التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (92) إلى (94) الدرس (66)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (92) إلى (94) الدرس (66)

مشاهدات: 619

تفسير سورة النساء

من آية ٩٢ إلى آية ٩٤

الدرس٦٦

للشيخ زيد البحري – حفظه الله –

 

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين    أما بعد

 فكنا قد توقفنا عند قول الله عزوجل

(وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلّا خَطَأً)

ذكر الله عز وجل هذه الآية بعد الآيات السابقات  لأن  في الآيات السابقات بيان أن  المنافقين إذا ظهر نفاقهم  من أنهم يُقتلون  ومن ثم فإنه   قد يظن البعض من أن هناك تعارضاً بين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم” لما قيل له ألا تقتل المنافقين قال  لا  حتى لا يتحدث الناس أن  محمد يقتل أصحابه قد يظن أن  هناك تعارضاً بين  هذا الحديث وبين هذه  الآيات”  ولا تعارض هنا لأن المنافقين  صرف  النبي صلى الله عليه وآله وسلم   النظر عن قتلهم لهذي العلّة لكن بعد ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه  وآله وسلم    من تبين نفاقه  فإن على ولاة المسلمين أن يقيموا عليه أمر الله لقول النبي صلى الله عليه وآله  وسلم  كما عند البخاري ” من بدل   دينه فاقتلوه”  وهذا يشمل كل كافر سواءً كان  كفر نفاق، أو كفر شك، أو كفر اعتقاد أو ما شابه ذلك من هذه الأنواع أنواع الكفر ولذا جاء السياق  في الآيات السابقات بصيغة الجمع  فخذوهم واقتلوهم  أما هنا قال هنا   عز وجل بعد ذكر الآيات السابقات مبيناً أن المؤمن لا يقدمُ على قتل أخيه المسلم  ولا يكون  ذلك إلا عن طريق الخطأ  إما عن طريق العمد فإن مثل هذا الفعل  لا يصدر عن مؤمن كامل الإيمان و لذا قال  (وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلّا خَطَأً) هنا نفي  يراد منه  النهي والتحريم بمعنى لا تفعلوا ذلك وليس المراد النفي لأنه لو كان المراد النفي لما  وقع قتل من المؤمن لأخيه  المؤمن  ولو كان على طريق الخطأ كما قال عز وجل (وَما كانَ لَكُم أَن تُؤذوا رَسولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحوا أَزواجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَدًا) فهذا نفي يراد منه النهي والتحريم  أما لو أريد منه النفي  فإنه لا يقع كما قال

 عز و جل ﴿أَمَّن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنبَتنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهجَةٍ ما كانَ لَكُم أَن تُنبِتوا شَجَرَها)

هل يمكن أن ينبت شجر منها؟ لا يمكن  هنا قال على سبيل النهي والتحريم 

 (وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلّا خَطَأً)

إلا هنا استثناء منقطع لكن يقع منه خطأ يعني عن طريق الخطأ وهذا يدل على ماذا يدل أن من بين أنواع القتل  هو قتل الخطأ

 و ضابط قتل الخطأ هو أن يفعل الإنسان ما يجوز له  أن يفعله ثم هو عن طريق  الخطأ إذا به يقتل مؤمنا كأن يرفع الإنسان مثلاً يده  وإذا بها تصطدم بطفلٍ أو ما شابه ذلك  وإذا به يموت أو أن الإنسان  مثلاً رمى صيداً من أجل  هذا الصيد فوقعت الرمية في مؤمن فإن مثل هذا  يكون قتل خطأ لم يقصده الإنسان ولذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل الدية  

في ذلك مفصلة في سنتهِ صلى الله عليه وآله وسلم  وهي دية الخطأ قال هنا ﴿وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً) إذا ما الواجب عليه الواجب عليه الدية  والكفارة، الدية  والكفارة

ما هي الدية قال هنا(وَمَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً)ولذلك  كرره مرة أخرى قال

(وَمَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً) (وَمَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً فَتَحريرُ) أي فعليه( تحرير رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ) وصفها بالإيمان فلابد  من رقبة مؤمنة وهو  الرقيق  سواء كان ذكر أو أنثى سواء كان أبيض  أو أسود ، سواء كان كبيراً أو كان صغيراً حتى إن بعض أهل العلم اختلفوا في الصغير هل يجزي في عتق الرقبة أو لا الذي يظهر أنه مجزئ بدليل  ماذا بدليل إطلاق الآية و لكن تلك الرقبة التي تعتق يشترط أن   تكون سالمة من العيوب التي  تمنع من العمل فلا  يجزئ  عتق رقبة إنسان وقد  قطعت يده أو رجله فإن مثل هذه  تمنع الإنسان من مزاولة العمل لأن عتقه من أجل ماذا  من أجل أن ينتفع فإذا كان  في بهذه الصورة  يكون كلاً  على غيره فبقاءه في رقة يكون خيراً له وخيراً لمن أعتقه إذًا يبحث عن من هو سالم من العيوب  التي تمنع الإنسان   من العمل (وَمَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً فَتَحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهلِهِ)
 اذاً ما الواجب عليه هنا  الكفارة ، ما هي الكفارة؟ هي حق لله   عز وجل ، تحرير رقبة أن يُحرر الرقبة هذه هي الكفارة وهي حق لله عز وجل
 (فَتَحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ) ولعلّ التنصيص على الرقبة المؤمنة باعتبار أن مثل هذا المؤمن  الذي قُتل ، هنا كانت له عبادات

سيقوم  بها لو لم يُقتل مع ذلك الله جل وعلا جعل قتله سبباً لموته خلافاً لما مر معنا فيما يتعلق بالقدرية فذكر الرقبة المؤمنة يدل على أن مثل هذا القاتل عليه أن يعتق رقبة مؤمنة لتقوم بمثل ما تقوم   به  تلك النفس الحرّة التي قُتلت لأن الأحكام المتعلقة بالحرّ تختلف عن الأحكام المتعلقة بالعبد فقال هنا : (فَتَحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ)ثم انتقل إلى  بيان الدية(وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهلِهِ} يعني إلى ورثته إلى ورثته وهذا يدل على ماذا ؟ من أن  كلمة  الأهل تطلق على الورثة كما هنا وتطلق على الأصحاب كما قال عز وجل : {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهلِها} يعني إلى أصحابها وإلى ملاّكها  وتطلق على الزوجة( فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله يعني بزوجته وتطلق على النفس {ذلِكَ لِمَن لَم يَكُن أَهلُهُ حاضِرِي المَسجِدِ} تطلق على نفس الإنسان وتطلق على أتباع الإنسان {قالوا تَقاسَموا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهلَهُ} قال هنا 

(وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهلِهِ إِلّا أَن يَصَّدَّقوا)

(إِلّا أَن يَصَّدَّقوا) دل هذا على ماذا ؟ على أن الإعفاء إعفاء القاتل قتل الخطأ من الدية يعتبر صدقة   يعتبر صدقة من الورثة وتكون صدقةً لهم ومن ثم فإنهم يؤجرون على ذلك فإذاً بعض الناس إذا أبرأ القاتل الذي قتل خطأ لأحد أقربائه يظن أنه ليس له أجر وهذا ليس بصحيح فله أجر وبعض الناس يظن أنه إذا أخذ الدية يظن  أنه قد باع دم قريبه وهذا هو الذي قد يخطر في البال وهذا ليس بصحيح فالدية حق للورثة فالدية حق للورثة فلو أخذها فلا بأس بذلك ولا جناح عليه ولا إثم عليه وإذا صبر واحتسب على فراق هذا القريب له فإنه يؤجر لكن إن أراد المرتبة العليا فإنه يعفو عنه ، فالعفو عن القاتل خطأ بحيث يسقط عنه الدية تكون صدقة لأنها دين في ذمته وقد مر معنا قوله عز وجل في حق كل مدين (وَإِن كانَ ذو عُسرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقوا خَيرٌ لَكُم) 
ومن الصدقة كما مر معنا  هناك من أنه يعفو عن الدين أو عن شيء من دينه

(وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهلِهِ إِلّا أَن يَصَّدَّقوا)
 وهي مائةٌ من الإبل هذا هو الذي جاء في الأحاديث وتقوم على حسب  ما يكون من الدراهم  في كل زمن فتلك المائة من الإبل ينظر إلى سعرها في كل زمن  ومن ثم فإنه في سنوات سابقه كانت الدية مائة ألف ريال ثم الآن لما زاد سعر الإبل    وصل إلى ثلاث مائة ألف ريال وهكذا تختلف مع أنها قبل ثلاثين أو أربعين سنة كانت تصل إلى ستين أو خمسين ألف ريال ويشمل هذا الحكم الذكر والأنثى بمعنى أن من قتل أي نفس من قتل أي نفس مؤمنة عن طريق الخطأ سواء كان ذكر أو أنثى أو كان جنيناً فإنه في مثل هذه الحال عليه ماذا عتق رقبة أما الدية فإن كان ذكرًا فإن عليه مائة من الإبل وإن كانت أنثى بِغض النظر عن صغر السن من الكِبر فإن كانت أُنثى فإن لها نصف دية الرجل فإن لها نصف دية الرجل (وديةٌ مُسلمةً إلى أهله إلا أن يصدقوا) قال هُنا إلا أن يصدقوا أيضاً من حصل له جراح جرحهُ إنسان أو اعتدى عليه  على أحدٍ من أعضائِه فإنه و الحالة هذهِ إذا عفى المجروح فإن الأجر يكون لهُ أيضاً كما قال عز وجل (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ) وقد جاء حديثٌ يُبين ذلك عن النبي ﷺ وهذه الآية سيأتي لها مزيد  حديث هل الصدقة هُنا بحيث تكون الكفارة للجارح أو المجروح سيأتي حديثٌ عنها بإذن الله تعالى (إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) يعني إذا كان من قوم  بيننا وبينهم عداوة وهم كفار فقُتل من بينهم مؤمن إما أن يكون في صفِهم بأن يُحضر للقتال من غير ما يريد أو قُتل وهو بينهم يُظن أنهٌ كافر فتبين أنهٌ مؤمن أو كما قال بعض العلماء لأن الآية عامة كما لو أن الإنسان المؤمن كان بين أهل الإسلام يعيشُ بينهم لكن لا يرثه إلا قوم كُفار بيننا وبينهم عداوة وحرب فهُنا لا يُلزم بماذا بالدية وإنما عليه تحرير رقبة مؤمنة لِما الدية لا تلزم لأن تِلك الدية ستعود إلى من ستعود إلى هؤلاء الأعداء فيستعينون بها على حرب المُسلمين وإن كان من قوم بينكم هؤلاء قوم أيضاً هم كفار هم كفار لكن بيننا وبينهم عهد إما عهد ذمة أو عهد استئمان أو ما شابه ذلك وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مُسلمةٌ إلى أهلهِ وتحرير رقبة مؤمنة أيضاً تُسلم لهم الدية باعتبار أنهم لن يقاتلونا لأن بيننا وبينهم هذا الميثاق وقال هُنا (وَإِن كانَ مِن قَومٍ بَينَكُم وَبَينَهُم ميثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهلِهِ وَتَحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ)

 قال هُنا (فديةٌ مُسلمةٌ إلى أهلِه) ولم يذكر الصدقة كالسابق لما لأن هؤلاء لو عفوا فليس لهم فليس لهم أجر باعتبار أن الصدقة لا تُقبل إلاّ من أهل الإسلام قال تعالى(وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) الآية فمن لم يجد فمن لم يجد لم يجد ماذا لم يجد عِتق الرقبة وليُعلم أن الدية ليست في قتل خطأ على القاتل وإنما هي على العاقِلة على عاقِلتهِ يعني على عصبتهِ فالعاقلة تتحمل ذلك وتجزئ عليهم ثلاث سنوات ومن ثم فإن هذه  العاقلة يلزمها لزوماً شرعياً أن تقوم بهذا الواجب إن  كانت غنية إن  كانت غنية فإن كانت فقيرة فإن  الأمر يرجع فيه إلى بيت مال المسلمين لكن هنا  نتحدث عن ماذا نتحدث عن العاقلة  فالعاقلة يلزمها أن تدفع الدية وليس هذا تبرعاً منها  أو إحساناً بل هو  واجب  متعين عليها ومن ثم فإننا نرى أن بعضاً من الناس يقوم فيسأل الناس  من أجل أن يتحصل على  دية قتل الخطأ إن كانت عاقلته غنية فإنها تكون اثمه و ليس هذا من باب الإحسان بل من باب الوجوب على هذه العاقلة فقال هنا فمن لم يجد المقصود من ذلك ماذا عتق الرقبة  لأنه متعلق  بالكفارة بعضهم قال فمن لم يجد يشمل الدية ويشمل الكفارة وهذا ليس بصحيح وإنما الصحيح فمن لم يجد عتق الرقبة لأن الدية  حق لمن حقُ لأولياء المقتول (فَمَن لَم يَجِد فَصِيامُ) فعليه صيام (شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ) بمعنى أنه لو قطع هذين  شهرين من غير عذر فإنه عليه أن  يستأنف من جديد.

  لو صام مثلاً خمسة وخمسين يوماً ثم بعد ذلك أفطر لغير عذر  يلزمهُ أن يُعيد مرة أخرى ومن ثم فإن هذه الشهرين   تكون بالشهور الهلالية إذا كانت هناك رؤية  يرصُدها الإنسان لكن في مثل هذا الزمن الناس لا يترقبون الهلال إلاّ في  رمضان أو في شهر ذي الحجة ومن ثم فإنه لو صام لا يعتمد على هذه التقاويم باعتبار نقصان الشهر لما؟ لأن  هذين الشهرين مبنيان على الرؤية على الرؤية (صوموا لرؤيته وأفطِروا لرؤيته)كما ثبت عنه صلى الله عليه وآله سلم ومن ثم فإن عليه أن يصوم ستين يوماً بمعنى أنه يصومُ كل شهر ثلاثين يوماً إبراءً لذمتهِ إلا إن كان سيخرج عند كل نهاية شهر وينظر إلى الهلال وما شابه ذلك فهذا شيء آخر (فَمَن لَم يَجِد فَصِيامُ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ) لكن لو قطعه لعذر مثلاً امرأه حاضت فإنه في مثل هذه الحال فإنها تكون صائمة بعد طهرها فإذا طهرت فإنها تصوم مباشرة وعليها تلك الأيام  التي أفطرتها في حيضها لكن لو تأخرت يوماً بعد الطهر وأفطرت فإنها تستأنف وكذلك الشأن على القول الصحيح خلافاً لمن منع ذلك لو أن الإنسان مرض مرضاً لا يستطيع الصوم فقطع هذا التتابع أو أنه سافر لحاجته لا أنه سافر من أجل أن يُفطر لا ، لأنه لو فعل ذلك كان تحايلاً وعليه أن يستأنف فإذا سافر أو مرض مرضاً لا يستطيع أن يصوم فإنه إذا  أفطر  يُكمل بعد ذلك وعليه قضاء ما أفطره متتابعا {فَمَن لَم يَجِد فَصِيامُ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ) هل يجزئ الإطعام إطعام ستين مسكينا الآية لم تنص على ذلك لم تنص على ذلك وبعض أهل العلم يقول : إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصوم لم يستطع الصوم لأن بعضهم قد يكون به مرض مرضاً لا يرجى  برؤه  لا يستطيع  فمثل هذا هل عليه الإطعام أم لا؟ قيل : عليه الإطعام ، لكن الإطعام لم يذكر في الآية لأن الآية جاءت في سياق التهديد فلم يُذكر الإطعام والصحيح الاقتصار على ما جاء في الآية لأن الآية فصلت ولو كان الإطعام مجزئاً إذا  لم يستطع الصوم هنا لذكره الله عز وجل فدل هذا على أن من لم يجد الرقبة أو وجدها ولم يجد ثمنها ولم يستطع الصوم فإن الكفارة تسقط عنه حتى يجد أو حتى يكون صحيحاً فيصوم .
{فَمَن لَم يَجِد فَصِيامُ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ تَوبَةً مِنَ اللَّهِ} شرع ما مضى توبة منه عز وجل على عباده  إذ يسّر لهم هذا الأمر وذلك لماذا ؟ لأن قتل النفس إنما هو أمرُ عظيم وشاقُ على ماذا ؟ على أهل الميت فالله عز وجل ذكر هذه الأحكام فهي توبة تخفيفاً عليهم وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن من توبة الله عز وجل أن يخفف على عباده بهذه الأحكام .
{ تَوبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا } فهو العليم العالم بكل شيء الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها المناسبة

 

ومن ذلك علم  حاجتكم إلى هذه الأحكام فشرعها وهو حكيم إذ شرع هذه  الأحكام التي ذكرت في هذه الآية ثم   قال بعد ذلك

( وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فيها)  هذا نوع آخر من أنواع القتل  وهو قتل العمد وهناك قتلُ اختلف فيه والصحيح أن السنة جاءت به وهو قتل شبه العمد قال ﷺ كما ثبت عنه : «أَلاَ إِنَّ دِيَةَ الخطأ شِبْهِ العَمدِ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا أَوْلاَدُهَا في بُطُونِهَا» يعني هي مُغلظة بمعنى أن الأربعين منها تكون حاملة فهذا شِبه العَمدِ ما صورة شِبهُ العَمدِ؟ هو أن يقصُدَ أن يضرب الإنسان لكن بآلة لا تقتل غالباً كما لو أن الإنسان مثلاً ضرب إنسانً مثلاً في غير  مقتل ضربه مثلاً ضرباً خفيفاً مثلاً بِسوط أو بِعصا أو بِما شابه ذلك ثمً مات هذا صارً شبه عمد لأنه لما قصد الضرب كان بهِ شبه كان بهِ شبه من العمد ولما كانت الآلة ليست لما كانت الآلة ليست قاتلة  ليست قاتلة  هنا أصبحت شبيهةً هنا بالخطأ فجُعل بين والديةُ على  العاقلة مثلٌ ماذا مثل قتل الخطأ ولذلِكَ لما  اقتتلت امرأتان كما ثبت لما اقتتلت امرأتان   فرمت امرأه الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنِها فجعلت الدية على عاقلتِها دل هذا على أن الدية على العاقلة في أي نوع من أنواع القتل في قتل خطأ وفي قتل شبه العمد أما قتلٌ العمد فهو النوع الثالث وقد ذكره   عز وجل هنا فقال :

(وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا) في الآية السابقة

( وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً)

هُنا قيدهُ بالعمد ﴿وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظيمًا﴾ إذاً

الجزاء جهنم وغصب من الله ولعنة من الله وأعد له عذاباً عظيماً وهذا يدل على ماذا يدُل على خطورة قتل النفس المحرمة معصومة الدم  هذا يدل على عظم شأنها بل حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما وتبعه غيره من أن  من يقتل عمداً فإنه لا توبة له ولذلك لما قيل له إن قوله تعالى  (إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ  فقالوا  (وَيَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ) فقال إلاّ قتل العمد ما ظنك  برجل يأتي يوم القيامة ورأسه بين يديه  يقول ياربي سل هذا فيما قتلني فجعله ابن عباس رضي الله عنهما ليس من أهل التوبة ليس من أهل التوبة ولذلك لما قيل له إن الله عزوجل قال  وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلّا بِالحَقِّ وَلا يَزنونَ وَمَن يَفعَل ذلِكَ يَلقَ أَثامًا﴾ ذكر بعدها

(إِلّا مَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا) فقال  تلك الآية  يعني التي في سورة الفرقان  هي في حق المشركين من قتل حال الشرك، أما من قتل حال الإيمان، وذاق الإيمان ثم قتل في الإيمان فإنه لا توبة له لكن جماهير العلماء يقولون  إن  لهُ توبة وهناك رواية أيضاً   “عن ابن عباس مما يدل على رجوعه إلى قول عامة المسلمين لما؟ لأن  ابن عباس رضي الله عنهما لما أتاه رجل فقال له أرأيت إن قتل الرجل رجلاً الهو توبة؟ فقال لا   فولى الرجل منصرفاً فقال له أصحابه أصحاب  ابن عباس رضي الله عنهما لما قلت لهُ هذا  وأنت تقول له توبة  قال إني رأيت الشر في عينيه  فرأيت أنه سيقتل فقلت له هذا القول”  فدل هذا على ماذا  ؟ على من قتل النفس عمداً    فقد أتى بجرمٍ عظيم فظيع ويكفيه ما ذكر في هذه الآية  لكن له توبة على الصحيح وما ورد من حديث” من قتل نفساً متعمداً فقد كفر بالله”   فهو حديث ضعيف وما ورد من حديث وهو  ثابت “كل ذنبٍ  عسى الله أن يغفره إلاّ من أشرك بالله أو قتل النفس ” فيقال إن الرجاء لا يتحقق في هذين الأمرين بمعنى أن   الله عزوجل  لا يغفر  لمن أشرك  و قتل لكن من قتل  وهو مؤمن فإنه يكون تحت الرجاء بدليل  قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ ) ولقوله عزوجل  في آية الفرقان ( إِلّا مَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَناتٍ)

ومن ثمّ فإن  قوله تعالى إذا قيل لماذا هذا العذاب الشديد قلنا لعظم حرمة دم المسلم  لكن ما توضيح  الآية أكثر ( وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ) قال فَجَزاؤُه يعني إن جُوزي فجزاؤه  لكن يعفو الله عز وجل عنه برحمته عز وجل فإن شاء رحمه ابتداءً ، وإن شاء  عذبه بقدر  ذنبه، ثم  يكون المراد إلى الجنة هل ذكرت كفارة لقتل العمد؟ الجواب عن هذا لم يذكر الله عز وجل ذلك وذلك   لفظاعة ماذا؟ لفظاعة هذا  القتل فإن مثل هذا الذنب العظيم لا يكفر إلا  بالتوبة  ومن ثم فإنه على  الصحيح  لا كفارة عليه لكن لو قيل لأن هناك قول  يقول بهذا القول من أن عليه كفارة لأن  ذنبه أعظم  لكن الكفارة لكن الكفارة  لمن أذنب خطأ  لكن  مثل هذا الأمر وهو قتل  العمد فإنه لعظم الذنب لا كفارة له ومن ثم فلو قيل إن  الصحابة رضي الله عنهم  قد قال بعضهم  للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن  صاحباً لنا قد أوجب يعني  قتل نفساً متعمداً فقال  أعتقوا عنه رقبة  يعتق الله عنه بكل عضوٍ منه عضواً من النار وفي رواية فليعتق هذا الحديث به ضعف  بدليل أنه قال اعتقوا  و قال في اللفظ الآخر موجهاً الخطاب له فليعتق فدل هذا على أن في الحديث ضعفاً  ومن ثم  فإنه لا كفارة  على قتل العمد  لو قتل الإنسان شخص عمداً  نسأل  الله السلامة والعافية. 

(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا ضَرَبتُم في سَبيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنوا) هنا ذكر  هذه الآية لما؟ لأن بعض الصحابة  رضي الله عنهم مروا على رجل  ومعه غنم فلما رآهم ألقى عليهم السلام، ألقى عليهم السلام فظنوا أنه ما ألقى السلام  عليهم إلا من أجل أن يحمي نفسه  فقتلوه، وأخذوا الغنم فأنزل الله

عز وجل هذه الآية  (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا) بمعنى أن الأمر  المتعلق بالقتل أمرٌ عظيم  ومع ذلك (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا   إِذا ضَرَبتُم) يعني إذا سافرتم (يأَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا   إِذا ضَرَبتُم  في سَبيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنوا)بمعنى إذا ضربتم سافرتم في سبيل الله فتبينوا فتثبتوا من الأمر، و تبينوا ولذلك  لو قال قائل أليس  التثبت والتبيين حتى في الحضر لكن لماذا قال ضربتم في سبيل الله باعتبار أن الحادثة  وقعت في السفر والتثبت مطلوب في حضرٍ وفي سفر .

  (يأَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا   إِذا ضَرَبتُم  في سَبيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنوا)

 (وَلا تَقولوا لِمَن أَلقى إِلَيكُمُ السَّلامَ لَستَ مُؤمِنًا تَبتَغونَ  )   أي تطلبون عَرَضَ  الحَياةِ الدُّنيا، وهي تلك  البهائم التي معه وعرض الحياة الدنيا سمي عرضاً  باعتبار أنه  يعرض ثم يزول  لأنه غير ثابت فقال عزوجل

( تَبتَغونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنيا فَعِندَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثيرَةٌ) مغانم كثيرة لكم  في الدنيا ولكم الثواب  والنعيم  والخير في الآخرة.

(فَعِندَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثيرَةٌ كَذلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ) (مِن قَبلُ)  بمعنى أنكم تستتِرون وتستخفون وتقولون هذا القول  وهو السلام من باب ماذا من باب  أنكم تبينون  أنكم على الإسلام  وذلك لأنهم كانوا في أول الإسلام كانوا  مستضعفين  ولذا ماذا قال تعالى (وَاذكُروا إِذ أَنتُم قَليلٌ مُستَضعَفونَ فِي الأَرضِ)  ولذا ماذا قال  (كَذلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ)  وقيل (كَذلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ) كفار من قبلُ  فَمَنَّ  الله عليكم ولذا قال  (كَذلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ) ولا تعارض بين القولين كذلك

  (كَذلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيكُم)  فَمَنَّ الله عليكم منّ الله عليكم  بالإيمان دل هذا على أن  الإيمان منة من الله خلافاً  لقول القدرية الذين يقولون  إن الإيمان منة من الله على الخلق لكن الإنسان بنفسه آمن بنفسه وفسق وكفر بنفسه  ولاشك  أنه ضلال مبين  لأنه لما قال (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيكُم)

دل على أن المنة  بالهداية هي  من الله لمن شاء الله عز وجل أن يهديه (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيكُم فَتَبَيَّنوا) كرر الأمر بالتبيين لخطورة هذا الآمر ( إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعمَلونَ خَبيرًا)  ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للمقداد لما قتل ذلك الرجل قال كذلك كنت في مكة تخفي إيمانك فكيف تقدم على قتله وقد جاء حديثٌ عند ابن ماجه حسّنه البوصيري والألباني رحمهم  الله من أن هذه الآية نزلت في رجلٍ قتل وهو مؤمن قتل رجلاً  كافراً قد قال  بأني مسلم لكن كانت بينهم وبينه شحناء في الجاهلية فقتله  بعد أن قال أنا مسلم  فدفن فلما دفن  إذا بالأرض قد  طرحته وأظهرته فظن أن هذا من صنع البشر فدفن مرة أخرى فأظهر ونبذته وطرحته الأرض فقال  صلى الله عليه وآله وسلّم إن الأرض لتضم من هو أفجر من هذا ولكن الله عز وجل أراد أن يريكم حرمة لا إله إلا الله  دل على أن الإنسان متى ما قال لا إله إلا الله فإنه قد دخل في الإسلام ثم إن قوله لمن ألقى إليكم السلام من أن الإنسان يأخذ ماذا  بالظاهر أما السرائر فعلمها  عند الله عز وجل  ولذا ما هو ختام الآية؟ ( إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعمَلونَ خَبيرًا) (بِما تَعمَلونَ خَبيرًا) أنتم وغيركم يعلم عزوجل ما يتعلق بكم خبير  ببواطن الأمور وخبير ببواطن  ما في القلوب ومن ذلك قول من يقول أنا مسلم أو ألقى السلام عليكم فإن من قال أنا مسلم أو ألقى السلام أو قال لا إله إلا الله هذا يدل على ماذا يدل على أنه قد أظهر الإيمان والإسلام أما بواطنه فعلمها عند الله عزوجل.