التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (41) إلى (44) الدرس(81)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (41) إلى (44) الدرس(81)

مشاهدات: 510

تفسير سورة المائدة

من آية  41 إلى آية 44

(الرقم 81)

للشيخ زيد البحري – حفظه الله –

قوله تعالى :

{يا أَيُّهَا الرَّسولُ لا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ فِي الكُفرِ مِنَ الَّذينَ قالوا آمَنّا بِأَفواهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلوبُهُم وَمِنَ الَّذينَ هادوا} هنا النبي  ﷺ لما ذكر لهُ عز وجل حال اليهود وحال من ضل عن السبيل نهاه عن ماذا عن أن يصيبه حزن وألم من جراء صدودهم وإعراضهم وهذا به تسلية  للنبي ﷺ وناداه بوصف الرسالة يأيها الرسول ﷺ لما ناداه بوصف الرسالة بمعنى أنك رسول وما على الرسول إلا البلاغ ولذلك ماذا قال عزوجل {فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَراتٍ}

{يا أَيُّهَا الرَّسولُ لا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ فِي الكُفرِ} انظر يسارعون في الكفر  يعنى بمعنى أنهم  حريصون على الكفر ثم قال في الكفر  دل على أن هؤلاء من حيث الأصل منغمسون في الكفر وهم أهل النفاق هم أصلاً  كفار ومنغمسون في الكفر  لكنهم يتسابقون ويتسارعون إلى طرق الكفر بشتى أنواعها   يسارعون في الكفر.

{مِنَ الَّذينَ قالوا آمَنّا بِأَفواهِهِم} لم يقل بألسنتهم بمعنى أنهم إذا تحدثوا إليك تحدثوا على أنهم أهل إيمان وقد امتلأت به أفواههم ولم تؤمن قلوبهم {وَمِنَ الَّذينَ هادوا}  يعني اليهود  {وَمِنَ الَّذينَ هادوا} فيكون الوقف هنا

{يا أَيُّهَا الرَّسولُ لا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ فِي الكُفرِ مِنَ الَّذينَ قالوا آمَنّا بِأَفواهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلوبُهُم وَمِنَ الَّذينَ هادوا} بمعنى أن هناك طائفتين طائفة نفاق وطائفة هم اليهود ماذا يصنعون يسارعون في الكفر من يسارع في الكفر المنافقون وهؤلاء اليهود ولذا وصفهم بعد ذلك وصف طائفتين ماذا  قال بعدها.

{سَمّاعونَ لِلكَذِبِ} {سَمّاعونَ لِلكَذِبِ}  لكن قول آخر يقول {يا أَيُّهَا الرَّسولُ لا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ فِي الكُفرِ مِنَ الَّذينَ قالوا آمَنّا بِأَفواهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلوبُهُم} الوقف هنا فتكون المسارعة ممن من المنافقين { وَمِنَ الَّذينَ هادوا سَمّاعونَ لِلكَذِبِ} هذه وصفهم يعني الآن بدأ في ماذا على أنه ابتداء جديد استئناف جديد  يعني اليهود صنف آخر هذه صفتهم  {سَمّاعونَ لِلكَذِبِ} والأقرب والأشمل الأول فقال هنا  {سَمّاعونَ لِلكَذِبِ} بمعنى أنهم يسمعون سماع رغبة وقبول وقول الكذب للتقوية بمعنى أنهم  يحبون ما يسمعونه من الكفر والنفاق وما يكون به الطعن على الإسلام وعلى أهله {سَمّاعونَ لِلكَذِبِ} حتى يفشوا هذا الأمر ويدخل فيه وكلا القولين صحيحين  من أنهم {سَمّاعونَ لِلكَذِبِ} أي اليهود والمنافقون  سماعون للكذب أي لأجل  أي يكذبوا عليك يسمعون منك من أجل أن يكذبوا عليك {سَمّاعونَ لِلكَذِبِ} { سَمّاعونَ لِقَومٍ آخَرينَ لَم يَأتوكَ} بمعنى أنهم يستمعون إليك من أجل وهذه  تعتبر ماذا  نوع من أنواع التجسس هذا تجسس.

{سَمّاعونَ لِقَومٍ آخَرينَ لَم يَأتوكَ} أي لم يأتوك يا محمد منهم؟ طائفة من اليهود وهذه الآية قيل فيها من أنها نزلت في اليهود كانت طائفة منهم عزيزة والأخرى أقل منها ذليلة 

                                                                                     فاذا قُتل القتيل من العزيز قتلوا من في الطائفة الذليلة وإذا قُتل من في الذليل دفعت  العزيزة الدية فقط.

وجاءت الأدلة أكثر وأوضح من أن اليهود زنا منهم رجلان وهم شرفاء ولما كثر الزنا فيهم وفي أشرافهم  فكانوا يقيمون الحد على  الضعفاء ولا يقيمونه على الشرفاء  فاصطلحوا فيما بينهم من أنّ  من زنا وهو محصن لا يرجم مع أن الرجم في التوراة فقالوا إنما نضربه و نعيبه بالألقاب ونسود وجهه بما يقال له من الكلام فلما حصل ما حصل من زنا قالت طائفة من اليهود اذهبوا إلى محمد اذهبوا إلى محمد فإن أفتاكم بالجلد يعني بالضرب وبالتحميم  يعني  الكلام  السوء لهؤلاء فقبلوا وإن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوا فأتوا إلى النبي ﷺ وقالوا ليس في التوراة إلا الجلد والتحميم  فأتوا بالتوراة فقرؤها فلما  قرؤها وصلوا إلى حكم الرجم وضع  أحدهم يده على الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها فقال عبدالله بن سلام  وفي رواية قال غيره  ارفع يدك فلما  رفعها إذا بآية الرجم  فقال هنا عز وجل {سَمّاعونَ لِقَومٍ آخَرينَ لَم يَأتوكَ يُحَرِّفونَ الكَلِمَ مِن بَعدِ مَواضِعِهِ} يحرفون الكلم يعني الكلام يحرفون  كلام الله من بعد مواضعهِ انظر قال هنا من بعد مواضعهِ في آيات آخر عن مواضعهِ هنا من بعد من باب الاستقرار بمعنى أن هذه الأحكام التي يسألون عنها قد استقر حكمها واتضح في التوراة فأتى بكلمة من من باب ماذا{يُحَرِّفونَ الكَلِمَ مِن بَعدِ مَواضِعِهِ} من باب أن هؤلاء طغوا إلى درجة أنهم أردوا أن يحرفوا الأحكام  المستقرة الثابتة الواضحة المذكورة وهي الرجم وماشابه ذلك يقولون يعني الطائفة  التي مكثت ولم تأتي {يَقولونَ إِن أوتيتُم هذا} ما هو الجلد والتحميم {فَخُذوهُ} يعني اقبلوا من محمد {وَإِن لَم تُؤتَوهُ فَاحذَروا}   حتى لا يكون ما يكون من الرجم {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شيئًا} لن تدفع عنه شيءً يا محمد  كما قال عز وجل {وَمَن يُضلِل فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرشِدًا} {وَمَن يُضلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبيلًا} الآيات كثيرة ومرت معنا قال هنا  {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا أُولئِكَ الَّذينَ لَم يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلوبَهُم}

{ لَم يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلوبَهُم} ولو أراد عز وجل لطهرت قلوبهم كما قال تعالى ولو شاء الله ما أشركوا ولو شاء الله ما فعلوه  لكن هؤلاء لخبث ما هم عليه من هذه الصفات لم يوفقهم الله عز وجل إلى أن  تكون قلوبهم  طاهرة  لكن قلوب هؤلاء فاسدة نجسة قذرة  قال تعالى {أُولئِكَ الَّذينَ لَم يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلوبَهُم لَهُم فِي الدُّنيا خِزيٌ} خزي عار وشنار كما جرى ممن نُفي عن المدينة ومن ضربت عليهم الجزية {لَهُم فِي الدُّنيا خِزيٌ وَلَهُم فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ} لهم عذاب عظيم مؤلم شديد في الآخرة.

{سَمّاعونَ لِلكَذِبِ أَكّالونَ لِلسُّحتِ} كرر كلمة سماعون من باب التأكيد على خطورة ماذا على خطورة ما يفعله هؤلاء ثم انظر قال سماعون وقال أكّالون على وزن فعال بصيغة مبالغة بمعنى أنهم يحبون  ويبالغون في السماع لهذا الكذب  أكالون للسحت وهو المال الحرام ولذلك النبي ﷺ كما ثبت عنه قال “كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به”

والسحت يدل على الهلاك ولذا ماذا قال موسى عليه السلام لأولئك السحرة {فَيُسحِتَكُم بِعَذابٍ وَقَد خابَ مَنِ افتَرى} دل على أن أكل السحت هلاك للإنسان في دينه وفي دنياه وفي أخراه .

{سَمّاعونَ لِلكَذِبِ أَكّالونَ لِلسُّحتِ}  جمعوا بين صفتين صفة ماذا صفة ما يتعلق  بالسماع والقول وما يتعلق بالأكل أَكّالونَ لِلسُّحتِ وهذا هو شأنهم كما قال تعالى {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ وَرِثُوا الكِتاب يَأخُذونَ عَرَضَ هذَا الأدنى} يعني الرشوة {وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ}  الآية

فقال هنا {أَكّالونَ لِلسُّحتِ فَإِن جاءوكَ}  

يا محمد {فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم} قال {فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم} قال في آية أخرى ستأتي  معنا {وَأَنِ احكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللَّه} فقال بعض العلماء إنما  هذه الآية منسوخة قال فاحكم  بينهم أو أعرض عنهم منسوخة بتلك الآية{ وَأَنِ احكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللَّه} وقال بعض العلماء إنما قوله تعالى {واحكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللَّه} إنما إذا حكمت عليك أن تحكم بحكم الله عز وجل لا بما يطلبه هؤلاء ولذا  فالآية  في الأظهر من أنها ليست منسوخة وإنما هو مخير ﷺ في الحكم بينهم أو الإعراض عن ذلك ولذلك قال هنا {فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم} وإن تعرض عنهم فلن  يضروك شيءً سبحان الله  قدم الإعراض هنا  على الحكم هنا  قال وإن  تعرض عنهم فلن يضروكم  شيءً لأنك إذا أعرضت عنهم ولم تحكم بينهم مع مالهم من ما سلف من القبائح والرذائل ربما أنهُ قد يطرأ في بالك من أنهم سيؤذونك فقال هنا { وَإِن تُعرِض عَنهُم فَلَن يَضُرّوكَ شَيئًا}  فلا تبالي بهؤلاء {وَإِن حَكَمتَ فَاحكُم بَينَهُم بِالقِسطِ} يعني بالعدل سبحان الله كما قال تعالى مع أن هؤلاء كفره وأنت تبغضهم ماذا قال في أول السورة  {وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلُوا} قال هنا  {وَإِن حَكَمتَ فَاحكُم بَينَهُم بِالقِسطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ} إثبات صفة المحبة لله عز وجل بما يليق  بجلاله وبعظمته وهذا يدلُ على ماذا على أن من عدل يحبه الله عزوجل ويكون على  منابر من نور كما ثبت بذلك الحديث قال  ﷺ

” المقسطون على منابر من نور يوم القيامة”

ثم قال {وَكَيفَ يُحَكِّمونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوراةُ}  استفهام للإنكار عليهم والتعجب من حالهم

 {وَكَيفَ يُحَكِّمونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوراةُ فيها حُكمُ اللَّهِ} ومن ذلك الرجم الذي أنكروه {وَكَيفَ يُحَكِّمونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوراةُ} لكنهم ما حكموك لطلب الحق ما حكموك  إلا من أجل أن يبحثوا عما يوافق أهوائهم.

{وَكَيفَ يُحَكِّمونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوراةُ فيها حُكمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّونَ مِن بَعدِ ذلك}  

ثمّ  قال ثم يتولون  أي يعرضون وينصرفون من بعد ذلك يعني الأحكام أحكام التوراة واضحة عندهم  ومازالوا مستمرين في العناد على ذلك ثم أتوك يا محمد إنما أتوك من أجل ماذا من أجل أن يتبعوا أهوائهم وإلا فكيف يحكمونك والتوراة عندهم فيها حكم الله كيف يحكمونك يا محمد وهم لا يرون أنك رسول كيف يحكمونك وقد أعرضوا عنك إذا ما فعلوا تلك الأفاعيل إلا من أجل أن تحكم لهم بما ترتضيه نفوسهم فقال هنا { ثُمَّ يَتَوَلَّونَ مِن بَعدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالمُؤمِنينَ} نفى عنهم الإيمان لم يعلقه بشيء

{وَما أُولئِكَ بِالمُؤمِنينَ}  لا بالتوراة ولا بالقرآن ولابك يا محمد.

ِنّا أَنزَلنَا التَّوراةَ فيها هُدًى وَنورٌ}  ثم الآن ذكر هنا ما يتعلق بأوصاف التوراة التي أنزلت على موسى والمقصود منها التي لم تحرف

ِنّا أَنزَلنَا التَّوراةَ} دل على أن  التوراة منزلة غير مخلوقة

{إِنّا أَنزَلنَا التَّوراةَ فيها هُدًى} هدى فيها هداية لمن أراد يهتدي لمصالحة الدينية والدنيوية فيها هُدىً ونور من الضلالة ومن الجهالة ومن الكفر ومن الطغيان يحكم بها ثم كما سلف معنا  في أول سورة آل عمران لما  قال عزوجل

{وَأَنزَلَ التَّوراةَ وَالإِنجيلَ مِن قَبلُ هُدًى لِلنّاسِ}

 بمعنى أنّ هي هُدًى ونور لكن لما جاء القرآن فلا يحوز أن يحكم إلا القرآن ولذا بعدها بآيات  قال {وَأَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ} يعني القرآن {بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ} ولذا النبي ﷺ كما عند مسلم قال والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثمّ لم يؤمن  بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار قال هنا مبيناً صفات التوراة لكن هؤلاء معرضون لا يريدون الهدى الذي في التوراة ولا النور يحكم بها أي بالتوراة النبيون يعني النبيون الذين أتوا بعد موسى كما قال تعالى {وَلَقَد آتَينا موسَى الكِتابَ وَقَفَّينا مِن بَعدِهِ بِالرُّسُلِ}  {وَإِذ قالَ موسى لِقَومِهِ يا قَومِ اذكُروا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ جَعَلَ فيكُم أَنبِياءَ وَجَعَلَكُم مُلوكًا}

قال هنا {يَحكُمُ بِهَا النَّبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا}

أي  أخلصوا لله وانقادوا لله وهذا فيه رد على اليهود  الذين وعلى النصارى أيضا الذين يقولون إن الأنبياء السابقين هم يهود ونصارى فيقال لهم الآية وضحت من  أنهم أهل الإسلام  كحال إبراهيم عليه السلام {ما كانَ إِبراهيمُ يَهودِيًّا وَلا نَصرانِيًّا وَلكِن كانَ حَنيفًا مُسلِمًا}

{يَحكُمُ بِهَا النَّبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا لِلَّذينَ هادوا}

أي لأجل من اليهود الذين هادوا

  {وَالرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ} أي وكذلك يحكم بها أي بالتوراة من الرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ ما لفرق بين الربانيين وبين الأحبار جُمع في هذه الآية والعلم عند الله الربانيون والأحبار الربانيين :هم العلماء المجتهدون في العلم.

والأحبار: هم العلماء  لكن أقل والربانيون والأحبارُ ويحتمل والربانيون والأحبار قد يكون سبقني أحد والعلمُ عند الله الربانيون يعني أنهم  الولاة الحكام والأحبار هم العلماء  كما قال عزوجل {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم} بينا  من أن أولي الأمر هم العلماء والأمراء فقال هنا والربانيون  والأحبارُ أي يعني يحكمون بها  بما استحفظوا  من كتاب الله بما استحفظوا من كتاب الله بمعنى أنهم أمروا بأن يحفظوا  كتاب الله هو التوراة المذكور هنا وحفظه بحيث لا ينسى  وحفظه  بحيث لا يضيّع إذاً لا ينسى  فإذا حفظ قد يضيع فلا ينسى ولا يضيع  بما استحفظوا من كتاب الله من النبيون والربانيون والأحبار وهذا أصح من حصره من أنه المقصود من ذلك المقصود الربانيون والأحبار بمعنى أن النبين أمروا الأحبار  والربانيين بحفظ  الكتاب

{بِمَا استُحفِظوا مِن كِتابِ اللَّهِ}  ولو كانت كذلك  فإن الأنبياء حفظوا التوراة وأمرهم إنما هو أمر من  الله عز وجل  بما  استحفظوا  من كتاب الله سبحان الله  قال بما استحفظوا من كتاب الله لما استحفظوا التوراة ضاعت وحرفت لكن لما كان القرآن كما قال تعالى حفظه الله بنفسه {إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ} ما بدّل مع تلك السنوات ولذا قال تعالى{لا يَأتيهِ الباطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ  تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ حَميدٍ}

 فقال هنا {بِمَا استُحفِظوا مِن كِتابِ اللَّهِ وَكانوا عَلَيهِ شُهَداءَ} هؤلاء النبيون والربانيون والأحبار شهداء على هذا الكتاب بصدقه وبما جاء فيه وأيضاً شهداء بمعنى أنهم يحكّمون ما فيه  {فَلا تَخشَوُا النّاسَ وَاخشَونِ}

سبحان الله  بين هنا من أن الحكام  والقضاة  عليهم أن يحكموا بحكم الله عزوجل وألاّ يلتفتوا إلى قول شخص كائن من كان وألاّ يخشوه بل إنما يخشون الله عزوجل

وهذا كما أنه نهيٌ لأهل الكتاب أيضاً نهيٌ لمن للقضاة من أمة محمد ﷺ حتى لوكان بين شخصين لو حكمك اثنان  فالواجب عليك إذا حكموك وأنت أهل لأن تحكم بينهم فالواجب عليك أن تحكم بالعدل وأن لا تخشى أحداً قال هنا {فلا تَخشَوُا النّاسَ وَاخشَونِ} قد يترك الحكم بأحكام الشرع خيفةً من الناس أو من أجل أغراض الدنيا ولذا قال بعدها {وَلا تَشتَروا بِآياتي ثَمَنًا قليلًا} لأن الدنيا كلها بالنّسبة إذا ضيع العبد دينه تعتبر لاشيء كلها  قليل {وَلا تَشتَروا بِآياتي ثَمَنًا قَليلًا وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّه} { وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرونَ} هل هي خاصة باليهود أو طائفة معينة الصحيح أنها شاملة.

{وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرونَ} ومن ثمّ من حكّم غير شرع الله عز وجل  هل يكون كافراً كفراً يخرجه عن ملة الإسلام  ابن عباس رضي الله عنهما لما سُئل عن هذه الآية  قال ليس بالكفر الذي تذهبون إليه وإنما هو كفر دون كفر إنما المقصود من الكفر المخرج عن الملة إذا جحدوا إذا جحدوا ماذا حكم الشرع لكن لو أنهم لم يجحدوا حكم الشرع  وطبقوا أحكام غير الشرع من أجل هوى ، أومن أجل ظلم فهم على خطر عظيم من الظلمِ والفسق  لكن لا يصل إلى الكفر ومن ثمّ  فخلاصة هذا الأمر مع قوله تعالى

{وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكمًا لِقَومٍ يوقِنونَ} كما سيأتي معنا قوله تعالى

{وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ} {وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ} بناءً على ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ومن غيرهم من السلف رحمهم الله  من أن من حكّم غير شرع الله عز وجل  جحداً لحكم الشرع أو حكمّ غير الشرع مبيحاً للأحكام الوضعية أو حكمّ هذه القوانين الوضعية من باب أنه يرى أنها  أحسن من حكم الله أو يرى أنها مثل أحكام الله في الحسن فهذا  يكون كافراً كفراً يخرجه عن ملة الإسلام لكن لو أنه حكمّ هذه الأحكام الوضعية ولم يقصد ما مضى إنما قصد أن يظلم شخصاً  قال بدل أن يحكّم الشرع أحكمّ  هذا الحكم الوضعي من أجل أن يظلم فلاناً  فهنا تنطبق عليه الآية 

{وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ} أو حكم غير الشرع  من أجل هوىً في  نفسه و رغبة في نفسه دون  أن يظلم  أحداً هنا أيضاً يكون  فاسقاً لكنه ليس بالفسق الأكبرومن ثمّ تأتي الآية.

{وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ}

ومن ثم تجتمع  الأدلة والآثار حول هذا الأمر.