بمعنى أنهم لو حرصوا أشد الحرص على أن يقدموا مثل هذا الأمر فإنه لن يغني عنهم من الله عزوجل أي شئ، ولذا ماذا قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وقال تعالى كما مر معنا في سورة البقرة ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ والآيات في مثل هذا المعنى كثيرة. ﴿ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ۖثم بيَّن من أنه إذا لم يقبل منهم لا يُظن أنهم سالمون قال ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌأي عذاب مؤلم ثم لما كان هذا العذاب مؤلماً ويكون لهم، بيَّن بعد ذلك في الآية التي بعدها من أن هذا العذاب هم باقون فيه أبد الآباد. ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا قال وماهم بخارجين منها أتى بالجملة الإسمية تدل على أنهم مستقرون فيها، ولذاماذا قال تعالى ﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وفي الآية الأخرى ﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَوالآيات في مثل هذا المعنى كثيرة. فقال هنا ﴿  يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌأي دائم مستمر ولذا ماذا قال تعالى كما مر معنا في أواخر سورة النساء ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا  إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا .فقال هنا ﴿  وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُلما ذكر حد الحرابة وأنها بها السرقة الكبرى ذكر أيضاً نوعاً من أنواع السرقة وهي التي أقل من تلك الحرابة وهذا حد السرقة، قال هنا ﴿  وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُومن ثم فإن الحرابة حد، والسرقة حد، ومن ثم مايقوله بعض من في هذا العصر إما عن طريق جهل أوعن طريق زيغ أوعن طريق إرضاء للكفارأو بسسب العقل الزائف وهؤلاء عقلانيون يقولون إنه ليس في الدين حدود لم؟ قالوا لأن الحدود التي يذكرها الفقهاء إنما ذُكرت في القرآن في مواطن: الصيام ﴿ وتلك حدود الله في موطن الطلاق ﴿ وتلك حدود الله في موطن الإرث، فيقولون ماجاء بها القرآن إنما جاءت بها السنة، سبحان الله أليست السنة مبينة لما في القرآن؟ ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾  إذاً أمر الله في القرآن بأن يؤخذ من الرسول ﷺ ولذلك قال ﷺ في حد السرقة لما أتى أسامة رضي الله عنه ليشفع لتلك المرأة المخزومية قال ” أتشفع في حد من حدود الله” ، ثم سبحان الله هؤلاء يقولون نأخذ بالقرآن طيب القرآن ماذا قال؟ قال لما ذكر أوصاف أهل الإيمان ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُود اللَّهِ هل قول الحافظون لحدود الله المقصود به فقط مايتعلق بالطلاق؟ وما يتعلق بالصيام؟ وما يتعلق بالإرث؟ هذا لايقول به من لديه أقل علم، الله جل وعلا لما قال ﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ هل هذه خاصة بما ذكرتم فقط بطلاق وبصيام و بإرث؟ لايقول بهذا من لديه أقل علم إن كنتم تقولون إنا لا نأخذ إلا بالقرآن، فهذا القرآن يرد مقولتكم، ومن ثم فإنه لو تؤمل في شأن ما يتعلق بهذه الحدود من حد زنا ومن حد سرقة وما شابه ذلك فإنها لا تقام إلا من أجل الحفاظ على أموال الناس وعلى أنفسهم وعلى أعراضهم ولا تقام إلا بعد أن يكون هناك يقين يعني إدرأوا الحدود بالشبهات يعني أدنى شبهة لايقام هذا الحد، مما يدل على أن الإسلام لما أتى بهذه الحدود لم يأمر بأن تقام هكذا جزافاً وإنما ضيَّق القيام بها إلا بعد شروط عظيمة، حتى في حد الزنا وهو الرجم يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” ما ثبت من عصر النبي ﷺ وما جاء بعده من القرون المفضلة ما ثبت إقامة الحد على من زنا وهو من زنا محصناً بالرجم عن طريق الشهادة إنما ثبت عن طريق الإقرار” ماعز أقر فأقام عليه الحد، الغامدية أقرت فأقام عليها الحد، لكن أن يأتي أربعة شهود من لدن عصر النبي ﷺ إلى ما بعد النبي ﷺ من القرون المفضلة ما جاء إقامة حد بسبب الشهود لم؟ لأن لا بد من أربعة وهؤلاء الأربعة لابد أن يصفوا فيقولون دخل ذكره في فرجها بتفصيلٍ دقيق فمتى ما حصل أي اختلاف وأدنى اختلاف ولو من واحد من هؤلاء ما أقيم الحد. في شأن السرقة لابد أن تكون السرقة من حرز، من مكان تحفظ فيه أيضاً هذه السرقة لاتكون في أقل شئ وإنما تكون في نصابٍ معين هذه السرقة لو كان بها شبهة كأن يسرق الولد من أبيه أوما شابه ذلك لايقام حد السرقة شروط تدل على أن هناك تضييقاً في إقامة الحد إلا إذا ثبتت الشروط فيقام الحد، ومن هنا قال ﴿  وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُفرد العلماء على من قال إن السرقة متى ما وقعت من غير شرط فإن الحد يُقام عليه ردوا عليه باعتبار أن السنة وضحت وبينت لأن من قال بالإطلاق أخذ بعموم الآية        ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا لكن السنة جاءت بالنصاب لاتُقطع يد إلا في ربع دينار فصاعداً أو ثلاثة دراهم، مادون ذلك فإنه لايكون هناك قطع، لابد من حرز حتى قال العلماء أن من يأتي إلى المساجد ويأخذ الفرش من المساجد أو ما شابه ذلك فإن هذا يكون حرزاً فتقطع يده، حتى قال بعضهم مضيقاً على هذا الأمر من أن المساجد لو لم تكن بها أبواب وأخذ من المسجد لقُطعت يده. كذلك النبَّاش الذي يأخذ أكفان الموتى تقطع يده لأن حرز هؤلاء هي قبورهم فإذا نبشها دل على أنه أخذها من حرز. أيضاَ إذا كانت هناك شبهة لاتُقطع اليد، هناك شروط كثيرة مفصلة فصلناها في الفقه عن شروط السرقة حتى يُقام الحد. قال هنا         ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا قدَّم هنا السارق على السارقة ونص على السارقة مع أن المؤنث يدخل في المذكر لكن من باب التأكيد على أن هذا الحكم يشمل الذكر والأنثى حتى يكون هذا الحكم واضحاً، ثم قال هنا مقدماً السارق لم؟ لأن من تكون لديه رغبة وتكون له قدرة ويكون له قوة وإصرارإنما  يكون من الرجل فهو الذي يُقدم على السرقة بخلاف المرأة تكون أضعف منه. لكن فيما يتعلق بالزنا قال في آية الزنا ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي قدم الزانية على الزاني لاعتبارات ستأتي معنا إن شاء الله من بينها أن الرجل لو خرج فأراد الزنا بامرأة ما وجد لكن المرأة لو شاءت في أي لحظة وفي أي مكان ستجد من يزني بها من أهل السوء. فقال هنا                 ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا السارق والسارقة مبتدأ الخبر فاقطعوا الفاء دخلت على الفعل فعل الأمر فاقطعوا لأن الفاء هنا شبيهة بفاء الشرط لأن الإسم الموصول كما مر معنا في سورة البقرة من أنه كما قال عزوجل ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْلأن اسم الموصول شبيه بإسم الشرط و إسم الشرط لابد له من جواب، بعض الأجوبة لإسم الشرط لايصلح أن يكون جواباً إلا إذا أوتي بالفاء، هنا أين إسم الموصول؟ إسم الفاعل السارق والسارقة هذا به شبه بالموصول بمعنى الذي سرق والتي سرقت فاقطعوا الأمر هنا راجع إلى الحكام هم الذين يتولون إقامة الحدود ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا قال بصيغة الجمع أيديهما لم يقل فاقطعوا يديهما لم؟ لأن هذا الأسلوب من أساليب اللغة العربية من أن المثنى إذا أضيف إلى جمع فإنه يُجمع ما هو؟ المضاف، ولذا ماذا قال عزوجل ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾  ولم يقل قلباكما مع أن المقصود من؟ عائشة وحفصة رضي الله عنهما ومن ثم قالوا لأن التثنية بها ثقل فجُمعت لهذا الإعتبار. فقال هنا ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا والمقصود من الأيدي هنا يد واحدة وهي اليمنى تُقطع اليد اليمنى وإذا أُطلقت اليد المراد الكف ولذا قال ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا هنا أطلق لكن في آية الوضوء ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِأي مع المرافق فاليد إذا أطلقت في النصوص الشرعية من غير تقييد فالمقصود الكف. قوله ﷺ كما عند أحمد ” إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه من غير ستر فقد وجب الوضوء ” بمعنى أنه إذا لمس فرجه بكفه انتقض وضوءه لكن لو حصل اللمس بالساعد أو بالمرفق فإنه لا تأثير له ويكون وضوءه صحيحا هذا كمثال وإذا أطلقت اليد فالمراد الكف.                             قال هنا ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا إذا سرق مرة أخرى ماذا يُصنع به؟ قالوا تُقطع رجله وخلافٌ طويل محله في الفقه، قال هنا ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ولذلك قال    ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا حتى لو أنه سرق شيئاً فإن هذا الشئ يجب أن يرده على الصحيح يجب أن يرده إلى صاحبه، لو قُطعت يده وسرق هذا المتاع بنفسه مرة أخرى نفس المتاع هل تُقطع أم لا؟ خلاف والصحيح أنها تُقطع لأن السرقة متى ما اتفقت وانضبطت عليها الشروط يُقام الحد. ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا أي هذا عقوبة ما كسبا أي بسبب هذا الفعل الذي حصل منهما وفي هذا رد على الجبرية الذين يقولون إن العبد مجبور على فعل نفسه فإذا تحرك وإذا فعل الطاعة أو فعل الذنب هنا هو مجبور لا يُلام، نقول سبحان الله قال هنا ﴿ بِمَا كَسَبَا فأضاف إليهما الكسب ﴿ نَكَالًا أي ردعاً وزجراً لهما حتى لا يفعلا ذلك مرة أخرى إذا قُطعت اليد وكذلك ينزجر غيرهما. ﴿ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ قال من الله مما يدل على أن هذه الأحكام من الله الرحيم الرحمن الرؤوف فهذه الأحكام رحمة بالعباد لأن الناس لو تُركوا وجعل بعضهم يسرق بعضاً لحصل الفساد لكن هنا ﴿ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗكما قال في القصاص ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ عزيز، قوي وغالب لايُنال بسوء حكيم يضع الأمور في مواضعها المناسبة ومن ذلك أنه عزوجل هوعزيزوقوي فحكم بهذا الحكم الذي به مصلحة للناس. ولذا يذكرون من أن الأصمعي قرأ هذه الآية قرأ على وجه الخطأ نكالاً من الله والله غفور رحيم فإذا بأعرابي حوله فقال ما هذا؟ مما يدل على أن الأعراب في ما مضى عندهم علم باللغة العربية وبأساليب اللغة العربية فقرأها مرة أخرى فقرأ غفور رحيم ثم تنبه الأصمعي فلما قرأها قال ﴿ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال هكذا، قال كيف عرفت قال:” عز فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع”. ﴿ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ  فمن تاب هذا شامل أي إنسان يتوب من أي ذنب ويدخل في ذلك السرقة    ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ لأنه ظلم نفسه وإذا كانت سرقة ظلم نفسه وظلم غيره ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ  وَأَصْلَحَ  أي أصلح من حاله لأن من يقترف السرقة قد تبقى به هذه الصفة الذميمة فإذا تاب وأصلح حاله ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ  وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗوصرَّح بذلك وذكر اسمه عزوجل ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾  فهو غفور يستر الذنب ورحيم يرحم عباده ولو كانت الذنوب ما كانت، ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ  وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۗوليس في هذا دليل لمن قال أن من تاب فسرق وانطبقت عليه الشروط من أن الحد يسقط عنه ليس في هذا ما يدل على ما ذكر، وذلك قال هنا ﴿ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ  مما يدل على أنه وقعت منه السرقة، وإذا وقعت منه السرقة في شروطها فإن الحكم يُطبق عليه. ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ  إستفهام تقريري كما مر معنا في سورة البقرة ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗهنا ماذا قال؟ ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ إستفهام تقريري، هو يعلم ﷺ وكل عاقل مؤمن يعلم.﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗفهو المالك للسماوات والأرض ومالك لمن فيها من المخلوقات ومن ثم فإن أحكامه إنما هي عن حكمة فواجب على العباد أن يقوموا بها.       ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ سبحان الله قدَّم هنا التعذيب قبل الرحمة، في آيات أخر ذكر الرحمة وذكر بعدها العذاب لكن لماذا هنا قُدم؟ ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ قال بعض العلماء ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ قدمه باعتبارأن المغفرة جاءت بعد السرقة فقال ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُباعتبار الترتيب لأن السرقة إذا قُطعت يده لاشك أن بها ما بها مما يؤلمه و ذكر المغفرة باعتبار أن التوبة أتت بعد السرقة، وقال بعض العلماء ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُالسرقة تقام أين؟ في الدنيا، ﴿ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ المغفرة في الآخرة فعلى حسب الترتيب الزمني الأسبق من الدنيا أم الآخرة؟ الدنيا، فقدم العذاب على المغفرة، وهذه قيل بها وبها وجهة ولكن عندي في هذا من أنه يُزاد على ذلك من أنه والعلم عند الله قال ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ التنبيه على أن الله عزوجل قطع يده في ربع دينار مما يدل على أن هذا الذنب عظيم فإذا قطع عزوجل وحكم بقطع يده في الدنيا فليعلم العبد من أنه لايستهين بالذنوب فلربما يستمرئ عليها فيأمن من مكر الله فإذا جاء يوم القيامة عذَّبه الله عزوجل على ذنوبه إذاً هنا التحذير من أن يأمن العبد من مكر الله والتحذير من الذنوب ولذا يقرِّب كلامي هذا ما قاله بعض السلف رحمهم الله قال: لا تأمن الذي قطع يد في ربع دينار لا تأمن من أن يعذبك يوم القيامة، دل هذا على أنه عزوجل قدَّم التعذيب باعتبار أن الذنوب المآل إليها يكون وخيماً.                       ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وفي هذا الرد على من؟ على القدرية الذين يقولون إن العبد يفعل الطاعة بنفسه يخلقها ويقولون إن المعصية يخلقها العبد فقال عزوجل                    ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ولهذا ختم الآية ﴿ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فهو على كل شئ قدير ومن ثم فيه رد على الجبرية ورد على القدرية. .