بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة النساء من آية ٥٣ إلى آية ٥٩
الدرس ٦٠
فضيلة الشيخ زيد البحري حفظه الله
﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾ بعض أهل العلم يقول: ﴿ أَمْ ﴾ هنا بمعنى أنها محذوفة يعني صلة ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ ﴾ يعني ألهم نصيب؟ والذي يظهر أن القاعدة في مثل هذا تكون هذه أم المنقطعة وهي تختلف عن أم المتصلة وسيأتي إن شاء الله توضيح لأم المتصلة إذا مرمعنا مايتعلق بها فقال هنا ﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ ﴾ يعني أم المنقطعة, وأم المنقطعة بمعنى بل المتضمنة للإستفهام ﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ﴾ يعني بل ألهم نصيب من الملك ؟ -همزة الإنكار- ﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ ﴾ يعني لو كان لهم نصيب من ملك الله فإذا لا يُؤتون الناس نقيرا قال فإذاً ﴿ إذاً ﴾ هنا انتبه التنوين هنا تنوين عِوض عن جملة لأنه مر معنا ﴿ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ ﴾ كل تنوين عٍوض عن كلمة ولكل منكم هنا إذاً إذا أتت فالتنوين هنا تنوين عِوض عن جملة ﴿ وإذاً ﴾ يعني وإذا لوكان لهم نصيب من ملك الله لا يُؤتون الناس نقيرا يعني مقدار النقرة التي تكون في ظهرنواة التمر ولذا ماذا قال عز وجل: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ يخشى أن ينفد ما لديه مع أن خزائن الله لا تفنى قال تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ ولذلك قال هنا ﴿ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴾ وإذاً زعم الفرّاء – رحمه الله – من أن كلمة إذاً إنما تُكتب إذاً تُكتب بالألف ويكون التنوين عليها و أما غيره ذكر النحاس من أن بعض أئمة اللغة القدامى قال وددت و تمنيت أن أكوي يد من كتب إذا ًبالألف مع التنوين إنما هي بمثابة الحرف إن ولن بمعنى أنها تُكتب إذن بدون ألف وتنوين يعني النون تكون ظاهرة فدل هذا على أن أهل اللغة اختلفوا في كتابة إذاً هل تُكتب ألف مع تنوين أو إذن –إذ ثم نون- ﴿ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴿53﴾ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أم يحسدون القول في أم يحسدون كالقول في أم السابقة بل أيحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن اليهود حسدوا – من حسدوا- الناس هنا من هم؟ قيل العرب وقيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا تعارض, لما ؟ لأن النبوة أُعطيها من؟ محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا تعارض بين هذه الأقوال حتى لا تعارض بينها وبين قول من يقول هم قريش ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ ولذلك هم حسدة ولذا مر معنا ماذا قالوا في شأن أموال العرب من أنهم قالوا ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ﴾ يعني لا مكانة ولا قَدر للعرب ولذلك ماذا قال عز وجل ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ بل كانوا يستنصرون بالنبي الذي سيبعث فيقاتل من ؟ يقاتل الأوس والخزرج فلما أتى وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكان من العرب لم يؤمنوا ولذا ماذا قال تعالى في سورة البقرة ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن اليهود قد انطبعت قلوبهم بالحسد كما أن قلوبهم انطبعت بالكبر ولذلك ماذا قال تعالى قال في سورة البقرة ﴿ اسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ ولذا يقول شيخ الاسلام رحمه الله الصفة العظمى الظاهرة الذميمة في اليهود هي الكبر فهم مع أنهم متكبرون أيضا هم حسدة ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ﴾ و معلوم أن الكبرهو السبيل الذي جعل ابليس يتكبر على آدم والحسد ما الذي جرى به جرى من أن أيضا ابليس حسد آدم وأيضا ابن آدم ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ ﴾ السبب هو الحسد فدل على أن هؤلاء مع ما في قلوبهم من الكفر إذا معهم وفي قلوبهم الذنوب السيئة من الحسد والكبر, فقال عز وجل ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ آتى الله عز وجل هذا الفضل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولمن آمن به فأي انكار لهذا ؟ ولذا ماذا قال يعني -ليس محمد صلى الله عليه وآله وسلم- ليس بدعا ممن منَ الله عليه بالفضل ولذا ماذا قال ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ آل ابراهيم يدخل ابراهيم وآل ابراهيم كما مر معنا في بيان من هم الآل ومتى يدخلون ومتى لا يدخلون عند قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ فقال هنا ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ وهي النبوة إذا كانت الحكمة في سياق الأنبياء فقلنا من أن هي النبوة وإن كانت مفردة وأتت في غير سياق الأنبياء فيكون معنى ذلك الفهم والإصابة في القول وفي الفعل ويدخل ما قاله أهل العلم في ما يتعلق بالحكمة في سياق أهل الإيمان كما قال تعالى ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ يدخل فيها من قال الورع لأنه لا يحصل للإنسان حكمة إلا إذا كان ورعا فقال عز وجل هنا ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ ما هو الملك العظيم ؟ ما يتعلق بنسل من ؟ بنسل إبراهيم عليه السلام لأن هذا الفضل الذي وصل إلى نسله إنما هو عن طريقه عليه السلام ,﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ داوود وسليمان ولذا ماذا قال عزوجل ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿15﴾ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾ إلى غير ذلك من الآيات التي ذكرها عز وجل ولذا ماذا قال عز وجل عن داوود ؟ ﴿ فهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ وما يُورد من قصص متنوعة إما فلاَح أو ما شابه ذلك من أنه لما رأى سليمان وإذا به يطير في السماء والريح فقال سبحان الله لقد أوتي آل داوود ملكاً عظيما فنزل إليه فقال ماذا قلت قال قلت سبحان الله قال فإن سبحان الله أعظم مما أعطيه آل داوود فإن هذه الآثارلاتصح وليس لها إسناد صحيح ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ ومن ذلك ما ذكره بعض المفسرين من أنهم حسدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنه تزوج بتسع فقالوا لوكان نبياً ما حرص على النساء ولذلك ماذا قال عزوجل ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ فداوود وسليمان لهم من النساء مالهم ولذلك سليمان له تسع وتسعون امرأة فهو أكثرمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك ماذا قال عزوجل؟ ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴿54﴾ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ ﴾ من؟ هومحمد صلى الله عليه وآله وسلم لأن السياق يتعلق به وقيل إبراهيم وقيل الكتاب ولا تعارض لأن من آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد آمن بإبراهيم وآمن بالكتب السابقة ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ﴾ يعني أعرض ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ يكفي هؤلاء جهنم وبئس المكان جهنم ولذا قال ﴿ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ﴾ أي تُسعر عليهم وتُحرقهم ولذلك ماذا قال تعالى ﴿ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ هنا من صد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الإيمان بإبراهيم والكتب السابقة فله هذا العذاب ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا ﴾ بآياتنا تشمل الآيات الشرعية والكونية والسياق يكون ظاهراً في الآيات الشرعية لأنها تتعلق بالكتاب ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ﴾ نصليهم أي نعذبهم حتى يُفاسون حرها ونكّر نارا من باب التعظيم ﴿ سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ أنظر هذا من باب ماذا ؟من باب أن عذابهم مستمر ولذا قال بعض المفسرين ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ ما ذنب هذه الجلود ؟ – لأن بعض الزنادقة كما قال القرطبي قالوا: كيف تعذب وليس لها ذنب ؟- فالجواب عن هذا أن العذاب لا يكون على الجلود إنما يكون عليهم أنفسهم ولذلك ماذا قال ؟ ليذوقوا العذاب ولو كان التعذيب على الجلود لقال: – ليذقن العذاب – فلما قال ليذقوا دل على أنه راجع إليهم, وقيل – وكلها أقوال قوية – وقيل من أن الجلد هو هو لكنه إذا احترق يُعاد مرة أخرى كما لو قلت هذا الخاتم الذي بيدي صغه لي بطريقة كذا وكذا فهوهو وكما يُقال للشخص إذا وُجد في حالة غير الحالة التي هو عليها فيقول -أنا غير ذلك – يعني أنا غير ذلك الرجل الذي رأيتني في الحالة السابقة و هو هو , ولذلك قال بعض العلماء – وهو أضعف الأقوال – من أن الجلود هي السرابيل التي تكون عليهم بمعنى أن هؤلاء يتعذبون بلبسها كما قال تعالى ﴿ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ لكن القولين الأوليين هما أظهر وأبين. ﴿ لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ إذاقة دل على أنهم يذوقون وفي هذا رد على تلك الطوائف التي تقول: أنهم إذا دخلوا النار وجلسوا مدة من الزمن فإنهم يتكيفون بها حتى يكونوا كمثلها, وأسوأ من هؤلاء من يقول: إنهم يتلذذون بها ولا شك أن هذا ضلال مبين, ولذلك ماذا قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ لم يقل إن الله كان غفورا رحيما والعزيز هو القوي الغالب الذي لا يُنال بسوء والحكيم هو صاحب الحكمة الذي يضع الأمور في مواضعها المناسبة فهنا عز فحكم فعدل في هؤلاء لم يظلمهم عدلٌ منه عز وجل, ولذا ماذا قال عزوجل ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ عز فحكم فقطع ولو رحم وغفر لما قطع , فقال هنا ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ فله العزة وله القوة وله الحكمة في تعذيب هؤلاء لأنه ماعذبهم إلا بعدله بسبب ذنوبهم ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يعني من آمن بمن سبق وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ جنات أي بساتين, دل هذا على أنهم باقون فيها بل إنهم لايرغبون في التنقل عنها ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ ومر معنا الحديث عن الجنات وعن والأنهارعند قوله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ﴾ قال هنا خالدين فيها أبدا ومن ثم فإن هذه الآية و أمثالها توضح تلك الآية التي في سورة هود – مع أن آية هود واضحة من أن نعيم أهل الجنة باق – , قال عزوجل ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ﴾ قال إلا ماشاء ربك ,لكن ماذا قال بعدها ؟ ﴿ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ يعني غير منقطع, وسيأتي توضيح لتلك الآية بإذن الله تعالى . ماذا قال هنا ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ﴾ مطهرة من الأقذارالحسية من النخامى ومن الحيض وما شابه ذلك ومطهرة من الأخلاق الرذيلة من الحقد والحسد وماشابه ذلك ومر معنا ذلك مفصلاعند قوله تعالى ﴿ ولَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ﴾ في سورة البقرة, قال هنا ﴿ ولَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴾ ظل ظليل بمعنى أنه ليس هناك شمس تنسخه وهو ظل ظليل بمعنى أنه ليس كظل الدنيا ربما أن يكون به هواء حارأو يتعرضه ما يتعرض الظل الذي في الدنيا مما لايلائم ابن آدم, ولذلك في الصحيحين قال صلى الله عليه وآله وسلم – إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام ما يقطعها قال واقرؤا ﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ.﴾ – فهوظل ظليل وظل ممدود ولذلك ماذا قال تعالى ؟ ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ﴾ بينما ظل أولئك ليس كظل هؤلاء ظل أهل الكفار, ماذا قال عزوجل ﴿ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ وقال تعالى ﴿ انْطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ﴾ فقال عزوجل هنا ﴿ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴾ .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا ﴾ فالله عزوجل أمر بأداء الأمانات إلى أهلها, وإذا لم يُوجد أهلها والأمانات تشمل الودائع وماشابه ذلك فإنها تُرد إلى أهلها فإذا لم يجد أصحابها فإنه يؤديها إلى ورثتهم فإذا لم يجد أصحابها ولا ورثتهم فإنه في مثل هذه الحال لا تبرأ ذمته حتى يصرفها في وجوه الصدقة ويكون الثواب لأصحابها, كمن عنده ودائع لا يعرف أصحابها وعنده غصوبات أو مسروقات أو ماشابه ذلك فلم يعرف أصحابها ولا يعرف ورثتهم فإن ذمته تبرأ إذا تصدق بها بنية الثواب عنهم, فإذا أتوا فإنه يخبرهم إن رضوا بتلك الصدقة فبها وإن لم يرضوا فإنه يدفعها لهم ويكون الأجر له, ويدخل في الأمانة أيضاً الأمانة المتعلقة بحقوق الله عزوجل كما نص على ذلك بعض أهل العلم, وإن كان قول ﴿ إِلَىٰ أَهْلِهَا ﴾ أظهرفي المخلوق إلا أن الآمانة تشمل حقوق الله فالصلاة أمانة , والزكاة أمانة, والحج أمانة, كما أن الودائع وما شابه ذلك أمانة, ولذا قال تعالى ﴿إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ فقال هنا ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا ﴾ وقد ذكر المفسرون من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فتح مكة أتى إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة الحجبي وأخذ منه مفتاح الكعبة فلما فرغ صلى الله عليه وآله وسلم من الدخول في الكعبة ردها إليه, فأنزل الله عزوجل هذه الآية وإن كانت في ذلك فإنها ليست خاصة به بل هي شاملة وعامة, فقال عزوجل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ وهذا كما قال بعض المفسرين هوفي الولاة بمعنى أن الولاة يحكمون بالعدل, في مثل ماذا ؟ في مثل ما مر معنا في المنازعة والشقاق بين الزوجين ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ ويشمل غير ذلك من هذه الأحكام, أيضاً يدخل فيها عامة الناس فمن حكم بين شخصين فالواجب عليه أن يعدل بينهما, ولذا قال ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ قال بين الناس حتى لو كان ذلك الرجل كافرا فإن الواجب عليك أن تحكم بالعدل ولذا ماذا قال تعالى ؟ ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ﴾ أي لا يحملنكم ﴿ شَنَآنُ ﴾ أي بغض ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾ , بل إن الإنسان مأمور بالعدل حتى في القول وليس في الحكم, ولذا ماذا قال تعالى ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾ بل إن من الثلاث المنجيات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا قال: – والعدل في الغضب والرضا – أن تعدل مع عدوك و في حالك في حالة غضب أو في حالة رضا, فقال عزوجل
﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ إن الله نِعمّا مر معنا لماذا كُسرت العين في نِعمّا في قوله تعالى ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾ والكلام حول ( ما ) اذاً ﴿ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ أي نعم شيئا يعظكم به, ودل هذا على ماذا ؟ على أن الوعظ ليس محصوراً كما يظنه البعض -فيما يتعلق بجنة أو نار أوعذاب أو قبر-, لا, بل إن الأحكام الشرعية ومايتعلق بها هي الوعظ, كل الدين وعظ حتى التوحيد هو أعظم الوعظ ولذلك ماذا قال قوم هود ؟ ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ﴾ فقال عزوجل هنا ﴿ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ إثبات إسمي السميع والبصير ومرمعنا ذلك كثيرا, فهو يسمع كل شئ ويبصر كل شئ ومن ثم فإن مثل هذين الإسمين في خنام هذه الآية تدل على ماذا ؟ تدل غلى ان الله عزوجل سميع للحكم بصيرٌبمن يؤدي الأمانات فإن فعل أثابه الله وهو سميع لمن جار في حكمه وبصيرعزوجل لمن لم يؤدي الأمانات فيكون عليه العقاب من الله عزوجل, وقد جاء في سنن أبي داوود كما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم لما قرأ هذه الآية وضع إبهامه على أذنه والتي تليها عند عينه من باب ماذا ؟ من باب تحقيق من أن له سمعاً وأن له بصراً خلافاً للجهمية ولمن جاء بعدهم ولذلك ابو داوود لما ذكر هذا الحديث قال في هذا رد على الجهمية تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا, لأنه إذا لم يكن سميعا ضد السمع الصمم وضد البصرالعمى, ولذلك ماذا قال إبراهيم لأبيه ؟ ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴿41﴾; إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ فدل هذا على أنه ليس بإله لأنه لايسمع ولا يبصرومن ثم في مثل هذه المسألة تنازع وكثر الكلام بين بعض العلماء المعاصرين وبين بعض طلاب العلم هل الإنسان إذا ذكرمثل هذه الآية يشير بأصبعه إلى أذنه والأخرى ببصره ؟ أو إذا قال حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه عند ابن ماجة وغيره – القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيفما يشاء – هل يشير بأصبعيه إذا أشار الى ذلك ؟ كثر الحديث والنزاع في مثل هذا مابين مؤيد مابين رافض, مابين قائل يُقال هذا عند طلاب العلم ولايُقال عند عوام الناس والذي يظهر لي من خلال تتبع الآثارمن أن الإشارة إنما تكون فيما ورد من نصوص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ما جاء عن رواة الحديث, أما ما عداها مما لم يأت بالإشارة إليه على صفة معينة فإنه لايُفعل اتباعاً للدليل, ثم إذا ذُكرت وفُعلت هذه الإشارة مثل الآن حديث – قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن – بعضهم أنكرها إنكاراً عظيماً مع أن الأعمش وهوأحد رواة الحديث أشار بأصبعيه, فالشاهد من هذا من أنه إذا أشار كما يشيرالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ما ثبت عنه فإنه يبين من أن الإشارة هنا من باب بيان أن تلك الصفة صفة حقيقية وليست مجازية كما تقول الطوائف الضالة المنحرفة من أنها حقيقية ,حتى لا يشتبه على عوام الناس من أن هناك تشبيهاً بصفة المخلوق بصفة الخالق, فخلاصة القول يُشار – وليس هذا على سبيل الإستحباب وإنما هومن باب الجواز- لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ما أعلم لم يفل افعلوا هذا وإنما من باب الجواز فمن أراد ذلك فليكن ذلك في الصفات التي ورد بها النص ولابد أن يبين من أن الإشارة من باب تحقيق أن تلك الصفة ثابتة لله ثبوتاً حقيقياً ليست مجازية يُراد منها النفي ولذلك ابن القيم رحمه الله كما في مختصرالصواعق المرسلة قال: وإنما أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى أذنه وإلى بصره من باب أن يبين أنه سمع حقيقي وأنه بصر حقيقي وليس مجازاً, فهذا هو خلاصة ما يُتوصل اليه حول هذه المسألة ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ الآيات السابقة تشمل من ؟ تشمل الحكام والرعية, لكنها في الحكام أظهرهنا ذكرما يتعلق بالرعية, الرعية ما واجبهم اتجاه الحكام ؟ أولاً ذكرعزوجل طاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم, ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ هنا أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع طاعة الله وذكرالفعل أطيعوا, كرره لأن طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاعة لله, قال تعالى
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه – من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله – لكن فيما يتعلق بولاة الأمرلم يذكر الفعل أطيعوا لمَ ؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال -لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق إنما الطاعة بالمعروف – فالواجب على الرعية أن يُطيعوا ولاة الأمر ليس فيم أوجبه الشرع لأن ما أوجبه الشرع يجب أن يُمتثل, لكن لو أن ولي الأمرمثلاً وضع أحكاماً ووضع أنظمة لا تُخالف دين الله عزوجل فهنا الواجب على الرعية أن يُطيعوا, لكن لو أمروا بمعصية فإن المؤمن لايمتثل هذه المعصية, لكن كونه لايمتثل هذه المعصية لا يدل على أنه يعصي الوالي في الأمور الأخرى المباحة أو أنه يخرج عليه أو ماشابه ذلك ولذا قال : ﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ حتى قال كما نقل القرطبي رحمه الله – إذا وُجدت المصلحة كما قال القرطبي عن سهل وأظنه سهل ابن عبد الله قال: لو أن الوالي أمر المفتي أن لا يُفتي فإنه لا يُفتي لو أراد الوالي أن يمنعه من الإفتاء فعليه أن يستجيب فإن لم يستجب قال فإنه يكون عاصياً, فعلى كل حال طاعة ولاة الأمور بها تستقر أمور الناس ولايصلح الناس من غير ولاة, ومعتفد أهل السنة والجماعة في كتبهم قد ذكروا مثل هذه القاعدة وهي من أصول أهل السنة والجماعة وهي طاعة ولاة الأمورفي ما ليس فيه معصية لله عزوجل. وهنا ولاة الأمر من هم ؟ هل هم الأمراء أم العلماء؟ اختلفوا في ذلك والصحيح أنهم جميعاً العلماء والأمراء لمَ ؟ لأن الأمراء أئمة التنفيذ والعلماء أئمة التبيين وكل منهما بحاجة إلى الآخر لأن شرع الله عزوجل لايقوم إلا بتوضيحه وتبيينه , وتنفيذه لايكون إلاعن طريق الولاة, فقال عزوجل هنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ انظر! ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ اختلفتم لأن النزع هو الجذب كل يريد أن يحصل على مايريد وأن يكون الحق له, قال ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ وذكر كلمة شيء منكَرة في سياق الشرط يعني لو قل أي شىء تُنوزع فيه فإن الواجب أن يُرجع فيه إلى شرع الله عزوجل, ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ يُرجع إلى ماشرعه الله عزوجل ﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ في حياته, بعد وفاته نعود إلى سنته صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذا رد على ألقرآنيين الذين يقولون: نحن نأخذ بما في القرآن, كلمة حق أريد بها باطل هؤلاء يقولون نأخذ بما يكون في القرآن فقط من أجل أن يتركوا ماجاءت به السنة, ولذلك ثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم قال: – لا ألفين (يعني لاأجدنَ) أحداً متكأً على أريكته – يدل على أنهم أصحاب نعمة وتنعم وترف يقولون ماأتى في هذا القرآن نأخذ به ومالم يكن فلا نأخذ به – قال صلى الله عليه وآله وسلم – لا ألفين أحدكم متكأ على أريكته يقول ماوجدنا في هذا القرآن من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه قال: ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه – وهي السنة فدل هذا على الرد على هذه الطائفة وهي طائفة من أشر الطوائف لأنها تُدلس على الناس, والله لو أخذوا بالقرآن لأخذوا بالسنة لأن القرآن ماذا قال ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ ثم إن قوله تعالى ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ يدل على ماذا ؟ يدل على أن الأمة يعني العلماء لأن الرد إنما يكون الرد الى الله والرسول يعني الرد لفهم شرع الله وفهم السنة إنما هو من قبيل العلماء ولذلك قال بعض العلماء دل هذا على أن استفتاء أهل العلم واجب وأن الأخذ بآرائهم التي دل عليها الدليل الشرعي من العوام واجب فقال عزوجل هنا ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ دل على أنه إذا لم يقع تنازع فإنه إجماع, فإذا لم يحصل نزاع فقد اتفقوا, وهذا دليل من أدلة الإجماع لأنه قال ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ يعني أمر عند التنازع بالرد إلى الله وإلى الرسول, فدل هذا على أنه إذا لم يحصل تنازع فإنه إجماع والإجماع يُؤخذ به, ولذلك ثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ومما يدل على الإجماع ما مر معنا في سورة البفرة قال عزوجل ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ يعني عدولاً خياراً فدل هذا على أنهم إذا اجتمعوا فهم العدول الخيارويكون إجماعهم حقا. ﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ يعني من كان في قلبه إيمان بالله وباليوم الآخر فإنه لايرضى بغير الشرع حكماً, ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِذَٰلِكَ خَيْرٌ﴾ أي الرد إلى الشرع ﴿ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ﴾ خير لكم في دنياكم وفي أخراكم, وخير لكم في حاضركم وفي مستقبلكم, خير لكم من وجوه متعددة, خير لكم في أرزاقكم, خير لكم في أمنكم في استقراركم, في عيشكم في كل شيء ﴿ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ هو خير وأيضا ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ أحسن عاقبة لأن التأويل هنا عاقبة الشيء أحسن عاقبة وأحسن مآلاً لكم في دنياكم وفي أخراكم, ومن بين ذلك في الدنيا من أن الناس إذا رجعوا إلى شرع الله عزوجل فإن مآلهم إلى الإتفاق وإلى الإجتماع, وإذا ساد الإتفاق والإجتماع في المجتمع مالذي يحصل ؟ تحصل الطمأنينة والسعادة والرخاء والإستقرار وزوال كثير من الصفات الذميمة من الحسد ومن الكبر, ولذلك ماذا قال عزوجل في سورة آل عمران قال ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ البغي هو سبب هذا الإختلاف لكن لوأنهم رجعوا إلى هذا العلم وإلى كتاب الله وإلى شرع الله فإنهم يكونون متفقين ولا يبغي بعضهم على بعض ﴿ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ . وللحديث تتمة إن شاء الله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم